[align=justify]ويقتضي قانون براءات الاختراع الأمريكي من المخترع أن يكشف بدقة عن الوصف الكامل للاختراع وأن يقوم بشرح كاف له حتى يتمكن أي شخص من القيام بإنتاج الاختراع محل البراءة وفقاً لما ورد في البراءة ذاتها.
والواقع انعدم انصياع المخترع مع متطلبات الكشف الكامل عن اختراعه لا يؤدي فقط إلى إمكان خسارة الحماية التي تخولها البراءة ولكن أيضاً الحماية التي قد تكون ثابتة للمخترع تحت مظلة الأسرار التجارية وذلك لعدم احترامه متطلبات قانون البراءات بعد قانوناً فيدرالياً.
ومع ذلك فإن هناك بعض الأحكام الأمريكية التي تصر على مد حماية الاختراع، حتى بعد صدور البراءة لأنه معرفة فنية ما زالت تتوافر على قدر من السرية، وتذهب هذه الأحكام في مجموعها إلى أنه على الرغم من أن القانون الفيدرالي قد ألزم المخترع بإعطاء الكشف التفصيلي للاختراع والكشف عنه بدقة إلا أن الواقع العملية يجعل من الصعب جداً تقصي ذلك بأسلوب منضبط وذلك على الرغم من أن مكتب البراءات الأمريكي يخضع الاختراع للفحص الموضوعي وليس فقط للفحص الشكلي، وذلك بسبب الصعوبة الناشئة عن حصر الوثائق والمعلومات المرتبطة بالاختراع وتجميعها، على أن هذه حجة واهية وذلك بعد إدخال نظم تجميع المعلومات والطرق الوثائقية الحديثة وفوق كل ذلك إدخال نظام الحاسب الآلي في مكتب براءات الاختراع، كما ذهبت بعض الأحكام إلى أن سرية الاختراع قد لا تزول حتى بعد صدور البراءة، على الرغم من تطلب القانون الفيدرالي تقديم وصف تفصيلي عن الاختراع، وذلك في رأيهم على أساس أن العمل في محكمة براءات الاختراع قد جرى لفترة معينة على عدم تطلب الكشف عن الطريقة المثلى لوضع الاختراع موضع التنفيذ وبالتالي يحتفظ المخترع بهذه الطريقة في طي الكتمان لأنها من الأسرار التجارية، والواقع أن هذا الرأي مردود عليه بأن قانون البراءات الفيدرالي يطلب من المخترع الكشف بأمانة وبصدق عن طريق تنفيذ الاختراع، وهذا يقتضي بذاته إعلانه عن الطريقة المثلى لذلك وبالإضافة إلى ما تقدم فإن محاكم العدالة تتطلب لكي تمد الحماية الناشئة عن الأسرار التجارية أن يكون المدعى بالحماية حسن النية، ولا شك أن كتمان المخترع للتطبيق الأمثل يعد من قبيل الغش نحو القانون وينزع عنه وصف حسن النية.
فصدور براءة الاختراع يؤدي كقاعدة عامة إلى انقضاء حماية المعرفة الفنية المرتكزة على قانون الأسرار التجارية، ويترتب على ذلك أنه إذا وجدت عدة مشروعات مختلفة يقوم كل منها باستعمال واستغلال المعرفة الفنية التي تم اكتشافها نفسها وتطويرها بطرق مستقلة تماماً فإن حصول أحدها على براءة اختراع المعرفة الفنية ذاتها يؤدي إلى حرمان المشروعات الأخرى من الاستمرار في الاستعمال والاستغلال بما تضفيه البراءة على المخترع من حق احتكار واستئثار.
