نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة أول مارس سنة 1975 .
برئاسة المستشار / بدوى ابراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين محمد عبدالوهاب خليل وعمر حافظ شريف نائبى رئيس المحكمة والسادة المستشارين محمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية والدكتور محمد منير العصرة وطه أحمد أبو الخير أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبدالبارى ابراهيم أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة برقم 6 لسنة 5 قضائية عليا " دستورية "
الوقائع
أقام المدعى محمد عبدالبارى السيد الدعوى رقم 1684 لسنة 24 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً تعديل القرار رقم 5/1000 الصادر فى 19 يونية سنة 1969 وتسوية حالته بتعديل مرتبه على أساس الدرجة الرابعة اعتباراً من 31/12/1968 وهو التاريخ الذى رقى فيه زميله محمد عبدالمتعال إلى هذه الدرجة تأسيساً على أن القانون 35 لسنة 1967 قد أرجع أقدمية المدعى فى الدرجة السادسة إلى 23/1/1958 فى حين أن زميله المذكور لم يعين فى الدرجة المذكورة إلا فى 5/2/1958 وبجلسة 21/1/1974 دفع المدعى أمام محكمة القضاء الإدارى ، " هيئة التسويات " المنظورة أمامها الدعوى بعدم دستورية المادتين الرابعة والخامسة من القانون رقم 35 لسنة 1967 ، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 1/4/1974 ليتخذ المدعى إجراءات رفع الدعوى الدستورية .
وبتاريخ 27 من مارس سنة 1974 أقام المدعى هذه الدعوى ضد رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للإصلاح الزراعى ورئيس مجلس الوزراء بصحيفة أودعها قلم كتاب هذه المحكمة وطلب فيها الحكم بعدم دستورية القانون 35 لسنة 1967 فيما جاء بمادته الرابعة من النص " .... على ألا يترتب على ذلك تعديل فى المرتبات المحددة طبقاً للمادة الثالثة " . وما نصت عليه المادة الخامسة من أنه " لا يترتب على تحديد الأقدمية وفقاً للمادة الرابعة حق الطعن على القرارات الإدارية الصادرة قبل العمل بهذا القانون "، واستند المدعى إلى الأسباب الواردة فى صحيفة دعواه ، وقدم مذكرة أصر فيها على طلباته . وردت الحكومة على الدعوى بمذكرة قدمتها بجلسة التحضير فى 6 يونية سنة 1974 طلبت فيها الحكم برفض الدعوى . وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً انتهت فيه على طلب الحكم برفض الدعوى .
وقد نظرت المحكمة الدعوى بجلسة 18 من يناير سنة 1975 وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة .
حيث إن الدعوى قد استوفت الأوضاع المقررة قانوناً .
وحيث إن المدعى يطلب الحكم بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 35 لسنة 1967 بشأن تسوية حالات العاملين بالدولة فى خصوص النص الآتى " على ألا يترتب على ذلك تعديل فى المرتبات المحددة طبقاً للمادة الثالثة " وكذلك ما جاء فى مادته الخامسة من أنه " لا يترتب على تحديد الأقدمية وفقاً للمادة الرابعة حق الطعن على القرارات الإدارية الصادرة قبل العمل بهذا القانون " وينعى المدعى على هذين النصين مخالفة الدستور للأسباب الآتية :
أولاً : إخلال نص المادة الرابعة من القانون رقم 35 لسنة 1967 المشار إليه بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة المقررين فى الدستور ، وبيان ذلك أن المشرع استهدف بإصدار القانون رقم 35 لسنة 1967 تسوية حالة الموظفين الذين لم ينالوا حظهم فى الإنصاف أسوة بزملائهم ، وذلك بوضعهم على الدرجات المقررة لمؤهلاتهم . وقد وضع المشرع قاعدة تنظيمية تقضى بتحديد أقدمية المعينين قبل صدور هذا القانون على درجات من تاريخ دخول الخدمة أو الحصول على المؤهل أيهما أقرب . ولكن الشارع جاء بقيد على هذه القاعدة فى المادة الرابعة من القانون رقم 35 لسنة 1967 . وذلك بالنص على الا يترتب على تحديد الأقدمية تعديل فى المرتبات ومقتضى هذا النص حرمان المدعى من التمتع بما يتمتع به أقرانه الذين يعادلونه أو يلونه فى الأقدمية ويحصلون على مرتبات أعلى ، مما يخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص .
ثانياً : إن المادة الخامسة من القانون المذكور إذ تحظر الطعن فى القرارات الإدارية الصادرة قبل العمل بهذا القانون فإنها تخل بحق التقاضى الذى كفله الدستور للناس كافة فى المادة 68 منه.
