بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة الأستاذ/ المستشار الدكتور أحمد يسرى عبده نائب مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد المهدى مليحى ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر المستشارين.

* إجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق 15 من مارس سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة بمقتضى القانون رقم 10/1986) نيابة عن وزير الداخلية ومدير عام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية، قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن قيد بجدولها برقم 1238 لسنة 30القضائية ضد السيدة/ أنهار يوسف عبد الله البارونى فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 17 من يناير 1984 فى الشق المستعجل من الدعوى رقم 2966 لسنة 36ق المرفوعة من المطعون ضدها الطاعنين الذى قضى أولا: بإخراج جامعة القاهرة من الدعوى بلا مصروفات. ثانيا: برفض الدفع بعدم قبول طلب وقف التنفيذ. ثالثا: بقبول الدعوى شكلا وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، وطلب الطاعنان للأسباب المبينة فى تقرير الطعن الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وأصليا بعدم قبول طلب وقف الطعن تنفيذ الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وأصليا بعدم قبول طلب وقف التنفيذ واحتياطيا برفضه وفى أى من الحالين بإلزام المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وأعلن تقرير الطعن قانونا وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم أولا: برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. ثالثا: قبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات. ثالثا: قبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 3 من نوفمبر 1986 فقررت بجلسة 17 من نوفمبر 1986 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الإفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 29 من نوفمبر 1986 وفيها نظرته المحكمة على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وبعد أن سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات قررت فى الجلسة المذكورة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

* المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تتحصل- حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن- فى أنه بتاريخ 3/5/1982 أقامت السيدة/ أنهار يوسف عبد الله البارونى الدعوى رقم2966 لسنة 36 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) ضد 1-وزير الداخلية. 2-مدير عام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية. 3-رئيس جامعة القاهرة. طالبة الحكم أولا: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الأعمال المادية المتضمنة اسقاطا مقنعا من الجهة المدعى عليها لجنسيتها المصرية وفى الموضوع بإثبات جنسيتها المصرية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه المصروفات وأتعاب المحاماة. ثانيا: أن يتلى الحكم بالطلبات على المدعى عليهما الأول والثانى فى مواجهة المدعى عليه الثالث. وأوضحت أن سندها فى ذلك أنها من مواليد بندر الفيوم فى 11/6/1932 لأب مولود فى بندر الفيوم فى 22/9/1895 هو يوسف عبد الله البارونى ولأم مصرية الجنسية وتدرجت فى مراحل التعليم المختلفة حتى حصلت فى عام 1975 على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية كما تقلدت الوظيفة العامة حتى وصلت إلى وظيفتها الحالية كمديرة لرعاية الشباب بجامعة القاهرة فرع الفيوم وبنى سويف وقد تزوجت من مصرى ولها شقيق كان ضابطا بالشرطة. وعلى الرغم من أنها تعد مصرية من كل الوجوه طبقا لقانون الجنسية رقم 26لسنة 1975 إلا أنه مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية أفادت جهة عملها بتاريخ 2/8/1980 أنه ببحث جنسيتها اتضح أنها ليبية الجنسية ويتعين معاملتها وتسوية إقامتها بالبلاد على هذا الأساس فتقدمت على الفور بطلب إلى وزير الداخلية عن طريق الجامعة تلتمس فيه منحها شهادة بالجنسية المصرية بناء على إيضاحات الجامعة إلا أنها أخطرت برفض طلبها بتاريخ 10/4/1982، ونعت على هذا القرار مخالفته للقانون والواقع والانحراف بالسلطة فضلا عن أن تنفيذه يلحق بها أضرار بالغة يتعذر تداركها، وعقب الحاضر عن الحكومة بأن دفع أصليا بعدم قبول طلب وقف التنفيذ لعدم أقرانه بطلب إلغاء وطلب احتياطيا رفض الدعوى لثبوت الجنسية الليبية لوالدها بناء على بحث المصلحة ولعجزها عن تقديم شهادة الميلاد التى تثبت واقعة ميلاد لوالدها فى مصر واللازمة لمعاملتها بالمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 (الميلاد المضاعف). وبجلسة 17/1/1984 أصدرت المحكمة حكمها موضوع هذا الطعن وكيفت طلبات المدعية على أنها طلب بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى بالامتناع عن إعطائه شهادة تفيد ثبوت جنسيتها المصرية ورفضت بناء على ذلك الدفع بعدم قبول طلب وقف التنفيذ، وأقامت قضاءها فى موضوع هذا الطلب على توافر ركنى الجدية والاستعجال فاستظهرت الركن الأول من تحقيق واقعة الميلاد المضاعف للمدعية ووالدها فى القطر المصرى بحسب الظاهر من الأوراق وأعملت بشأنها نص المادة 6/4 من قانون الجنسية المصرية رقم 19 لسنة 1929 من أن "يعتبر مصريا من ولد فى القطر المصرى لأب أجنبى ولد هو أيضا فيه إذا كان هذا الأجنبى ينتمى بجنسية لغالبية السكان فى بلد لغته عربية أو دينه الإسلام" وأقامت الركن الثانى على أن إنكار جنسية المدعية يجعلها مهدده هى وأولادها بالإبعاد عن الوطن فى أى وقت مما يلحق بها أبلغ الضرر.
ومن حيث أن طعن الحكومة مبناه مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، وسنده فى ذلك أن الحكم أخطأ فى قضائه برفض الدفع بعدم قبول طلب وقف التنفيذ متجاوز بذلك حدود الطلبات فى الدعوى فالمطعون ضدها طلبت وقف تنفيذ الأعمال المادية المتضمنة اسقاطا مقنعا لجنسيتها ولم تقرنه طلب الإلغاء وإنما طلبت إثبات جنسيتها المصرية، وفى موضوع الطلب المستعجل خالف الحكم المطعون فيه الثابت من الأوراق إذ لا دليل على واقعة ميلاد والد المطعون ضدها فى مصر كما أن الاستمارة المودعة ملف التبعيات التى ركن إليها الحكم فى هذا الصدد جاء بيانها بهذا الشأن مجهلا فلم يحدد مكانا معينا للميلاد بالقطر المصرى ليمكن التأكد من صحته فضلا عن أن البحث الذى تم بشأن جنسية المذكور فى عام 1970 أسفر عن أنه سبق أن تقدم بطلب للحصول على إقامة خاصة فى البلاد فى 7/12/1970 بوصفه ليبي الجنسية ومن مواليد ليبيا 1895 وليس أقوى من ذلك الإقرار دليلا فى الإثبات، علاوة على ما ثبت أيضا من أنمه مقيد هو وأبوه بكشوف الطرابلسين وسجلات القنصلية الإيطالية فى عام 1922بناء على طلبهما الأمر الذى يقطع فى أن الأب لم يولد فى مصر، ولما كان الأصل فى التشريعات التى تنظم الجنسية المصرية أن تكتسب بحق الدم وأن الجنسية تلحق بالشخص من وقت ميلاده فإن النص الوارد فى المادة 6/4 من القانون رقم 19 لسنة 1929 والذى يقضى باكتساب الجنسية على أساس حق الأقليم بطريق الميلاد المضاعف يكون قد ورد على خلاف الأصل بما يستوجب عدم التوسع فيه بالتأكد من توافر شروط تطبيقه باعتباره حكما استثنائيا.
هذا إلى أن شقيق المطعون ضدها عبد الفتاح وشقيقتها وفاء لم يعتبرا مصريين الجنسية عندما عجزا عن تقديم شهادة ميلاد والدهما ولم ينازعا أو يطعنا على ذلك.
ومن حيث أنه عن سبب الطعن المستند إلى الدفع بعدم قبول طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه لعدم اقترانه بطلب الإلغاء فإن التكييف الصحيح لدعوى المطعون ضدها ولطلباتها لا يتوقف على ظاهر ألفاظها وإنما على استجلاء مقاصدها الحقيقة وقد أثيرت هذه المنازعة على ما هو ثابت من عريضتها لعدم استجابة جهة الإدارة لطلبها شهادة تفيد ثبوت جنسيتها المصرية فتكون قد استهدفت فى الواقع بهذه الدعوى إلغاء القرار الإدارى الصادر بالامتناع عن إعطائها الشهادة التى طلبتها وبصفة مستعجلة وقف تنفيذه. فيتحقق بذلك اقتران الطلب المستعجل بطلب الإلغاء الموضوعى ويكون الدفع فى غير محله.
ومن حيث أنه فيما يتعلق بأوجه الطعن الأخرى والتى انصبت على الأسباب التى ساقها الحكم المطعون فيه وتوصل بها إلى النتيجة التى بلغها، فإن صحيح القضاء المستعجل ألا يركن إلى ظاهر الأوراق دون أن يقطع برأى حاسم فى موضوع المنازعة فهو صرحا بحثه وتقصى حقيقته لحين الفصل فى الموضوع والبادى من ملفات الإدارة المقدمة فى الدعوى ومن مستندات المطعون ضدها أن جدها لأبيها عبد الله بن أحمد السادس البارونى طرابلسي الأصل وقدم إلى القطر المصرى فى عام 1891 على وجه التقريب وقت أن كانت كل من طرابلس ومصر تابعة للدولة العلية وقبل ميلاد أبنه يوسف عبد الله البارونى والد المطعون ضدها والذى تأرجح تاريخ ميلاده فى الأوراق بين عام 1893 أو 1895 فترجحت ولادته فى مصر من المستخرج من دفاتر دار المحفوظات وتكشف الأوراق عن إقامة الجد والأب معا بالفيوم وكانا يشتغلان بالتجارة وقت إجراء تحريات المديرية عنهما فى عام 1928 على ما جاء بملف التبعيات رقم 10/27/508 والأوراق الأخرى وقد استمرت إقامة الجد منذ قدومه إلى القطر المصرى والأب بعد مولده إلى ما بعد هذا التاريخ إلى 10 مارس سنة 1929 حيث رزق بابنته أنهار- المطعون ضدها- والتى ولدت فى بندر الفيوم بتاريخ 11/6/1932 وقيدت هذه المدينة كموطن للأسرة. وتدرجت المذكورة فى مراحل التعليم المختلفة وتقلدت الوظيفة العامة ومنحت بطاقة انتخاب وبطاقة عائلية وجواز سفر مصرى وبذلك يكون المستفاد من ظاهر الأوراق انطباق أحكام المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية على هذه المنازعة فالمستفاد من ظاهر الأوراق ميلاد المذكورة فى مصر سنة 1932 لأب عثمانى ولد فيها فى 1893 أو 1895 لأب عثمانى من مواليد طرابلس بليبيا حضر إلى مصر سنة 1891 وبذلك فإن الظاهر فى حق الجد أنه عثمانى كان يقيم فى مصر منذ مجيئه إليها فى سنة 1891 وكان يقيم فيها عادة فى 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظ على إقامته فيها حتى 10 مارس سنة 1929 تاريخ العمل بالمرسوم بقانون المشار إليه ولم يكن استيلاء إيطاليا على طرابلس الذى تم فى سنة 1912 ليزيل بذاته صفة العثمانية عن الليبيين طالما لم تكن الدولة العثمانية قد أقرت هذا الاستيلاء وبذلك يكون مصريا طبقا للمادة (1)- ثالثا - من المرسوم بقانون المذكور إذ نصت على أن "يعتبر مصريا من عدا هؤلاء من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة فى القطر المصرى فى 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون". وإذا كان الأب بحسب الظاهر من مواليد البلاد فى 1893 أو 1895 فقد كان رشيدا عن العمل بالمرسوم بقانون المذكور فينطبق النص المشار إليه فى حقه استقلالا بغض النظر عن نفاذ أى نصوص أخرى فى شأنه. ولم يتبين من ملفات الإدارة إلا أنه مقيد بكشوف الطرابلسيين بناء على طلبه فى عام 1922 وذلك قبل عقد الاتفاق بين مصر وإيطاليا فى شأن جنسية السليبين المقيمين بالقطر المصرى فى 14 أبريل 1923 وقد أخضعت هذه الكشوف للفحص والمراجعة أن اقتضى الأمر ولم يقرر صفة التبعية الإيطالية إلا لمن ورد ذكرهم فيه بشروط معينة شرط معينة منها شرط الميلاد فى ليبيا وأن يكون المهاجرة منها على نية العودة إليها. والمستفاد ميلاد الأب بمصر واستمرار إقامته بها فلم يعد إلى طرابلس حتى 1929 لا سيما أنه ورد بملف الإدارة عنه أنه لا يوجد بأرشيف الجنسية ملفات باسمه. هذا إلى أن محكمة النقض سبق أن قضت بأن الجنسية من المعانى المفردة البسيطة التى لا تحتمل التخليط ولا التراكيب والقانون الدولى لا يعرف شيئا أسمه جنسية عثمانية مصرية ولا عثمانية عراقية أو حجازية أو سورية. وذلك أن الجنسية فرع من السيادة ولازمة من لوازمها وللسيداة وحدانية يهدمها الاشتراك والتخطيط". (نقض مدنى فلاى 31/1/1964) وعلى ذلك وفى صدد طلب وقف التنفيذ فالظاهر تمتع المطعون ضدها بالجنسية المصرية فيتحقق ركن الجدية فى الطلب وكذلك ركن الاستعجال لما يترتب على إنكار الجنسية المصرية على المطعون ضدها من نتائج خطيرة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه- وبغض النظر عما قام عليه من أسباب- وهى نتيجة صحيحة على مقتضى أسباب هذا الحكم فإنه ينأى عن الطعن فيتعين رفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.

* فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع حكم محكمة النقض فى 31/1/1964.