نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة أول أبريل سنة 1978م.
برئاسة السيد المستشار / بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين:عمر حافظ شريف وعلى أحمد كامل وأبو بكر محمد عطيه نوابرئيس المحكمة
وطه أحمد أبو الخير ومحمد فهمى حسن عشرى الوكيلين بالمحكمة
والمستشار كمال سلامه عبد الله أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ المفوض
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 11 لسنة 7 قضائية عليا"دستورية ".
الوقائع
بتاريخ 4 من فبراير سنة 1976 أصدر المدعى العام العسكرى قراراً فى الدعوى رقم 81 لسنة 1976 جنايات عسكرية شرق القاهرة بإتهام المدعى بأنه فى يومى 4 ، 5 من يناير 1976 بجهة حدائق القبة بمصر الجديدة عرض مبلغ عشرين جنيهاً ووعداً بعمولة كبيرة لا تقل عن ستة آلاف جنيه عن كل عملية يتم التعاقد عليها، على موظف عمومى هو الملازم أول احتياط محمد نبوى سعد الدين طه الخشاب من إدارة الإحتياجات بالقوات المسلحة، على سبيل الرشوة، للإخلال بواجبات وظيفته، بأن يقوم بتسليمه كشوف الأصناف بإحتياجات الإدارات بالقوات المسلحة التى يقوم بحكم وظيفته بارسالها إلى الملحقين الحربيين، ليقوم بتصويرها وإعادتها إليه، ولم تقبل الرشوة منه، وطلبت النيابة العسكرية تطبيق المواد 109 مكرر/1 ، 110 ، 111 من قانون العقوبات، فى شأن واقعة الإدعاء، وأخذ المدعى بالعقوبة المقررة بموجبها، وقد أبدى المدعى أن مواد الاتهام المشار إليها مما جرى تعديله بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 والقرار بقانون رقم 120 لسنة 1962، وهما تشريعان لا يستندان إلى سند دستورى سليم ولذلك دفع أمام المحكمة العسكرية العليا بعدم دستوريتهما، وأمهلته هذه المحكمة حتى 30 من يونيه سنة 1976 ليقيم دعواه بعدم الدستورية أمام المحكمة العليا فأقام الدعوى الماثلة بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة فى 29 من يونيه سنة 1976 ضد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب، طلب فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 والقرار بقانون رقم 120 لسنة 1963 وأهدرهما بكل آثارهما وإلزام المدعى عليهما متضامنين بالمصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة، وذلك للأسباب التى تضمنتها عريضة الدعوى، وقد ردت إدارة قضايا الحكومة على الدعوى بمذكرة طلبت فيها أولا – رفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية المادة 109 مكرر/1 من قانون العقوبات معدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 وعدم قبولها لانتفاء المصلحة بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية القانون رقم 69 سنة 1953، واحتياطيا برفض الطعن، مع إلزام المدعى المصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة، وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى فى الدعوى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلا وبرفضها موضوعاً ومصادرة الكفالة وإلزام المدعى المصروفات، وقد حدد لنظر الدعوى جلسة أول أكتوبر سنة 1977، وتداولت بالجلسات حتى جلسة 7 من يناير سنة 1978، وفيها أرجأت المحكمة إصدار الحكم فيها إلى جلسة اليوم.
"المحكمة"
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
من حيث إن الدعوى قد استوفت الأوضاع المقررة قانوناً
من حيث إن المدعى ينعى على القانون رقم 69 لسنة 1953 أنه لم يعرض على السلطة التشريعية التى شكلت بمقتضى دستور سنة 1956 ولا على أى مجلس من المجالس التشريعية المتعاقبة حتى الآن، ومن ثم فقد سقط ما له من قوة القانون وذهب فى بيان ذلك إلى أن حركة الجيش فى 23 من يوليه سنة 1952 ليست من قبيل الثورات وإنما هى محض انقلاب حقق فيه الجيش انتصاره على الملك وجرده من سلطاته، وأن قيادة الجيش أعلنت فى أول بياناتها التزامها بالدستور وأخضعت جميع تصرفاتها للشرعية الدستورية، الأمر الذى بدا واضحا مما سلكته من إجراءات تخلى الملك عن العرش ونزوله عنه لولى عهده وتشكيل هيئة للوصاية على العرش وإصدار التشريعات باسم الملك القاصر، ومقتضى ما تقدم أنه يمتنع على حركة 23 يوليه سنة 1952 سلب الأمة حرياتها وحقوقها الأساسية ومباشرة أعمال التشريع إلا باسم الملك القاصر وبنيابة وصية وفى الحدود الواردة فى المادة 41 من دستور سنة 1923 التى توجب عرض ما يصدر من التشريعات فى غيبة البرلمان عليه فى أول انعقاد له، فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون، وأن إعلان قيادة حركة الجيش فى 10 من ديسمبر سنة 1952 سقوط دستور سنة 1923 دون الرجوع إلى إستفتاء عام أو غيره لا يتسم بأى شرعية، وهو على أية حال لا يسوغ تفسيره إلا فى ضوء ما أعلن من مبررات وعلى أساس أنه إجراء قصد به تقرير مزيد من الحقوق والحريات للأمة وضمانات حمايتها وسلامة حكمها النيابى من اسباب الوهن والإنحراف، فليس من شأنه الانتقاص من الضمانات المقررة المتمثلة فى وجوب عرض ما يصدر من التشريعات فى غيبة المجلس النيابى عليه عند عودته إلى الإنعقاد، ذلك أنه لئن اقتضت الضرورة أثر قيام حركة الجيش، مباشرة سلطة التشريع فى غياب المجلس النيابى، فقد بقى بعد ذلك أن تعرض التشريعات على المجلس النيابى عند عودته، للنظر فى إقرارها أو إلغائها، كمبدأ من المبادئ الدستورية التى لا غنى عنها بحال من الأحوال، وأنه فى 10 من فبراير سنة 1953 صدر إعلان دستورى تضمن أحكاما يجرى عليها العمل فى فترة الانتقال، وقد أستمرت السلطة بعد صدور هذا الإعلان – فى إصدار التشريعات فى صورة مراسيم بقوانين على غرار ما كان متبعا من قبل منذ 23 من يوليه سنة 1952 ثم تحولت عن وصفها بمراسيم بقوانين إلى تسميتها بقوانين إبتداء من القانون رقم 62 لسنة 1953، وقد صدر القانون المطعون فيه رقم 69 لسنة 1953 بعد ذلك بإلغاء بعض مواد قانون العقوبات وإضافة مواد جديدة إليه، وحقيقة الأمر فى هذا القانون وغيره مما وصف بأنه قانون، أنها فى جوهرها مراسيم بقوانين مما يصدر فى غيبة البرلمان ومما يستوجب العرض عليه عند إنعقاده، ذلك أنه يبقى للأمة دائماً كمصدر للسلطات الحق فى مراجعة تشريعات السلطة التنفيذية لإقرارها أو إلغائها فى أول مناسبة تنعقد فيها سلطتها التشريعية، وإلا سقط ما لهذه التشريعات من قوة القانون.
أما القرار بقانون رقم 120 لسنة 1962 فقد نعى عليه المدعى أنه صدر استنادا إلى أحكام الدستور المؤقت الصادر فى 5 من مارس سنة 1958 والذى تقضى المادة 53 منه بأن " لرئيس الجمهورية أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلا فى اختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة إلى اتخاذه فى غياب المجلس على أن يعرض عليه فور انعقاده، فإذا اعترض المجلس على ما أصدره رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثى أعضائه سقط ما كان له من اثر من تاريخ الاعتراض ، وليس التشريع المطعون فيه من قبيل الضرورات الملحة التى لاتحتمل الانتظار مما كان يستدعى صدوره فى غيبة مجلس الأمة، يضاف إلى هذا أنه لم يعرض على هذا المجلس فور انعقاده بل ولم يعرض على أى من المجالس النيابية حتى الآن الأمر الذى يفقده كل شرعية ويستطرد المدعى قائلا أن رئيس الجمهورية أصدر هذا القانون فى 19 من يوليه سنة 1962 بعد أن كانت صفته هذه قد سقطت عنه منذ 22 من يونيه سنة 1962 بانقضاء فترة الست سنوات التى انتخب لها فى 23 من يونيه سنة 1956 والمعينة بنص دستور سنة 1956 كمدة رئاسة رئيس الجمهورية، هذا على أن رئيس الجمهورية ما كان يملك أصلا إلغاء دستور سنة 1956 وابداله بما يسمى بدستور سنة 1958، ذلك أن دستور سنة 1956 لم يعقد له مثل هذا الاختصاص، وما كان يتأتى أن تتخذ الوحدة بين مصر وسوريا ذريعة إلى إسقاط الدستور وتجديد البيعة لرئيس الجمهورية رئيساً لدولة الوحدة، وإنما كان يتعين أن تتم الوحدة بأن يمهد لها كل قطر بوسائله الدستورية المقررة وفى إطار دستوره المعمول به.
أما الدستور المؤقت فقد صدر من فراغ بغير الأساليب المقررة فى وضع الدساتير بما يفقده كل قيمة قانونية.
وأختتم المدعى دعواه قائلا أن التشريعيين المطعون فيهما لم يوقعا من رئيس الجمهورية.
ومن حيث إن الحكومة دفعت الدعوى بالأوجه الآتية :
أولاً : عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية القانون رقم 69 لسنة 1953 وبالنسبة إلى نصوص القانون رقم 120 لسنة 1962 فيما عدا نص المادة السادسة منه التى قضت بتعديل المادة 109 مكرر /1 من قانون العقوبات، لإنتفاء المصلحة، ذلك أن القاعدة فى قانون العقوبات أن العقاب عن الجرائم إنما يتم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها، ولما كان الفعل المنسوب إلى المدعى ارتكابه وقع يومى 4 ، 5 من يناير سنة 1976 فإن النص القانونى الذى يحكمه هو نص المادة 109 مكرر /1 من قانون العقوبات معدلا بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الصادر فى 19 من يوليه سنة 1962، ولذلك فإن مصلحة المدعى فى دعواه الماثلة تقتصر على الطعن فى المادة السادسة من القانون رقم 120 لسنة 1962 التى عدلت بمقتضاها المادة 109 مكرر/1 من قانون العقوبات دون غيرها من نصوص القانون المشار إليه أو أى نصوص أخرى مما ورد بالقانون رقم 69 لسنة 1953 الذى ينأى عن المجال الزمنى للواقعة.
ثانياً : عدم اختصاص المحكمة بالنظر فيما أثاره المدعى بشأن عدم شرعية الاعلان الدستورى الصادر فى 10 من ديسمبر 1952 والإعلان الدستورى الصادر فى 10 من فبراير سنة 1953، وفيما أثاره بشأن عدم شرعية دستور سنة 1958 وإجراءات إصداره، ذلك أن ولاية المحكمة رهينة بالطعون المتعلقة بدستورية القوانين دون شرعية الدساتير ذاتها.
ثالثاً : رفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية المادة 109مكرر/1 من قانون العقوبات معدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 والقرار بقانون رقم 120 لسنة 1962، ذلك أن الطعن بعدم دستورية التشريعين المشار إليهما، وقوامه أنهما إذ صدرا فى غيبه المجالس النيابية – كان يجب أن يعرضا على هذه المجالس عند إنعقادها لإقرارهما ولكنهما لم يعرضا فسقط مالهما من قوة القانون، هذا الطعن مردود بأن الإعلان الدستورى الصادر فى 10 من فبراير سنة 1953 والذى صدر القانون رقم 69 لسنة 1953 فى ظله، ناط بمجلس الوزراء ممارسة السلطة التشريعية باعتبارها صاحبة اختصاص أصيل فى هذا الشأن فلم يكن هناك ما يستوجب عرض القوانين التى يصدرها مجلس الوزراء أثناء سريان الاعلان الدستورى سالف الذكر على أى مجلس نيابى ينعقد وفقاً لأحكام دستور يصدر فيما بعد، أما القانون رقم 120 لسنة 1962 الذى صدر بالإستناد إلى المادة 53 من دستور سنة 1958 التى أجازت لرئيس الجمهورية أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلا فى اختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة التى إتخاذه فى غياب المجلس وعلى أن يعرض عليه فور إنعقاده فإذا ما اعترض المجلس على ما يصدره رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثى أعضائه سقط ما له من أثر من تاريخ الاعتراض، فإن عدم عرضه على مجلس الأمة لا يبطله أو يزيل ما له من الأثر لأن المادة 53 سالفة الذكر لم ترتب أى جزاء على عدم عرض التشريعات التى يصدرها رئيس الجمهورية فى غياب مجلس الأمة على هذا المجلس عند إنعقاده.
عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
من حيث إنه عن الدفع المقدم من الحكومة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية القانون رقم 69 لسنة 1953 وبالنسبة إلى نصوص القانون رقم 120 لسنة 1962 فيما عدا نص المادة السادسة منه التى قضت بتعديل المادة 109 مكرر/1 من قانون العقوبات، فإنه ولئن كان المدعى قد ضمن دعواه طلبا بالحكم بعدم دستورية القانون رقم 69 لسنة 1953 والقرار بقانون رقم 120 لسنة 1962، إلا أنه يبين من صحيفة الدعوى أن المدعى إنما قدم إلى المحكمة العسكرية العليا فى الدعوى رقم 81 لسنة 1976 جنايات عسكرية شرق القاهرة لأنه فى غضون يومى 4 ، 5 من يناير سنة 1976 عرض مبلغ عشرين جنيها ووعداً بعمولة كبيرة لاتقل عن ستة آلاف جنيه عن كل عملية يتم التعاقد عليها، على موظف عمومى، على سبيل الرشوة، للإخلال بواجبات وظيفة، وقد طلبت النيابة العسكرية تطبيق المواد 109 مكرر/1 و110 و111 من قانون العقوبات على واقعة الإدعاء، فهذه المواد هى التى ينشد المدعى فى حقيقة الأمر الحكم بعدم دستوريتها.
ومن حيث إن المادة 109 مكرر/1 من قانون العقوبات المتضمنة عقوبة الراشى المعمول بها وقت ارتكاب الواقعة، هى المادة 109 مكرر/1 على النحو الذى صدرت به طبقا للقانون رقم 120 لسنة 1962، ومن ثم فإن دعوى المدعى فى هذا الشأن تنصب فى حقيقتها على المادة السادسة من القانون المشار إليه التى استبدلت بنص المادة 109مكرر /1 من قانون العقوبات النص المطعون فيه، دون غيرها من المواد الأخرى التى تضمنها القانون رقم 120 لسنة 1962، ومن ثم فإن مصلحة المدعى فى هذا الشأن- والمصلحة هى مناط الدعوى – تنصب على المادة السادسة من القانون رقم 120 لسنة 1962 دون ما عداها من نصوصه الأخرى.
من حيث إن المادة 110 من قانون العقوبات والتى تقضى بمصادرة ما يدفعه الراشى على سبيل الرشوة والمادة 111 من قانون العقوبات فى بيان من يعد فى حكم الموظفين العموميين فى مجال تطبيق أحكام الرشوة، واللتين وردتا ضمن مواد الاتهام التى قدم بمقتضاها المدعى إلى المحاكمة العسكرية، هما المادتان المعمول بهما وقت ارتكاب الواقعة أى على نحو ما جرى به تعديلهما بالقانون رقم 69 لسنة 1953، ومن ثم فإن دعوى المدعى فى هذا الشأن تنصب فى حقيقتها على المادة الأولى من القانون رقم 69 لسنة 1953 فيما تضمنته من إلغاء المادتين 110 و 111 من قانون العقوبات والاستعاضة عنهما بنصين جديدين دون ما عدا ذلك من الأحكام الأخرى التى صدر بها القانون رقم 69 لسنة 1953 المشار إليه.
ومن حيث إنه وقد تحددت مصلحة المدعى فى دعواه طعنا على القانونين 69 لسنة 1953 و 120 لسنة 1962 المشار إليهما، فى المادة السادسة من القانون رقم 120 لسنة 1962، التى استبدلت بنص المادة 109 مكرر/1 من قانون العقوبات نصا جديدا، والمادة الأولى من القانون رقم 69 لسنة 1953 فيما تضمنته من إلغاء المادتين 110 ، 111 من قانون العقوبات والاستعاضة عنهما بنصين جديدين، دون ما عدا ذلك من القواعد والأحكام المنصوص عليها بهذين القانونين، فإن دعواه فى هذا الإطار وحده تكون مقبولة.
عن الطعن بعدم شرعية الإعلانين الدستوريين الصادرين فى 10 من ديسمبر سنة 1952 و 10 من فبراير سنة 1953 والدستور المؤقت الصادر فى 5 من مارس سنة 1958.
ومن حيث إنه عن الطعن بعدم شرعية الإعلانين الدستوريين الصادرين فى 10 من ديسمبر سنة 1952 و 10 من فبراير سنة 1953 والدستور المؤقت الصادر فى 5 من مارس سنة 1958، فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن إثارة المطاعن حول إجراءات اصدار الدساتير وما انطوت عليه من أحكام يتناول مسائل سياسية لا يدخل النظر فيها أو التعقيب عليها فى ولاية هذه المحكمة التى يقتصر اختصاصها فى شأن رقابة الدستورية على الفصل فى دستورية القوانين وفقا لما تقضى به المادة الأولى من قانون إنشائها، وعلى مقتضى ما تقدم فإن ما يثيره المدعى من مطاعن فى إجراءات إصدار الإعلانين الدستوريين الصادرين فى 10 من ديسمبر سنة 1952 و 10 من فبراير سنة 1953 والدستور المؤقت الصادر فى 5 من مارس سنة 1958 وما انطوت عليه من أحكام، إنما يعتبر من المسائل السياسية التى يجاوز نظرها والتعقيب عليها اختصاص المحكمة.
عن الموضوع :
ومن حيث إن الطعن بعدم دستورية المادة 109 مكرر /1 من قانون العقوبات معدلة بالقانون رقم 120 سنة 1962 والمادتين 110 ، 111 من قانون العقوبات معدلتين بالقانون رقم 69 سنة 1953، قوامه :
أولاً : أن القانونين سالفى الذكر – وقد صدرا فى غيبة المجالس النيابية – كان يجب أن يعرضا على هذه المجالس عند انعقادها لإ قرارهما ولكنهما لم يعرضا فسقط ما لهما من قوة القانون.
ثانياً : أن القانون رقم 120 لسنة 1962 صدر استناداً إلى المادة 53 من دستور سنة 1958 التى كانت تجيز لرئيس الجمهورية إذا دعت الضرورة إصدار التشريعات فى غيبة مجلس الأمة، وقد أصدر رئيس الجمهورية هذا القانون دون أن تكون هناك ضرورة ملحة لإصداره فى غيبة مجلس الأمة.
ثالثاً : أن القانونين المطعون فيهما لم يوقعا من رئيس الجمهورية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى عدم عرض القانونين المطعون فيهما الصادرين فى غيبة المجالس النيابية – على هذه المجالس عند إنعقادها لاقرارهما، فمن المقرر قانونا وجوب التفرقة فى هذا الصدد بين القرارات بقوانين التى تصدر أثناء قيام الحياة النيابية وتلك التى تصدر أثناء وقفها أو تعطيل العمل بالدستور، فالأولى فقط هى التى تعرض على المجلس النيابى فور انعقاده بحيث يترتب على عدم عرضها أو رفضها الأثر الذى ينص عليه الدستور، أما الثانية فلاتزول قوتها القانونية عند إجتماع المجلس النيابى بعودة الحياة النيابية لمجرد عدم عرضها على هذا المجلس، ذلك أنها تعتبر قوانيناً عادية لا يمكن إلغاؤها إلا بقوانين مثلها، ومن النوع الأخير القانون رقم 69 لسنة 1953 الذى صدر فى ظل الإعلان الدستورى الذى أصدره فى 10 من فبراير سنة 1953 القائد العام للقوات المسلحة وقائد ثورة الجيش التى قامت فى 23 من يوليو سنة 1952 متضمناً المبادئ والأحكام الدستورية التى تنظم حكم البلاد بعد أن أصدر فى 10 من ديسمبر سنة 1952 إعلاناً دستورياً بسقوط دستور سنة 1923 وتأليف لجنة لوضع مشروع دستور جديد يقره الشعب، وقد نص فى المادة التاسعة من الإعلان الدستورى الذى صدر فى 10 من فبراير سنة 1953 على أن يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية، كما نص فى المادة العاشرة على أن يتولى مجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه أعمال السلطة التنفيذية، وهكذا جمعت السلطة التنفيذية ممثلة فى مجلس الوزراء بين وظيفتها الأصلية وبين الوظيفة التشريعية فكانت تتولاها خلال فترة الإنتقال المشار إليها والتى حددها إعلان صدر فى 16 من يناير سنة 1953 بثلاث سنوات.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الاعلان الدستورى الصادر فى 10 من فبراير سنة 1953 إذ خول مجلس الوزراء ولاية التشريع أثناء فترة الانتقال، فإن هذه الولاية تنتقل إليه كى يتولاها كما تتولاها الهيئة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل بممارستها فيكون له كافة سلطاتها وحقوقها فى مجال التشريع، ومقتضى ذلك أن ما يصدر من مجلس الوزراء من تشريعات أثناء هذه الفترة – وقد كان القانون رقم 69 لسنة 1953 أحد هذه التشريعات – يعتبر تشريعا بالمعنى الصحيح فلا موجب لعرضه على المجلس النيابى عند عودة الحياة النيابية، ومن ثم فلا وجه للطعن فيه بعدم الدستورية بسبب عدم عرضه على هذا المجلس.
من حيث إنه بالنسبة إلى القرار بقانون رقم 120 لسنة 1962 فإنه إذ صدر إستنادا إلى المادة 63 من دستور سنة 1958 التى تنص على أن " لرئيس الجمهورية أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلا فى اختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة إلى اتخاذه فى غياب المجلس على أن يعرض عليه فور انعقاده، فإذا اعترض المجلس على ما أصدره رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثى أعضائه سقط ما له من أثر من تاريخ الاعتراض " فإنه يكون صادرا فى ظل نظام دستورى أسند اختصاص التشريع فيه إلى مجلس الأمة، وإن أجاز لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفى حالة غياب مجلس الأمة أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلا فى اختصاص المجلس على أن يعرض عليه فور انعقاده، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت فى شأن هذا النص بأنه يستفاد من نص المادة 53 من دستور 1958 أنه وأن أوجب عرض ما يصدره رئيس الجمهورية من تشريعات تطبيقا له على مجلس الأمة فور انعقاده إلا أنه لم يرتب جزاء على عدم العرض وذلك خلافاً لمسلك الشارع فى سائر الدساتير الأخرى سواء السابقة على هذا الدستور أو اللاحقة ( المادة 41 من دستور سنة 1923 والمادة 41 من دستور سنة 1930 والمادة 135 من دستور سنة 1956 والمادة 119 من دستور سنة 1964 والمادة 147 من دستور سنة 1971) إذ نصت جميعها على أن هذه القرارات بقوانين إذا لم تعرض على المجلس النيابى زال ما كان لها من قوة القانون، وهذه المغايرة فى الحكم بين دستور سنة 1958 وسائر الدساتير الأخرى تدل على أن الشارع فى هذا الدستور قصد ألا يرتب ذلك الأثر على مجرد عدم عرض القرارات بقوانين على مجلس الأمة بل أوجبه فقط فى حالة اعتراض المجلس عليها بالأغلبية التى نص عليها وهى أغلبية ثلثى أعضائه، ومن ثم فإن النعى على القانون رقم 120 لسنة 1962 بعدم الدستورية لمجرد عدم عرضه على مجلس الأمة يكون غير قائم على أساس سليم.
ومن حيث إن ما ذهب إليه المدعى من أن رئيس الجمهورية أصدر القانون رقم 120 لسنة 1962 دون أن تكون هناك ضرورة ملحة لإصداره فى غيبة مجلس الأمة، مردود بأن تقدير قيام الضرورة لا يخضع لمعيار ثابت، وإنما يتغير بتغير الظروف فما يعتبر ضرورة فى وقت من الأوقات قد لا يعتبر كذلك فى وقت آخر، ولما كانت الظروف التى صدر فيها القانون رقم 120 لسنة 1962 – بتشديد عقوبة الراشى والمرتشى – قد اقتضت الإسراع بإصدار هذا التشريع حفاظاً على أمن الدولة الإقتصادى، ومن ثم يكون رئيس الجمهورية إذ أصدر التشريع المشار إليه فى تلك الظروف غير مجاوز حدود سلطته التقديرية فى هذا الصدد.
ومن حيث إن ما ذهب إليه المدعى من أن القانونين المطعون فيهما لم يوقعا من رئيس الجمهورية، مردود بأن القانونين سالفى الذكر نشرا فى الجريدة الرسمية، والنشر دليل على إصدارهما لأنه لا يكون إلا بعد الإصدار، وإصدار القانون يعنى توقيعه من رئيس الجمهورية إذ بغير هذا التوقيع لا يكون القانون قد أصدر، فنشر القانون فى الجريدة الرسمية دليل على إصداره وبحكم اللزوم على توقيعه من رئيس الجمهورية، ومن ثم يتعين عدم الالتفات إلى هذا الوجه من أوجه الطعن.
ومن حيث إنه تأسيسا على ما تقدم تكون الدعوى غير قائمة على أساس سليم من القانون متعينا رفضها.
" فلهذه الأسباب "
حكمت المحكمة برفض الدعوى ومصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .