نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 15 مارس سنة 1977م.
برئاسة السيد المستشار / بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل وعمر حافظ شريف ومحمد بهجت محمود عتيبة نواب رئيس المحكمة وعلى أحمد كامل ، وأبو بكر محمد عطيه الوكيلين بالمحكمة والمستشار محمد فهمى حسن عشرى. أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ المفوض
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى طلب التفسير المقيد بجدول المحكمة العليا برقم 3 لسنة 8 قضائية عليا " تفسير ".
" الوقائع"
طلب وزير العدل – بكتابه المؤرخ فى 6 من مارس سنة 1977- بناء على طلب نائب وزير الداخلية إصدار قرار تفسيرى لنص المادة 94 من الدستور لبيان ما إذا كان هذا النص يحول بين عضو مجلس الشعب الذى أسقطت عنه العضوية طبقا للمادة 96 من الدستور وبين ترشيح نفسه لعضوية المجلس فى المكان الذى خلا بإسقاط العضوية عنه فى ذات الفصل التشريعى الذى تم اسقاط عضويته فيه.
وجاء بهذا الطلب وبالمذكرة المرافقة له أن نص المادة المذكور أثار خلافا فى الرأى حول تطبيقه فى حالة خلو مكان أحد أعضاء مجلس الشعب قبل انتهاء مدته باسقاط عضويته طبقا للمادة 96 من الدستور.
فذهب رأى إلى أنه لا يجوز للعضو الذى أسقطت عنه العضوية أن يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب فى المكان الذى خلا باسقاط العضوية عنه.
وذهب رأى آخر إلى أن نص المادة 94 من الدستور لا يحول بين العضو الذى أسقطت عنه العضوية وبين ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب فى المكان الذى خلا باسقاط عضويته متى توافرت شروط العضوية وفقا للقانون.
وحسما للخلاف فى تفسير نص دستورى له أهميته، وعملا بأحكام الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم (8) لسنة 1969 التى تنص على أن تختص المحكمة العليا بتفسير النصوص القانونية التى تستدعى ذلك بسبب طبيعتها وأهميتها ضمانا لوحدة التطبيق القضائى، تقدم وزير العدل بطلب تفسير النص المذكور وأرفق بالطلب – تطبيقا لنص المادة 14 من القانون رقم 66 لسنة 1970 بشأن الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا- مذكرة شارحة للأسانيد والمبررات التى تستدعى التفسير، وحافظة مستندات.
وقيد الطلب برقم 3 لسنة 8 ق عليا "تفسير" وأودعت هيئة المفوضين تقريراً مسببا بالرأى القانونى إنتهت فيه إلى عدم جواز ترشيح العضو الذى أسقطت عنه العضوية بقرار من مجلس الشعب فى ذات الفصل التشريعى.
وحدد لنظر الطلب جلسة 15 من مارس سنة 1977 حيث نظر على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إرجاء النطق بالقرار إلى آخر الجلسة.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطلب استوفى الأوضاع المقررة قانوناً
ومن حيث إن المادة 94 من الدستور تنص على أنه " إذا خلا مكان أحد الأعضاء قبل انتهاء مدته انتخب أو عين خلف له خلال ستين يوما من تاريخ ابلاغ المجلس بخلو المكان.
وتكون مدة العضو الجديد هى المدة المكملة لعضوية سلفه"
ومن حيث إن الخلاف فى تفسير هذا النص يثور فى شأن أثر قرار مجلس الشعب باسقاط العضوية عن أحد أعضائه لاخلاله بواجباته فى حق الترشيح مرة أخرى لعضوية المجلس – هل يترتب عليه حرمان العضو من هذا الحق أم أن ذلك القرار غير ذى أثر فى حق الترشيح فيجوز للعضو أن يرشح نفسه مرة أخرى لهذا الانتخاب.
ومن حيث إنه لتحديد هذا الأثر يتعين استظهار التكييف القانونى للقرار الصادر من مجلس الشعب باسقاط العضوية عن أحد أعضائه لاخلاله بواجباته وتحديد آثاره المباشرة وغير المباشرة ومدى حجيته فى خصوص حق العضو فى الترشيح لعضوية المجلس مرة أخرى.
ومن حيث إن المادة 96 من الدستور تنص على أنه " لا يجوز اسقاط عضوية أحد أعضاء المجلس إلا إذا فقد الثقة والاعتبار أو فقد أحد شروط العضوية أو صفة العامل أو الفلاح التى انتخب على اساسها، أو أخل بواجبات عضويته...." ويبين من هذا النص أنه يتضمن نوعين من أسباب اسقاط العضوية، النوع الأول يتعلق بفقد شروط العضوية، والنوع الثانى فينتظم فقد الثقة والاعتبار فى عضو المجلس ، والاخلال بواجبات العضوية.
