بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد أمين المهدى رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / د. فاروق عبد البر وأحمد عبد الفتاح حسن ومصطفى سعيد حنفى وأحمد عبد الحميد عبود نواب رئيس مجلس الدولة

* الإجراءات

فى يوم السبت الموافق 4/11/2000، أودع الأستاذ / لبيب أحمد عطاره المحامى، بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة فى الشق العاجل من الدعوى رقم 244 لسنة 23 القضائية بجلسة 2/11/2000، والقاضى بقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المدعى مصروفاته، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها. وطلب الطاعن للأسباب الواردة فى تقرير الطعن قبول الطعن شكلا وبصفة مستعجلة: أولاً: بوقف تنفيذ القرار الصادر من رئيس لجنة تلقى الطلبات وفحصها بمديريه أمن الدقهلية، فيما تضمنه من إدراج اسم المطعون ضده الأخير فى كشوف المرشحين لعضوية مجلس الشعب عن الدائرة (7) ومقرها مركز شرطه بلقاس، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استبعاد المطعون ضده الأخير من انتخابات الإعادة المزمع إجراؤها يوم 4/11/2000.
ثانيا: وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد قيد هذا الطعن برقم 1960 لسنة 47 القضائية عليا .
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسببا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ قرار قبول ترشيح المطعون ضده الخامس لعضوية مجلس الشعب عن دائرة بلقاس مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزامه المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الوارد بمحاضر جلساتها. وقررت إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى "موضوع" بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 5/11/2000. وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن على النحو المبين بمحضر جلستها، وقررت المحكمة إصدار الحكم آخر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة 6/11/2000 حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به .

* المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة .
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أنه بتاريخ 1/11/2000 أقام الطاعن الدعوى رقم 244 لسنة 23 القضائية بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة ضد المطعون ضدهم، طالبا الحكم بقبول الدعوى شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بإعادة الانتخاب بالنسبة للمدعى عليه الخامس بدائرة مركز بلقاس رقم (7)، والحكم باستبعاده من كشوف المرشحين لإعادة الانتخاب وما يترتب على ذلك من آثار، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام جهة الإدارة المصروفات. وقال الطاعن شرحا لدعواه: إنه تقدم للترشيح لعضوية مجلس الشعب عن الدائرة المشار إليها، وتم إجراء الانتخاب فى 29/10/2000، وأسفرت عن تقرير إعادة الانتخاب بين أربعة من المرشحين منهم المدعى عليه الخامس والذى يتجنس بالجنسية الأمريكية، وبالتالى يكون فاقداً لشرط أساسى من شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب، باعتبار أن تجنسه بالجنسية المذكورة من شأنه عدم أحقيته فى أداء الخدمة العسكرية أو الالتحاق بالكليات العسكرية حفاظا على أسرار القوات المسلحة، وبالتالى ومن باب أولى لا يحق له الحصول على عضوية مجلس الشعب حفاظا على أسرار وأمن الدولة. وقد أودع الحاضر عن المدعى صوره شهادة صادرة من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بتجنس المدعى بالجنسية الأمريكية. وبجلسة 2/11/2000 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المدعى مصروفاته. و أمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها، وإعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها. وشيدت المحكمة قضاءها على أن حقيقة ما يهدف إليه المدعى هو الحكم بقبول الدعوى شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من الجهة الإدارية المدعى عليها بقبول ترشيح المدعى عليه الخامس لعضوية مجلس الشعب لازدواج جنسيته، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استبعاده من كشوف المرشحين لانتخابات الإعادة المحدد لها يوم 4/11/2000، وتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه. وتعرضت المحكمة لركن الجدية فقالت: إن المستفاد من نص المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنه 1972 فى شأن مجلس الشعب أن المشرع بموجبه حدد الشروط الواجب توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب، ومنها ضرورة أن يكون المتقدم للترشيح مصرى الجنسية من أب مصرى، ويترتب على افتقاد هذا الشرط عدم جواز قبول الترشيح، وأما من يتوافر بشأنه هذا الشرط بالإضافة إلى باقى الشروط المحددة بنص المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972، فإنه يكون من حقه الترشيح لعضوية مجلس الشعب، ويتعين قبول الطلب المقدم منه فى هذا الشأن. ولا ينال من الحق المقرر له فى الترشيح أن يكون قد اكتسب جنسية أخرى بالإضافة إلى جنسيته المصرية، طالما أنه مازال محتفظا بها ولم يتم إسقاطها عنه طبقا للقواعد المقررة قانونا؛ لأن اكتسابه جنسية أخرى ليس من شأنه بذاته إسقاط الجنسية المصرية عنه، مما يفقده أحد الشروط الأساسية الواجب توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب. والقول بعكس ذلك من شأنه إضافة شرط جديد إلى شروط الترشيح لم يتضمنه النص. وأنه من الواجب التقيد بالأحكام المقررة فى التشريع دون الإضافة إليها أو التعديل فيها، وهو ما يتقق وحكم المادة ( 1 ) من قانون الهجرة ورعاية المصريين بالخارج الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1983 والتى قررت الاحتفاظ للمتجنس بجميع حقوقه الدستورية والقانونية التى كان يتمتع بها قبل التجنس طالما احتفظ له بجنسيته المصرية.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولا لدى الطاعن، فقد طعن عليه على سند على من القول بأن الحكم الطعين جاء مخالفا للقانون ومشوبا بالقصور فى التسبيب لما يأتى: أولاً: ذهب الحكم إلى أن الأسباب التى تحولى بين الشخص ومباشرة حقوقه السياسية محددة بالقانون رقم 38 لسنة 1972. وهذا غير سليم، ذلك أن مصلحة الدولة تعلو على مصلحة الفرد. وإذا كانت جميع القوانين المتعلقة بتنظيم القوات المسلحة والشرطة والكليات العسكرية قد حظرت على من يحمل الجنسية الأجنبية الدخول فى عدادها مراعاة لمصلحة الدولة وحفاظا على أدق أسرارها، لذا من الواجب أن يمتنع الترشيح لعضوية مجلس الشعب على من يحمل الجنسية الأجنبية؛ إذ كيف يُمنع من يحمل الجنسية الأجنبية من دخول القوات المسلحة فى حين يسمح له بتمثيل هذه الأمة ودخول مجلس الشعب والاطلاع على أدق أسرارها. وعلى ذلك فإن شرط عدم ازدواج الجنسية يعتبر لازما لصلاحية المرشح للترشيح، بل إنه فرض عين على كل من يرغب فى العمل العام. ثانياً: أنه إذا كان الاستثناء الوارد فى قانون الجنسية المصرية مفاده أن الجنسية المصرية لا تسقط عن حاملها فى حالة تجنسه بجنسية عربية أخرى، فإن هذا الاستثناء يجب أن يفسر تفسيراً ضيقا ولا يتوسع فيه، وبالتالى فأن الاحتفاظ بالجنسية الأمريكية يستتبع عدم الاحتفاظ بجنسية أخرى بجوارها. وخلص الطاعن من ذلك إلى طلب الحكم بطلباته سالفة الذكر.
ومن حيث إن هذه المحكمة تختص بنظر الطعن الماثل باعتبار أن محل الطعن قرار إدارى صدر من الجهة المختصة قبل بدء الانتخابات.
ومن حيث إن وكيل المطعون ضده الخامس حضر الجلسة وأبدى دفاعه وطلباته الأمر الذى يكون قد كفل للمطعون ضده الخامس حق الدفاع.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون ضده الخامس يحمل الجنسية الأمريكية مع احتفاظه بالجنسية المصرية وقت تقدمه بأوراق ترشيحه لعضوية مجلس الشعب ووقت صدور القرار المطعون فيه؛ وبالتالى فإنه لا يعتد بأى تغيير يطرأ على حالته بعد تقدمه بطلب الترشيح.