على أن صدور براءة الاختراع لا ينبغي أن يقضي كلية على حماية المعرفة الفنية التي قد ترتبط بالاختراع فمثلاً وكما ذكرنا من قبل فإن المعلومات التجارية المرتبطة بكيفية استغلال الاختراع قد تعد من قبيل المعرفة الفنية الجديرة بالحماية، ومن ثم تستمر حمايتها لأنها معلومات سرية خاصة بالمخترع، على الرغم من ذيوع وانتشار الابتكار محل البراءة كذلك قد يعد من قبيل المعارف الفنية الطرق الجديدة لاستعمال الاختراع ذاته، وقد يتوصل إليها المخترع بعد إصدار البراءة، بل إن بعض الأحكام القضائية الأمريكية ذهبت إلى استمرار حماية الاختراع لأنه معرفة فنية حتى بعد صدور البراءة وذلك إذا كان المخترع قد قام بالترخيص إلى (الغير) باستعمالها قبل صدور البراءة، وأساس هذا الحل أنه على الرغم من ذيوع عناصر الاختراع في البراءة إلا أن المعرفة الفنية قد تم نقلها في هذه الحالة بناء على عقد ترخيص معين مما يؤدي إلى إنشاء علاقة ثقة خاصة بين المرخص والمرخص له، وأنه ينبغي استمرار هذه العلاقة حتى بعد صدور البراءة حتى لا يضار المخترع بمجرد حصوله عليها ويترتب على ذلك أن المرخص له في هذه الحالة يلتزم بدفع مقابل للتكنولوجيا لأنها معلومات سرية (معرفة فنية) وليس لأنها براءة اختراع مرخص بها وعادة مايكون هذا المقابل أعلى في الحالة الأولى، والواقع إن هذه الطائفة من الأحكام تبالغ إلى أقصى الحدود في حماية مالك المعرفة الفنية، مما يترتب عليه إهدار الأهداف التي يسعى نظام براءات الاختراع إلى تحقيقها من كشف الاختراع للمجتمع بأسره، كما قد يؤدي ذلك أيضاً إلى التزام المرخص له بدفع نفقات لتكنولوجيا أصبحت في الدومين وذلك عند انتهاء مدة البراءة.
هناك إذاً تناقض بين الفلسفة التي تقوم عليها الحماية المؤسسة على براءة الاختراع، وتلك المؤسسة على الاستتئثار الفعلي لسرية المعرفة الفنية أو ما تعرف في القانون الأمريكي بالحماية المرتكزة على قانون الأسرار التجارية، فصدور البراءة يعني إفشاء سر الاختراع، لأنها تتضمن وصفاً تفصيلياً له، أما الحماية التي يضيفها قانون الأسرار التجارية على المعرفة الفنية فمردها سريتها، فإن زالت السرية عن هذه المعرفة ارتفعت الحماية عنها.
وإذا كانت المشروعات الحائزة للمعرفة الفنية تسعى إلى حمايتها بالاستئثار بها خارج نظام براءات الاختراع إلا أن الأمر ليس بهذه الوساطة في أحوال معينة، من ذلك مثلاً إذا كانت المعرفة الفنية تكمن في ذات المنتج، إذ أن من شأن بيع هذا المنتج في شكله النهائي والمتكامل تمكين الغير من المنافسين من التعرف بسهولة على طريقة صنعه أو تركيبه، وذلك بتحليل عناصر المنتج عن طريق مايسمى بأسلوب Riverse Engineerig ومن ثم فإن بعض خبراء الملكية الصناعية يرون أنه من الأنسب في هذه الحالة المبادرة إلى حماية المنتج ببراءة اختراع إذا توافرت شروط الحصول عليها وذلك قبل طرحه في السوق إذ أن دخول المنتج السوق يجعله مفتقداً لشرط الجدة اللازم توافره في الاختراع، بيد أن طرح المنتج في السوق دون الحصول على براءة اختراع عنه، لا يؤدي بذاته إلى إهدار سرية المعرفة الفنية، لأن الكشف عن هذه السرية يقتضي من المشروعات المنافسة بذل الجهد والمال والوقت سبيل تحليل المنتج للتوصل إلى التكنولوجيا التي يحتوي عليها. وانطلاقاً من ذلك فقد يرى صاحب المنتج التكنولوجي الإبقاء على سرية منتجة وعدم الحصول على طلب براءة اختراع طالما كان مقدراً أن المنافسين لن يتوصلوا بسهولة إلى المعرفة الفنية الكامنة فيه، ومن الواضح أن الباعث على الإبقاء على السرية في هذه الحالة هو الأمل في امتداد الاحتكار الفعلي لتكنولوجيا المنتج لفترة أطول من تلك التي تخولها البراءة، وقد يتحقق هذا الأمل بالفعل إذا كانت المعرفة الفنية التي يحتويها المنتج على درجة عالية من التقدم حتى يصعب على المنافسين اكتشافها في فترة وجيزة.
وعلى أية حال فالأمر لا يخلو من مجازفة من جانب حائز المعرفة الفنية، ولا شك أن اختياره أسلوب الحماية في هذه الحالة يعتمد بشكل جوهري على خبرته ووضعه في السوق وعلى تقديره لمنافسيه.
وإذا كانت الشكوك تثور حول جدوى فعالية حماية تكنولوجيا المنتج خارج نظام براءات الاختراع، فإن هذه الشكوك تكاد تختفي إذا كانت المعرفة الفنية في شكل آلة أو وسيلة صناعية يستخدمها حائز التكنولوجيا في مصنعه أو مشروعه، إذ لا يمكن القول بأنه طالما حافظ صاحب المشروع على سرية تكنولوجيا الآلة أو الوسيلة، فإن هذا يمكنه من التمتع باستئثار فعلي ومع ذلك فإن الخطر ليس بعيداً حتى في هذه الحالة، إذ قد يستطيع مشروع منافس أو أكثر التوصل ـ بطريقة مستقلة ـ إلى التكنولوجيا نفسها، وهنا يجد المنتج الأول للتكنولوجيا نفسه أمام عدة منافسين في السوق كل منهم يستغل المعرفة الفنية التي تم التوصل إليها بطريقة سرية.
ولا يستطيع منع أي منهم من ذلك بل إن الأمر قد يكون أخطر من ذلك على المنتج الأول للتكنولوجيا وذلك فيما وذلك فيما إذا قام المنتج الثاني للتكنولوجيا نفسها بطلب براءة اختراع، وصدورها بالفعل في هذا الفرض الأخير، لا شك أن صاحب براءة الاختراع يستطيع أن يمنع المنتج الأصلي للتكنولوجيا من استغلال المعرفة الفنية التي بحوزته وإبقاءها سراً وحجبها عن المجتمع.
وإذا كانت هناك بعض المخاطر التي تحف بسرية المعرفة الفنية حتى عند قيام منتج التكنولوجيا باستغلالها بنفسه واستخدامها في محيط مشروع، فإن هذه المخاطر لا ريب تزداد عند القيام بالترخيص (للغير) في استخدامها أو استغلالها، من الصحيح إن منتج التكنولوجيا، لا تكون لديه عند القيام بالترخيص للغير بالاستغلال أية نية لفضح سرية المعرفة الفنية خارج نطاق عقد الترخيص أو الكشف عنها للمجتمع، إلا أن تعدد الترخيص بالاستغلال لأكثر من مشروع يزيد من فرص تسرب المعرفة الفنية وكشف لسريتها على الرغم من اتخاذ صاحبها الأصلي التدابير كلها لمنع حصول ذلك.
ومع هذا، فقد يضطر المنتج الأصلي للتكنولوجيا إلى الترخيص إلى (الغير) باستخدامها أو استغلالها لعدم قدرته المادية مثلاً على القيام بذلك بمفرده أو لأنه يرى أنه قد يجني أرباحاً طائلة من وراء عقود الترخيص، والحقيقة أن منتج التكنولوجيا يكون في حسبانه وهو يقوم بالتراخيص (للغير) إمكان حصول تسربها، ومع هذا يمضي قدماً في عمليات الترخيص، لأنه يجني عائداً ضخماً يكون ثمناً عادلاً لما يحوزه من معارف تكنولوجية حتى ولو أصبحت هذه المعارف ـ على المدى البعيد ـ ذائعة بين المشتغلين في الفن الصناعي مفتقدة بذلك الحماية المستندة إلى السرية.
والواقع إن خطر افتضاح سرية المعرفة الفنية لا يقتصر على الأحوال السابقة، بل ينبسط أيضاً على كل فرض من شأنه اتصال علم أي شخص سواء من داخل المشروع أو من خارجه بالأسرار التكنولوجية، ومن أهم هذه الفروض العلاقة التي قد تربط المشروعات الكبرى، لأنها منتجة للتكنولوجيا ببعض المشروعات المستقلة التي تقدم بعض الخدمات المحددة لها، وهذه الأخيرة تعرف باصطلاح Independent Contractors ومن ذلك مثلاً اعتماد مشروع متخصص في إنتاج نوع معين من الأجهزة الطبية على العديد من المشروعات الأخرى الأصغر حجماً وقد تنتج لصالحه بعض أنواع القطع أو الأجزاء اللازمة لهذه الأجهزة، في هذا الفرض لا شك أن المتعاقد مقدم الخدمة سوف يطلع على جانب من الأسرار التكنولوجية التي يحتفظ بهذا المشروع المنتج، ومن هذه الفروض أيضاً، حالة اعتماد منتج التكنولوجيا على بعض الوكالات أو المندوبين المتخصصين في القيام بعمليات التسويق والبيع وهؤلاء يطلق عليهم اصطلاح Sales Agents.
