حكمت المحكمة برفض الدعوي بعدم دستورية نص المادة 10
من قرار رئيس الجمهورية رقم 193 لسنة 1977 بشأن تنظيم
الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان ونص البند (ي) من
المادة الأولي من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز
الإداري .

( حكم المحكمة الدستورية العليا – في القضية رقم 233
لسنة 26 قضائية ( دستورية ) – جلسة 6/4/2008- الجريدة
الرسمية العدد 16 مكررا في 21/4/2008 ) .

المبادئ :

(1) المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوي
الدستورية – مناط توافرها في الدعوي الماثلة .

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية
المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوي الدستورية – مناطها قيام علاقة
منطقية بينها وبين المصلحة في الدعوي الموضوعية ، وذلك بأن يكون
الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المطروحة علي
محكمة الموضوع ولا تتحقق تلك المصلحة إلا بإجتماع شرطين ،
أولهما : أن يقوم الدليل علي أن ضررا واقعيا مباشرا ممكنا تداركه
قد لحق بالمدعي ، وثانيهما : أن يكون مرد هذا الضرر إلي النص
التشريعي المطعون فيه ، متي كان ذلك ، وكانت المادة الأولي من
القانون رقم 308 لسنة 1955 تنص علي أنه ( يجوز أن تتبع إجراءات
الحجز الإداري المبينة بهذا القانون عند عدم الوفاء بالمستحقات الآتية:....

(ي) المبالغ الأخري التي نصت القوانين الخاصة بها علي تحصيلها
بطريق الحجز الإداري ) .

ولما كان هذا النص يحيل في شأن تحديد المبالغ التي تتبع إجراءات
الحجز الإداري لإقتضائها إلي القوانين الخاصة بها ، ولم يتضمن في
ذاته حكما موضوعيا محددا مس حقا للمدعي ، فإن المصلحة في الطعن
عليه تكون منتفية ، ومن ثم يتحدد نطاق الدعوي والمصلحة فيها بالمادة
(10) من قرار رئيس الجمهورية رقم 193 لسنة 1977 التي تنص علي
أن ( للهيئة في سبيل إقتضاء حقوقها إتخاذ إجراءات الحجز الإداري وفقا
لأحكام القانون )

وهو النص الذي تمت إجراءات الحجز محل النزاع في الدعوي الموضوعية
إستنادا له ،وبالتالي يكون للقضاء في مدي دستوريته أثره وإنعكاسه الأكيد
علي هذا النزاع والطلبات المطروحة فيه ، وقضاء المحكمة في تلك الطلبات .

(2) مناعي المدعي .

وحيث إن المدعي ينعي علي النص المطعون فيه مخالفته لمبدأ خضوع الدولة للقانون المقرر بنص المادة 65 من الدستور ، ولمبدأ تكافؤ الفرص ، علي سند من أن نشاط الهيئة المدعي عليها في الإقراض لإقامة المساكن وتشطيبها مقابل فائدة محددة ، يعد نشاطا مصرفيا له طبيعة الأنشطة ذاتها التي تمارسها البنوك وهي من
أشخاص القانون الخاص بما يستتبع خضوعها في خصوص هذا النشاط لأحكام القانون الخاص ، وعدم
جواز تحويلها الحق في إقتضاء حقوقها في شأنه بطريق الحجز الإداري .

(3) دولة قانونية – تنظيم تشريعي- الهيئة العامة لتعاونيات البناء
والإسكان تعد هيئة عامة مستقلة ولها بعض إختصاصات السلطة
العامة ومن بينها حقها في إقتضاء حقوقها بطريق الحجز الإداري .

وحيث إن النعي في شقة الأول غير سديد ، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة
أن الدولة القانونية طبقا لنص المادة 65 من الدستور هي التي تتوافر لكل مواطن في
كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته ، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار
من المشروعية ، وهي ضمانة يدعمها القضاء من خلال إستقلال وحصانته ، لتصبح
القاعدة القانونية محورا لكل تنظيم ، وحدا لكل سلطة ورادعا ضد العدوان عليها .
وكان الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويا علي تقسيم أو تصنيف من
خلال الأعباء التي يلقيها علي البعض أو المزايا التي يمنحها دون غيرها ، ويتعين
دوما لضمان إتفاق هذا التنظيم مع الدستور ، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض
المشروعة التي إعتنقها المشرع في موضوع محدد ، وفاء بمصلحة عامة لها
إعتبارها ، والوسائل التي إتخذها طريقا لبلوغها ، فلا تنفصل النصوص القانونية
التي نظم بها هذا الموضوع عن أهدافها ، بل يجب أن تعد مدخلا إليها – لما كان
ذلك وكانت الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان تعد طبقا لنص المادة (1) من
قرار رئيس الجمهورية رقم 193 لسنة 1977 المنظم لها ، هيئة عامة تتمتع
بالشخصية الإعتبارية المستقلة ، وتدخل في عداد أشخاص القانون العام ، ومن
أجل ذلك قرر لها النص المطعون فيه بعض إختصاصات السلطة العامة ، ومن
بينها الحق في إقتضاء جميع حقوقها بطريق الحجز الإداري وفقا لأحكام القانون
رقم 308 لسنة 1955 المشار إليه ، وكانت القواعد التي تضمنها قانون الحجز
الإداري ، غايتها أن تكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من
تحصيل حقوقها ، فلا يتقيد إقتضاؤها جبرا عن مدينيها بالقواعد التي فصلها
قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري ، وإنما تعتبر إستثناء
منها ، وإمتيازا مقررا لصالحها ، ذلك أن قرارها بإسناد ديون تدعيها علي
آخرين ، الصادر طبقا لنص المادة (2) من هذا القانون ، يفيد أن قولها بوجودها
وتحديدها لمقدارها ، يعتبر سندا تنفيذيا بها يغنيها عن اللجوء إلي القضاء لإثباتها،
وإذا كان مرد هذا التنظيم – كما سلف البيان – هو تمكين الشخص العام من إستئداء
الديون التي طلبها لنفسه من مدينيه – أيا كانت طبيعتها – بوسائل يجاوز بها ما يكون
مألوفا من صور التعامل في علائق الأفراد بعضهم ببعض ، ليستطيع عن طريقها
الوفاء بإلتزاماته في إشباع الحاجات العامة ، فقد قابل المشرع تقرير تلك الميزة
لأشخاص القانون العام بكفالة حق المدين المحجوز عليه وذوي الشأن ممن تتأثر
مصالحهم بذلك الحجز في المنازعة أمام القضاء في أصل الدين ، أو في صحة
إجراءات الحجز ، أو في ملكية الأشياء المحجوزة وإستردادها ، ورتب في
المادة (27) من القانون المذكور علي رفع هذه المنازعة وقف إجراءات
الحجز والبيع الإداريين وذلك لحين الفصل نهائيا في النزاع ، محققا -
بذلك – التوازن بين أطراف العلاقة القانونية الواحدة ، ومقيما في الوقت
ذاته علاقة منطقية بين تقرير هذه الميزة ، والأغراض التي إعتنقها المشرع
وتغيا بلوغها ، والتي تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التي يقوم عليها هذا
التنظيم ، الأمر الذي تكون معه الأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه غير مصادمة
لنص المادة 65 من الدستور .

(4) مبدأ تكافؤ الفرص يتصل مضمونه بالفرص التي تتعهد
الدولة بتقديمها فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها .

وحيث إن النعي بمخالفة النص المطعون فيه لمبدأ تكافؤ الفرص المقرر بنص
المادة 8 من الدستور ، في غير محله ، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة
أن مضمون هذا المبدأ يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها ، فلا يثور
إعماله إلا عند التزاحم عليها ، كما أن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها
تقرير أولوية – في مجال الإنتفاع بها – لبعض المتزاحمين علي البعض ،
وهي أولوية تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام ، بما
مؤداه أن إعمال هذا المبدأ في نطاق تطبيق النص المطعون فيه يكون
منتفيا ، إذ لا صلة له بفرص يجري التزاحم عليها .

وحيث إن النص الطعين لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور .