نص الحكم
------------------
باسم الشعب

المحكمة العليا


بالجلسة العلنية المنعقدة 5 من إبريل سنة 1975.
برئاسةالسيد المستشار/ بدوي إبراهيم حمودةرئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين/ محمد عبد الوهاب خليل وعادل عزيز زخارى نائبي رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية والدكتور محمد منير العصرة وطه أحمد أبو الخير أعضاء
وحضورالسيد المستشار/ محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد/ سيد عبد الباري إبراهيم أمين السر


أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 9 لسنة 4 قضائية عليا "دستورية".

الوقائع

تتحصل الوقائع على ما يبين من الأوراق فى أن مجدى مكرم عبد اللطيف وآخرين أقاموا الدعوى رقم 361 لسنة 26 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة يطلبون الحكم أولاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من الإصلاح الزراعى بالاستيلاء على مساحة من الأرض الزراعية وثانياً وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بأن تدفع للمدعين تعويضاً مؤقتاً وقالوا ، شرحاً لهذه الدعوى أن المشرع انتهى إلى تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية بمائة فدان للفرد الواحد وذلك بمقتضى القانون رقم 127 لسنة 1961 ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 بتحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية بخمسين فداناً للفرد الواحد وبمائة فدان للأسرة مع حساب هذه الملكية على أساس الحالة المدنية للأسرة فى 23 من يوليو سنة 1969 وترتب على تطبيق هذا القانون صدور قرار الإصلاح الزراعى المطعون فيه بالاستيلاء على جزء من أرضهم وكان من بين ما استند إليه المدعون فى الطعن فى هذا القرار الدفع بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 بتعيين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها لصدوره استناداً إلى قانون غير دستورى هو القانون رقم 15 لسنة 1967 بتفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون .

وبجلسة 29 من مايو سنة 1973 حكمت محكمة القضاء الإدارى بوقف الفصل فى تلك الدعوى حتى تفصل المحكمة العليا فى الدفع بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 والقانون رقم 15 لسنة 1967 وحددت للمدعين ميعاد ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة العليا .

وبعريضة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة فى 26 من أغسطس سنة 1973 أقام المدعون هذه الدعوى يطلبون الحكم بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات شاملة أتعاب المحاماة .

وقدمت الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً برأيها القانونى .

وحدد لنظر الدعوى أمام المحكمة جلسة 22 من أكتوبر سنة 1974 وتداولت بالجلسات على الوجه المبين بمحاضرها ، وأودعت الحكومة مذكرة ثانية بدفاعها كما أودع المدعون مذكرة عقبوا فيها على دفاع الحكومة وعلى تقرير هيئة مفوضى الدولة ، وبجلسة أول فبراير سنة 1975 قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
من حيث أن الدعوى قد استوفت أوضاعها الشكلية .

ومن حيث إن المدعين يطلبون الحكم بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 استناداً إلى الأسباب الآتية :
أولاً : بالنسبة إلى القانون رقم 15 لسنة 1967 :
1 صدر هذا القانون استناداً إلى المادة 120 من الدستور المؤقت الذى صدر بإعلان من رئيس الجمهورية السابق فى 23 من مارس سنة 1964 بعد انتهاء مدة رياسته . ومن ثم يكون قانوناً غير دستورى لاستناده إلى دستور غير قائم إذ لم يتم إلغاء دستور سنة 1956 بطريقة مشروعة أما إعلان دولة الوحدة والاستفتاء على رئاستها وإعلان الدستور المؤقت فى 5 من مارس سنة 1958 فإن هذه الإجراءات لا يترتب عليها إسقاط دستور سنة 1956 كما أن دستور دولة الوحدة المؤقت تقوم به أساب عدم شرعية دستور سنة 1964 .
2 أنه لو ثبت ما يدعيه المدعون من أن هذا القانون لم يوقع بإمضاء رئيس الجمهورية بل بخاتمه فإنه لا يكون نافذاً ولا يعتد بالقرارات التشريعية الصادرة استناداً إليه .
3 أنه بفرض صحة دستور سنة 1964 فإن شرائط صحة التفويض المنصوص عليها فى المادة 120 منه غير متوافرة فى القانون المذكور إذ خلا من تحديد مدة التفويض ومن تعيين الموضوعات التى فوض فيها رئيس الجمهورية كما خلا من بيان الأسس التى تقوم عليها الموضوعات محل التفويض .

ثانياً : وبالنسبة إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 50 لسنة 1969 :
1 صدر هذا القرار بقانون استناداً إلى قانون غير دستورى هو القانون رقم 15 لسنة 1967 سالف الذكر .
2 إن تعيين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها الذى صدر به قرار رئيس الجمهورية رقم 50 لسنة 1969 يخرج عن نطاق الموضوعات التى فوض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون فى شأنها بمقتضى القانون رقم 15 لسنة 1967 وذلك بفرض صحة هذا القانون .
3 إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون المذكور إذ قضى بتحديد ملكية الفرد بخمسين فداناً وملكية الأسرة بمائة فدان اعتباراً من 23 من يوليه سنة 1969 وصادر ملكية أصحاب الأراضى الزراعية فيما يجاوز ذلك قبل انقضاء فترة التحول التى حددها الميثاق بثمانى سنوات تنتهى فى 20 من مايو سنة 1970 قد خالف نصوص الميثاق وهى أعلى درجة من النصوص الدستورية .

ومن حيث إن الحكومة دفعت الدعوى بما يأتى :
1 أن الادعاء بأن دستور سنة 1964 لم يكن قائماً وقت صدور القانون رقم 15 لسنة 1967 وبأن مدة رئاسة الرئيس السابق للجمهورية قد انتهت فى 22 من يونيه سنة 1962 ينطوى على تجاهل قيام الوحدة بين مصر وسوريا فى 21 من فبراير سنة 1958 وانتخاب الرئيس السابق رئيساً لأول دولة عربية موحدة ، وصدور الدستور المؤقت لهذه الدولة فى 5 من مارس سنة 1958 خالياً من تحديد مدة لرئاسة الجمهورية كما أن الإعلان الدستورى الصادر فى 27 من سبتمبر سنة 1962 بشأن التنظيم السياسى لسلطات الدولة الذى نص على بقاء أحكام الدستور المؤقت سارية حتى يتم وضع الدستور النهائى للدولة لم يتضمن نصاً يحدد مدة رئاسة الجمهورية أى إنه لم يكن هناك فى تلك الفترة نص دستورى يحدد مدة رئاسة الجمهورية حتى صدر دستور سنة 1964 الذى نص فى المادة 168 منه على أن تنتهى رئاسة الرئيس السابق فى 26 من مارس سنة 1965 كما نص فى المادة 103 منه على تحديد مدة الرئاسة بست سنوات تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء .
2 أن الادعاء بأن رئيس الجمهورية لم يوقع القانون رقم 15 لسنة 1967 بإمضائه مردود بأن الشارع الدستورى لم يشترط لإصدار القوانين توقيعها بإمضاء رئيس الجمهورية فيكفى توقيعها بخاتمه .
3 أن القانون رقم 15 لسنة 1967 بتفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون لا يؤثر بذاته على المراكز القانونية للأفراد ، ومن ثم لا يقبل الطعن على استقلال لاستصدار حكم بعدم دستوريته ، وإنما يكون النعى على هذا التفويض فى مناسبة الطعن فى تشريع يصدر استناداً إليه إذا كان ينطوى على عدوان على حقوق رافع الدعوى وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 هو وحده الذى تتوافر للمدعين مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن فيه .
4 أن التفويض الذى أصدره مجلس الأمة لرئيس الجمهورية فى 29 من مايو سنة 1967 على الوجه الذى تضمنه القانون رقم 15 لسنة 1967 قد صدر فى ظروف تعرضت فيها البلاد لعدوان استهدف كيان الدولة وسلامتها فيعتبر من أعمال السيادة أو الأعمال السياسية التى تصدر من مجلس الأمة لا بوصفه صاحب الاختصاص فى التشريع فحسب بل باعتباره ممثلاً للشعب كله وبهذه الصفة فوض رئيس الدولة فى إصدار التشريعات اللازمة لمواجهة هذا الخطر الداهم فى سرعة وحسم وهذا التفويض الذى يرتفع إلى مرتبة الأعمال السياسية لا يخضع لرقابة المحكمة العليا وإن أخضعته المحكمة لرقابتها فلا يسوغ التشدد فى تحديد مضمون شروط التفويض وتضييق مداه ، إذ لا يسوغ ذلك إلا حيث تسود البلاد الظروف العادية .
5 أن هذا التفويض لم يخالف نص المادة 120 من دستور سنة 1964 بل التزم القيود والضوابط المنصوص عليها فى هذه المادة فبالنسبة إلى شرط المدة المحدودة لا يشترط الدستور أن يكون هذا التحديد بوحدات قياس الزمن المعروفة ولا يستبعد تحديد المدة بربطها بقيام الظروف الاستثنائية وزوالها وبالنسبة إلى تحديد الموضوعات والأسس التى يقوم عليها التفويض فإن الأسس مرتبطة بالموضوعات التى تم فيها التفويض والهدف منه وهو مواجهة الظروف الاستثنائية القائمة بسبب الحرب والعدوان وللحرب أوضاعها الخاصة التى تؤثر على مدى وحدود التفويض .
6 أن الطعن فى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 المبنى على صدوره استناداً إلى تفويض غير دستورى ينهار بانهيار الطعن بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 .
7 أن ما ينعاه المدعون على القرار بقانون رقم 50 لسنة 1969 من خروجه على حدود التفويض الذى تضمنه القانون رقم 15 لسنة 1967 مردود بأن تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية للفرد والأسرة هو من الموضوعات التى تضمنتها المادة الأولى من القانون المذكور لاتصاله بسلامة الدولة ودعم الاقتصاد الوطنى ومواجهة ظروف العدوان إذ أن سلامة الدولة تكمن فى سلامة الأساس الذى تقوم عليه وهو الأساس الاشتراكى .
8 أن ما ينعاه المدعون على القرار بقانون المذكور من مخالفة للدستور بمقولة أنه صادر ملكية ما يجاوز خمسين فداناً لكل فرد فى حدود مائة فدان لكل أسرة مردود بأن هذا التشريع قد أقر فى المادة التاسعة منه مبدأ تعويض المالك عن القدر الزائد المستولى عليه وحدد أسس تقدير التعويض .

وانتهت الحكومة إلى طلب الحكم برفض الدعوى .

ومن حيث إن ما يثيره المدعون من طعن فى دستور سنة 1958 وفى دستور سنة 1964 وفى إجراءات إصدارهما وما انطوى عليه هذان الدستوران من تحديد أو إغفال تحديد مدة رئاسة الجمهورية هذا الطعن يتناول مسائل سياسية لا يدخل النظر فيها أو التعقيب عليها فى ولاية هذه المحكمة التى يقتصر اختصاصها فى شأن رقابة الدستورية على الفصل فى دستورية القوانين وفقاً لما تقضى به المادة الأولى من قانون إنشائها .

ومن حيث إن ما تذهب إليه الحكومة من أن تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون بمقتضى القانون رقم 15 لسنة 1967 يرتفع إلى مرتبة الأعمال السياسية التى لا تخضع لرقابة هذه المحكمة مردود بأن التفويض نظام وضع الدستور أساسه ورسم حدوده وضوابطه فوجب لذلك أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الحدود والضوابط وإلا كان مخالفاً للدستور ومن ثم فإن رقابة هذه المحكمة تنبسط عليه .

ومن حيث إن دفع الحكومة بأن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 هو وحده الذى تتوافر للمدعين مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن فيه وأنه لا يقبل منهم الطعن على استقلال بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 لأنه لا يؤثر بذاته فى مراكزهم القانونية هذا الدفع مردود بأنه إذا كان الطعن بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 يقوم أساساً على صدوره استناداً إلى تفويض مخالف للدستور تضمنه القانون رقم 15 لسنة 1967 فإنه لذلك تكون للمدعين مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن بعدم دستورية هذا القانون الأخير .

ومن حيث إن إقرار القانون رقم 15 لسنة 1967 وإصداره قد تم كلاهما وفقاً للإجراءات المنصوص عليها فى دستور سنة 1964 الذى كان ينص فى المادة 117 منه على أنه ( إذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون رده إلى مجلس الأمة فى مدى ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغ المجلس إياه فإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد اعتبر قانوناً وأصدر ) والثابت أنه لم يحدث اعتراض على مشروع القانون المذكور بل تم إصداره فى 31 من مايو سنة 1967 ونشر فى الجريدة الرسمية فى أول يونية سنة 1967 وقد استند رئيس الجمهورية إلى التفويض الذى تضمنه فى إصدار العديد من التشريعات خلال فترة جاوزت ثلاث سنوات ، لذلك فإن ما يثيره المدعون من طعون حول سلامة إجراءات إصدار هذا القانون لا يكون قائماً على أساس .

ومن حيث إن المدعين ينعون على القانون رقم 15 لسنة 1967 مخالفة المادة 120 من دستور سنة 1964 الذى صدر هذا القانون فى ظله وذلك استناداً إلى أنه خلا من تحديد مدة التفويض ومن تعيين الموضوعات التى فوض فيها رئيس الجمهورية كما خلا من بيان الأسس التى تقوم عليها الموضوعات محل التفويض .

ومن حيث إن القانون رقم 15 لسنة 1967 ينص فى المادة الأولى منه على أن ( يفوض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة فى جميع الموضوعات التى تتعلق بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربى والاقتصاد الوطنى وبصفة عامة فى كل ما يراه ضرورياً لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ) .

ومن حيث إن سن القوانين عمل تشريعى تختص به الهيئة التشريعية التى تمثل الشعب طبقاً للأوضاع المقررة فى الدستور والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها وظيفة التشريع وفقاً لما تقضى به المادة 47 من دستور سنة 1964 والمادة 86 من دستور سنة 1971 وألا تتخلى عنها للسلطة التنفيذية إلا أنه تقديراً من جانب الشارع للظروف الاستثنائية وما تقتضيه فى أحوال خاصة من الترخيص للسلطة التنفيذية فى ممارسة التشريع تمكيناً لها من مواجهة الظروف المذكورة بما تقتضيه من سرعة وحسم ، أجازت دساتير سنة 1956 وسنة 1964 وسنة 1971 تفويض السلطة التنفيذية فى إصدار قرارات لها قوة القانون على أن يخضع هذا التفويض وما ينطوى عليه من توسيع استثنائى لاختصاص رئيس الجمهورية لضوابط وقيود تكفل بقاء زمام سلطة التشريع فى يد الهيئة النيابية المختصة وعدم نزول هذه الهيئة عن وظيفتها للسلطة التنفيذية لذلك نص دستور سنة 1964 فى المادة 120 منه على أن ( لرئيس الجمهورية فى الأحوال الاستثنائية وبناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة وأن يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التى تقوم عليها ) وهو ذات الحكم الذى كانت تنص عليه المادة 136 من دستور سنة 1956 .

