إسقاط الجنسية عن المتزوجين من إسرائيليات
جريدة الأهرام

إسقاط الجنسية عن المتزوجين من إسرائيليات‏..‏ رؤية مغايرة
بقلم‏:‏ د‏.‏ عماد جاد

في التاسع عشر من مايو الماضي‏,‏ ألزمت محكمة القضاء الإداري وزارة الداخلية بعرض طلب إسقاط الجنسية عن المصريين المتزوجين من إسرائيليات علي مجلس الوزراء‏,‏ الجهة المنوط بها إسقاط الجنسية‏,‏ وجاء في حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري أن احتفاظ المصريين المتزوجين من إسرائيليات‏,‏ بالجنسية المصرية‏,‏ يشكل ضررا بليغا علي الأمن القومي المصري‏,‏ لكون الأبناء المولودين لأم إسرائيلية وأب مصري يكتسبون جنسية مزدوجة‏,‏ مما يسمح لهم بالتجنيد في الجيش الإسرائيلي‏,‏ الذي يسمح لمزدوجي الجنسية بالتجنيد‏,‏ وهو الأمر الذي يضر بالأمن القومي المصري‏.‏

وجاء في منطوق الحكم‏...‏ لذلك لزاما علي جميع السلطات في الدولة العمل علي وأد تلك الظواهر علي وجه يدرأ عن البلاد فسادا محتوما‏,‏ فضلا عن الضرر البليغ بالأمن القومي المصري في أسمي معانيه‏.‏ وقد أثار هذا الحكم جدلا وصخبا في الفضائيات المصرية والعربية‏,‏ وخرج علينا بعض المحامين الذين شاركوا في رفع الدعوي يزفون إلي المصريين نصرا مبينا علي فرقة ضالة من المصريين‏,‏ وبعضهم استخدم مفردات لا علاقة لها بالقانون أو الأخلاق‏,‏ ناهيك عن غياب المعلومات الأولية في القضية محل الحكم والنقاش‏.‏

نشير بداية إلي عدم وجود معلومات وإحصاءات دقيقة عن أعداد المصريين العاملين في إسرائيل‏,‏ أعمارهم‏,‏ مؤهلاتهم العلمية‏,‏ خلفياتهم الثقافية‏,‏ والمهن التي يعملون فيها في إسرائيل حتي نعرف دوافع الهجرة لديهم وكيفية التعامل معهم‏..‏ وأيضا أعداد المتزوجين من إسرائيليات من بينهم‏,‏ وأعداد المتزوجين من إسرائيليات يهوديات ونسبتهم‏,‏ وهي معلومات مهمة للغاية حتي نعرف أبعاد الظاهرة وحدودها وسبل التعامل الموضوعي معهم لا الانفعالي العاطفي‏.‏

أيضا يبدو واضحا أن عددا كبيرا ممن تحدث في فضائيات مصرية وعربية عن الظاهرة‏,‏ تناولها علي نحو عاطفي يتوافق والمزاج العام في مصر الذي يكره إسرائيل‏,‏ وبالتالي طال الفلسطينيين في إسرائيل والمصريين العاملين هناك قدر كبير من هذه الكراهية‏,‏ مع إصدار أحكام عامة لا علاقة لها بالواقع أو بالحد الأدني من المعلومات‏..‏ من ناحية‏,‏ وفي الطريق إلي إثبات مبررات إسقاط الجنسية عن المصريين المتزوجين من إسرائيليات جري وصف عرب إسرائيل بأنهم خونة ومتآمرون‏,‏ وهو وصف يمثل جريمة في حق هذا الجزء من الشعب الفلسطيني‏,‏ فالذي لا يعرفه السادة الذين استخدموا هذه الأوصاف في مداخلاتهم الفضائية‏,‏ أن عرب إسرائيل الآن هم أحفاد الفلسطينيين الذين صمدوا علي أراضيهم عقب قيام إسرائيل في مايو‏1948,‏ قاوموا المجازر الإسرائيلية‏,‏ وتمسكوا بأراضيهم ورفضوا النزوح منها رغم قسوة أدوات العصابات الصهيونية المسلحة في ارتكاب المجازر‏..

‏ صمدوا علي أراضيهم ورفضوا الرحيل‏,‏ وتمسكوا بأرض الآباء والأجداد‏,‏ تحولوا من أغلبية إلي أقلية بفعل موجات الهجرة اليهودية المتتالية‏,‏ وكان عدد من صمد علي الأرض منهم نحو‏160‏ ألفا‏,‏ زادوا بمرور الوقت حتي وصل العدد اليوم إلي مليون و‏461‏ ألف نسمة‏,‏ منهم نحو مليون و‏170‏ ألفا من المسلمين السنة‏,‏ و‏117‏ ألفا من المسيحيين ومثلهم من الدروز‏..‏ ويقطن غالبية عرب‏1948‏ في الشمال‏,‏ وتحديدا في الجليل والمثلث‏.‏ عرب‏1948‏ أو عرب إسرائيل أو فلسطينيو الداخل أو الفلسطينيون داخل الخط الأخضر‏,‏ هي مسميات مختلفة تعبر عن الفلسطينيين الذين صمدوا علي أراضيهم وقاوموا مخططات الترحيل الإسرائيلية‏,‏ وهم أيضا الذين تطالب قوي سياسية يمينية إسرائيلية بطردهم لضمان أن تكون إسرائيل دولة يهودية‏,‏

لهم أحزابهم السياسية الخاصة بهم‏,‏ التجمع الوطني الذي كان يرأسه عزمي بشارة‏,‏ القائمة العربية الموحدة‏(‏ والتي تضم بداخلها الحركة الإسلامية ـ الجناح الجنوبي بقيادة إبراهيم صرصور‏,‏ مع ملاحظة أن الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل بقيادة رائد صلاح تقاطع الانتخابات الإسرائيلية‏,‏ ولا تعترف بها‏)‏ وأيضا الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة‏.‏

والذي ينبغي أن يعرفه الجميع بمن فيهم أنصار الإثارة والتهييج في الفضائيات أن العرب في إسرائيل يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي ولا يجندون في الجيش‏,‏ فقط البدو والدروز يخدمون في الجيش ويحصلون علي مزايا كبيرة من وراء هذه الخدمة‏,‏ وهم أقلية الأقلية‏,‏ أما الغالبية الساحقة منهم مسلمين ومسيحيين فلا يجندون بالجيش‏,‏ ومن هنا اثار وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي‏,‏ زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيجدور ليبرمان‏,‏ قضية الولاء‏,‏ ساعيا إلي عزل ثم طرد عرب إسرائيل أو فلسطينيي الداخل‏.‏ وعودة إلي قضية المصريين المتزوجين من إسرائيليات‏,‏ نجد أن الغالبية الساحقة منهم متزوجون من عرب‏1948,‏ أي من مسلمات ومسيحيات‏,‏ ولا يخدمن في الجيش الإسرائيلي ولا شبابهم‏,

‏ وتنتشر بينهم الأفكار الوطنية الفلسطينية بشكل كبير‏,‏ كما أن التيار العروبي القومي ممثل لديهم‏,‏ وكذلك حال الحركة الإسلامية بشقيها الذي يشارك في الانتخابات‏,‏ والآخر الذي يرفض الاعتراف بالعملية برمتها‏.‏ لكل ذلك‏,‏ أعتقد أن قضية المصريين المتزوجين من إسرائيليات ينبغي أن تعالج بحكمة وهدوء بعيدا عن فنون الإثارة والتهييج التي يجيدها راغبو متعة الشهرة المجانية‏,‏ الذين يرغبون في تحقيق الشهرة علي أجساد وجنسية مجموعة من الشباب المصري الذي ذهب إلي إسرائيل بحثا عن الرزق‏,‏ وتزوج من فلسطينية مسلمة أو مسيحية‏,‏

والآن يقف أمام لحظة فارقة قد يفقد فيها جنسيته المصرية ومعها يصبح بلا جنسية‏.‏ لحل يكمن في تفكيك هذه القضية علي غرار ما جاء في إحدي مواد قانون الجنسية المصري عام‏1967‏ ـ أي في ذروة الحرب ـ بشأن إسقاط الجنسية‏,‏ حيث نصت المادة علي إسقاط الجنسية عن المصريين الذين يتزوجون من إسرائيليات سبق لهن الخدمة في الجيش الإسرائيلي‏,‏ أو يعتنقن الصهيونية كأيديولوجية‏.‏ وأعتقد أن هذا النص الذي تم وضعه عام‏1967‏ يتضمن حلا شاملا لهذه القضية‏,‏ حيث يحصر إسقاط الجنسية عن المصريين المتزوجين من إسرائيليات خدمن في الجيش أو يعتنقن الصهيونية‏,‏ وهو أمر يمكن تطبيقه بسهولة‏,‏ ونجده ينحصر في المتزوجين من يهوديات أو من الدروز والبدو‏,‏ وهي نسبة ضئيلة للغاية‏,‏ وفي هذه الحالة يمكن تطبيق هذا النص

وإسقاط الجنسية عن المصري الذي يتزوج إسرائيلية يهودية تخدم في الجيش أو تعتنق الصهيونية‏,‏ أو بدوية أو درزية تفعل الشيء نفسه‏,‏ ويمكن أن نضيف علي ذلك المتعاونات مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية بأدلة دامغة‏,‏ ويكون معروفا من قبل أن المصري الذي سوف يتزوج من هذه الفئات سوف يفقد جنسيته‏,‏ المصرية إلي غير رجعة‏,‏ أما ما عدا ذلك فلا يجوز حرمان مواطن مصري من جنسيته فهي أبسط حقوقه كإنسان ولا ينبغي أن نترك هذه القضية مطية لراغبي متعة الشهرة المجانية‏.‏