ومن حيث إن المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب تشترط فيمن يُرشح لعضوية مجلس الشعب :
"1- أن يكون مصرى الجنسية، من أب مصرى 2"………… 3-…........ 4-……… 5- أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها طبقا للقانون".
ومن حيث إنه يتعين بادئ ذى بدء تعريف مفهوم الجنسية؛ فالجنسية تعنى فقها وقضاء، رابطة تقوم بين فرد ودولة بحيث يدين الفرد بولائه للدولة التى ينتمى إليها بجنسيته، وفى المقابل يكون، بل يتعين، على تلك الدولة أن تحميه بإسباغ الحماية عليه إذا ما تعرض فى دولة أخرى لأى مساس أو تعد. فإذا كان ذلك فإن مفاد ما تقدم ومؤداه الحتمى والمنطقى أن يكون الشخص الذى ينتمى إلى دولتين بحكم تمتعه بجنسيتين متعدد الولاء بتعدد الجنسية.
ومن حيت إن القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب، عندما اشترط فى المادة الخامسة منه فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب، أن يكون مصرى الجنسية من أب مصرى، فإنه لم يكتف بحيازة الشخص للجنسية المصرية، وإنما تطلب فضلا عن ذلك أن يكون من أب مصرى، وفى ذلك دلالة ينبغى استيعابها؛ تتحصل فى أن المشرع يتطلب فيمن يُرشح نفسه للنيابة عن الشعب المصرى أن يكون انتماؤه عميق الجذور فى تربة الوطن، مهموما بمشاكله وقضاياه، حاملا لها دائما فى عقله وقلبه حتى ولو رحل إلى آخر الدنيا، عاملا بيده وعقله وقلبه ولسانه على أن يكون وطنه أول أمم الأرض عزة ورفعة وتقدما، غير مُشرك فى ولائه - قانونا - لمصر أى وطن آخر حتى لو كان، فى الفرض الجدلى، أكثر منها تقدما سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، وحيازة الشخص لجنسية أخرى غير الجنسية المصرية معناه أن الولاء المطلق والكامل والواجب من قبله لمصر قد انشطر قانونا إلى ولايمن أحدهما لمصر والآخر لوطن أجنبى آخر. وإذا تعدد الولاء لمصر وغيرها فقد تراجعت كل المعانى السابقة التى أراد المشرع المصرى بالنص المذكور بلوغها، لأن الولاء الكامل لمصر ولشعبها وآمالها وترابها يعتبر منقوصا إذا قسمناه على مصر وعلى غيرها من الأوطان. والنيابة عن الشعب تتطلب ولاء كاملا لمصر، خاصة أن مهمة مجلس الشعب طبقا للمادة 86 من الدستور هى تولى سلطه التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية.
ومن حيث إنه إذا كان الأصل فى القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية أنه يُرتب على تجنس المصرى بجنسية أجنبية، متى أذن له فى ذلك، زوال الجنسية المصرية (م10/2)، إلا أنه استثناء من ذلك أجاز أن يتضمن الإذن بالتجنس احتفاظ المأذون له بالجنسية المصرية، وذلك لاعتبارات أملتها الضرورة العملية، تتمثل فى طمأنة المصريين الذين استقروا فى الخارج واكتسبوا جنسية المهجر، أنهم ما زالوا مرتبطين بوطنهم الأصلى، وأن لهم العودة إليه وقتما يشاءون، بما يمنحهم ذلك من قوة نفسية وروحية كبيرة فى نضالهم بالمهجر، على نحو ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 26 لسنة 1975 وتقرير اللجنة التشريعية فى شأنه. وعلى ذلك فالسماح بازدواج الجنسية، هدفه أساسا تعضيد المصريين المستقرين فى الخارج واكتسبوا جنسية المهجر، وتشجيعهم على الاستمرار فى النضال فى البلاد التى استقروا فيها. لكن إذا عاد المصرى مزدوج الجنسية من الخارج وأقام فى مصر ومارس عملا فيها، فإن العلة من احتفاظه بالجنسية الأجنبية تزول إلا إذا كان حمل الجنسية الأجنبية بجانب الجنسية المصرية يمثل من وجهة نظره شرفا له لا يريد التنازل عنه، أو يمثل حماية له من قبل دولة أجنبية لا يريد أن يفقدها، وكلا الأمرين يزعزع من يقين الانتماء لمصر وحدها، حيث إن المصرى الحق هو من يعتز بمصريته ويرفض تماما أن ينازعه فى ولائه لها أى وطن آخر مهما كان.
ومن حيث إن قانون الخدمة العسكرية رقم 127 لسنة 1980 ينص فى المادة (1) على أن "تفرض الخدمة العسكرية على كل مصرى من الذكور أتم الثامنة عشرة من عمره..." ونصت المادة (6) على أن "يستثنى من تطبيق حكم المادة (1): أولاً:.... رابعا: الفئات التى لصدر بقواعد وشروط استثنائها قرار من وزير الدفاع طبقا لمقتضيات المصلحة العامة أو أمن الدولة. ويصدر بالاستثناء قرار من وزير الدفاع ..." وإذ أدرك وزير الدفاع حساسية موضوع ازدواج الجنسية بالنسبة للتجنيد فى القوات المسلحة المصرية، فقد عالجه على نحو يحفظ مصالح مصر ولا يعرض أمنها للخطر، فأصدر القرار رقم 280 لسنة 1986 بشأن قواعد وشروط الاستثناء من أداء الخدمة العسكرية والوطنية للفئات الواردة بالفقرة (رابعا) من المادة (6) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية، ونص فى المادة الأولى على أن: "تضاف للمادة (1) من قرار وزير الدفاع والإنتاج الحربى رقم 115 لسنة 1981 المشار إليه فقرة جديدة (د) نصها كالآتى: "المصريون المقيمون فى دولة أجنبية الذين اكتسبوا جنسية هذه الدولة مع احتفاظهم بجنسيتهم المصرية. ويزول الاستثناء فى حالة فقد الفرد لجنسيته الأجنبية". وإذا كان القرار المذكور قد استثنى المصرى مزدوج الجنسية من أداء الخدمة العسكرية جنديا فى القوات المسلحة. وإذا كان هذا هو الشأن بالنسبة للجندى، فإن ذلك يكشف عن وجوب انسحاب هذا الحكم - من باب أولى - على مرشحى مجلس الشعب مزدوجى الجنسية الذين يتولون سلطة التشريع ويقرون السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. فإذا كانت المهمة التى يقوم بها الجندى جليلة وحساسة ومقدسة باعتبارها كذلك حسب وصفها الوارد بنص المادة (58) من الدستور، فإن مهمة عضو مجلس الشعب على ذات القدر من القداسة ذلك أنه إذا كانت المادة (58) من الدستور المشار إليها تنص على أن "الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس. والتجنيد إجبارى وفقا للقانون"، فإن عضوية مجلس الشعب مما يشملها الواجب المقدس المفروض أن يتصدى له عضو المجلس دفاعا عن سلامة الوطن سواء فى اضطلاعه بمهامه المتعلقة بإدارة العلاقات الدولية لمصر إعمالاً لحكم المادة (151) من الدستور التى تنص على أن "رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة، على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة أو التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات الواردة فى الموازنة، تجب موافقة مجلس الشعب عليها"، أو فى إسهامه بتقرير السياسة العامة للدولة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية على النحو الذى تنظمه أحكام المادة (86) من الدستور.
ومن حيث إنه مما يؤكد هذه البداهة الدستورية أن قوانين بعض الجهات تشترط فيمن يعين فيها أو يستمر فى العمل بها ألا يكون متزوجا من أجنبية، مثل قانون السلك الدبلوماسى والقنصلى رقم 45 لسنة 1982 الذى ينص فى المادة (5/2) على أنه "يشترط فيمن يعين فى إحدى وظائف السلك : 1- ………… 2- ألا يكون متزوجا من غير مصرية ....." والقانون رقم 232 لسنة 1959 فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة الذى ينص فى المادة (108) على أنه: " لا يجوز للضابط الزواج من أجنبية …….". وإذا كانت الجهات السابقة تحظر أن ينتمى إليها أو يستمر فى الانتماء إليها من يكون نصفه مصريا ونصفه الآخر أجنبيا بالزواج من أجنبية، فإنه يتعين أن يمتد هذا الحكم إلى من كان نصفه مصريا والنصف الآخر أجنبيا بسبب التجنس، ويريد أن ينتسب إلى هيئة نيابية. ذلك أنه إذا كان العمل فى السلك الدبلوماسى والقوات المسلحة أمراً شديد الحساسية بحيث يحظر على من يتزوج أجنبية ممارسته، فان مهام عضو الهيئة النيابية لا تقل حساسية، وبالتالى يتعين القول كذلك بحظر الترشيح لعضوية مجلس الشعب على من يجمع مع جنسيته المصرية جنسية أجنبية، كل ذلك بالإضافة إلى الإشارة الواجبة، دون خوض فى تفاصيل، لمتطلبات العمل بأجهزة الأمن القومى التى تقوم حارسة على أمن مصر وعلى أمان المواطنين، والتى تستلزم اشتراطات خاصة فيمن يشرف بالانتماء إليها، منها وأولها الولاء الخالص لمصر بلا منازعة أو منافسة أو شراكة.
ومن حيث إن النتيجة السابقة هى التى انتهت إليها هذه المحكمة قبلا حينما رأت أن المادة (90) من الدستور تحتم أن يقسم عضو مجلس الشعب أمام المجلس قبل أن يباشر عمله قسما قوامه أن يحافظ العضو مخلصا على سلامة الوطن وأن لرعى مصالح الشعب، مما لا يتصور معه فى الاستخلاص المنطقى، أن يكون الولاء للوطن شركة مع وطن غيره أو لشعب خلاف شعب مصر. وإذا كانت التشريعات المنظمة لأحكام الجنسية تجيز، فى الحدود وبالشروط التى تقررها، اكتساب المصرى جنسية أجنبية مع احتفاظه بالجنسية المصرية، إلا أن هذا الجواز لا يمكن أن يصلح سنداً أو يقوم أساسا لخلخلة مفاد أحكام الدستور التى لا يمكن حملها، لا تفسيراً ولا تأويلا، على أنها تجيز أن ينوب عن الشعب ويعير عن إرادته وينطق بنبضه ويحس بآلامه ويلتحم مع آماله، إلا من كان مصريا خالص المصرية، فلا تشارك هذه الرابطة المقدسة رابطة معها، فكل ذلك يتعارض ويتصادم مع صريح عبارة القسم المنصوص عليه بالمادة (90) من الدستور المشار إليها، فلا يستقيم للمواطن من وطنين فى قلبه يستويان لديه. فالجنسية المصرية المتطلبة كشرط للترشيح لعضوية مجلس الشعب لا تحتمل شركة مع غيرها ولا تقبل معها فى القلب والنفس مزاحما ولا منافسا أو شريكا (حكم المحكمة فى الطعن رقم 1259 لسنه 47 القضائية عليا فى 27/10/2000). فالقسم يجب أن يفهم على حقيقته؛ فهو ليس طقسا من الطقوس، فارغ المضمون، وإنما هو بحق عميق الدلالة ويرتب بذاته التزامات، ويفترض توافر شروط موضوعية فيمن يكون له حق عضويه مجلس الشعب أولها وأهمها تفرد الولاء لمصر؛ الأمر الذى يزعزع منه توافر جنسية أخرى للشخص إذ، على نحو ما سبق البيان، أن الجنسية هى فى تعريفها الأصولى رابطة ولاء وواجب حماية للدولة المنتمى إليها الشخص بجنسيته ومن بديهيات أصول التفسير أن يكون للألفاظ معنى، ولا معنى لعبارة القسم المشار إليه إلا معنى واحداً لا يحتمل غيره وهو خالص الولاء للوطن، ولا يكون الولاء خالصا إلا إذا كان متفرداً.
ومن حيث أن هذه المحكمة ترى لزاما عليها، وهى تنزل حكم الدستور، التأكيد على أن بيان الحكم الدستورى المستمد من عبارات القسم الذى على عضو مجلس الشعب أن يقسمه قبل تولى شئون العضوية، إنما هو استخلاص موضوعى مجرد يتأبى على التخصيص بالنسبة لما قد يقوم من حالات فى التطبيق. فالولاء المتفرد المتطلب دستوراً يسمو، فى تجرده، على الحالات الواقعية فى التطبيق، وهو بعد الولاء بالمعنى القانونى المستمد، على ما سبق البيان، من التكييف القانونى لرابطة الجنسية. ومفاد ذلك، أن هذه المحكمة لا تتعرض، ولا شأن لها فى ذلك، للولاء الفعلى لما يعرض أمامها من حالات؛ لأن الأمر لا يتعلق بإثبات الولاء الفعلى فى كل حالة على حده. وإنما الأمر مرده إلى حكم موضوعى قائم من مفاد أحكام الدستور يجد له سنداً من التكييف القانونى المجرد لرابطة الجنسية؛ فالجنسية الأجنبية تفترض، قانونا، ولاء وانتماء هو الذى ينتج تصادما مع متطلبات الحكم الدستورى، دون إمكان التحدى فى كل حالة على حده بقيام الدلائل التى تفيد غير ذلك، أو أنه ليس ثمة ولاء أصلا لتلك الجنسية الأجنبية، إذ الأمر على ما سلف، يتصل بالتكييف القانونى لرابطة الجنسية، وهذا التكييف القانونى المجرد يتأبى على التخصيص.
ومن حيث إنه ليس صحيحا القول بأن تطلب الجنسية المصرية المتفردة فى عضو مجلس الشعب يمثل إخلالا بقاعدة المساواة المقررة للمصريين جميعا، وهى التى نص عليها الدستور فى المادة (40) منه؛ أساس ذلك أنه فضلا عن أنه من المسلم به أن المساواة تفترض تطابقا فى المراكز القانونية، فإنه لا تجوز المحاجة بذلك فى شان الأمر المعروض على هذه المحكمة، إذ إن تطلب شرط الجنسية المصرية المتفردة مستمد من أحكام الدستور ذاتها، وبالتالى فلا يمكن أن يدعى بأن فى ذلك إخلالاً بقاعدة المساواة التى نص عليها ذات الدستور، إذ يتعين دائما تطبيق نصوص الدستور على نحو ما يحقق التناسق والانسجام بينها وهو ما فتئت المحكمة الدستورية العليا على تأكيده فى قضاء مستقر لها. ويكون ما يتطلب دستوراً من شرط يتعلق بتفرد الجنسية المصرية فيمن يجوز له اكتساب عضوية مجلس الشعب، غير متصادم مع القاعدة الأصولية التى تقضى بالمساواة بين المصريين، ذلك أن المركز القانونى للمصرى الذى يرتبط، فى ذات الوقت، بجنسية دولة أخرى لا يتماثل، فى الواقع القانونى المجرد، مع غيره ممن يتفردون بجنسية مصر. وترتيبا على ذلك فإنه يتعين دائما فى تفسير ما قد يرد بأى تشريع، لا يرقى إلى مرتبة الدستور، من معاملة المصرى الذى يرتبط بجنسية أخرى فضلا عن جنسيته المصرية معاملة المصرى، ألا يخل ذلك بحكم دستورى قطعى الدلالة يجد له، فى الواقع القانونى، تطبيقا مباشراً. والحكم الدستورى القائم على مفاد عبارات القسم - بينه المضمون وواضحة الدلالة - ينصرف إلى الحق فى عضوية المجلس النيابى، ذلك الحكم الذى إن هو إلا محض تطبيق للقواعد العامة التى تحكم صحة أعمال الوكيل أو النائب، وهو حال عضو المجلس النيابى الذى يمثل شعبا بأسره، تلك القواعد العامة التى تستلزم عدم قيام شبهة تعارض فى المصالح فى حق الوكيل أو النائب. وعلى ذلك جميعه فإن الشرط الدستورى المستفاد صراحة من حكم المادة (90) من الدستور لا يمكن أن يكون متعارضا أو متصادما مع حكم المادة (40) من ذات الدستور التى تنص على القاعدة العامة فى المساواة بين المواطنين.
ومن حيث إنه لا يخل بما سبق، القول بأن المادة (9) من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 تخول للأجنبى الذى اكتسب الجنسية المصرية حق الترشيح للهيئات النيابية بعد عشر سنوات من اكتساب الجنسية، وأن مكتسب الجنسية المصرية بذلك يكون أفضل حالا وأعمق ولاء من المصرى صاحب الجنسية الأصيلة الذى يؤذن له بحمل جنسية أجنبية، ذلك أن نص المادة (9) سالف الذكر، يواجه مصريا ولو بالتجنس لكنه غير مزدوج الجنسية، هذا فضلا عن أن المتجنس ليس من حقه الترشيح لعضوية مجلس الشعب لأنه لم يولد لأب مصرى وفقا لما اشترطته المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب.
ومن حيث إنه لا ينال مما سبق كذلك ما نصت عليه المادة (1) من قانون الهجرة ورعاية المصريين بالخارج من أن "للمصريين فرادى أو جماعات حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج وسواء كان الغرض من هذه الهجرة مما يقتضى الإقامة الدائمة أو الموقوتة فى الخارج وفقا لأحكام هذا القانون وغيره من القوانين المعمول بها. ويظلون محتفظين بجنسيتهم المصرية طبقا لأحكام القانون الخاص بالجنسية المصرية. ولا يترتب على هجرتهم الدائمة أو الموقوتة الإخلال بحقوقهم الدستورية أو القانونية التى يمتعون بها بوصفهم مصريين طالما ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية". ذلك أن من البداهة أن النص السابق يخول المصرى المقيم فى الخارج ويحتفظ بجنسيته المصرية التمتع بالحقوق الدستورية والقانونية التى لا تتعارض مع حكم الدستور ومقتضيات المصلحة العامة أو أمن الدولة. إذ إن هذه الحقوق تختلف باختلاف وضع المصرى فى الخارج، أى بحسب ما إذا كان محتفظا بالجنسية المصرية وحدها أو أضاف إليها جنسية أجنبية. ففى الحالة الأولى يتمتع المصرى بجميع الحقوق الدستورية والقانونية التى يتمتع بها المواطن المصرى صاحب الجنسية المصرية فقط. وفى الحالة الثانية يتمتع بالحقوق الدستورية والقانونية المقررة للمواطن المصرى فيما عدا تلك التى يقتضى الدستور والمصلحة العامة أو أمن الدولة عدم تمتعه بها، كالتجنيد فى القوات المسلحة، وشغل الوظائف الحساسة فى أجهزة الدولة، و الترشيح لعضوية المجالس النيابية.
ومن حيث إنه لما سبق، فإنه يشترط للترشيح لعضوية مجلس الشعب المصرى أن يكون المرشح صاحب جنسية وحيدة هى الجنسية المصرية بحيث إنه إذا جمع بينها وبين جنسية أجنبية فقد الحق فى الترشيح. وهذا الشرط ليس فقط شرطا للانتساب إلى مجلس الشعب، وإنما هو شرط صلاحية للاستمرار فى عضوية هذا المجلس، مما يتعين معه أن يصاحب طيلة فترة عضويته.
ومن حيت إنه وقد ذهب الحكم الطعين غير المذهب السابق، فإنه يكون قد أخطأ السبيل، مما يتعين معه الحكم بإلغائه، والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بقبول ترشيح المطعون ضده الخامس لعضوية مجلس الشعب، وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن ما يمس الحريات العامة التى كفلها الدستور أمر عاجل ينجم عنه من النتائج ما يتعذر تداركها.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته.

* فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بقبول ترشيح المطعون ضده الخامس لعضوية مجلس الشعب، وما يترتب على ذلك من آثار، مع تنفيذ الحكم بموجب مسودته ودون إعلان، وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.