ومن حيث إنه وفقاً لهذا النص يشترط لسلامة التفويض وصحته أن يصدر فى ظل ظروف استثنائية تبرره وأن يكون لمدة محدودة وأن تعين الموضوعات التى يجرى فيها والأسس التى تقوم عليها والقصد من تحديد مدة التفويض هو وضع قيد زمنى لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائى من جانب السلطة التنفيذية كى تمارسه فى الوقت المحدد لقيام مقتضياته ودواعيه ، كما أن الدستور إذ أوجب فى التفويض تعيين الموضوعات التى يجوز أن تصدر فى شأنها قرارات بقوانين وكذا الأسس التى تقوم عليها إنما أراد تقييد السلطة التنفيذية فى ممارسة ما فوضت فيه بالحدود والقيود التى تضعها السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل بالتشريع وإمعاناً فى الحيطة أضاف دستور سنة 1971 إلى هذه القيود قيدين آخرين فأوجب فى المادة 108 منه أن يكون التفويض بأغلبية خاصة هى ثلثا أعضاء مجلس الشعب وأن تعرض قرارات رئيس الجمهورية التى تصدر استناداً إليه على المجلس المذكور فى أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض ، فإذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق المجلس عليها زال ما كان لها من قوة القانون وكل ذلك ضماناً لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائى فى حدود القيود والضوابط التى وضعت له .

ومن حيث إن القانون رقم 15 لسنة 1967 قد صدر بناء على اقتراح تقدم به بعض أعضاء مجلس الأمة فى 29 من مايو سنة 1967 وقد بنى هذا الاقتراح على أن الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد تقتضى تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون كى يمارس هذه السلطة بالسرعة والحسم حماية لأمن الدولة وسلامتها وضماناً لتعبئة إمكانياتها البشرية والمادية ودعماً للمجهود الحربى والاقتصاد الوطنى .

ومن حيث إن الظروف الاستثنائية التى أشار إليها هذا الاقتراح كانت تنذر باندلاع الحرب بين مصر وإسرائيل وبتعرض البلاد لخطر يهدد كيانها وأمنها وسلامتها وقد نشبت الحرب فعلاً عقب صدور قانون التفويض ببضعة أيام أى أنه صدر فى ظروف تبرره وكانت مواجهتها بسرعة وحسم تقتضى توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية على وجه يخوله إصدار التشريعات اللازمة لمواجهة تلك الظروف ودفع اخطارها .

ومن حيث إن عدم تحديد القانون رقم 15 لسنة 1967 للمدة التى يجرى فيها التفويض بوحدة أو أكثر من وحدات قياس الزمن لا يعنى خلوه من أى تحديد لتلك المدة ذلك أنه قد تضمن ضابطاً يمكن على أساسه تحديدها وهو قيام الظروف الاستثنائية التى حدت بمجلس الأمة إلى تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون فى الموضوعات التى فوض فيها وقد كشفت الأعمال التحضيرية لهذا القانون عن علة تحديد مدة التفويض على هذا الوجه ذلك أنه عند عرض مشروع القانون على مجلس الأمة بجلسة 29 من مايو سنة 1967 دارت مناقشة حول تحديد مدة التفويض فقال رئيس مجلس الأمة أن المدة حددت بأنها ( خلال الظروف الاستثنائية القائمة ) وأنه ( فضلاً عن ذلك وكما هو واضح فإن تحديد وقت معين أو مدة محددة لمباشرة هذه الصلاحيات أمر صعب غاية الصعوبة بل يكاد يكون مستحيلاً لأن المعركة متحركة مترجحة تتغير بين يوم وآخر وليس واضحاً ما إذا كانت هذه الظروف قد تنتهى فى بحر ستة أشهر مثلاً أو فى ثلاثة أشهر أو فى شهر واحد أو فى أسبوعين أو أسبوع فليس ممكناً تحديدها بوقت معين ويكفى أن تحدد بأنها الظروف الاستثنائية القائمة ) وربط التفويض بتلك الظروف بحيث يدور معها وجوداً وعدماً ينطوى على تحديد لمدة التفويض بما تنتفى معه مخالفة الدستور فى هذا الصدد .

ومن حيث إنه بالنسبة إلى الموضوعات التى يجرى فيها التفويض فإن المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1967 قد حددت موضوعات معينة هى تلك التى تتعلق بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربى والاقتصاد الوطنى ) وأنه ولئن كان هذا التحديد يتسم بالسعة فإن ذلك تبرره جسامة الأخطار التى تعرضت لها البلاد وما تتطلبه مواجهتها من تخويل رئيس الجمهورية سلطة تقديرية واسعة تمكنه من التصرف بسرعة وحسم لمواجهة تلك الأخطار وليس من شأنها أن تعيب القانون فيما انطوى عليه من تفويض فى تلك الموضوعات بعيب مخالفة الدستور وخاصة فإنه تضمن معياراً عاماً يمكن على أساسه رسم حدود التفويض التى يتعين التزامها فى ممارسة رئيس الجمهورية ما فوض فيه من اختصاص استثنائى وهو أن يكون ما يصدره من قرارات فى الموضوعات التى فوض فيها ضرورياً لمواجهة الظروف الاستثنائية التى تعرضت لها البلاد . أما ما تضمنته العبارة الأخيرة من المادة المذكورة من تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون ( بصفة عامة فى كل ما يراه ضرورياً لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ) فإنه لا ينفى عن الشطر الأول من النص استيفاءه لشروط تعيين الموضوعات التى يجرى عليها التفويض وذلك بالنسبة إلى الموضوعات المحددة فيه على الوجه السابق بيانه .

ومن حيث إن النعى على القانون رقم 15 لسنة 1967 بمخالفة الدستور لخلوه من الأسس التى تقوم عليها الموضوعات التى فوض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات بشأنها هذا النعى مردود بأن الأسس المذكورة مستفادة من نص القانون وأعماله التحضيرية والظروف التى صدر فيها والأهداف التى قصدت السلطة التشريعية إلى تحقيقيها عن طريق التفويض فقد أقر القانون قيداً أساسياً يقيد السلطة التنفيذية فيما تصدره من قرارات بقوانين هو أن تكون تلك القرارات ضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية وقد أكدت الأعمال التحضيرية للقانون أن هذا القيد كان أساساً للتفويض تمكيناً لرئيس الجمهورية من ممارسة الاختصاص الذى فوض فيه ( بسرعة حسم ) وذلك لعلة ظاهرة هى عجز الإجراءات التشريعية العادية بسبب طولها وبطئها عن مواجهة تلك الظروف بما تقتضيه من السرعة والحسم .

ومن حيث إنه لذلك يكون طعن المدعين بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 فيما تضمنه من تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون فى الموضوعات التى تتعلق بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربى والاقتصاد الوطنى يكون هذا الطعن غير قائم على أساس سليم .

ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 بتعيين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها الذى صدر استناداً إلى القانون رقم 15 لسنة 1967 المتقدم ذكره ينص فى المادة الأولى منه على أن ( لا يجوز لأى فرد أن يمتلك من الأراضى الزراعية وما فى حكمها من الأراضى البور والصحراوية أكثر من خمسين فداناً كما لا يجوز أن تزيد على مائة فدان من تلك الأراضى جملة ما تمتلكه الأسرة وذلك مع مراعاة حكم الفقرة السابقة وكل تعاقد ناقل للملكية يترتب عليه مخالفة هذه الأحكام يعتبر باطلاً ولا يجوز شهره ) . وينص فى المادة الثانية منه على أنه ( فى تطبيق أحكام هذا القانون تشمل الأسرة الزوج والزوجة والأولاد القصر ولو كانوا متزوجين وذلك بمراعاة القواعد الآتية ............................ وتحسب ملكية الأسرة عند تطبيق أحكام هذا القانون على أساس الحالة المدنية لأفرادها التى كانوا عليها فى يوم 23 من يولية سنة 1969 ............ ) .

ومن حيث إن المدعين ينعون على هذا القرار بقانون أنه صدر استناداً إلى قانون غير دستورى هو القانون رقم 15 لسنة 1967 بتفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون وأنه بفرض صحة هذا التفويض فإنه قد جاوز حدوده كما أنه إذ قضى بتحديد ملكية الفرد بخمسين فداناً وملكية الأسرة بمائة فدان وصادر ملكية أصحاب الأراضى الزراعية فيما يجاوز ذلك قد خالف نصوص الميثاق .