وقد رتب الدستور اسقاط العضوية على هذه الأسباب جميعاً إلا أن طبيعة الأسباب الأولى التى تتصل بفقد شروط العضوية تقتضى أن يكون هذا الإسقاط منوطا بسببه وجودا وعدما بحيث إذا استوفى العضو الشرط الذى تخلف فيه والذى سقطت عضويته بسببه جاز له الترشيح لعضوية المجلس مرة أخرى ولو فى ذات الفصل التشريعى الذى أسقطت عضويته فيه، أما النوع الثانى من الأسباب التى تتعلق بفقد الثقة والاعتبار أو الإخلال بواجبات العضوية فإن قرار إسقاط العضوية المبنى عليها يعتبر جزاء مسلكيا ينال من صلاحية العضو للترشيح فى الفصل التشريعى الذى أسقطت العضوية فيه ذلك أن النيابة عن الشعب قوامها الثقة والاعتبار والإلتزام فى تأدية الوظيفة النيابية بما تفرضه لائحة المجلس من سلوك وواجبات، فإن فقد النائب هذا أو أخل بذاك حق عليه الجزاء بقرار يصدر من المجلس بأغلبية خاصة هى ثلثا أعضائه- بوصفه سلطة دستورية يخولها الدستور أن تقرر بأسم الشعب- اقصاء كل من يخرج عن الدستور أو النظام عن عضويته طوال فترة قيام هذا المجلس. ولهذا القرار حجية تظل قائمة طيلة مدة الفصل التشريعى الذى حددته المادة 92 من الدستور بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع لمجلس الشعب أو طيله المدة الباقية من هذه السنوات الخمس، ومقتضى هذه الحجية أن يحال بين العضو الذى أسقطت عنه العضوية مسلكيا وبين الترشيح من جديد لعضوية المجلس فى ذات الفصل التشريعى الذى أسقطت فيه العضوية سواء فى الدائرة التى خلت بإسقاط عضويته أو فى أى دائرة أخرى، والقول بغير ذلك ينطوى على إهدار لتلك الحجية ومن شأنه تمكين هذا العضو من العودة إلى المجلس رغم ما ارتآه عالقا به من أمور مسلكية وهو عبث يتنزه عنه الشارع.
ولاينال من ذلك ما قد يقال من أن الدستور والقانون لا يتضمن أيهما نصا صريحا يمنع هذا الترشيح وأن هذا المنع يعد جزاء ثابتا يوقع على من أسقطت عنه العضوية، ذلك أن النص الصريح تغنى عنه دلالة الإشارة فضلا عن أن هذا المنع أثر حتمى لقرار اسقاط العضوية وبدونه يكون هذا القرار لغوا- وغنى عن البيان أن أثر الجزاء لا يعد جزاء ثانيا وإلا كانت الآثار الجنائية المترتبة على الحكم الجنائى الصادر بعقوبة أصلية جزاء ثانيا على الجريمة، كما لا ينال مما تقدم ما قد يقال من أن حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب حق أصيل كفلته المادة 62 من الدستور لكل مواطن تتوافر فيه شروط الترشيح ذلك أن حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب – شأنه فى ذلك شأن سائر الحقوق العامة لا يقوم لمجرد توافر شروطه بل يجب لقيامه – كذلك – أن ترتفع موانعه ولا ريب فى أن اسقاط العضوية لفقد العضو الثقة والاعتبار أو للإخلال بواجبات العضوية يعد مانعا من موانع الترشيح لعضوية مجلس الشعب فى ذات الفصل التشريعى الذى أسقطت العضوية فيه، يؤيد هذا النظر:
أولا : أنه لا وجه لما قد يقال أن اسقاط العضوية لا يحول دون احتكام العضو – الذى أسقطت عنه العضوية – إلى الناخبين مرة أخرى، ذلك أن قرار اسقاط العضوية يصدر من مجلس الشعب بوصفه ممثلا لمجموع الشعب ومن ثم فلايجوز – بعد صدور هذا القرار – أن يعاد ترشيح العضو فى إحدى الدوائر الانتخابية وإلا كان فى ذلك تغليب لإرادة بعض الناخبين على ما ارتأه مجموع الشعب ممثلا فى نوابه فى حدود سلطتهم الدستورية.
ثانياًَ : أن الاختصاص بالفصل فى صحة عضوية أعضاء المجالس النيابية وإسقاط عضويتهم هو اختصاص قضائى يستهدف الفصل فى منازعة مما يدخل فى ولاية القضاء ولهذا عهدت به بعض دساتير الدول المتقدمة إلى جهات قضائية عليا وقد نهج هذا النهج دستور سنة 1930 إذ وكل هذا الاختصاص إلى أعلى جهة قضائية فى ذلك الوقت وهى محكمة الاستئناف منعقدة بهيئة محكمة نقض، كما أخذ مشروع دستور سنة 1953 بهذا الرأى إذ أسند هذا الاختصاص إلى المحكمة الدستورية العليا.
وإذ كانت دساتير أخرى ومنها دستورنا القائم قد ناطت هذا الاختصاص بالمجالس النيابية فمرده إلى رغبتها فى تحقيق استقلالها بالبت فى شئون أعضائها على أن ذلك لا ينال من الطبيعة القضائية لهذا الاختصاص وعلى مقتضى ذلك يكون لقرار إسقاط العضوية عن عضو الهيئة النيابية صفة قضائية وما يترتب عليها من حجية فيما قضى به وذلك سواء صدر القرار من جهة قضاء أو من المجلس النيابى متى خوله الدستور هذا الاختصاص.
ثالثاً : أن أول نص ورد فى الدساتير المصرية السابقة بشأن إسقاط العضوية فى المجالس النيابية كان البند الخامس والخمسين من نظامنا مجلس شورى النواب الصادر فى 22 من أكتوبر سنة 1866 وكان ينص على أنه" فى مدة العضوية إذا حصل من أحد الأعضاء ما يمنع لياقة وجوده عضوا بمجلس شورى النواب مما هو واضح فى ( بند 2 وبند 3 و 5 ) من اللائحة الأساسية سقط حقه فى العضوية ويتعين بدله كما هو فى بند 13 من اللائحة الأساسية" . وقد جرت على هذا النسق نصوص المواد 49 من القانون النظامى المصرى الصادر فى أول مايو سنة 1883، و 7 من القانون النظامى رقم 29 الصادر فى أول يوليه سنة 1913 و 113 من دستور 1923 و 103 من دستور سنة 1930 و 70 من دستور سنة 1956 و 52 من دستور سنة 1964 ثم المادة 96 من الدستور القائم.
وقد رددت هذه النصوص عبارة " البدل" و " الخلف " و " السلف " و "العضو الجديد" مما يفيد المغايرة بين العضو الذى أسقطت عنه العضوية وبين من يحل محله إذ لن يكون العضو الذى أسقطت عنه العضوية " بدلا " أو خلفا " لنفسه كما لا يكون " عضوا جديداً "
رابعاً : أن الرأى كان قد اتجه – فى لجنة دستور سنة 1971 – عند مناقشة مشروع المادة 96 من ذلك الدستور إلى تضمينه نصاً يقضى بأن اسقاط العضوية عن عضو مجلس الشعب لا يحول دون ترشيحه من جديد فى ذات الفصل التشريعى، وقد وافقت اللجنة على هذا الاقتراح، غير أنه عدل عنه فى المراحل الأخيرة لوضع هذا الدستور مما يدل على أن الأمر لم يكن غائبا عن أذهان واضعيه وعلى أنهم رغبوا عنه وأقروا المادة 96 بصيغتها الحالية.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم جميعه أن إسقاط العضوية عن عضو مجلس الشعب لفقد الثقة والاعتبار أو للإخلال بواجبات العضوية – تطبيقا للمادة 96 من الدستور- يترتب عليه حرمانه من الترشيح لعضوية المجلس خلال الفصل التشريعى الذى أسقطت عضويته فيه، أما إسقاط العضوية المبنى على فقد شروط العضوية أو فقد صفة العامل أو الفلاح التى أنتخب العضو على اساسها فلا يحول دون ترشيحه مرة أخرى ولو فى الفصل التشريعى ذاته متى توافرت هذه الصفة أو تلك الشروط.
" فلهذه الأسباب "

وبعد الإطلاع على المادتين 94 و 96 من الدستور
قررت المحكمة

" أن إسقاط العضوية عن عضو مجلس الشعب لفقد الثقة والاعتبار أو للإخلال بواجبات العضوية – تطبيقا للمادة 96 من الدستور يترتب عليه حرمانه من الترشيح لعضوية المجلس خلال الفصل التشريعى الذى أسقطت عضويته فيه، أما إسقاط العضوية المبنى على فقد شروط العضوية أو فقد صفة العامل أو الفلاح التى أنتخب العضو على اساسها فلا يحول دون ترشيحه مرة أخرى ولو فى الفصل التشريعى ذاته متى توافرت هذه الصفة أو تلك الشروط " .