[align=justify]كما ذهب بعضهم أيضاً إلى أن المعرفة الفنية هي من حيث المحتوى أوسع مضموناً من الأسرار التجارية، فالمعرفة الفنية تشمل وفقاً لهذا المفهوم كل التقنيات التي تصلح لأن تكون محلاً للأسرار التجارية، وتمتد أيضاً لتشمل تلك المعارف التي لا تصلح كسر تجاري، فالسر التجاري ينحصر فقط في طريقة أو وسيلة أو مركب ما، وكذلك في بعض المعلومات والمعارف التي تؤدي إلى ابتكار وتطوير وتصنيع منتج ما، حتى ولو كان جانب من هذه المعارف لايتسم بالسرية الكاملة.
ويلاحظ على هذا الرأي أنه يعتمد على مدونة المسؤولية في تعريفه للأسرار التجارية، ومن ثم جاء تحديد السر التجاري بأسلوب ضيق مما يفضي حتماً إلى عد المعرفة الفنية أكثر اتساعاً من حيث المضمون على أن هذا الرأي لم يعد له شأن كبير، بعد صدور القانون الموحد للأسرار التجارية، الذي توسع إلى حد كبير في مضمون المعارف التي تصلح كسر تجاري حتى أصبح يستوعب أيضاً التحديد الفضفاض للمعرفة الفنية طبقاً لهذا الرأي الفقهي، على أن الانتقاد الحقيقي للرأي السابق يكمن في مقولته بأن أحد عناصر التمييز بين الأسرار التجارية والمعرفة الفنية هو فكرة السرية، فبينما الأولى يتعين أن تكون سرية فإن الثانية يمكن أن يتسع موضوعها ليضم بعضاً من المعارف التي لا تتسم بصفة السرية، وعليه يوجد الكثير من المعلومات التقنية المستخدمة في الصناعة التي لا تعد سراً لأنها معروفة وشائعة بين رجال الفن الصناعي، وهي معلومات يمكن حمايتها لأنه ينطبق عليها وصف المعرفة الفنية هو فكرة السرية، وإن كانت لا تعد سراً تجارياً على أن القول السابق يجب أن يؤخذ بنوع من الحذر فصحيح أن هناك بعض المعلومات والمعارف الفنية المستخدمة في إطار المصانع والمشروعات المختلفة، التي تكون بصفتها المنفردة وإن كان من الممكن حمايتها إذا كان مجموع هذه المعارف يشكل توليفة فنية معينة فعلى الرغم من أن مكونات أو مفردات هذه التوليفة شائعة وغير سرية، إلا أن التوليفة ذاتها كمجموع عام للمعلومات الفنية يتعين حمايتها لأنها تقود إلى معالجة مشكلة ما بأسلوب غير معروف أو غير ذائع من قبل، فالسرية إذا حتى في هذه الحالة الأخيرة هي من الخصائص اللازمة للمعرفة الفنية، ولا يوجد اختلاف بينها وبين الأسرار التجارية من هذه الزاوية.
وأخيراً فلقد ذهب جانب من الفقه الأمريكي إلى أن مضمون المعرفة الفنية أضيق من محتوى الأسرار التجارية، فالمعرفة الفنية تتساوى مع الأسرار التجارية من حيث الموضوع طبقاً لهذا الرأي إذا ما فصلنا عنها أمرين أساسيين: الأول هو المعلومات التجارية مثل المعارف الإدارية والتنظيمية والثاني هو التقنيات الصناعية التي لا يمكن شمولها ببراءة اختراع، وبعبارة أخرى فالمعرفة الفنية تتساوى مع الأسرار التجارية إذا ما استبعدنا منها كلاً من المعلومات التجارية والتقنيات الصناعية أو الأسرار الصناعية التي لا يمكن شمولها ببراءة اختراع.
والرأي السابق منتقد من ناحيتين: فمن ناحية أولى إن عقود نقل المعرفة الفنية عادة ما تضم شروطاً صريحة تقتضي بالحفاظ على سرية كل من المعارف أو المعلومات الصناعية، وأيضاً المعلومات الأخرى المرتبطة بتنظيم إدارة الإنتاج وتسويق المنتجات، وهذا في ذاته دلالة على مدى ارتباط الأسرار غير الصناعية بفكرة المعرفة الفنية ومن ناحية ثانية، فإن الرأي القائل بأن التقنيات الصناعية التي لا يمكن تغذيتها ببراءة الاختراع لا يمكن أن تصلح موضوعاً للمعرفة الفنية هو قول يجافي الحقيقة ذلك أن ابتكاراً ما قد لا يصل إلى الدرجة التي تجعله يرقى إلى مستوى تغطية ببراءة اختراع وذلك لفقدانه، مثلاً درجة الجدة المطلوبة لشموله بالبراءة ومع هذا قد تكون له قيمة معينة في الصناعة أو في العمليات الإنتاجية يصلح أن يكون محلا للمعرفة الفنية ويتم الترخيص به (للغير) .
والخلاصة أن الفقه الراجح وكذلك الأحكام الأمريكية في مجموعها تساوي بين كل من مفهوم الأسرار التجارية والمعرفة الفنية من حيث الموضوع فالمعرفة الفنية لا تقتصر فقط كما يرى بعضهم على المعرفة والأسرار الصناعية ولكنها تشمل أيضاً المعلومات أو المعارف التجارية أو ما يطلق عليها بالإنجليزية، فالمعرفة الفنية لا تنحصر في التقنيات التي تؤدي إلى إخراج منتج معين، وإنما تمتد لتشمل المعلومات التجارية التي تساعد على إدارة وتنظيم العمليات الإنتاجية، مثل المعلومات التي تسهل عمليات التسويق للمنتجات والإعلان عنها وقوائم العملاء وغيرها.