حيث قد تقتضي طبيعة العلاقة الإفصاح لهؤلاء الأشخاص عن الجوانب الخفية للتكنولوجيا.. ولعل من أهم الفروض التي تظهر فيها ضرورة الحماية حالة اتصال علم من يعملون داخل المشروع بالأسرار التكنولوجية.
في كل الفروض السابقة، وغيرها، تظهر الحاجة الماسة إلى وسيلة معينة يتمكن بها المشروع من حماية مايحوزه من معارف فنية من خطر التسرب وإفشائها بما يؤدي إلى ضياع استئثاره واحتكاره لها، ولعل العقد هو أبرز وسائل الحماية التي تمكن منتج التكنولوجيا من حراسة معارفه الفنية من التسرب،وذلك بتضمين عقود مع الآخرين شرطاً صريحاً يقضي بالحفاظ على السرية.
2) الشرط الصريح بالحفاظ على سرية المعرفة الفنية
دفعاً لأي شك حول حماية سرية المعارف الفنية، فإن المشروعات الحائزة لها عادة ما تسعى عند الدخول في اتفاقات معينة تتضمن خطر افتضاح هذه السرية، إلى وضع شرط صريح في هذه الاتفاقات يقضي بالالتزام بالسرية أشكالاً مختلفة حسب طبيعة العلاقات التعاقدية. ويتخذ الشرط المشروع الحائز للمعرفة الفنية بغيره من الأشخاص أو المشروعات الأخرى.
فإذا كانت العلاقة هي رابطة عمل تربط المشروع مالك المعرفة الفنية بالعاملين فيه فإن الشرط الصريح بالالتزام بالسرية قد يأخذ أحد شكلين: فهو من ناحية أولى قد يكون اتفاقاً بعدم إفشاء السرية أو ما يطلق عليه Non – Disclosure Ageement سواء كان ذلك بوضع شرط في عقد العمل ذاته، أو بوثيقة مستقلة تلحق بهذا العقد، وعادة ما يكون للمشروع مالك المعارف التكنولوجية اليد العليا في اتخاذ الشكل الأنسب له، ومن شأن هذا الاتفاق إلزام العامل بعدم استعمال المعرفة الفنية بأي وجه من شأنه فضح سريتها إلى (الغير) وعادة ماتستلزم الشركات الكبرى قيام العامل بالتوقيع على هذا الاتفاق ومن ناحية أخرى فقد يأخذ الشرط الصريح للالتزام بالسرية شكل ما يطلق عليه بالاتفاق بعدم المنافسة ومضمونه التزام العامل بعدم الدخول في أية علاقة عمل مع شركة منافسة أخرى بعد انتهاء عقده الأول مع الشركة مالكة المعرفة الفنية ومع أن مثل هذا الاتفاق يلقى معارضة شديدة من بعض الفقهاء كما أن بعض القوانين الإنجلوسكسونية تبطله كقاعدة عامة بأنه يمثل قيوداً شديدة على العامل في كسب قوته إلا أن القاعدة في القانون والقضاء الأمريكي هي صحة هذا الاتفاق والاستثناء هو بطلانه وأساس هذا الحل في القانون الأمريكي هو أنه إذا كان مثل هذا الاتفاق من شأنه الحد من قدرة العامل على العمل إلا أن السماح له الالتحاق بوظيفة في مشروع آخر منافس قد يكون سبباً مباشراً في التدمير المالي للمشروع الأول منتج التكنولوجيا بسبب تسرب المعرفة الفنية التي قد تعد جوهر هذا المشروع وتزداد أهمية شرط التعاقد الصريح بالالتزام بعدم إفشاء سرية المعرفة خارج نطاق العمل أي في العلاقة بين المشروعات المالكة للمعارف الفنية وغيرها من المشروعات الأخرى التي قد تربط بها بروابط مختلفة كالترخيص بالاستعمال أو البيع أو التأجير، من ذلك مثلاً أنه في عقد البيع الإيجاري فإن المؤجر مالك المعرفة الفنية التي قد تتجسد في صورة آلات أو عدات معينة قد يضع شرطاً في هذا العقد بإلزام المستأجر بالكتمان، وهذا الشرط يعرف اصطلاحاً باسم Black box agreement وذلك لأن المستأجر يرتضي أن لا يخترق سرية المكونات السرية للمعدات المسلمة إليه، بل إنه وإن حصل واكتشف المستأجر بمحض المصادفة أسرار المعرفة الفنية في هذه الآلات والمعدات، فعليه طبقاً للشرط الصريح المنصوص عليه في عقد الإيجار ألا يستخدمها خارج نطاق العقد وأن يحتفظ بسريتها وهذا الشرط صحيح في القانون الأمريكي.
ومن الأحوال أيضاً التي يحرص فيها مالك المعرفة الفنية على وضع شرط صريح الحفاظ على سريتها تلك الحالات التي يرتبط فيها مع مشروعات أخرى بعقود معينة لصيانة المعدات أو الآلات المستخدمة داخل المشروع، وكذلك ارتباطه ببعض الشركات الأخرى التي تقدم للمشروع جانباً من الخدمات مثل الاستشارات الهندسية أو التسويق، أو تلك المشروعات أو الهيئات التي تقوم بالأبحاث لصالح المشروع المنتج للتكنولوجيا. ومن الأمثلة أيضاً على أهمية وضع شرط صريح بالحفاظ على سرية المعرفة الفنية حالة الاندماج بين الشركات، إذ عادة ما تقوم الشركة الدامجة بالنص في عقد الدمج على التزام الشركاء والعاملين في الشركة المندمجة التي زادت شخصيتها المعنوية بعدم إفشاء الأسرار التكنولوجية التي كانت يوماً ما ملكاً للشركة المندمجة. كما يحرص المشروع المالك للمعرفة الفنية على تضمين عقد الترخيص شرطاً صريحاً يملي على المرخص له وعلى العاملين لديه التزاماً بالسرية، حتى بعد انتهاء مدة عقد الترخيص ذاته. بل إن المرخص زيادة في الحيطة قد يفرض الالتزام بالسرية بشرط صريح على مجموع المعارف الفنية المرخص بها، حتى ولو كان بعض مكوناتها أو بعض عناصرها أصبحت ذائعة وذلك منعاً من تسرب الجزء الذي ما زال محمياً عن طريق السرية.
والخلاصة، أن المعرفة الفنية بعدها مجموعة من المعلومات التقنية والصناعية والإدارية والتنظيمية يتعين أن تتوافر على قدر من الجدة أو الأصالة، وإن كان مفهوم الجدة مختلفاً على ذلك المفهوم السائد في مجال براءات الاختراع فكل ما يقصد به أن تتوافر هذه المعلومات على قدر من الأصالة بما يمثل اكتشافاً يعطي صاحبه ميزة تنافسية في مواجهة منافسية كما يتعين أن تكون هذه المعرفة سرية فالمعلومات غير السرية لا يمكن حمايتها في ظل مبادئ الشريعة العامة.
على أن اتصاف المعرفة الفنية بالسرية لا يحول دون القيام مالكها باستغلالها: كل ما هناك أنه ينبغي اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بصيانة السرية، وإلا أدى ذلك إلى فقدانه لحقه على المعرفة الفنية وفي سبيل تأكيد هذه الحماية عادة ما يضع المالك شرطاً صريحاً في عقود الترخيص أو عقود العمل أو غيرها بإلزام من يتصل علميه بها في المحافظة على السرية أما خارج نطاق العلاقات التعاقدية أو علاقات الثقة فإن حق الملكية يكون هو الأساس الأول للحماية على نحو ماسوف نرى في المطلب الثاني من هذا البحث.
المطلب الثاني
الطبيعة القانونية للمعرفة الفنية في القانون الأمريكي
تمهيد
لا تتردد المحاكم الأمريكية في إضفاء الحماية القانونية على المعرفة الفنية، حتى في ظل غياب أي اتفاق معين أو علاقة ثقة تلزم المتلقي بالحفاظ على سريتها أو عدم استعمالها خارج الحدود بين المالك الأصلي وشخص المتلقي، وتذهب الأغلبية الساحقة من الأحكام القضائية الأمريكية ـ يؤيدها في ذلك الجانب الأكبر من الفقه ـ إلى تأسيس حماية المعرفة الفنية في هذه الحالة بناء على حق الملكية، فالاعتداء على المعرفة الفنية يشكل اعتداء على الملكية بعدها حقاً عينياً.
[/align]