ومن حيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى بطلان طعن المدعين فى دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 على الوجه المتقدم ذكره فإن النعى على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 بأنه صدر استناداً إلى تفويض غير دستورى تضمنه القانون المذكور يكون غير قائم على أساس سليم .

ومن حيث إنه لا يجدى المدعين طعنهم فى القرار بالقانون المذكور المبنى على القول بخروجه عن نطاق التفويض لأن مجلس الأمة وهو الهيئة صاحبة الاختصاص الأصيل فى التشريع قد أقر أحكامه وذلك بموافقته على مشروع قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الذى صدر به القانون رقم 69 لسنة 1974 إذ ينص هذا القانون فى المادة الخامسة منه على أنه ( مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 50 لسنة 1969 يعتد بالحالة المدنية لأفراد الأسرة التى يكونون عليها وقت العمل بأحكام هذا القانون ) وفى المادة السابعة على أن ( يسرى فى شأن الأراضى التى تسترد طبقاً لهذه المادة أحكام القانون رقم 50 لسنة 1969 بتعيين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها ويجوز لمن يستردون هذه الأراضى توفيق أوضاعهم إعمالاً لأحكام المادة 4 من القانون المذكور خلال السنة التالية للعمل بهذا القانون ويعتد فى ذلك بالحالة المدنية للأسرة فى تاريخ العمل بالقانون رقم 50 لسنة 1969 المشار إليه ) كما ينص فى المادة 21 منه على أنه ( فيما عدا الأراضى التى لا ترد عيناً طبقاً للمادة السابعة تفسخ عقود بيع الأراضى الزراعية المملوكة للأشخاص الذين رفعت عنهم الحراسة المفروضة استناداً إلى القانون رقم 119 لسنة 1964 ، وذلك إذا كانت قرارات رفع الحراسة أو الاستثناء قد نص فيها على اعتبار أراضيهم مبيعه وتسلم إليهم هذه الأراضى محملة بعقود الإيجار المبرمة قبل العمل بهذا القانون وبحقوق العاملين فى هذه الأراضى ويسرى فى شأنها أحكام القانون رقم 50 لسنة 1969 ويجوز لمن يستردون هذه الأراضى توفيق أوضاعهم إعمالاً لأحكام المادة 4 من القانون المذكور خلال السنة التالية للعمل بهذا القانون ويعتد فى ذلك بالحالة المدنية للأسرة فى تاريخ العمل بالقانون رقم 50 لسنة 1969 ) وجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون أنه قد أعد مستهدياً بأسس منها ( الرد العينى للأراضى الزراعية فى نطاق قانون الإصلاح الزراعى الأخير رقم 50 لسنة 1969 الذى وضع حداً أقصى للملكية الزراعية قدره خمسون فداناً للفرد ومائة فدان للأسرة ) . وظاهر من هذه النصوص أنها تقضى بإخضاع من أفادوا من القانون رقم 69 لسنة 1974 باسترداد أراضيهم الزراعية لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 أسوة بغيرهم ممن خضعوا له مما يقطع فى الدلالة على إقرار مجلس الشعب لأحكام القرار بقانون المذكور .

ومن حيث إنه إذا كان مجلس الشعب هو الهيئة النيابية التى تمثل الشعب والتى ناط بها الدستور سلطة التشريع وأجاز لها استثناء وبشروط معينة تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون فإن إقرار المجلس لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 على الوجه المتقدم ذكره يسقط الطعن المبنى على مخالفته للدستور بمجاوزة حدود التفويض الذى تضمنه القانون رقم 15 لسنة 1967 .

ومن حيث إن وجه الطعن المبنى على أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 قد خالف الميثاق الوطنى بتحديده الحد الأقصى للملكية بخمسين فداناً للفرد وبمائة فدان للأسرة قبل انقضاء فترة الثمانى السنوات من تاريخ صدوره هذا الوجه مردود بأن الميثاق وثيقة عبرت فيها ثورة 23 من يوليه سنة 1952 عن مبادئها وأهدافها وخطتها الشاملة لتحقيق هذه المبادئ والأهداف وهو لا يخرج عن كونه دليلاً فكرياً يقود خطى الشعب إلى المستقبل حسبما أفصحت عن ذلك مقدمة دستور سنة 1964 ومن ثم يتعين لإعطاء ما تضمنه الميثاق من مبادئ قوة الدستور أن نقنن هذه المبادئ فى نصوص دستورية تكون هى المرجع عند الفصل فى دستورية القوانين يؤيد هذا النظر أن الشارع عندما أراد أن يجعل لمبدأ جماعية القيادة الذى تضمنه الميثاق قوة دستورية ملزمة أصدر فى 27 من سبتمبر سنة 1962 إعلاناً دستورياً بشأن التنظيم السياسى لسلطات الدولة مضيفاً مواد جديدة إلى الدستور المؤقت ، وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لذلك الإعلان أنه بعد صدور الميثاق أصبح للنضال الوطنى للشعب دليل عمل واضح كامل مستمد من خلاصة التجربة الوطنية ومن خلاصة الأمل الوطنى معاً وأنه أصبح محتماً أن تتلاءم جميع أوضاع العمل الوطنى فى كل مجالاته مع مبادئ الميثاق وأحكامه وروحه المستلهمة من روح الشعب وإرادته وأن الميثاق قد حرص فى أصوله المختلفة أن يضع للديمقراطية ضماناتها الأكيدة وفى مقدمتها جماعية القيادة وأنه انتقالاً بذلك كله من مجال المبادئ إلى مجال التنفيذ كان لابد من إيجاد المؤسسات الجماعية التى يستند إليها نظام الحكم ( وتأسيساً على هذا فلقد كان لابد من إضافة مواد جديدة إلى دستور الحكم المؤقت ... لإعطاء هذه التنظيمات المستمدة من مبادئ الميثاق الذى ارتضاه الشعب قوة الدستور وذلك حتى يتم وضع الدستور النهائى للجمهورية العربية المتحدة ) .

ومن حيث إن تحديد الملكية الزراعية هو الوسيلة التى اتخذتها الدولة لتحقيق المبدأ الثانى من مبادئ الثورة وهو القضاء على الإقطاع ، ومن أجل هذا قد استقر هذا المبدأ فى جميع الدساتير التى صدرت بعد قيام الثورة وأولها دستور سنة 1956 إذ نصت المادة 12 منه على أن " يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية بما لا يسمح بقيام الإقطاع " ورددت هذا النص المادة 17 من دستور سنة 1964 الذى صدر التشريع المطعون فيه فى ظله ، كما رددته المادة 27 من الدستور الحالى وظاهر من هذه النصوص أن الدستور قد ناط بالشارع العادى تعيين الحد الأقصى للملكية الزراعية دون أن يقيده فى ذلك بأى قيد أو شرط سواء فى تعيين الحد الأقصى لهذه الملكية أو فى توقيت هذا التعيين أما تحديد الميثاق لفترة ثمانى سنوات من تاريخ صدوره لتعديل الحد الأقصى للملكية الزراعية بأن تكون مائة فدان للأسرة وخمسين فداناً للفرد على أن يتم الصرف فيما زاد عن ذلك قبل انقضاء هذه الفترة – هذا التحديد ليس من شأنه أن يغل يد الشارع عن إعمال التفويض الذى تضمنه نص المادة 17 من دستور 1964 دون قيد أو شرط ذلك لأن هذا النص هو الواجب إعماله فى هذا الصدد فى مجال رقابة دستورية القوانين دون نص الميثاق .

ومن حيث إن النعى على القرار بقانون المذكور بأنه ينطوى على مصادرة مخالفة للدستور لملكية الأراضى الزراعية فيما يجاوز خمسين فداناً للفرد ومائة فدان للأسرة – مردود بأن هذا القرار بقانون يقرر فى المادة التاسعة لمن تستولى الحكومة على أرضه حقاً فى تعويض نقدى يقدر على أسس حددتها هذه المادة .

ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم ومن ثم يتعين رفضها وإلزام المدعى المصروفات ومصادرة الكفالة .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعين المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .