[align=justify]
المبحث الثالث
تقديم حصة من مال أو عمل
لا تستطيع الشركة النهوض بأعبائها بغير رأس مال يكفي لمواجهة هذه الأعباء، ويتكون رأس المال من الحصص التي يقدمها الشركاء، ولا يكون شريكا في الشركة من لا يقدم حصة في رأس المال .
ويمثل رأس المال الضمان لدائني الشركة، إضافة إلى ما لدى الشركة من موجودات ويقدر رأس المال بالنقود، ايا كانت الحصص التي قدمها الشركاء. وتشترط المادة 26 من قانون الشركات العراقي أن يحدد رأس المال بالدينار العراقي .
أما نوع الحصة التي يقدمها الشركاء :
1- قد تكون الحصة نقودا وهو الغالب والأنسب، مادام رأس المال يقدر بالنقد ولا يشترط في الحصص التي يقدمها الشركاء المساواة .
2- ويمكن أن تكون الحصة أعيانا وذا كان قانون الشركات لم يفصح عن ذلك، فيمكن أن يفهم من الإطلاق الذي وردت فيه كلمة مال في التعريف حسب المادة 4 .
وقد أشارت التشريعات المقارنة إلى الأموال العينية صراحة( ) .
وتحدد الحصة العينية التي يقدمها الشريك بالنقود ولا يتدخل المشرع عادة في تقدير النقود المساوية للحصة العينية في شركات الأشخاص التضامنية في القانون العراقي لان الشركة تقوم على عدد محدود من الشركاء تجمعهم صلات قائمة على المعرفة والثقة . لكن المشرع تدخل في شركات الأموال فبين كيفية تقدير الأعيان التي تقدم في هذه الشركات للحصول على الأسهم (م 29) وسنتناول ذلك في حينه .
وقد تقدم الأعيان على سبيل التملك . أي أن الشريك يتنازل عن المال ليدخل في ملكية الشركة، وعلى الرغم من أن الأمر لا يعد بيعا لأن نقل الملكية لا يكون إلا مقابل ثمن إلا أن أحكام البيع تنطبق عليه كما يرى البعض ذلك ( ) .
وتطبق على نقل ملكية المال إلى الشركة، الأحكام الخاصة بنوع المال، فإذا كان عقارا مثلا، لا تنتقل ملكيته إلا باستيفاء التسجيل في السجل العقاري في دائرة تسجيل العقار. وبانتقال ملكية المال إلى الشركة وتسليمه فأن هلاك المال يقع عليها باعتبارها المالك الجديد، أما إذا وقع الهلاك قبل ذلك أو قبل التسليم فأنه يهلك على صاحب الحصة، حيث يطلب منه تقديم مال بديل . وعند تصفية الشركة لا يعاد المال إلى الشريك حتى إذا كان موجودا، لأنه أصبح جزء من أموال الشركة , ويعد الأصل تقديم الحصة على سبيل التمليك، ولكن قد يكون تقديم المال على سبيل الانتفاع، وفي هذه الحالة لا يخرج المال من ذمة الشريك، وإذا هلك في أي وقت، وجب تقديم مال يحل محله وبخلاف ذلك تنقضي شراكته. كما يعاد المال إلى صاحبه عند تصفية الشركة أن كان ممكننا، وإلا يعوض عنه.
وقد تكون حصة الشريك التي يقدمها للمشاركة برأس المال . حقا له لدى الغير، فلا يكون مقدما لحصته إلا من تاريخ استيفاء الشركة لهذا الحق من الغير , وهذا كما يقال خلاف ما تقضي به أحكام حواله الحق، في ضمان وجود الدين عند الاحالة، إنما يلتزم المدين أيضا بيسار المدين عند المطالبة، حماية للشركة في تكوين رأس المال( ) .
وتحرم بعض التشريعات أن تكون حصة الشريك ما يتمتع به من سمعه تجارية أو نفوذ( ) .بينما يسمح قانون الموجبات اللبناني في المادة (850) أن تكون حصة أحد الشركاء الثقة التجارية التي يتمتع بها( ) . وأمام سكوت القانون العراقي عن الموقف من السمعة التجارية نرى انه لا مجال لاعتمادها كحصة يمكن أن يقدمها الشريك، خشية التداخل مع ما يتمتع به الشخص من نفوذ اجتماعي أو سياسي، ولأن التعريف في قانون الشركات يقضي أن يقدم الشريك حصة من مال أو عمل، والمال (( كل شيء يصلح أن يكون حصة في الشركة))( )، وتحرم بعض النصوص في التشريعات موضوع المقارنة تقديم حصة في الشركة تعتمد النفوذ أو السمعة المالية( ) .
الحصة : عمــــــل
قد تكون الحصة التي يقدمها الشريك عملا، وهي ما تعرف بالحصة الصناعية، وقد أشار التعريف في المادة الرابعة من قانون الشركات إلى إمكانية أن تكون الحصة عملا .
والشركات التي يغطيها التعريف هي ( المساهمة، المحدودة، التضامنية والمشروع الفردي ) لأن الشركة البسيطة كما أوضحنا ذلك افرد لها المشرع أحكاما خاصة وتعريفا خاصا بها . وبالنسبة لهذه الشركات، المساهمة والمحدودة حسب القانون العراقي هي شركات ينقسم رأس المال فيها إلى أسهم اسمية نقدية متساوية القيمة وغير قابلة للتجزئة ))
فالقانون يشترط أن يكون المقابل للحصول على الأسهم نقودا، ومن غير المتصور تقدير ما يقدمه الشريك من عمل ابتداء، لأن تقديم العمل يمتد طيلة حياة الشركة . ولا يمثل العمل جزء من رأس المال، ولا يكون ضمانا للدائنين، لأنه لا يمكن الحجز عليه، وفي هذه الشركات ( المساهمة والمحدودة )، يقتصر ضمان الدائنين على رأس المال .
وفي هذا المقام نشير إلى كون المشرع الفرنسي وكذا المصري، حظرا أن تكون مساهمة الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة عملا، وإذا كان المشرع الفرنسي يبيح في هذه الشركات أن ينص نظام الشركة على جواز تقديم العمل فيها فقد تعرض هذا التوجه للانتقاد وكذلك حرم القانون الفرنسي والمصري أن تكون الأسهم في الشركة المساهمة مقابل العمل، وسبق ذلك القضاء( ) .
أما بالنسبة لصاحب المشروع الفردي، فله الحرية في أن يقدم عمله، على أن ذلك لا يمثل رأس المال ولابد من تقديم رأس المال المقدر بالنقد، سواء كان من النقود أو الأعيان، قبل صدور شهادة تأسيس المشروع كما تقضي بذلك المادة 53 من قانون الشركات( ) .
تظل من الشركات الأربعة التي أشرنا إليها، الشركة التضامنية , ولا يحول في هذه الشركات حائل دون تقديم شريك أو أكثر عملا . وإذا كانت المادة 53 التي ذكرناها تقضي بأن يقدم رأس المال وبالكامل قبل صدور شهادة تأسيس الشركة، فمن المعلوم أن حصة العمل لا تدخل في تكوين رأس المال، لعدم إمكانية الحجز عليها، ولأن العمل لا يمكن أن يقدم دفعة واحدة أثناء تأسيس الشركة أو في فترة محددة، إنما يكون تقديم العمل مستمرا .
أما الشركات البسيطة فقد جاء النص واضحا في إباحة تقديم العمل كحصة في الشركة، فالمادة 181 تنص على أن (( تتكون الشركة البسيطة من عدد من الشركاء لا يقل عن اثنين ولا يزيد على خمسة يقدمون حصصا في رأس المال أو يقدم واحد منهم أو أكثر عملا والآخرون مالا )) وبصورة عامة يشترط في العمل الذي يقدم، أن يكون ذو فائدة واضحة للشركة، ليس من الأعمال التافهة التي تؤدي من أي شخص( ) . وإذا قدم مثل هذا العمل فلا يكون صاحبه شريكا، إنما أجيرا أو عاملا، ولذلك فأن عمل المهندس والخبير في شؤون التسويق مثلا يمكن أن تمثل حصص لمقدميها في رأس المال كذلك يثار في موضوع حصة العمل، مصير ثمار العمل براءة الاختراع التي يحصل عليها من يقدم حصته عملا فهل ثمارها له أم للشركة ؟ وثمار العمل من نصيب الشركة، إلا براءة الاختراع فهي للشخص مقدم العمل إلا إذا جرى الاتفاق في الحالتين خلاف ذلك .
والمادة 10 من قانون الشركات القطري تنص على (( وإذا كانت حصة الشريك عمله فكل كسب ينتج عن هذا العمل يكون من حق الشركة ما لم يكن الشريك قد حصل على هذا الكسب من حق براءة اختراع إلا إذا اتفق على ذلك. ويمتنع على الشريك الذي تكون حصته عمله أن يمارس نفس العمل لحسابه الخاص ))
وقبل الانتهاء من الموضوع، لابد أن نتطرق إلى دفع الحصة المالية التي يقدمها الشريك في رأس المال، ونبادر إلى القول أن الحصة في الشركة المحدودة والتضامنية والمشروع الفردي تقدم دفعة واحدة وقبل صدور شهادة التأسيس أو شهادة التسجيل كما نرى (م 53) .
وفي الشركات المساهمة يمكن أن تدفع قيمة الأسهم على أقساط نتناولها في حينها . وعليه لم يتبق إلا الشركة البسيطة التي لم ينظم موضوع دفع الحصة فيها المشرع. فإذا تخلف الشريك عن تقديم الحصة أو جزء منها، فنرى وكما يذهب لذلك الفقه بتطبيق القواعد العامة في استيفاء الديون، بينما يرى البعض احتساب فوائد وتعويض عن الأضرار التي تتعرض لها الشركة وهي أحكام مغايرة لحكم القواعد العامة ( ) وقد عالجت بعض التشريعات هذا الأمر فالمادة (16 من قانون دولة الإمارات ) تنص على انه (( يعتبر كل شريك مدينا للشركة بالحصة التي تعهد بها فأن تأخر في تقديمها عن الأجل المحدد لذلك كان مسئولا في مواجهة الشركة عن تعويض الضرر ... )) .

المبحث الرابع
اقتسام الأرباح والخسائر

يسعى الشركاء إلى الحصول على الربح، ولكن قد يؤول مسعاهم إلى الخسارة، فيقتضي أن يتقاسم الشركاء الربح والخسارة، وهو ما يعبر عنه الفقه بنية المشاركة ( ) أو يرتبط به عادة .
والمقصود بالربح الزيادة الإيجابية في الذمة المالية، أو هي زيادة في الأصول على الخصوم بموجب جرد سنوي وإعداد ميزانية كما هو معروف في الفكر المحاسبي والتطبيق ويختلف توزيع الأرباح والخسائر في شركات الأموال عنه في شركات الأشخاص فالنوع الأول من الشركات يقسم رأس المال فيها إلى أجزاء متساوية تسمى الأسهم، وعليه فأن توزيع الربح وكذا الخسارة تكون بمقدار ما يقتني المساهم من الأسهم . لأن نصيب السهم الواحد مساو لغيره في الحالتين ولا يجوز الاتفاق خلاف ذلك . أما رأس المال في شركات الأشخاص فيوزع إلى حصص قد تكون متساوية أو غير متساوية وإذا كانت المادة 73 / ثانيا من قانون الشركات تنص على أن (( يوزع الباقي من الربح أو جزء منه على الأعضاء حسب أسهمهم أو حصصهم حسب الأحوال )) بما يفهم منه أن التوزيع يكون حسب الأسهم أو الحصص ولا يجوز الاتفاق خلافه فأن هذا الأمر ينطبق على شركات الأموال لأن المادة 75 تنص على أن (( توزع الخسائر في الشركة التضامنية بالنسب المنصوص عليها في عقدها والمماثلة لنسب توزيع الإرباح فيها )) . ويستمد هذا النص قوته من الفقرة سادسا م 13 . حيث يفهم من النص انه بالإمكان الاتفاق في العقد على كيفية توزيع الأرباح ويكون مماثلا له توزيع الخسائر . وهو ما يذهب إلى إباحته غالبية الفقه ( ) .
الاتفاق الوحيد غير المباح، والذي يؤدي إلى بطلان عقد الشركة . هو ما يعرف بشرط الأسد، كأن ينص العقد على حرمان احد الشركاء من الربح على الرغم من تحمله الخسارة أو على العكس من ذلك . أن يتضمن عدم مشاركة احد الشركاء في الخسارة، رغم تقاضيه الأرباح ويرجع سبب البطلان، إلى أن مثل هذا الاتفاق يتناقض مع الاشتراك في الأرباح والخسائر، الذي ينص عليه تعريف الشركة، ويتناقض أيضا مع نية المشاركة التي تجمع الشركاء . الحالة الوحيدة التي أباح فيها قانون الشركات إعفاء الشريك من الخسارة في الشركة البسيطة فقط، عندما يقدم الشريك حصته في رأس المال عملا، فالمادة ( 186 ) تنص على انه : (( أولا ـ إذا اتفق على أن احد الشركاء لا يساهم في الربح أو في الخسارة كان عقد الشركة باطلا .
ثانيا ـ يجوز الاتفاق على اعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عمله من المساهمة في الخسارة بشرط أن لا يكون قد تقرر له اجر عن عمله ( ) .
ويرتبط توزيع الإرباح والخسائر بمبدأ نية المشاركة الذي تنهض عليه فكرة الشركة، وهذا المبدأ هو الذي يميز الشركة عن غيرها من الأوضاع القانونية التي تتداخل معها . الشركة كملكية المال على الشيوع واشتراك العمال في الأرباح والجمعيات التعاونية :
الشركة وملكية المال الشائع
فتختلف الشركة عن ملكية المال على الشيوع، في كون الأخير عملا مفروضا على المشتركين بالشيوع نتيجة تملكم مالا لا يقبل القسمة، بينما الشركة عمل ايجابي سعى إليه الشركاء بإرادتهم .
الشركة واشتراك العمال في الأرباح :
تختلف الشركة أيضا عن حالة اشتراك العمال في المصنع عندما تكون الأجور حصة من الأرباح، فلا يتحول المصنع إلى شركة، لانعدام مبدأ المساواة بين الشركاء، فالعمال يؤدون عملهم بتوجيه وإشراف صاحب العمل في حين يتساوى الشركاء في الشركة من حيث الحقوق.
الشركة والجمعية :
تختلف الشركة عن الجمعية، في كون هدف الأولى تحقيق الربح، بينما تسعى الجمعية إلى توفير الخدمات والسلع إلى منتسبيها، ولم يكن الربح هدفا لها حتى لو حققته( ).

عن الاكاديمية العربية المفتوحة بالدنمرك
[/align]