تعريفه وآراء الفقهاء فيه

أولا : تعريفه :
وهو مما انتشر في هذا الزمان بين الشباب المسلم وخاصة من ابتلي بالهجرة إلىبلاد الغرب، وصورته : أن يضمر في نيته طلاق من يرغب زواجها بعد انتهاء دراسته أوعمله ، وهو الأمر الذي سبّب مشاكل كثيرة وردة فعل عكسية وخاصة عند النصارى ولا سيمامن أسلم منهم حديثا، لذا كان من المناسب عرض هذا الموضوع في كتابنا هذا .
فالزواج بنية الطلاق هو أن يتزوج رجل امرأة وينوي بقلبه طلاقها بعد مدة من الزمن قد تطول أو تقصر بناءً على مصلحة الرجل ولا يخبر المرأة أو وليها بنيته طلاقها، وهذه المسألة بحثها الفقهاء المتقدمون وقد أثيرت حديثاً وخاصة بعد أن كثر سفر الشباب المسلم إلى ديار الغرب للدراسة والتجارة ونحو ذلك.
ثانيا: أراء الفقهاء فيه :
أ- سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل " رَكَّاضْ " يسير في البلاد، في كل مدينة شهرا أو شهرين ويعزل عنها، ويخاف أن يقع فيالمعصية ، فهل له أن يتزوج في مدة إقامته في تلك البلدة، وإذا سافر طلقها وأعطاهاحقها ، أولا؟ وهل يصح النكاح أم لا ؟
فأجاب:
له أن يتزوج ، لكن ينكح نكاحا مطلقا لايشترط فيه توقيتا بحيث يكون إن شاء أمسكها، وإن شاء طلقها، وإن نوى طلاقها حتما عندانقضاء سفره كره في مثل ذلكوفي صحة النكاح نزاع .
ولونوى أنه إذا سافر وأعجبته أمسكها وإلا طلقها : جاز ذلك
وأما أن يشترط التوقيتفهذا "نكاح المتعة" الذي اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على تحريمهفي “ مجموع الفتاوى" (32/147).
وأما إذا نوىالزوج الأجل ولم يظهره للمرأة فهذا فيه نزاع، يرخص فيه أبو حنيفة والشافعي، ويكرههمالك وأحمد وغيرهما . كما أنه لو نوى التحليل: كان ذلك مما اتفق الصحابة على النهيعنه وجعلوه من نكاح المحلل .

لكن نكاح المحلل شر من نكاح المتعة ، فإن نكاحالمحلل لم يبح قط ، إذ ليس مقصود المحلل أن ينكح، وإنما مقصوده أن يعيدها إلىالمطلق قبله فهو يثبت العقد ليزيله . وهذا لا يكون مشروعا بحال، بخلاف المستمتع فإنله غرضا في الاستمتاع، لكن التأجيل يخل بمقصود النكاح من المودة والرحمة والسكن،ويجعل الزوجة بمنزلة المستأجرة ، فلهذا كانت النية في نكاح المتعة أخف من النية فينكاح المحلل ، وهو يتردد بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه .أ.هـ. " مجموع الفتاوى" (32/107-108).

ب- قال النووي رحمه الله :
قال القاضي : وأجمعوا على أن من نكح نكاحا مطلقا ونيته أن لايمكث معها إلا مدة نواها فنكاحه صحيح حلال، وليس نكاح متعة. وإنما نكاح المتعة ماوقع بالشرط المذكور. ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس . وشذ الأوزاعي فقال : هو نكاح متعة ولا خير فيه.أ.هـ. " شرح مسلم" (9/182).

ج- وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله :
وإن تزوجها بغير شرط، إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذاانقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم، إلا الأوزاعي قال : هو نكاح متعة. والصحيح : أنه لا بأس به ، ولا تضر نيته، وليس على الرجل أن ينوي حبسامرأته، وحسبه إن وافقته وإلا طلقها .أ.هـ. "المغني" (7/573).

قلت:
ويظهر أن المرادمن قول ابن قدامة رحمه الله "أنه لا بأس به، ولا تضر نيَّتُه" إنما هو في صحةالعقد، فإن أراد أنه لا شيء عليه من الإثم: فلا يظهر أنه صواب، ومثله قول من قالإنه "نكاح متعة"، لكن الأظهر أنه غير جائز لما فيه من خداع ولي أمر المرأة، وإفسادعلاقة الناس بعضهم ببعض، وهو ما سيأتي إن شاء الله في كلام الشيخ ابن عثيمين حفظهالله، والشيخ رشيد رضا رحمه الله.


وشيخ الإسلام رحمه اللهاختلف كلامه فيهذه المسألة ، فمرة قال بجوازه، ومرة قال بمنعه. والذي يظهر لي أنه ليس من نكاحالمتعة، لكنه محرم من جهة أخرى، وهي خيانة الزوجة ووليها. لأن الزوجة ووليها لوعلما بذلك : ما رضوا وما زوجوه. ولو شرطه عليهم صار نكاح متعة .

فنقول : إنه محرم لا من أجل أن العقد اعتراه خلل يعود إليه، ولكن من أجل أنه من بابالخيانة والخداع . فإذا قال قائل : إذا هم زوجوه ، فهل يلزمونه أن تبقى الزوجة فيذمته؟ إذ من الممكن أن يزوجوه اليوم ويطلق غدا ؟

قلنا : نعم . هذا صحيح . فالأمر بيده إن شاء طلق وإن شاء أبقى، لكن هناك فرق بين إنسان تزوج نكاح رغبة، ثملما دخل على زوجته ما رغب فيها، وبين إنسان نوى من الأصل نكاح متعة بنيته ، فهو ماقصد إلا أن يتمتع هذه الأيام ثم يطلقها، فبينهما فرق .

ولو قال قائل : إن قولكمإنه خيانة للمرأة ووليها غير سديد ، وذلك لأن الرجل في اختياره أن يطلق متى شاء ،فهم داخلون على مغامرة ومخاطرة ، فهم لا يدرون متى يطلق؟

قلنا : هذا صحيح . لكن هميعتقدون وهو أيضا يعتقد - إذا كان نكاح رغبة - أن هذا النكاح أبدي ، وإذا طرأ طارئلم يكن يخطر على البال : فهذا أمر وارد لكنه على خلاف الأصل. ولهذا فإن الرجلالمعروف بكثرة الطلاق: لا ينساق الناس إلى تزويجه.

فإذا تزوج الرجل على هذهالنية فعلى قول من يقول إنه من "نكاح المتعة" ، -وهو المذهب- فالنكاح باطل . وعلىالقول الثاني - وهو الذي نختاره - أن النكاح صحيح ، لكنه آثم بذلك من أجل الغش ،وهو مثل ما لو باع الإنسان سلعة - بالشروط المعتبرة شرعا - لكنه غاش فيها: فالبيعصحيح، والغش محرم. أ.هـ. من " شريط رقم 9 - كتاب النكاح" . شرح "زاد المستقنع".

هـ- وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمهالله:
هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف فيمنع "المتعة" يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاحيكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد. ولكن كتمانه إياه يعدخداعاً وغشاً. وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكونبالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها. ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذهالرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بينالذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات. وما لا يشترط فيه ذلك يكون علىاشتماله على ذلك غشاً وخداعاً تترتب عليه مفاسدَ أخرى من العداوة والبغضاء وذهابالثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته وهو إحصان كل من الزوجين للآخروإخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة. أ. هـ نقلاً عن "فقهالسنة" للسيد سابق (2/39)