نص الحكم
------------------
باسم الشعب

المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة أول أبريل سنة 1978م.
برئاسة السيد المستشار / بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : عمر حافظ شريف وعلى أحمد كامل وأبو بكر محمد عطيه نواب رئيس المحكمة وطه أحمد أبو الخير ومحمد فهمى عشرى الوكيلين بالمحكمة والمستشار كمال سلامه عبد الله أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ المفوض
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 5 لسنة 7 قضائية عليا" دستورية ".
" الوقائع"
أقام المدعى الدعوى رقم 749 لسنة 27 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، وقال شرحا لها أنه بتاريخ 7 من سبتمبر سنة 1965 صدر قرار رئيس الجمهورية باعتقاله دون سبب يعلمه ودون أن يقدم للتحقيق أو المحاكمة، وذلك إستناداً إلى القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة، وأنه ظل معتقلا حتى 22 من نوفمبر سنة 1967، وكان قبل اعتقاله قد تعاقد مع .... للعمل كمستشار فنى للأعمال الهندسية بليبيا وذلك نظير راتب شهرى مقداره 300 جنيه ليبى ابتداء من أول يونيه سنة 1965 وهذا العقد ثابت التاريخ رسميا قبل الاعتقال، ولما كان العقد المذكور يسمح للمدعى بإبرام عقود أخرى مماثلة كمستشار فنى، فإنه كان قد أبرم عقدا آخر مع شركة .... بالكويت ليعمل مديرا هندسيا لها مقابل 200 دينار كويتى وذلك لمدة سنتين قابلتين للتجديد وهذا العقد أيضا ثابت التاريخ رسميا قبل الاعتقال، وطلب الحكم بالزام رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بصفتهما بأن يدفعا له مبلغ 26500 جنيها مصريا مجموع مرتباته مدة الاعتقال بموجب هذين العقدين محولا بالعملة المصرية، وأثناء تداول الدعوى بالجلسات دفع المدعى أمام محكمة القضاء الإدارى بعدم دستورية المادتين الأولى والرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 على أساس أن هذا القانون نص على عدم جواز الطعن على قرارات رئيس الجمهورية التى تصدر وفقا لأحكامه بأى وجه من الوجوه أمام أية جهة كانت وهو بذلك يهدر النصوص الدستورية الواردة فى جميع دساتير الثورة والخاصة بحق المقبوض عليه فى الدفاع عن نفسه وإجراء تحقيق معه، كما أنه انشأ عقوبة شاذة مخالفة لجميع الدساتير وهى عقوبة الاعتقال مدى الحياة دون أى حق فى الدفاع والتحقيق.
وبجلسة 11 من يناير سنة 1976 قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف الفصل فى الدعوى حتى تفصل المحكمة العليا فى الدفع المثار بعدم دستورية القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة، وحددت المحكمة للمدعى ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة العليا، فأقام هذه الدعوى بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة فى 23 من مارس سنة 1976 طالبا الحكم بعدم دستورية المادتين الأولى والرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وذلك للأسباب التى تضمنتها عريضة الدعوى، وقد ردت إدارة قضايا الحكومة على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة واحتياطيا برفضها مع إلزام المدعى بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسببا بالرأى القانونى فى الدعوى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلا وبرفض الدفوع المقدمة بعدم اختصاص المحكمة وبعدم قبول الدعوى وفى الموضوع بعدم دستورية المادتين الأولى والرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن التدابير الخاصة بأمن الدولة، وقد حدد لنظر الدعوى جلسة 4 من يونيه سنة 1977 وتداولت بالجلسات ثم أرجئ إصدار الحكم فيها لجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
من حيث أن الدعوى قد استوفت الأوضاع المقررة قانوناً
ومن حيث أن المدعى يستند فى طعنه بعدم دستورية المادتين الأولى والرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة إلى سببين :
أولهما – أن المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 تجيز لرئيس الجمهورية اعتقال أى شخص دون أن توجه إليه أى تهمة لمجرد أنه سبق اعتقاله أو طبقت فى شأنه أحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 أو أحكام القوانين الاشتراكية أو فرضت على أمواله الحراسة وفقا لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 أو صدرت ضده أحكام من محاكم أمن الدولة، وليس له أن يتظلم من اعتقاله، وقد يظل معتقلا طوال حياته دون أن يكون له حق الدفاع عن نفسه أو التحقيق معه، ولا ريب أن تخويل رئيس الجمهورية هذا الحق يخالف جميع دساتير الثورة التى نصت على حقوق الأفراد فى الدفاع عن أنفسهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة.
والسبب الثانى : أن المادة الرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 إذ نصت على عدم جواز الطعن فى قرارات رئيس الجمهورية التى تصدر وفقا لأحكام هذا القانون بأى وجه من الوجوه وأمام أية جهة كانت تكون قد خالفت نص المادة 68 فقرة أخيرة من الدستور التى تنص على أنه " يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء" .
ومن حيث أن الحكومة دفعت الدعوى بأوجه الدفاع الآتية:
أولا : عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وذلك للأسباب الآتية:
1 – أن دستور سنة 1964 قد أسبغ حصانة على النظام التشريعى السابق بأكمله فنص فى المادة 166 منه على أن " كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذا، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة فى هذا الدستور وهذه الحصانة سبق أن قررتها المادة 190 من دستور سنة 1956 كما قضت بها المادة 191 من دستور سنة 1971، ولذلك فإن أحكام القوانين السابقة على دستور سنة 1964 تبقى قائمة ومنتجة لآثارها ومتمتعة بالحصانة التى أضفاها عليها هذا الدستور وذلك رغم أى تعارض قد يقع بينها وبين قواعده إلى أن تقوم السلطة التشريعية بإزالة هذا التعارض فى حدود السلطة المرسومة لها.
2 – أن ولاية المحكمة العليا لا تتناول القانون المطعون فيه لأنه تشريع من تشريعات الطوارئ صدر لمواجهة ظروف استثنائية ما زالت قائمة ومستمرة بقيام حالة الحرب مع إسرائيل وقد استهدف توفير الاطمئنان الاجتماعى واستقرار المراكز القانونية أثناء قيام حالة الطوارئ، ومؤدى ذلك أن يظل هذا القانون نافذا وبمنأى عن رقابة القضاء إلى أن تنتهى حالة الطوارئ القائمة والتى صدر القانون المطعون فيه فى ظلها.
3 – أن هذا القانون هو من الأعمال السياسية التى تستهدف تأمين سلامة الدولة ونظامها القانونى، وبذلك يكون منع سماع الدعوى فى النطاق الذى حدده من قبيل التدابير الأساسية العامة اللازمة لحماية مصالح أساسية عليا، وهى بهذا الوصف تعتبر من قبيل أعمال السيادة التى تنحسر عنها رقابة القضاء، ومن ثم يخرج القانون المطعون فيه من نطاق الرقابة الدستورية المقررة للمحكمة العليا.
4 – أن القانون المطعون فيه، إذ استهدف الحيلولة بين الرجعية وبين القضاء على مكاسب الشعب التى حققتها القوانين الاشتراكية التى صدرت قبل حركة الانفصال وبعدها، يعتبر بهذا الوصف من الملاءمات المتروكة للمشرع ولا تمتد إليها رقابة المحكمة العليا وليس لها أن تناقش ضرورة إصدار التشريع أو بواعثه.
ثانيا: عدم قبول الدعوى لإنعدام مصلحة المدعى، ذلك أنه لم تعد له مصلحة فى الطعن فى القانون رقم 119 لسنة 1964 بعد أن صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 59 لسنة 1968 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 119 لسنة 1964 والذى نص فى المادة الأولى منه على أنه " يستبدل بنص المادتين الأولى والرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 النصان الآتيان" ، ثم نص فى المادة الثانية منه على أنه " يجوز لرئيس الجمهورية عند قيام حالة تنذر بتهديد سلامة النظام السياسى أو الاجتماعى للبلاد أن يأمر بالقبض على أى شخص من الفئات الآتى ذكرها واعتقاله متى توافرت – عند صدور هذا الأمر – أسباب جدية تنبئ بخطورته:
(أ‌)الذين كانوا معتقلين أو كانت إقامتهم محددة فى 26 يوليه سنة 1961 أو اعتقلوا أو حددت إقامتهم من هذا التاريخ حتى تاريخ العمل بذلك القانون.
(ب‌)الذين طبقت عليهم قواعد تحديد الملكية الواردة فى قوانين الإصلاح الزراعى.
(ج‌)الذين سبق الحكم عليهم فى احدى الجنايات الماسة بأمن الدولة الخارجى أو الداخلى أو من سبق الحكم عليهم فى احدى محاكم الثورة أو المحاكم أو المجالس العسكرية.