ومن حيث إن الحكومة دفعت الدعوى أولاً بأن المدعى لا يستند هو وأمثاله أصحاب الحق فى التسوية بمقتضى القانون رقم 35 لسنة 1967 إلى حق مقرر فى الدستور بتسوية حالتهم على نحو معين . وقد أجمعت الدساتير منذ سنة 1956 ، 1964 ، 1971 على النص على أن " يعين القانون قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات ، والإعانات ، والمكافآت ، التى تقرر على خزانة الدولة ، وينظم حالات الاستثناء منها والسلطات التى تتولى تطبيقها " ومقتضى ذلك أن الدستور لا يقيد المشرع فى وضع ضوابط منح المرتبات بل إنه يبيح له الاستثناء منها وفق سلطته التقديرية ، وممارسة المشرع لهذه السلطة التقديرية لا يخضع فيها لرقابة المحكمة العليا . وقد جاء نص المادة الرابعة المطعون فيها فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع ، أما نص المادة الخامسة فلا ينطوى على مصادرة حق التقاضى ولا يحصن القرارات الإدارية ضد الطعن بالإلغاء ، بل إنه يقرر قاعدة موضوعية مؤداها أن الأقدمية التى أنشأها القانون لا يجوز الاستناد إليها للطعن فى القرارات الإدارية الصادرة قبل العمل بالقانون . وهذا الذى أتى به النص تأكيداً لمبدأ مستقر فى القضاء بعدم جواز الاستناد إلى الأقدمية التى ترتبها القاعدة المستحدثة للطعن فى القرارات الصادرة قبل نفاذها ، وأنه لا يجوز سحب أثر الوقائع الجديدة على الماضى للنيل من قرارات إدارية صحيحة سابقة .
ومن حيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 35 لسنة 1967 سالفة الذكر تنص على أن " تعتبر أقدمية هؤلاء العاملين من تاريخ دخولهم الخدمة أو من تاريخ حصولهم على هذه المؤهلات أيهما اقرب ، على ألا يترتب على ذلك تعديل فى المرتبات المحددة طبقاً للمادة الثالثة . ويسرى هذا الحكم على العاملين الذين سبق حصولهم على الدرجات والفئات المقررة لمؤهلاتهم " .
ومن حيث إن الطعن بعدم دستورية النص المتقدم ذكره من المادة الرابعة من القانون رقم 35 لسنة 1967 المشار إليه مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن المساواة التى يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطى العموم والتجريد فى التشريعات المنظمة للحقوق فهى ليست مساواة حسابية ذلك لأن الشارع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تحدد المراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط فى طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية ، وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط فى البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم ، وكان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التى كفلها الشارع لهم . والتجاء الشارع إلى هذا الأسلوب فى تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق لا تخل بشرطى العموم والتجريد فى القاعدة القانونية لأنه إنما خاطب الكافة من خلال هذه الشروط .
ولما كان النص المطعون فيه يقضى بعدم جواز تعديل المرتبات المحددة طبقاً للمادة الثالثة تبعاً لتعديل الأقدمية فهو لا يفيد تمييزاً ولا تفرقة فى معاملة من يسرى عليهم حكمه ممن تماثلت مراكزهم القانونية إذ جاء النص على عدم جواز تعديل المرتبات تبعاً لتعديل الأقدمية عاماً مجرداً شاملاً كافة العاملين الذين ينطبق عليهم هذا النص ، ومن ثم يكون غير مخالف للدستور . يؤيد هذا النظر أن القانون رقم 35 لسنة 1967 سالف الذكر قد رتب فى المادة الرابعة أقدمية اعتبارية أفاد منها المدعى برد أقدميته فى الدرجة المقررة لمؤهله الجامعى إلى تاريخ الحصول على المؤهل أثناء الخدمة وقد صدر هذا التشريع إعمالاً للمادة 73 من دستور سنة 1964 الذى صدر فى ظله وهى تقضى بأن " يعين القانون قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التى تقرر على خزانة الدولة وتنظيم حالات الاستثناء منها والسلطات التى تتولى تطبيقها " وقد رددت المادة 122 من الدستور القائم هذا النص . ومن ثم يكون أثر الأقدمية الاعتبارية بألا يترتب عليها تعديل فى المرتبات المحددة طبقاً للمادة الثالثة من القانون المشار إليه على نحو ما ذهب إليه النص المطعون فيه مما يملكه الشارع تطبيقاً لأحكام الدستور .
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الشطر الثانى من الطعن المبنى على إهدار المادة الخامسة من القانون المذكور لحق التقاضى الذى كفله الدستور فى المادة 68 فإن هذه المادة تنص على أن " لا يترتب على تحديد الأقدمية وفقاً للمادة الرابعة حق الطعن على القرارات الإدارية الصادرة قبل العمل بهذا القانون " ومفهوم هذا النص تقرير عدم أحقية العاملين المشار إليهم فى الاستناد إلى الأقدمية الاعتبارية الجديدة لتسوية حالاتهم على أساس المراكز القانونية التى ترتبت على القرارات السابقة على تاريخ نفاذ القانون . فهو لا يقرر حظراً على حق التقاضى ولا انتقاصاً من ولاية القضاء بل يقرر قاعدة موضوعية تستهدف استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة بمقتضى قرارات إدارية صدرت صحيحة فى وقت لم يكن لأولئك العاملين فيه حق فى أقدميات يسمح بالطعن فى القرارات المذكورة .
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى فى شطريها لا تقوم على أساس سليم . ومن ثم يتعين رفضها وإلزام رافعها المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .