الحق فيالتقاضي
يقوم الحق في التقاضي على أساسين اثنين: أوّلهما: ان الحق فيالتقاضي هو خير ضامن لإقامة العدل بين الناس بما يمكن من تفادي العدالة الخاصةويحقق السلم الاجتماعي المنشود وثانيهما: ان القضاء اصبح من مقتضيات سيادة الدولةمع ما يقتضيه ذلك من ضرورة إيجاد سلطة قضائية تتولى ضمان تطبيق القانون وسموه.

والضرورة تقتضي ألايترك أمر تحقيق القانون في الواقع الاجتماعي لتقدير الأفراد وفقا لمشيئتهم حتى لاتسود الفوضى وتنتهك الحقوق ويصبح الضعيف عاجزا عن حماية حقوقه تجاه القوي. ولنيتحقق ذلك إلا بإيجاد سلطة تكفل للقانون احترامه وتعطيه فاعليته ولزومه وتعمل علىإزالة ما يعوق هذا الاحترام وما يعرقل النفاذ العادي له، عن طريق إجبار الأفراد علىاحترام القانون وإعمال قواعده في تصرفاتهم وسلوكهم حتى يتحقق العدل والمساواة بينجميع الناس ويسود الأمن والسلم والاستقرار في المجتمع.
وتتمثل هذه السلطة التيتهدف إلى تطبيق القانون وإقامة العدل والمساواة بين الناس في القضاء. فالحق فيالتقاضي هو بمثابة الحق الذي منحه القانون للأفراد، وبذلك فإن الحق يقوم مقامالحريات العامة التي ضمنها القانون والتي لا يجوز حرمان أي مواطن منها. وقد جاء فيالمادة الرابعة من الدستور أن "العدل أساس الحكم.. والحرية والمساواة والأمن.. دعامات للمجتمع تكفله الدولة".
وفي هذا الإطار فإن توفير الضمانات اللازمة للحقفي التقاضي ضروري ولازم، وتتعدد هذه الضمانات ومن أهمها المساواة في اللجوء إلىالقضاء وما يقتضيه ذلك من ضمان تكافؤ فرص الالتجاء إلى القضاء، بإقرار مبدأ وحدةالمحاكم وتوحيد الإجراءات ووحدة القانون المنطبق على النزاع، بالإضافة إلى إزالةالحواجز المادية التي تحول دون ممارسة حق التقاضي. ولم تقتصر ضمانات حق التقاضي علىهذا الحد بل تجاوزته إلى عدة ضمانات أخرى كالحق في اللجوء إلى محكمة مستقلة والحقفي الدفاع والحق في الطعن. ونصت الفقرة ( أ ) من المادة 104 من الدستور على أن "شرفالقضاء، ونزاهة القضاء وعدله، أساس الحكم وضمان للحقوق والحريات". وأكدت الفقرة ( أ ) من المادة 20 من الدستور انه لا يمكن عقاب أي فرد إلا بموجب نص صريح في القانونفنصت على أن "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون". وفي هذا السياق أقر الإعلانالعالمي لحقوق الإنسان، جملة من المبادئ التي تحكم جهاز القضاء، إذ جاء بالمادة 10 : ان "لكل إنسان على قدم المساواة مع الآخرين الحق في أن تنظر في قضيته محكمةمستقلة ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا للفصل في حقوقه والتزاماته" وركزت المادة 11 علىأهمية حق الدفاع في ضمان محاكمة عادلة، ومبدأ استقلالية القضاء وحياد القاضي، وكلهامبادئ أصبحت اليوم تحكم القضاء. ونصت الفقرة ( جـ ) من المادة 20 من الدستور على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضروريةلممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون". ولا شكّ أنالمبادئ الواردة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتماشى مع ما نصت عليه الفقرة (ج) من المادّة 55 من ميثاق الأمم المتّحدة التي أشارت إلى أن من أهداف الأمم المتحدةأن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسيّة للجميع بلا تمييز بسببالجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوقوالحريات فعلا.
ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المرجع الأساسي لجميعالحقوق ومنها الحق في التقاضي، إذ جاء بالمادة الثانية منه "لكل إنسان حق التمتعبجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دون تمييز من أي نوع" ومعنى ذلك أنالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمن لكل شخص حق التمتع بالحقوق الواردة فيه وأهمهاالحق في التقاضي. وفي هذا الشأن فقد نصت الفقرة (و) من الدستور على أن "حق التقاضيمكفول وفقاً للقانون".
طالما أنه لا يمكن الحديث عن المساواة أمام القانون،بمعزل عن الحق في اللجوء إلى القضاء، فقد نصت المادة 8 على أنه "لكل إنسان حقاللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أي أعمال تنال من الحقوقالأساسية التي يكفلها الدستور أو القانون". ولقد اُعْتُبِرَتْ هذه المادة المصدرالأساسي للحق في التقاضي لأنها تعرضت للحق في اللجوء إلى المحاكم صراحة .