[align=justify]امتداد العقد دون موافقة احد أطرافة أمر مرفوض قانونا طبقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلا أن مشكلة استغلال الملاك للمستأجرين وارتفاع القيمة ألإيجاريه دفعت المشرع للخروج على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين بالنص على امتداد عقد الإيجار فيما بين المؤجر والمستأجر إلا انه فات على المشرع وضع توازن في القيمة ألإيجاريه للعين المؤجرة يتماشى مع مرور الزمن فالتوازن الذي وضعة المشرع فى العلاقة بين المؤجر و المستأجر هو توازن كان موجود وقت الإيجار فقط إلا أن تطور الظروف الاقتصادية وتأثير التضخم عصف بهذا التوازن
كما أن المشرع في بعض تلك القوانين لم يترك يد المالك حرة في تحديد هذا التوازن بل قيده بقيمة إيجاريه وضع لها سقفا لا يمكن تجاوزه أو قيده بقيمة إيجاريه تقوم اللجان بتحديدها
وانتقد كثيرا من الفقه قوانين الإيجار الاستثنائية فذهب البعض أن تدخل المشرع في العلاقة ألإيجاريه بين ملاك ومستأجري العقارات السكنية قد أفسد هذه العلاقة‏,‏ لأنه لم يحقق التوازن ولم يراع العدالة بين الطرفين‏,‏ ولهذا فإن إيجارات المساكن في حاجة إلي مراجعة تشريعية دقيقة للعودة بها إلي الوضع الطبيعي حفاظا علي الاستقرار والسلام الاجتماعي‏. ‏
والتساؤل المطروح هنا هل هناك شبهه عدم دستورية للامتداد القانوني ؟ ثم إذا كان هناك شبهه بعدم دستورية نصوص الامتداد القانوني فما هي الوسائل المثلى لحل تلك المشكلة ؟
هذا ما نحاول الإجابة عليه من خلال إظهار تاريخ الامتداد القانوني في التشريع المصري ثم نبين مدى إمكانية رقابة المحكمة الدستورية للقوانين الاستثنائية ثم نوضح أوجه العوار التي تصيب الامتداد القانوني وأخيرا نوضع كيفية معالجة تلك المشكلة من خلال خمس مطالب
المطلب الأول
تاريخ الامتداد القانوني
أول فكرة لامتداد عقد الإيجار لم تكن إمدادا قانونيا صرفا بقوة القانون وإنما كان امتدادا مشروطا بطلب المستأجر البقاء في العين المؤجرة وجاء ذلك في أمر وزير الداخلية رقم 151 لسنة 1941 حيث نص في المادة الأولى منه على انه " لمستأجري المنازل أو أجزاء المنازل الخالية من المفروشات أو المفروشة و المخصصة للسكنى وللمستأجرين من الباطن في المدن وفى الأحياء التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية الحق في طلب امتداد الإجارة القائمة في أول مايو سنة 1941 بالشروط الواردة فيها لمدد جديدة متتابعة بحيث لا تزيد المدة الواحدة على ستة أشهر
ويجب للانتفاع بأحكام الفقرة السابقة أن يكون المستأجر قد قام بجميع الالتزامات المفروضة عليه بمقتضى عقد الإيجار وان يعلن المالك بخطاب موصى عليه برغبته في التجديد قبل انتهاء الإجارة بخمسة عشر يوما على الأقل"
ثم صدر المرسوم 598 رقم لسنة 1945 وكانت أول فكرة للامتداد القانوني دون تكليف المستأجر في إعلان رغبته في امتداد عقد الإيجار فنص في مادته الأولى على انه " لا يجوز للمؤجر إن يخرج المستأجر إلا بحكم قضائي يستند إلى احد السببين الآتيين :- (1) إن تكون الأجرة المستحقة بصفه قانونية طبقا لأحكام هذا الأمر لم تدفع في خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المطالبة بها بعد لاستحقاق بإعلان على يد محضر أو بخطاب مسجل
(2) إن يكون المستأجر قد استعمل المكان أو سمح باستعماله بطريقه تنافى شروط عقد الإيجار المعقول هاو تضر بمصلحه المالك ......"
ثم صدر المرسوم بقانون رقم 140 لسنة 1946 ونص في مادته الثانية على انه :- لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر إلا لأحد الأسباب الآتية :-
(أ‌) إذا لم يقم المستأجر بوفاء الأجرة المستحقة طبقا لأحكام هذا المرسوم بقانون في خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المطالبة بها قضاء أو من تاريخ تكليف المستأجر بوفائها بإعلان على يد محضر أو بكتاب مسجل مصحوب بعلم وصول
(ب‌) إذا كان المستأجر قد أجر من الباطن المكان المؤجر دون أن يكون له الحق في ذلك
(ج ) إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تنافى شروط الإيجار المعقولة أو تضر بمصلحة المالك "
ثم صدر أول قانون صادر عن ممثلي الشعب ويقرر الامتداد القانوني لعقود الإيجار إلا وهو القانون رقم 121 لسنة 1947 والذي نص في مادته الثانية من ذات القانون والمعدلة بالقانون 17 لسنة 1949 على انه " لا يجوز للمؤجر إن يطلب إخلاء المكان المؤجر ولو عند انتهاء المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية :-
(أ‌) إذا لم يقم المستأجر بوفاء الأجرة المستحقة طبقا لأحكام هذا القانون في خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بإعلان على يد محضر أو بكتاب مسجل يسلم بإيصال
(ب‌) إذا كان المستأجر قد أجر من الباطن المكان المؤجر بغير إذن كتابي صريح من المالك في تاريخ التأجير ولا يعمل بالتصريح العام العقد الأصلي بالتأجير من الباطن إلا إذا كان لاحقا لأخر ديسمبر سنة 1943
(ج) إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تنافى شروط الإيجار المعقولة أو تضر بمصلحة المالك
(د) إذا ثبت أن المكان المؤجر أصبح آيلا للسقوط ويخشى منه على سلامة المكان "
ثم صدر القانون رقم 52 لسنة 1969 ونصت المادة الثالثة والعشرون على انه " فى غير الاماكن المؤجرة مفروشة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية :-
(أ‌) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى علية مصحوب بعلم الوصول بدون مظروف أو بإعلان على يد محضر على انه لا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر بأداء الأجرة وفوائدها بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق حتى تاريخ السداد والمصاريف الرسمية وذلك قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى فإذا تكرر امتناعه أو تأخر عن الوفاء بالأجرة المستحقة دون أن يقدم مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء
(ب‌) إذا اجر المستأجر المكان المؤجر من الباطن أو تنازل عنه أو تركة للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك وذلك مع عدم الإخلال بأحكام المواد 4 ، 21 ، 26 ، 27 من هذا القانون
(ج) إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة أو تضر بمصلحة المؤجر
ثم صدر القانون 49 لسنة 1977 ونص على الآتي " في غير الأماكن المؤجرة مفروشة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية :-
(أ‌) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى علية مصحوب بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر و لا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعليه فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخر عن الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء
ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير في سداد الأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الأجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم
(ب‌) إذا اجر المستأجر المكان المؤجر من الباطن أو تنازل عنه أو تركة للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك للمستأجر الأصلي وذلك مع عدم الإخلال بأحكام المواد التي تجيز للمستأجر ذلك
(ج) إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة والمتعارف عليها أو تضر بمصلحة المؤجر أو استعمله في غير الأغراض المؤجر من اجلها وذلك بعد اعذراه بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه
(د) إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة ضارة بالصحة أو مقلقة للراحة أو منافية للآداب العامة متى ثبت ذلك بحكم قضائي نهائي"
وأخيرا صدر القانون 136 لسنة 1981 ونص على انه " لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية :-
(أ‌) الهدم الكلى أو الجزئي للمنشآت الآيلة للسقوط و الإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقا لأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية
(ب‌) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى علية مصحوب بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر و لا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعليه
ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير في سداد الأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الأجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم وبشرط إن يتم التنفيذ في مواجهة المستأجر
فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخر عن الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء أو الطرد بحسب الأحوال
(ج ) إذا ثبت إن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر أو أجرة من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك للمستأجر الأصلي ، أو تركة بقصد الاستغناء عنه نهائيا وذلك دون إخلال بالحالات التي يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشا أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركة لذوى القربى وفقا لأحكام المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977
(د) إذا ثبت بحكم قضائي نهائي إن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة ا وفى إغراض منافية للآداب العامة
ومع عدم الإخلال بالأسباب المشار إليها لا تمتد بقوة القانون عقود إيجار الأماكن المفروشة
وتلغى المادة 31 من القانون 49 لسنة 1977 وذلك اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون "

المطلب الثاني
مدى إمكانية الطعن بعدم دستورية القوانين الاستثنائية
يثور التساؤل حول مدى خضوع القوانين الاستثنائية لرقابة المحكمة الدستورية ؟
تنص المادة 25 من القانون رقم 48 لسنة 1979 والخاصة بقانون المحكمة الدستورية العليا على انه " تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي :
أولا : الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
ثانيا : الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخل أحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها.
ثالثا : الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر احدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها. "
فالواقع القانوني يؤكد خضوع تلك القوانين والتشريعات لرقابة المحكمة الدستورية العليا فنص المادة 25 سالف الذكر صريح في إخضاع كافة القوانين واللوائح لرقابة المحكمة الدستورية العليا دون تفرقة بين قوانين عادية واستثنائية
كما قد أجابت المحكمة الدستورية العليا ذاتها على هذا التساؤل بقولها " الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيودا لا يجوز تخطيها لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيدا وفعالا ، وكانت الحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة في مادته الثانية والثلاثين مناطها تلك الملكية التي لا تقوم على الاستغلال ، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين ، ولا تنافى مقاصدها الأغراض التي تتوخاها وظيفتها الاجتماعية ، وكان المشرع في مجال تنظيم العلائق ألإيجاريه وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه كافلا للتوازن بين أطرافها ، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون شكليا ، بل يتعين أن يكون حقيقة واقعة قانونا ، وإلا آل أمر هذه النصوص إلى إبطالها من خلال مباشرة الرقابة القضائية علي دستوريتها ، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية لا يجوز أن تكون مدخلا لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها ، ولا أن يحصل من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانونى في مواجهة المؤجر ، وإلا حض تقريرها علي الانتهاز ، وناقض جوهر الملكية التي لا يجوز أن تكون ثمارها عائدة إلي غير أصحابها ، بما مؤداه ومن زاوية دستورية امتناع إهدار الحدود المنطقية التي يقوم بها التوازن في العلاقة ألإيجاريه ، وهو ما يتحقق بالضرورة كلما انحدر الميزان كلية في اتجاه مناقض للمصالح المشروعة لأحد طرفيها 0 وبوجه خاص من خلال تخويل مستأجر العين مزايا بعيدة في مداها تخل بالحقوق الأصيلة التي كان ينبغى ضمانها لمؤجرها ، إذ يعتبر ذلك اقتحاما لحق الملكية عاصفا بمقوماتها ، وانتهاكا لمجالاتها الحيوية التي لا يجوز المساس بها باعتبارها علة تقريرها ومناط حمايتها 0ولاينال مما تقدم أن يقال بأن النص المطعون فيه من قبيل التشريعات الاستثنائية التي تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن سواء كانت مهيأة للسكنى أو معدة لغير ذلك من الأغراض ، ذلك أنه حتى وإن صح ذلك ، إلا أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات التي درج المشرع على تنظيم العلائق ألإيجاريه من خلالها ، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها ، ولضمان سريان آثارها بأثر مباشر على عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها لا تعصمها من الخضوع للدستور ، ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين ، بل يتعين اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها ، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور " ( )

المطلب الثالث
أوجه العوار الدستورى في قوانين إيجار الأماكن
من خلال مراجعه الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية والمتعلقة بعدم دستورية قوانين إيجار الأماكن نجد أنها تركز على ثلاث أوجه لمخالفة قوانين إيجار الأماكن للدستور، المخالفة الأولى هي الاعتداء على حماية حق الملكية والثانية هي الاعتداء على حرية التعاقد والمخالفة الثالثة هو الإخلال بمبدأ المساواة
وفيما يلى استعراض أوجه المخالفات الثلاث من قبل المحكمة الدستورية العليا في ثلاث فروع
الفرع الأول
الاعتداء على الملكية الخاصة
الرأى الاول :- نصوص الامتداد القانونى دون تعديل فى القيمة الايجارية غير دستورى :-
المحكمة الدستورية مقصلة المتعدى على الدستور ، قضت في العديد من أحكامها بعدم دستورية النصوص التي تشكل اعتداء على حق الملكية الخاصة فقضت
" إن الملكية ـ في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة ـ لم تعد حقاً مطلقاً ، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي ، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها ، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ، ولا تفرض نفسها تحكماً ، بل تمليها طبيعة الأموال محـل الملكية ، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها ، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين ، في بيئة بذاتها ، لها مقوماتها وتوجهاتها
وحيث إن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة ، تمتد إلى كل أشكالها ، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها ، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها ، أو تقلص دائرتها ، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجرداً من المضمون ، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً ، فلا تخلص لصاحبها ، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً ، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها ، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . وهو ما يعنى أن الأموال بوجه عام ، ينبغي أن توفر لها من الحماية أسبابها التي تعينها على التنمية ، لتكون من روافدها ، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الآخرين ، متدثرين في ذلك بعباءة القانون ، ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده ، وأكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة ، التي تمتد عقودها بقوة القانون دون ما ضرورة وبذات شروطها ، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها ، يتعاقبون عليها ، جيلاً بعد جيل ، لتؤول حقوقهم في شأنها إلى نوع الحقوق العينية التي تخول أصحابها سلطة مباشرة على شئ معين ، وهو ما يعد انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأييد ." ( )
كما قضت أيضا " وحيث إن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود وبالقيود التي أوردها ، باعتبار أنها في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه ، وبوصفها حافز كل شخص إلى الانطلاق والتقدم ، إذ يختص دون غيره بالأموال التي يملكها ، وتهيئة الانتفاع المقيد بها لتعود إليها ثمارها ، وكانت الأموال التي يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التي لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة ، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعقد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهدياَ بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة. ولقد كفل الدستور في مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، وهو يرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارض مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيمها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي، وفي إطار خطة التنمية.
وحيث إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز – على الأخص – في مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم في نطاق مباشرة المالك لسلطته المتعلقة باستغلاله لملكه، وهي قيود قصد بها في الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى وغيرها من الأماكن لمقابلة الزيادة المطردة في الطلب عليها، تلك الأزمة التي ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية وما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد الأولية للبناء ونضوبها وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية في سكانها، وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة بتشريعات استثنائية مؤقتة – لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها – خرج فيها على القواعد العامة في عقد الإيجار مستهدفاً بها – على الأخص- الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة، غير أن ضراوة الأزمة وحدتها جعلت التشريعات الاستثنائية متصلة حلقاتها، مترامية في زمن تطبيقها، محتفظة بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدني، متعلقة أحكامها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التي ربتتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، وزالت بالتالي صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها مكملاً بقواعد القانون المدني باعتباره القانون العام، إذ كان ذلك، وكان الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص تقدر بقدرها، ومعها تدور القيود النابعة وجوداً وعدماً باعتبارها علة تقريرها، وكان حق المستأجر في العين المؤجرة – حتى مع قيام هذا التنظيم الخاص- لا زال حقاً شخصياً تؤول إليه بمقتضاه منفعة العين المؤجرة،و ليس حقاً عينياً يرد على هذه العين في ذاتها، تعين أن يكون البقاء في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة مرتبطاً بحاجة المستأجر إليها بوصفها مكاناً يأويه هو وأسرته أو يباشر مهنته أو حرفته فيها، فإذا انفكت ضرورة شغل العين عن مستأجرها، زالت الأحكام الاستثنائية التي بسطها المشرع عليه لحمايته، ولم يعد له من بعد حق في البقاء في العين المؤجرة، ولا النزول عنها للغير بالمخالفة لإرادة مالكها، وهو ما رددته هذه التشريعات ذاتها بإلقائها على المستأجر واجبات ثقيلة غايتها ضمان أن يكون شغله العين المؤجرة ناشئاً عن ضرورة حقيقية يقوم الدليل عليها، لا أن يتخذها وسيلة إلى الانتهاز والاستغلال، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية لضمان أدائها لوظيفتها الاجتماعية يتعين أن تظل مرتبطة بالأغراض التي تتوخاها، دائرة في فلكها، باعتبار أن ذلك وحده هو علة مشروعيتها ومناط استمرارها، متى كان ذلك، وكانت سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا تعني ترخصه في التحرر من القيود والضوابط التي فرضها الدستور كحدود نهائية لهذا التنظيم لا يجوز تخطيها أو الدوران من حولها، وكان كل نص تشريعي لا يقيم وزنا للتوازن في العلاقة ألإيجاريه عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها – وهو المؤجر – يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة لحق الملكية ومنطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها" ( )
فالمحكمة الدستورية العليا أكدت أن امتداد العلاقات ألإيجاريه دون تعديل في القيمة ألإيجاريه بين المالك والمستأجر يعد انتهاكا لحق الملكية الخاصة المصونة بنصوص الدستور ويتمثل هذا الاعتداء في انتقاص حق الملكية لأحد عناصرها بإسقاط حق الاستغلال منها باعتبار أن بقاء المستأجرين باجرة عفى عليها الزمن يحرم المالك من حقه في استغلال ما يملكه
الرأى الثانى :- نصوص الامتداد القانونى دون تعديل فى القيمة الايجارية دستورى :-
قضت المحكمة الدستورية العليا فى احد احكامها برفض الدفع بعدم دستورية المادتين 14- 15 من القانون 49 لسنة 1977 والخاصة بتحديد القيمة الايجارية عن طريق اللجان فقضت " وحيث إنه عن النعى بمساس النصين الطعينين بالملكية الخاصة وإخلالهما بمبدأ التضامن الاجتماعى ، فإنه مردود أيضاً، ذلك أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة ، وحوطه بسياج من الضمانات التى تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه فى ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الإجتماعى لحق الملكية ، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التى تقتضيها أو تفرضها ضرورة إجتماعية ، وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية فى جوهره أو يعدمه جل خصائصه، كما جرى قضاء المحكمة أيضاً على أن حرية التعاقد- وهى وثيقة الصلة بالحق فى الملكية- قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، وهذه الحرية التى تعتبر حقاً طبيعياً ولازماً لكل انسان يستحيل وصفها بالاطلاق، بل يجوز فرض قيود عليها وفق أسس موضوعية تكفل متطلباتها دون زيادة أو نقصان فلا تكون حرية التعاقد بذلك ألا حقاً موصوفاً لا يدنيها من أهدافها إلا قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها، بين تمردها على كوابحها والحدود المنطقية لممارستها، بين مروقها مما يحد من اندفاعها وردها إلى ضوابط لا يمليها التحكم . وفى إطار هذا التوازن تتحدد دستورية القيود التى يفرضها المشرع عليها. فإذا ساغ للسلطة التشريعية استثناءً أن تتناول انواعاً من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم آمر فإن ذلك لابد وأن يكون مستنداً إلى مصلحة مشروعة. لما كان ذلك، وكان المشرع قد أورد بنص المادتين (14 و 15) المطعون عليهما وغيرهما من مواد القانون رقم 49 لسنة 1977 تنظيماً متكاملاً لتحديد أجرة الأماكن التى يسرى عليها أحكامه، واضعاً أسس وقواعد موضوعية لتقدير الأجرة وإجراءات تحديدها، وأوكل ذلك إلى لجان إدارية تشكل وتقوم بأعمالها وفق أحكام القانون، وتلتزم بالأسس الموضوعية التى حددها لها، دون أن يجعل قرارتها نهائية ، وإنما أباح لذوى الشأن حق الطعن فيها أمام المحكمة الابتدائية الكائن فى دائرتها المكان المؤجر . وقد كان المشرع فى تقريره لذلك التنظيم محكوماً بضرورة إجتماعية ملحة من زيادة فى أجرة الأماكن بما لا يتناسب مع دخول القاعدة العريضة من أفراد المجتمع، وما قد يؤدى إلى ذلك من تشريد لالآف منهم لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم فى سداد الأجرة إذ ما ترك أمر تحديدها بيد مؤجريها وحدهم وما ينتج عن ذلك من تفتيت لبنية المجتمع وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون ولا يقدرون ومن يملكون ويتحكمون، ومن ثم كان لزاماً على المشرع – بما له من سلطة تقديرية- أن يتدخل بالتنظيم مستهدفاً إزالة اسباب الخلاف بين المؤجرين والمستأجرين، موازناً بين مصلحة هذا وذاك ودون تعسف أو استغلال، عن طريق وضع أسس موضوعية عادلة لتقدير الأجرة عن طريق لجان محايدة ، تراقبها المحكمة المختصة. ومن ثم فإن تدخل المشرع على هذا النحو يكون قد قام على سبب صحيح يبرره مرتبطاً منطقياً بالأغراض التى توخاها بما لا يعد إخلالاً بمبدأ التضامن الاجتماعى، بل تأكيداً له ".( )[/align]