لجين بنت أحمد الحقيل
426201616
اثر التوبه على الحدود :
قال موفق الدين الحنبلي : [فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم, سقطت عنهم حدود الله تعالى وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح, والأموال إلا أن يعفى لهم عنها]
لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم وبه قال مالك والشافعي, وأصحاب الرأي وأبو ثور والأصل في هذا قول الله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} فعلى هذا يسقط عنهم تحتم القتل والصلب والقطع والنفى ويبقى عليهم القصاص في النفس والجراح, وغرامة المال والدية لما لا قصاص فيه فأما إن تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شيء من الحدود لقول الله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فأوجب عليهم الحد ثم استثنى التائبين قبل القدرة, فمن عداهم يبقى على قضية العموم ولأنه إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص وبعدها الظاهر أنها تقية من إقامة الحد عليه ولأن في قبول توبته, وإسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبا في توبته والرجوع عن محاربته وإفساده, فناسب ذلك الإسقاط عنه وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة
وإن تاب من عليه حد من غير المحاربين, وأصلح ففيه روايتان إحداهما: يسقط عنه لقول الله تعالى: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} وذكر حد السارق ثم قال: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب, كمن لا ذنب له) ومن لا ذنب له لا حد عليه وقال في ماعز لما أخبر بهربه: (هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه) ولأنه خالص حق الله تعالى, فيسقط بالتوبة كحد المحارب والرواية الثانية: لا يسقط وهو قول مالك وأبى حنيفة, وأحد قولي الشافعي لقول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وهذا عام في التائبين وغيرهم وقال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجم ماعزا والغامدية وقطع الذي أقر بالسرقة وقد جاءوا تائبين يطلبون التطهير بإقامة الحد, وقد سمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلهم توبة فقال في حق المرأة: (لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) وجاء عمرو بن سمرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني سرقت جملا لبني فلان, فطهرني وقد أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحد عليهم ولأن الحد كفارة فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل ولأنه مقدور عليه, فلم يسقط عنه الحد بالتوبة كالمحارب بعد القدرة عليه فإن قلنا بسقوط الحد بالتوبة فهل يسقط بمجرد التوبة, أو بها مع إصلاح العمل؟ فيه وجهان أحدهما: يسقط بمجردها وهو ظاهر قول أصحابنا لأنها توبة مسقطة للحد فأشبهت توبة المحارب قبل القدرة عليه والثاني: يعتبر إصلاح العمل لقول الله تعالى: {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} وقال: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} فعلى هذا القول يعتبر مضى مدة يعلم بها صدق توبته, وصلاح نيته وليست مقدرة بمدة معلومة وقال بعض أصحاب الشافعي: مدة ذلك سنة وهذا توقيت بغير توقيف, فلا يجوز.
المصدر : الحنبلي , موفق الدين أبو محمد , المغني / كتاب قطاع الطريق
المفضلات