على أن المعرفة الفنية سواء أكانت تتجسد في شكل أسرار صناعية أم أسرار تجارية، فإنه يتعين أن تتوفر لها خصائص أو شروط معينة حتى تصلح موضوعاً للحماية القانونية. فلا بد أن تكون المعرفة الفنية ذات قيمة وأن تتوافر على نوع من الجدة، وفوق كل ذلك أن تتسم بالسرية وفيما يلي نوضح المقصود بهذه الشروط:
2. شروط المعرفة الفنية:
شرطا الاستعمال والقيمة:
يشترط لوجود المعرفة الفنية أن يحصل الاستخدام لها على الأقل في داخل المشروع ومن ثم فلا توجد حماية على مجرد الأفكار التي لا يمكن وضعها في حيز التنفيذ العملي إذ لا يكفي أن تكون الفكرة المعية المستوى بل يجب أن تؤتى ثمارها العلمية. وفي هذا الاشتراط تقارب بين النظام القانوني ببراءات الاختراع وبين ذلك الخاص بالمعرفة الفنية فالقانون الأمريكي يشترط لتغطية اختراع ما بالبراءة أن يكون قد تم وضع هذا الاختراع أو الفكرة الابتكارية في موضع التنفيذ على الأقل ولو لمرة واحدة قبل التقدم بطلب الحصول على البراءة وهذا مايعبر عنه بالقدرة على تنفيذ الاختراع عملياً.
والواقع أن اشتراط أن تكون المعارف أو المعلومات الفنية قابلة للتنفيذ العملي أمر ضروري للحماية لأن محاكم العدالة لا يمكنها أن تضفي أية حماية إلا إذا كانت المعرفة الفنية ذات نفع ما، ليس فقط بالنسبة لتقدير المالك لها وإنما أيضاً للمجتمع في مجموعه. ولا يأتي ذلك إلا إذا كانت هذه الأفكار يمكن تنفيذها عملياً ومن ثم فقد ذهب بعضهم إلى القول بأنه يشترط أيضاً لحماية المعرفة الفنية أن تكون قابلة للانتقاد العقد مثلاً من مشروع لآخر حتى تتحقق فكرة فائدتها النفعية على أن ما يشترط في هذه الحالة (القابلية) للانتقال حتى ولو لم يحقق ذلك نفعاً وهو أمر متصور في الكثير من الأحوال التي يرى فيها المشروع المالك للمعرفة الفنية الاستئثار بها في إطاره الداخلي دون الترخيص للآخرين باستعمالها.
على أن المقصود بالاستعمال الذي يعطي المعرفة الفنية نفعية معينة هو ذلك الاستعمال الفعلي أو الواقعي بحيث تعطى للمالك ميزة اقتصادية فوق منافسية، ومن ثم فلا يشترط أن يكون استعمالها على تطاق واسع أو أن يتم استغلالها في الإنتاج بكميات ضخمة أو أن تستغل تجارياً بأقصى الدرجات. ويترتب على ذلك أنه لا يشترط أن تكون المعرفة الفنية قد وصلت إلى أقصى درجة من درجات التكامل ذلك أن الفقه والقضاء الراجح في الولايات المتحدة يؤكدان على حماية المعرفة الفنية وحتى وهي قيد البحث والتطوير، وفي هذا اختلاف مع نظام براءات الاختراع.
فالاختراع لا يكون جديراً يمنح البراءة عنه إلا إذا كانت نتائجه مؤكدة، وثبتت فعالية استعماله.
ومن ثم لا يصلح محلاً لبراءة المعلومات التجريبية، بينما تكون النتائج المتحصلة من بعض التجارب موضوعاً للمعرفة الفنية، فالأبحاث قد تمر بمراحل عديدة يمكن معها الحصول على نتائج معينة من خلال كل مرحلة. هذه المعلومات التجريبية التي يتم التوصل غليها خلال مرحلة بحثية ما، قد تكون بذاتها مفيدة ومؤدية إلى إدخال تحسينات على منتجات معينة قائمة أو خلق منتجات جديدة، وإن لم تكن بذاتها هي النتائج المنشود الوصول إليها. وبالتالي فإن المعلومات والنتائج التي يتم الحصول عليها، وإن كانت مجرد حلقة من سلسلة متصلة من التجارب التي تستهدف الوصول إلى شكل متكامل من المعرفة الفنية إلا أنها تحقق فوائد عديدة للمشروع وتمده بقدرة تنافسية في مواجهة المشروعات الأخرى، بل وقد تعطيه أيضاً قيمة اقتصادية معينة من خلال قيامه بالبدء في العملية الإنتاجية بناءً على حققته هذه التجارب الأولية مع استمرار العملية البحثية إلى غايتها ببلوغ معلومات فنية ذات درجة عالية من التقدم والتكامل. والدليل على وجوب إدراج هذه المعلومات البحثية في نطاق المعرفة الفنية هو وجود الكثير من عمليات التجسس الصناعي التي تستهدف استيلاء على المعلومات التجريبية من داخل المشروعات ذاتها، وفي هذا برهان على قيمة هذه المعلومات أضف إلى ذلك أنه لو لم يصح القول بإدراج هذه المعلومات التجريبية في عداد المعرفة الفنية الشمولية بالحماية القانونية لأدى ذلك إلى تقاعس المشروعات المختلفة عن مواصلة الأبحاث والتجارب القائمة التي مازالت في حاجة إلى مزيد من الإتقان والبدء في عملية إنتاج بأسرع درجة ممكنة تطبيقاً للمعلومات الأولية التي تم التوصل إليها، وذلك للأسرع باستعمالها للدخول في الاستغلال التجاري لها حتى ولو كان ذلك على حساب الجودة النهائية المرجوة للمنتج.
[/align]