مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة السابعة - ديسمبر 1926
الرجوع على محيل الكمبيالة لسدادها
لما كانت المعاملات التجارية تقتضي ضمانًا أكثر من الضمان العادي في المسائل المدنية فقد ارتأى الشارع في المسائل التجارية أن يكون محيل الكمبيالة مسؤولاً عن عدم دفعها في الاستحقاق وضامنًا لسدادها بغير أن ينص عن ذلك صراحةً في تحويله كما هو الأمر في الديون المدنية والتنازل عنها وفقًا للمواد (351)، وما يليها من القانون المدني الأهلي، و(439)، وما يليها من القانون المدني المختلط، و(1693) وما يليها من القانون المدني الفرنسي حيث يجب للاحتفاظ بحق الرجوع على المتنازل أو ضمانه ما تنازل عنه أن يذكر ذلك صراحةً في عقد التنازل وعلى ذلك افترض الشارع في المسائل التجارية ضمان محيل الكمبيالة ضمانًا ضمنيًا لا ضرورة للنص عنه.
على أن الشارع رأى من الجهة الأخرى.
أن لا يمكث المحيل مسؤولاً عن سداد قيمة الكمبيالة مدة طويلة والتجارة تقتضي أمورها الإسراع لكثرة ما يعتورها من تطورات دائمة، فحتّم من الجهة الأخرى على حامل الكمبيالة واجبات ألزمه مراعاتها حتى لا يضيع ماله من حق في الرجوع على محيل الكمبيالة أو محيليها منفردين أو متحدين.
وأول فرض فرضه الشارع على حامل الكمبيالة أن يعرضها عند استحقاقها على ساحبها فإذا امتنع عن دفع قيمتها أن يحتج باحتجاج عدم الدفع (برتستو).
تلك أول خطوة فرضها الشارع على حامل الكمبيالة لاحتفاظه بحقوقه قبل المحيلين.
على أنه لم يشأ بعد ذلك أن يترك حامل الكمبيالة ساحبها وشأنه تتخبط به حال السوق التجارية الكثيرة التغيير ما دام على اعتقاد بحق الرجوع على المحيلين بل حتّم عليه إعلان المحيل أو المحيلين الذين يود الرجوع عليهم بصفة كونهم ضامنين سداد الكمبيالة في الميعاد وذلك ليكونوا على بينة من أمر مدينهم ساحب الكمبيالة وحالته المالية وتوقفه عن السداد ليتخذوا الحيطة لأنفسهم قبل هذا التصرف المعيب منه.
ولكن أيجوز لحامل الكمبيالة أن يترك الوقت يمضي ما شاء ثم يعود على المحيل أو المحيلين ؟ كلا فتلك نظرة أخرى نظر إليها الشارع بعين الروية والإمعان ورأى أن أكثر مهلة يمكن إمهالها لحامل الكمبيالة هي خمسة عشر يومًا يحق له فيها رفع الدعوى ضد المحيل الذي أعلنه باحتجاج عدم الدفع المعلن ضد الساحب الممتنع في الاستحقاق فإن مضت تلك المدة بإهمال هذا الحامل في اتخاذ الإجراءات التي نص عنها الشارع كان من العدل اعتباره مقصرًا في حقوقه وفي عين الوقت عاملاً على الضرر بحقوق أولئك المحيلين الذين ليس من العدل تركهم مدة أطول من تلك تحت خطر ضمان ساحب امتنع عن الدفع وما زال في السوق التجارية العظيمة الحركة والتقلب ذلك ما ارتآه الشارع فيما يجب أن تقام عليه العلاقة بين هؤلاء الثلاثة: الحامل للكمبيالة والمحيل والساحب.
وهي كما ترى علاقات اقتضى فيها الشارع في المسائل التجارية كثيرًا من الاختلاف مع المبادئ المقررة في القانون المدني ولكنه من الناحية الأخرى اقتضى فيها سرعة فائقة لقيام تلك العلاقة قانونًا، أجل فإن في المسائل المدنية لا يكاد يشعر أولو القانون بطول مدة كهذه، خمسة عشر يومًا، ولكنهم على النقيض من ذلك يعلمون طول هذه المدة جيدًا في المسائل التجارية.
ولما كانت المواد التجارية تكاد تكون معدومة الحيز في قضايا المحاكم الأهلية المصرية اللهم إلا في بعض مسائل عادية تجري كل يوم فيمكن القول بأن هذا البحث لم يعرض لها إلا مؤخرًا في قضيتين نظرتا أمام إحدى دوائر محكمة مصر الكلية الأهلية المكونة تحت رئاسة حضرة محمد بك توفيق سري رئيسًا، وبعضوية صاحبي العزة إبراهيم بك عارف، وجمال الدين بك أباظة القاضيين.
وقد أصدرت حكميها بتاريخ 23 يناير سنة 1926 في القضيتين نمره (167) و(1671) سنة 1925 مؤيدة هذا البحث.
وهاتان القضيتان رفعتا من إسكندر جبلي ضد ميشيل لكح مدعى عليه أول الذي حضرنا عنه والفريد جبور مدعى عليه ثانٍ، وموضوع هاتين القضيتين هو:
أن إسكندر جبلي التاجر حولت إليه كمبيالتان كل واحدة منهما بمبلغ 400 جنيه من ميشيل لكح التاجر مسحوبتان من الفريد جبور.
وسارت القضيتان جنبًا إلى جنب واستند ميشيل لكح في دفاعه على أن القانون الواجب تطبيقه هو القانون التجاري بما أن المادة تجارية أي كمبيالات بين تجار وأن ورقة الكمبيالة في حد ذاتها ورقة تجارية، وذلك وفقًا للفقرة السادسة من المادة الثانية من القانون التجاري الأهلي والمختلط والمادة (632) من القانون التجاري الفرنسي.
وحيث إن القانون الواجب تطبيقه هو القانون التجاري فيجب مراعاة ما جاء بالباب العاشر من القسم السادس من قانون التجارة الأهلي فيما اختص بحقوق وواجبات حامل الكمبيالة وهذه الحقوق والواجبات بالنسبة للمحيلين مبينة بالمواد (165) و(167) و(169) من القانون التجاري الأهلي، وهي المواد (172) و(174) و(176) من القانون التجاري المختلط، وهي هي المواد (165) و(167) و(168) من القانون الفرنسي، والمادة (165) من القانون التجاري الأهلي نقول:
(إذا طالب حامل الكمبيالة من حولها إليه وكانت مطالبته له بالانفراد وجب عليه أن يعلن إليه البروتستو المعمول وإن لم يوفِه بقيمة الكمبيالة يكلفه في ظرف الخمسة عشر يومًا التالية لتاريخ البروتستو المذكور بالحضور أمام المحكمة ويزاد على هذا الميعاد مدة المسافة التي بين محل المسحوب عليه ومحل المحيل المذكور).
والمادة (167) من القانون المذكور تقول:
(إذا طالب حامل الكمبيالة جميع المحيلين والساحب معًا كان له بالنسبة لكل واحد منهم الميعاد المبين في المواد السابقة).
والمادة (169) من القانون نفسه تقول:
(يسقط ما لحامل الكمبيالة من الحقوق على المحيلين بمضي المواعيد السالف ذكرها المقررة لتقديم الكمبيالات المستحقة الدفع بمجرد الاطلاع عليها أو بعده بيوم أو أكثر أو شهر أو أكثر ولعمل بروتستو عدم الدفع وللمطالبة بالضمان على وجه الرجوع).
وبتطبيق هذه المواد يجب على حامل الكمبيالة لرجوعه على المحيل أن يقوم بالإجراءات الآتية:
1 - أن يعمل احتجاج عدم الدفع (البروتستو) عند الاستحقاق ضد ساحب الكمبيالة المدين الأصلي.
2 - أن يعلن هذا الاحتجاج للمحيل الذي يريد مطالبته بقيمة الكمبيالة.
3 - أن يكلف هذا المحيل في حالة عدم دفعه بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه بذلك وإعلان الدعوى هذا يجب أن يكون في بحر الخمسة عشر يومًا التالية للبروتستو المعلن لساحب الكمبيالة.
وإلا فيسقط حق حامل الكمبيالة قبل المحيل إذا لم يراعِ هذه الإجراءات وهذه المواعيد وقد أتى ميشيل لكح تدليلاً على ذلك بآراء التشريع الفرنسي الحديث كما وردت بربتوارابرتيك دالوز طبعة 1910 وهي:
أولاً: على حامل الكمبيالة بمقتضى المادة (165) من القانون التجاري (الفرنسي) إعلان البروتستو لكل من الموقعين على الكمبيالة الذين يود السير ضدهم وعند عدم الدفع مطالبتهم في الخمسة عشر يومًا من البروتستو.
(راجع ربرتوار براتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 637 رقم 337).
ثانيًا: المدد المبينة في المادة (166) تجاري فرنسي يجب أن تراعي على حدة قبل كل من الموقعين المطالبين في حالة مطالبتهم معًا أو على انفراد.
(راجع ربربرتواربراتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 637 رقم 340).
ثالثًا: في حالة تقصير حامل الكمبيالة في اتباع الإجراءات المنصوص عنها في المواد (160)، وما بعدها (تجاري فرنسي) يعتبر مهملاً ويسقط حقه في الرجوع على المحيلين وضمانهم مادة (168) تجاري فرنسي.
(راجع ربرتواربراتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 637 رقم 341).
رابعًا: سقوط حق حامل الكمبيالة يمكن الدفع به في أي دور من أدوار القضية حتى في الاستئناف.
(راجع ربرتوار براتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 638 رقم 345).
وقد أخذت الدائرة المشار إليها بهذا وحكمت حكميها مؤيدة هذا الرأي.
ولما كان هذان الحكمان يكادان يكونان الأولين في موضوعهما كنا نود أن لو ورد في حيثياتهما ما يشير إلى هذا الموضوع القانوني بشكل أكثر جلاء ولكننا نحسب أن المواد في ذاتها صريحة جلية فاكتفت المحكمة بالإشارة إليها.
ويحسن بنا أن نذكر فيما يلي حيثيات هذين الحكمين وهي:
(وحيث أن المدعى عليه الأول (ميشيل أفندي لكح) دفع بسقوط الدعوى لعدم إعلانه بالبروتستو وعدم الدفع من المدين ورفع الدعوى عليه في الميعاد القانوني.
وحيث أن المدعي أعلن البروتستو للمدعى عليه الثاني (الفريد جبور) في أول أغسطس سنة 1925، ولم يقدم ما يثبت أن المدعي أعلنه للمدعى عليه الأول (ميشيل لكح) في بحر الخمسة عشرة يومًا التالية لتاريخ البروتستو ولم يرفع عليه الدعوى إلا بعد مضي هذا الميعاد وأنه أعلنه بها بتاريخ 25 أغسطس سنة 1925، ومن ثم يكون حق الرجوع على المدعى عليه الأول (ميشيل أفندي لكح) قد سقط عملاً بالمادة (169) تجاري.
إميل توتونجي
المحامي