الرياض- أحمد المصري
"عضل النساء".. ظاهرة اجتماعية تعاني منها الكثير من النساء في السعودية على يد آبائهن أو أولياء أمورهن، وهذا العضل يأخذ صورا شتى تشترك كلها في أنها تسلب المرأة حقوقها، وتنتهك إنسانيتها، ومن أبرز هذه الصور رفض الآباء تزويج بناتهم؛ بغرض رغبتهم في الاستيلاء على رواتبهن، أو منع الفتاة من الزواج إلا من ابن العم أو الخال أو أحد الأقارب حتى لا يذهب ميراثها للغريب، وكذلك قد يأتي في صورة منع المرأة المطلقة من العودة لزوجها رغما عنها.
وكشف استبيان أجرته جريدة "عكاظ" السعودية في أغسطس 2005 تأكيد 65% من أفراد العينة التي سحبت من أفراد في المجتمع السعودي على أن هناك عضلا من قبل الأولياء يمارسونه على من لهم حق الوصاية عليهن من النساء، وهو ما يشير إلى أن حجم انتشار الظاهرة ليس بالقليل. "إسلام أون لاين.نت" رصدت جوانب الظاهرة المختلفة، والعوامل المؤدية إليها، وأفضل الأطروحات لخلاص النساء منها.
الطمع في الراتب
داليا -س- مدرسة- تحكي تجربتها في هذا الشأن قائلة: تقدم لخطبتي أكثر من شاب، يشهد لهم الجميع بحسن الخلق، لكن أبي كان يرفض دائما المتقدمين، وكان يضع عيوب الدنيا كلها في كل عريس، وجميعها عيوب لا تمس أخلاقه، وعندما أحاول إبداء رأيي يتهمني بعدم معرفة مصلحتي، ويمر بي العمر وأنا بانتظار من يرضى عليه أبي.
وعن أسباب رفض أبيها للخاطبين تقول داليا: إن راتبي كاملا يحصل عليه والدي، وهو لا يريد أن يفقد هذا الراتب بعد زواجي، لذلك فهو يتهم كل من يتقدم لخطبتي أنه يطمع في هذه الراتب.
أما "حنان" فتسرد قصتها بالقول: تقدم لخطبتي شاب مثقف ومن عائلة طيبة، وعندما تمت الرؤية الشرعية شعرت بارتياح تجاهه، لكن والدي اشترط لإتمام الزواج أن أعطيه راتبي كاملا أول كل شهر، والشباب في هذا الوقت يفضلون العاملة بالأساس ؛ لأن الدخل سيكون أكبر مقارنة بعمل الزوج فقط.
أما " مشاعل-أ " فقد قام عمها -ولي أمرها- برفض زواجها وذلك لسبب وجودها في "الضمان الاجتماعي" لوفاة والدها، خوفا من انقطاع هذا الدخل الذي يحصل عليه من الضمان بسبب حضانته لها.
المرأة لا تختار
وعن مشكلة "العضل" التي تعاني منها المرأة السعودية تقول "بدرية العبد الرحمن" الكاتبة السعودية المهتمة بشئون المرأة في تصريحات لشبكة إسلام أون لاين.نت: إن "العضل" مشكلة اجتماعية تجبر بمقتضاها المرأة السعودية على التمسك بما لا تؤمن به، وتمنع فيها من اختيار ما تريده لاعتبارات كثيرة ومتعددة، وبقراءة قضية "العضل" تاريخيا سنجدها تمتد إلى عصور بعيدة، ترجع إلى ما قبل الإسلام، حيث كانت الثقافة والسلطة الذكورية تحيل المرأة إلى متاع وغرض من أغراض الرجل، يمكنه أن يتصرف بها كما يشاء وفق هذه الثقافة.
وتضيف: إن المشكلة تكمن في أن العضل قضية عاشتها ولا تزال تعيشها أغلب البيوت السعودية، وترزح تحتها ملايين النساء في بلدي، دون أن يكون هناك حل جذري لها، يكمن في إعادة حق المرأة في ولاية نفسها وهو الحق المكفول لها شرعا في كل المذاهب الإسلامية.
وتتابع الكاتبة السعودية: إن أوضاع المرأة السعودية مبرمجة (مجتمعيا وقانونيا وقضائيا) بما يكفل استمرار معاناتها تحت حالة القهر الاجتماعي التي ترزح تحتها الكثيرات، وعلى سبيل المثال الحديث عن العضل الذي يمارس ضد المرأة في منطقة نجد وحائل (المنطقة الوسطى) المعروفة بالتفكير القبلي المتطرف حديث ذو شجون، يبدأ من الخطوط الحمراء التي لا يملك أحد الحديث عنها سواء الرجال أو النساء على صعيد شرعية الممارسات القبلية القاسية التي تحول دون الزواج بمن هم من خارج العائلة، أو خارج الخط -كما يحلو للكثيرين تسميته- مرورا بالتفاصيل الدقيقة التي ترتبط بطريقة تنظيم البيت وطريقة تفكير الوالد ومستوى ثقافته.
وأضافت: تدفع المرأة في السعودية ثمن أخطاء لم ترتكبها، تدفع ثمن تخلّف الوالد وذكوريته في أكثر الأحيان، وثمن طمعه في أموالها، وتدفع ثمن تحرره في أحيان أخرى، وأعرف في هذا المجال قصصا كثيرة منعت فيها البنت من الارتباط بالمتديّن، بسبب سوء نظرة الوالد للتديّن، باختصار المرأة في السعودية لا تختار، لكن يختار لها وليها، وحتى إن اختارت وأرادت أن تحصل على ما اختارته فلا بد لها من توسيط أهل الخير، ومن لهم منزلة عند وليها كي يمنّ عليها بمباركة زواجها بمن اختارت.
وأنهت بدرية العبد الرحمن بالقول: إضافة إلى التداعيات النفسية التي تترتب على العضل الممارس على النساء، فإنه يؤدي إلى ارتفاع نسبة العنوسة، وقد كشف تقرير لوزارة التخطيط السعودية صدر في يوليو 2005 عن ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع السعودي إلى نحو 36%، وبين التقرير أن عدد الفتيات اللاتي لم يتزوجن وتجاوزن سن الزواج اجتماعيا (30 عاما) بلغ حوالي مليون و529 ألفا و418 فتاة.
المعاناة من "التحجير"
كذلك قد يأخذ العضل أشكالا أخرى منها الحجر على الفتاة وعدم تزويجها إلا إلى ابن عمها أو أحد أقاربها حتى وإن انتظرت سنوات طويلة، وهذا ما حدث مع "س. س" التي تقدم إليها أحد الشباب القادر على تكوين نفسه، ويعمل في وظيفة محترمة وذو خلق، ولكن والدها رفض معللا ذلك بأنها لابن عمها.
وأكدت دراسة اجتماعية حديثة للدكتورة "بسمة سليمان" أن ظاهرة الحجر ما تزال بعض القبائل السعودية تعمل بها، حيث تمنع الفتاة من الزواج إلا من ابن العم أو الخال أو أحد الأقارب. وأشارت الدراسة إلى أن هذه العادة السيئة التي تحرم الفتاة من حرية اختيار الزوج أو من إبداء الرأي في الزوج تمخض عنها العديد من الزيجات الفاشلة المنتهية بالطلاق.
وفي تصريحات لشبكة إسلام أون لاين.نت أوضحت د. آمال الودعاني الكاتبة السعودية أن مجلس هيئة كبار العلماء أصدر فتوى بأن التحجير وإجبار المرأة على الزواج بمن لا ترضاه ومنعها من الزواج بمن ترغب به ممن استوفى الشروط المعتبرة شرعا أمر لا يجوز، بل اعتبره من أكبر أنواع الظلم والجور.
وأشارت الودعاني إلى أن سماحة مفتي عام المملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء أكدوا أن من يصر على تحجير الأنثى وقهرها والعمد إلى تزويجها بغير رضاها فإنه عاصٍ لله ورسوله، وتوعدوا من لم ينته عن هذه العادة الجاهلية التي أبطلها الإسلام بعقوبة السجن، بل عدم الإفراج عنه إلا بعد تخليه عن مطلبه المخالف للشريعة الإسلامية، والتعهد بعدم الاعتداء على المرأة أو بمن سيتزوجها، وكفالته من قبل شيخ قبيلته، أو أحد ذوي النفوذ فيها بالالتزام وعدم الاعتداء.
وتتابع: على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرا في آخر خطبة له، وهو القائل : "ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم"، فإننا ما زلنا نرى مثل هذه الظاهرة تنتشر بين الجهلة في بعض المناطق في بلادنا، وهي بمثابة "الوأد" للفتاة، فما الفرق بين وأدها في الجاهلية وهي رضيعة ووأدها بعد بلوغها سن الزواج؟! بل بعد تقلد المرأة للمناصب التي يعوّل عليها المجتمع، وبعد أن خطت في مشوار العلم خطوات واسعة، ما زالت تعامل من قبل ولي الأمر وكأنها من سقط المتاع، لا رأي لها في مستقبلها ولا قرار، بل قد يكون الأمر أسوأ من ذلك حين يتعمد ابن عمها الجاهل أو الأمي بالحجر عليها وهي المتعلمة المثقفة، وقد يمر قطار العمر سريعا دون أن يتقدم للزواج منها، بل قد يذهب إلى أبعد من ذلك بالزواج من غيرها، وتكوين أسرة بينما هي ما زالت معلّقة تحت رحمته!.
وأوضحت أنه رغم أن القانون أباح للمرأة اللجوء للقضاء لتزويج نفسها إذا عضلها وليها، فإن أغلبية النساء لا يتوجهن للقضاء، مشيرة إلى أنه: حينما يصل الأمر إلى القضاء في قضية العضل يمكن للمرأة أن تحصل على حقوقها بعد حين، لكن ماذا عن القصص المنسية التي يستحيل أن تؤول إلى القضاء لأسباب تتعلق بالمرأة نفسها، حين لا تملك أصلا أن ترفع الأمر للقضاء بسبب احتباسها في بيت الأهل، أو عدم معرفتها بكيفية اللجوء للقانون، ناهيك عن نظرة المجتمع إلى القضاء والقانون حين يتدخل بين الأب وابنته أو بين الأخ وأخته.
حجج واهية
يؤكد د. صالح بن رميح الرميح أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الملك سعود بالرياض في تصريحات لشبكة إسلام أون لاين.نت أن عضل البنات ظاهرة اجتماعية برزت بعد الطفرة التي شهدتها المملكة، وخلال هذه الظاهرة نجد الآباء وأولياء الأمور يتلكئون بحجج وأعذار واهية ليست من المنطق لعدم تزويج بناتهم بغرض الاستيلاء على راتبها إذا كانت عاملة أو بزعم أن المتقدم لخطبتها ليس من مستواهم الاجتماعي. وقد يلجأ ولي الأمر لتحقيق العضل بطلبه مواصفات خاصة في المتقدم قل أن توجد بزعم أنه يبحث لها عن الأفضل ولكنه في الحقيقة يعضلها ويحرمها من حقها في الزواج ويجني على هذه الفتاة.
ويضيف الرميح: الجنس غريزة لدى الإنسان ومنع هذه الغريزة عن طريق العضل قد يؤدي بالفتاة إلى البحث عن إشباع هذه الغريزة بشكل غير شرعي، ولا سيما في ظل انتشار الفضائيات والإنترنت وغيرها من الوسائل التقنية التي جعلت العالم قرية واحدة، وبالتالي يؤدي هذا إلى ارتفاع نسبة الانحراف وتفشي الجرائم الأخلاقية داخل المجتمع.
ويشير: كذلك تؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع نسبة العنوسة داخل المجتمع وما يترتب عليها من ظواهر وأمراض اجتماعية نحن في غنى عن ذكرها، وكل هذه الأمور تؤثر على بنية المجتمع وتفشي الأمراض الاجتماعية وظواهر الفساد الأخلاقي داخله.
وفيما يتعلق بالتداعيات الاجتماعية المترتبة على هذه الظاهرة يقول الرميح: إن الزواج عن طريق الحجر فيه جبر وإلزام للفتاة وبالتالي ينتفي مبدأ التوافق من الزواج، وكذلك تنتفي حسن المعاشرة فكيف توجد والزواج قائم من الأساس على التحدي والعنف، وكذلك لن يوجد في مثل هذه الزواج تقارب في المستوى الثقافي وبالتالي سينعدم الحوار.. كل هذه الأمور ستلقي بطلاها على الأسرة والأبناء الذين قد يصابون بأمراض نفسية، كما تؤدي هذه الزيجات إلى ارتفاع نسبة الاكتئاب لدى المرأة، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.
ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن مثل هذه الزيجات قد تنتهي غالبا بالطلاق، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع.
ويطرح أستاذ الاجتماع د. الرميح مجموعة من الحلول لمواجهة هذه المشكلة.. وهي:
  • أولا: يجب على ولي الأمر أن يراقب الله في اختيار الزوج لابنته وأن يعلم أن ابنته أمانة هو مؤتمن عليها فلا يظلمها، وقد حث الإسلام ولي الأمر على اختيار الرجل الصالح فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض" رواه الترمذي.
  • ثانيا: على من يقوم بعقد الأنكحة أن يتحرى من الشهود موافقة المرأة على الزواج.
  • ثالثا: على الفتاة اللجوء إلى المحاكم لتزويج نفسها أو رفع دعوى "عضل" ضد ولي أمرها، والدولة بدأت مؤخرا في توفير أرقام تليفونات لمن لها مظلمة، فعلى البنات ألا يخجلن من المطالبة بحقوقه