دعوى البطلان الأصلية – هي طريق طعن استثنائي فى الأحكام الصادرة بصفة نهائية ويجب أن يكون الخطأ الذي شاب الحكم ثمرة خطأ فاضح فيضطرب ميزان العدالة على نحو لا يستقيم معه سوى صدور حكم يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ولا يجوز معاودة طرح موضوع النزاع من جديد على المحكمة بعد أن فصلت فيه بحكم بات وقضاء نافذ وهو ما يخرج بالدعوى عن الغاية التي تغياها المشرع منها – أساس ذلك.

المحكمة:

ومن حيث إن عناصر المنازعة مستقاة من أوراقها تجمل (وبالقدر اللازم لحمل منطوق الحكم على أسبابه) فى أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 1839 لسنة 52ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وطلب فيها الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه بثبوت الجنسية المصرية له، على سند أنه وولد بمنطقة شبرا الخيمة محافظة القليوبية وقيد بمكتب صحة شبرا الخيمة تحت رقم 259 فى 15/3/1958 وأن والده وأمه مصريان ولدا بمركز قليوب محافظة القليوبية، إلا أنه فوجئ أن مصلحة الأحوال المدنية ومصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية تخطره بتصحيح جنسيته من مصري إلى سعودي، فتقدم بالعديد من التظلمات إلى مصلحة وثائق السفر والجنسية لإثبات جنسيته، دون جدوى، مما حدي به إلى إٌقامة هذه الدعوى للحكم له بالطلبات آنفة الذكر. وقد تدوولت الدعوى بالجلسات أمام محكمة القضاء الإداري بالقرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها ثبوت الجنسية المصرية للمدعى، وشيدت المحكمة قضائها على أساس، أن والد المدعى ولد فى مصر بتاريخ 31/10/1927 بمحافظة القليوبية، وأنه مقيد بجداول الانتخاب ونه يعمل بالشركة الأهلية للنسيج وتوفى ودفن فى مصر، مما ينبئ عن أنه مصري الجنسية، كما أن أم المدعى ولدت فى مصر بتاريخ 3/4/1930 ، وأن المدعى تلقى تعليمه فى مصر وطبق فى شأنه قانون الخدمة العسكرية، مما يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر مخالفاً للواقع والقانون، وإذا لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى جهة الإدارة، فقامت بالطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا وقيد الطعن برقم 8355 لسنة 47ق.ع، وطلبت فى هذا الطعن الحكم بإلغاء ذلك الحكم والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات عن درجتي التقاضي. وقد نظر الطعن بالجلسات أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضرها التي قررت بجلسة 16/5/2005 إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى موضوع بالمحكمة، وأودعت هيئة المفوضين تقريراً فى الطعن ارتأت فيه الحكم برفض الدعوى وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وبجلسة 24/12/2005 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بدعوى البطلان الأصلية والمشار إليها أنفاً، وأقامت لمحكمة قضائها على أساس أن الثابت من الأوراق وأن والد المطعون ضده من مواليد 31/10/1927، مما يعنى أنه وقت العمل بالمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 كان عمر والده سنتين، ومن ثم فإنه لا يتمتع بالجنسية المصرية إلا إذا كان والده ( أي جد المطعون ضده ) يتمتع بالجنسية المصرية ، ولما كانت الأوراق قد أجدبت عن توافر أي من الشروط الواجب توافرها للدخول فى الجنسية المصرية لجد المطعون ضده، وبالتالي لا يكون والد المطعون ضده متمتعاً بالجنسية المصرية وتبعاً بذلك لا يكون المطعون ضده ثبوت الجنسية المصرية له، مفتقراً إلى السند الصحيح من الواقع أو القانون، ويكون مسلك الجهة الإدارية بعدم الاعتراف بثبوت جنسيته المصرية، متفقاً وصحيح القانون، وأنه لا اعتداد بما أثاره المطعون ضده من أن حالته وحالة والده الظاهرة تعد دليلاً على جنسيتهما المصرية من واقع المستندات القديمة منه والمتمثلة فى شهادات ميلاد وصور من البطاقات العائلية والشخصية وجوازات سفر وشهادات دراسية وأن والده كان يعمل فى مصر من عام 1953 حتى عام 1987، ذلك أن هذه الشهادات لا تعد أصلاً لإثبات الجنسية، وإنما هي قرائن عليها تزول قيمتها إذا أثبت البحث عن عدم توافر شروط قيام هذه الجنسية فى حق صاحب الشأن، قانوناً، على نحو ما تقدم.
وإذا لم يرتضى المطعون ضده هذا الحكم فقام بالطعن عليه بدعوى البطلان الأصلية، ناعياً على الحكم، أنه استبعد المستندات المقدمة منه لإثبات إقامته ووالده فى مصر، كما أن الوقائع تثبت إقامة جده فى مصر، لأنه ليس من المنطقي أن ينجب جده ، والده،عام 1927 ويكون عابر سبيل، إنما لا بد أن يكون مقيماً فى مصر فى ذلك الوقت، وأن الحكم بنى على قول جهة الإدارة بأن المطعون ضده سعودي الجنسية، وهو قول مرسل وغير صحيح.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا – قد استقرت بقضاء متواتر على أنها بما وسد لها من رقابة المشروعية وسيادة القانون، وبما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته وغير معقب على أحكامها تستوي على القمة فى مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، ومن ثم لا يكون من سبيل إلى إهدار أحكامها والنيل منها إلا بولوج دعوى البطلان الأصلية، وهى طريق طعن إستثنائى فى الأحكام الصادرة بصفة إنتهائية وفى غير حالات البطلان المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، وتنحصر فى الحالات التي تنطوي على عيب جسيم مثل إهداراً للعدالة على نحو يفقد معها الحكم وظيفته، فتتزعزع قرينة الحكم التي تلازمه، ويجب أن يكون الخطأ الذي شاب الحكم ثمرة غلط فاضح يكشف بذاته عن أمره فيضطرب ميزان العدالة، على نحو لا يستقيم معه، سوى صدور حكم يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، كأن يصدر الحكم من تشكيل بالمحكمة غير مكتمل، أو من مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية للفصل فى الخصومة، أما إذا قام الطعن على أسباب موضوعية تندرج تحت احتمالات الخطأ والصواب فى تأويل القانون وتطبيقه، أو مناقشة الأدلة التي استند إليها الحكم المطعون فيه، فإن هذه الأسباب لا تمثل إهداراً للعدالة على نحو يفقد معها الحكم وظيفته، ومن ثم لا تصمه بعيب ينحدر به إلى درك الانعدام، وتكون الدعوى لا سند لها من صحيح حكم القانون ولا عاصم لها من الرفض.
ومن حيث أنه لما كانت الأسباب التي ساقها المطعون ضده نعياً على الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان الأصلية، ليس من شأنها أن تنال من سلامته ولا تكشف عن ثمة بطلان علق به، وقد سبق أن تناولها الحكم فى أسبابه إيراداً ورداً، وغاية الأمر ومرام المطعون ضده أن يهدف من دعواه إلى معاودة طرح موضوع النزاع من جديد إلى المحكمة، بعد فصلت فيه بحكم بات وقضاء نافذ، وهو ما يخرج بالدعوى عن الغاية التي تغياها المشرع منها، ويدفع بها كوسيلة للمساس بالحجية التي تدثر بها الحكم المطعون فيه، مما تكون معه غير قائمة على سند صحيح من القانون، متعيناً القضاء برفضها.

( المحكمة الإدارية العليا – الدائرة الأولى – موضوع – الطعن رقم 14381 لسنة 52 ق – جلسة 10/1/2009).
-------------------------