ويجب أن يبين فى كل أمر بالاعتقال الأسباب التى بنى عليها.
ويكون للشخص المعتقل أن يتظلم من أمر الاعتقال إذا انقضت ستون يوما من تاريخ صدوره دون أن يفرج عنه، ويكون التظلم بطلب يقدم دون رسوم إلى محكمة أمن الدولة العليا التى تشكل وفقا لأحكام المادة الثانية من هذا القانون، وتفصل المحكمة فى التظلم على وجه السرعة ولا يكون قرار المحكمة بالافراج نافذا إلا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية. ويجوز لمن رفض تظلمه أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضت ستون يوما من تاريخ رفض التظلم".
ولما كان المدعى قد اعتقل سنة 1965 وأفرج عنه سنة 1967 فلم يعد له أى مصلحة فى الطعن فى القانون رقم 119 سنة 1964 فضلا عن أنه لم يعد ثمة داع للطعن فى المادتين الأولى والرابعة من هذا القانون بعد تعديلهما بالقانون رقم 59 لسنة 1968 ولم يعد لهما أى أثر.
ثالثاً : رفض الدعوى موضوعا لأنها قائمة على غير أساس سليم من القانون، ذلك أن القانون رقم 119 لسنة 1964 صدر وفقا لأحكام الدستور نصا وروحا.
وحيث أن المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة تنص على أنه " يجوز بقرار من رئيس الجمهورية القبض على الأشخاص الآتى ذكرهم وحجزهم فى مكان أمين:
1 – الذين سبق اعتقالهم فى الفترة من 23 يوليه سنة 1952 إلى 26 مارس سنة 1964.
2 – الذين طبق فى شأنهم أحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 المشار إليه والذين استثنوا من أحكامه.
3 – الذين طبقت فى شأنهم أحكام القوانين الاشتراكية.
4 – الذين فرضت على أموالهم وممتلكاتهم الحراسة وفقا لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليه.
5 – الذين صدرت ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة الجزئية أو العليا" . وتنص المادة الرابعة على أنه لايجوز الطعن بأى وجه من الوجوه أمام أية جهة كانت فى قرارات رئيس الجمهورية الصادرة وفقا لأحكام هذا القانون.
أولا : عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى
من حيث أن مبنى هذا الدفع – فى شقه الأول – أن المادة 166 من دستور سنة 1964 قضت باستمرار نفاذ التشريعات السابقة على صدوره حتى تلغيها أو تعدلها السلطة التشريعية، ومن ثم فإن المحكمة لا تختص بالنظر فى موضوع دستورية التشريعات السابقة على صدور هذا الدستور ومنها القانون رقم 119 لسنة 1964 المطعون فيه.
ومن حيث أن هذا القول مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن نص المادة 166 من دستور سنة 1964 على أن " كل ما قررته القوانين والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذا، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة فى هذا الدستور" وكذلك نص المادة 191 من دستور سنة 1971 على أن هذه التشريعات تبقى نافذة كلاهما لا يعنى سوى مجرد استمرار نفاذ تلك القوانين والأوامر واللوائح دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم دستوريتها، شأنها فى ذلك شأن التشريعات التى تصدر فى ظل الدستور القائم فليس معقولا أن تكون التشريعات التى صدرت قبل صدور الدستور بمنأى عن الرقابة التى تخضع لها التشريعات التى تصدر فى ظل الدستور وفى ظل نظمه وأصوله المستحدثة مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب.
أما ما ذهبت إليه الحكومة من أن ولاية المحكمة العليا لا تتناول القانون المطعون فيه لأنه تشريع من تشريعات الطوارئ، فمرود بأنه يجب التفرقة فى هذا الصدد بين فرضين:
الفرض الأول : أن يكون قصد الحكومة أن هذا القانون صدر أبان اعلان حالة الطوارئ، ومن ثم فإنه يعتبر- وقد أشير فى ديباجته إلى قانون الطوارئ- من القوانين المكملة لهذا القانون، ومؤدى هذا أن يظل نافذا طوال قيام حالة الطوارئ ويسقط فى مجال التنفيذ بإنتهائها، وهذا ما يخالف الواقع ذلك أن القانون عمل به من تاريخ نشره فى 24 من مارس سنة 1964 وهو ذات اليوم الذى صدر فيه قرار رئيس الجمهورية رقم 1216 سنة 1964 بانهاء حالة الطوارئ وإن كان هذا القرار الأخير لم يعمل به إلا من تاريخ نشره فى 2 من أبريل سنة 1964، وقد ظل القانون رقم 119 لسنة 1964 معمولا به بعد انهاء حالة الطوارئ وعدل بمقتضى القانون رقم 39 لسنة 1966 قبل أن يعاد اعلان حالة الطوارئ بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 1337 لسنة 1967، الذى عمل به اعتبارا من 5 يونيه سنة 1967 وفى ظل العمل بأحكام هذا القانون اعتقل المدعى فى سنة 1965، ولو كان من القوانين المكملة لقانون الطوارئ وسقط فى مجال التنفيذ بانهاء حالة الطوارئ، لما جاز اعتقال المدعى إستنادا إلى أحكامه.
والفرض الثانى: أن يكون قصد الحكومة أن القانون المطعون فيه يعتبر بالنظر إلى ظروف إصداره وطبيعة الأحكام التى تضمنها من تشريعات الطوارئ، وفى هذه الحالة لا يكون هناك ثمة محل للدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، لأن اعتبار القانون المطعون فيه من تشريعات الطوارئ بهذا المفهوم لايجعله بمنأى عن رقابة الدستورية لأنه نظم أمورا وضع لها الدستور ضوابط يجب التحقق من التزامها.
أما القول بأن إصدار القانون المطعون فيه يعتبر من قيبل أعمال السيادة التى تنحسر عنها رقابة القضاء فليس له أى سند من القانون، لأن الأمور التى يتناولها هذا القانون بالتنظيم لا تعتبر – أيا كان المعيار الذى يتخذ أساسا للحكم عليها – من أعمال السيادة فى شئ.
كما لا يمكن القول بأن اصدار القانون المطعون فيه هو من الملاءمات المتروكة للمشرع توصلا للقول بعدم اختصاص المحكمة بالنظر فى مدى دستوريته، لأنه ولئن كانت المحكمة لا تختص وهى بصدد مزاولة الرقابة القضائية على دستورية القوانين- بالنظر فى ملاءمة إصدار التشريع من عدمه- إلا أنها تختص ببيان مدى مطابقة أحكامه للدستور دون تعرض لملاءمة إصداره.
ومن حيث أنه تأسيسا على ما تقدم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فى غير محله وليس له سند من القانون خليقا بالرفض.
ثانيا : عن الدفع بعدم قبول الدعوى لإنعدام المصلحة
ومبنى هذا الدفع أن المدعى لم تعد له مصلحة فى الطعن فى المادتين الأولى والرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 بعد أن صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 59 لسنة 1968 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 119 لسنة 1964 فى شأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة والذى قضى بإلغاء المادتين الأولى والرابعة المطعون فيهما واستبدل بهما مادتين أخريتين، ومن ثم فلم يعد للمادتين المطعون فيهما أى أثر والحكم بعدم الدستورية يجب أن ينصب على تشريع قائم لا على تشريع ملغى.
والدفع بعدم قبول الدعوى على هذا النحو الذى أبدى به مردود بما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أن الغاء النص المطعون فيه لا يحول دون النظر والفصل فى الطعن بعدم دستوريته ذلك لأن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع القانونية التى تتم فى ظلها أى خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت قاعدة قانونية وحلت محلها قاعدة قانونية جديدة فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القانونية القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين ومن ثم فإن المراكز القانونية التى نشأت وترتبت آثارها فى ظل أى من القانونين القديم أوالجديد تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره فى ظل القانون القديم يظل خاضعاً له وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره فى ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده، ونظرا لأن المدعى قد اعتقل فى ظل القانون رقم 119 لسنة 1964 المطعون فيه ثم أفرج عنه فى 22 من نوفمبر سنة 1967 أى قبل تعديل هذا القانون بمقتضى القانون رقم 59 لسنة 1968 لذلك فإنه يكون ذا مصلحة مباشرة فى الطعن بعدم دستورية التشريع الملغى، ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لإلغاء التشريع فيه لا يستند إلى سند صحيح من القانون.
ثالثاً : عن الموضوع

من حيث أن المدعى ينعى على المادة الرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 أنها إذ نصت على أنه " لا يجوز الطعن بأى وجه من الوجوه أمام أية جهة كانت فى قرارات رئيس الجمهورية الصادرة وفقا لأحكام هذا القانون" تكون قد أهدرت النصوص الدستورية التى تكفل حق التقاضى وتحظر النص فى القوانين واللوائح على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء.
ومن حيث أن المادة الرابعة سالفة الذكر قد ألغيت بمقتضى القانون رقم 59 لسنة 1968 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 119 لسنة 1964، وأصبح من حق أى معتقل طبقا لأحكام هذا القانون التظلم من أمر اعتقاله أمام محكمة أمن الدولة العليا، ومن ثم فإنه اعتبارا من تاريخ نفاذ القانون رقم 59 لسنة 1968 فى 11 من نوفمبر سنة 1968 يعتبر حظر التقاضى الذى كان منصوصاً عليه فى المادة الرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 قبل تعديلها قد سقط بإلغاء النص الذى كان يقرره، ولم يعد ثمة مانع يحول دون المدعى والإلتجاء إلى القضاء للتظلم من قرار اعتقاله كما أنه لم يعد ثمة مانع يحول دون محكمة القضاء الإدارى والمضى فى نظر الدعوى المطروحة عليها بعد أن ألغى القانون رقم 119 لسنة 1964 برمته بمقتضى المادة السابعة من القانون رقم 37 لسنة 1972 بتعديل بعض النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين فى القوانين القائمة، وعاد للمدعى حقه فى الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التى لحقته من جراء صدور قرار رئيس الجمهورية سالف الذكر باعتقاله وعلى مقتضى ذلك يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب الحكم بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 لانتفاء مصلحة المدعى بالنسبة إلى هذا الشطر من الدعوى.
ومن حيث أن المدعى ينعى على المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 أنها خالفت ما نصت عليه جميع دساتير الثورة من كفالة الحرية الشخصية للأفراد وحقهم فى الدفاع عن أنفسهم وفى محاكمتهم محاكمة عادلة، حين أجازت لرئيس الجمهورية اعتقال أى شخص دون أن توجه إليه أى تهمة ودون أن يكون له حق فى التظلم من قرار اعتقاله أو الدفاع عن نفسه لمجرد أنه سبق اعتقاله أو طبقت فى شأنه أحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 أو أحكام القوانين الاشتراكية أو فرضت على أمواله الحراسة وفقا لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 أو صدرت ضده أحكام من محاكم أمن الدولة، وقد يظل معتقلا على هذه الصورة طوال حياته.

ومن حيث أن الطعن ينصب على المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 قبل تعديلها بالقانون رقم 59 لسنة 1968، وقد بدأ سريان هذه المادة فى 24 من مارس سنة 1964 تاريخ العمل بالقانون رقم 119 سنة 1964 وانتهى فى 7 من نوفمبر سنة 1968 تاريخ نفاذ القانون رقم 59 لسنة 1968 الذى استبدل بالمادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالف الذكر نصا جديداً على نحو ما تقدم ذكره أى أن فترة سريان هذه المادة تقع خلال العمل بأحكام دستور سنة 1958 ودستور سنة 1964 الذى بدأ سريانه اعتبارا من 25 من مارس سنة 1964 واستمر سريانه إلى أن حل محله دستور سنة 1971 الذى عمل به اعتبارا من 11 من سبتمبر سنة 1971.
ومن حيث أنه ولئن كان الأصل أن حماية المحكمة العليا للدستور تنصرف إلى الدستور القائم إلا أنه لما كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعى، وقد عدل نص المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 ( النص المطعون فيه) بمقتضى القانون رقم 59 لسنة 1968 اعتبارا من 7 من نوفمبر سنة 1968 أى قبل نفاذ دستور سنة 1971 بعدة سنوات، ومن ثم فإنه لا يمكن الاحتكام إلى أحكامه بالنسبة إلى الطعن بعدم الدستورية، وإنما يتعين الاحتكام إلى دستور سنة 1958 الذى صدر القانون المطعون فيه فى ظله وإلى دستور سنة 1964 الذى عمل به اعتبارا من اليوم التالى لتاريخ نفاذ القانون رقم 119 لسنة 1964 وظل معمولا به طوال فترة سريان المادة الأولى من القانون سالف الذكر( النص المطعون فيه) إلى أن عدلت فى 7 من نوفمبر سنة 1968 بمقتضى القانون رقم 59 لسنة 1968.
ومن حيث أنه يبين من الرجوع إلى دستور سنة 1958 أن المادة العاشرة منه كانت تنص على أن " الحريات العامة مكفولة فى حدود القانون" كما يبين من الرجوع إلى أحكام دستور سنة 1964 أن المادة 27 منه كانت تنص على أنه "لايجوز القبض على أحد أو حبسه إلا وفق أحكام القانون" كما كانت المادة 28 تنص على أن " حق الدفاع أصالة أو بالوكالة يكفله القانون".
ومن حيث أن هذه المواد تكفل الحرية الشخصية للأفراد كما تكفل حقهم فى الدفاع عن أنفسهم باعتبارهما أصلين عامين، وتحيل إلى القانون فى بيان حدودهما. وبدهى أن هذه الحدود تستهدف تنظيم هذين الحقين. لا إلغائهما بحيث لا يبقى منهما شئ، وظاهر أن المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 قبل تعديلها بمقتضى القانون رقم 59 لسنة 1968 كانت تذهب بأصل هذين الحقين: حق الأفراد فى الحرية الشخصية وفى الدفاع عن أنفسهم، حين خولت رئيس الجمهورية حق اعتقال أى شخص دون أن توجه إليه أى تهمة ودون أن يكون له حق التظلم من قرار اعتقاله أو الدفاع عن نفسه لمجرد أنه سبق اعتقاله أو طبقت فى شأنه أحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 أو أحكام القوانين الاشتراكية أو فرضت على أمواله الحراسة وفقاً لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 أو صدرت ضده أحكام من محاكم أمن الدولة، وقد يظل معتقلا على هذه الصورة طوال حياته، وقد أدرك الشارع فى سنة 1968 مدى ما ينطوى عليه النص المطعون فيه من عصف بالحرية الشخصية للأفراد وبحقهم فى الدفاع عن أنفسهم، فأستبدل بهذا النص نصا آخر أورد بعض القيود على الحق المطلق الذى كان يخوله النص المطعون فيه لرئيس الجمهورية فى شأن الاعتقال، فقد قيد هذا الحق بأن تكون ممارسته عند قيام حالة تنذر بتهديد سلامة النظام السياسى أو الاجتماعى للبلاد، وأن تتوافر عند صدور أمر الاعتقال أسباب جدية تنبئ بخطورة من سيصدر القرار باعتقالهم كما نص على وجوب بيان الأسباب التى بنى عليها أمر الاعتقال وقرر حق المعتقل فى التظلم من أمر اعتقاله الذى كان محروما منه بمقتضى المادة الرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 قبل تعديله فى سنة 1968، أما فى ظل العمل بأحكام دستور سنة 1971 فقد أصبح القانون رقم 119 لسنة 1964 حتى بعد تعديله بمقتضى القانون رقم 59 لسنة 1968 لا يتفق وأحكام الدستور الجديد، ولذلك ألغاه الشارع برمته بمقتضى القانون رقم 37 لسنة 1972 بشأن ضمان حريات المواطنين وذلك ضمن قوانين أخرى مماثلة، وقد جاء فى المذكرة الايضاحية لهذا القانون " أنه كان من المتعين – تأمينا لحريات المواطنين – أن يعاد النظر فى قانون تدابير أمن الدولة رقم 119 لسنة 1964 الذى يعتبر قانونا دائما لا يرتبط بالظروف الاستثنائية ومع ذلك فهو يتضمن أحكاما ذات طبيعة استثنائية فهو يجيز لرئيس الجمهورية سلطة القبض على أى شخص أو اعتقاله اذا كان من بين فئات ممن سبق اعتقالهم أو طبقت عليهم قوانين تحديد الملكية أو سبق الحكم عليهم فى جنايات أمن الدولة أو من محاكم الثورة أو المحاكم والمجالس العسكرية وهو يجعل للنيابة العامة سلطة واسعة فى التحقيق لا تتقيد فيها بأهم الضمانات الأساسية التى نص عليها قانون الإجراءات الجنائية... وواضح من استعراض أحكام هذا القانون أنه يخالف جملة وتفصيلا أحكام الدستور الجديد الذى يكفل للمواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى والذى ينص على أن الحرية الشخصية حق طبيعى وأنها مصونة لا تمس ولا يجيز فى غير حالة التلبس القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة" .
ومن حيث أنه يخلص مما تقدم أن الدعوى فى شقها الخاص بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة قائمة على أساس سليم.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة: أولا : برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، ثانيا : بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب الحكم بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن التدابير الخاصة بأمن الدولة. ثالثا: بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالف الذكر قبل تعديله بالقانون رقم 59 لسنة 1968، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيه مقابل أتعاب المحاماة .