نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة أول مارس سنة 1975 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب وعمر حافظ شريف نائبى رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية والدكتور منير العصرة وطه أحمد أبوالخير أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 7 لسنة 2 قضائية عليا " دستورية " .
الوقائع
اتهم المدعون الأول والثالث والرابع و الخامس والسادس والخامس والعشرون والخامس والثلاثون و السادس والثلاثون والأربعون والحادي والأربعون والثاني والأربعون والثالث والأربعون وأخر توفي في قضية الجنحة رقم 11278 لسنة 67 الوايلي بأنهم في 20 من يونيه سنة 1967 بدائرة قسم الوايلي قاموا بنشاط كانت تباشره المحافل البهائية و مراكزها بأن قاموا بنشر الدعوة البهائية بتشكيل لجان لنشر العقيدة البهائية وعقدوا اجتماعات بمساكنهم دعوا إليها الأفراد لاعتناق هذه العقيدة و طلبت النيابة العامة معاقبتهم طبقا لأحكام القرار بقانون رقم 263 لسنة 1967 و قضت المحكمة بجلسة 6 من مايو سنة 1971 بانقضاء الدعوى العمومية بالنسبة إلى المتهم الذي توفي وحضوريا للمدعي الثالث والأربعون وغيابيا لباقي المتهمين بحبس كل منهم ستة شهور مع الشغل و كفالة عشرة جنيهات وغرامة مائة جنيها فعرض المحكوم عليهم غيابيا في هذا الحكم وحضروا بجلسة 30 من سبتمبر سنة 1971 وفيها دفعوا بعدم دستورية القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 وقضت المحكمة بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1971 بوقف السير في المعارضة حتى يفصل في الطعن بعدم الدستورية المرفوع أمام المحكمة العليا 0

كما اتهم المدعون الأول والثالث والرابع والخامس والسادس والثامن والتاسع والعاشر والحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والعشرون والحادى والعشرون والثانى والعشرون والثالث والعشرون والثامن والثلاثون والتاسعة والثلاثون فى قضية الجنحة رقم 4068 لسنة 65 الزيتون بأنهم فى خلال عامى 1964 و1965 بالجمهورية العربية المتحدة قاموا بنشاط مما كانت تباشره المحافل البهائية ومراكزها بأن قاموا بنشر الديانة البهائية بتشكيل لجان لنشر العقيدة البهائية وعقدوا اجتماعات فى مساكنهم دعوا إليها الأفراد لاعتناق هذه العقيدة وطلبت النيابة العامة معاقبتهم بالقرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 فى شأن حل المحافل البهائية وقضت المحكمة بجلسة 27 من إبريل سنة 1967 بحبس المدعى الأول سنة مع الشغل وحبس كل من المدعين الثالث والرابع والخامس والسادس والسادس عشر ستة شهور مع الشغل وتغريم كل من المدعين التاسع والعاشر والحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر خمسين جنيهاً . وتغريم كل من المدعين الثامن عشر والعشرين والحادى والعشرين والثانى والعشرين والثالث والعشرين والثامن والثلاثين والتاسعة والثلاثين عشرين جنيهاً ، فاستأنف المحكوم عليهم هذا الحكم وقيد استئنافهم برقم 1063 لسنة 1969 وبجلسة 22 من سبتمبر سنة 1971 دفع المدعى التاسع أمام المحكمة الاستئنافية بعدم دستورية القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 فقررت المحكمة تحديد مدة ثلاثين يوماً للمتهمين لرفع الدعوى أمام المحكمة العليا بعدم دستورية هذا القرار بقانون وحددت جلسة 10 من نوفمبر سنة 1971 ليقدم المتهمون الدليل على رفع تلك الدعوى ، وبهذه الجلسة قضت المحكمة بوقف الدعوى حتى يتم الفصل فى الطعن بعدم الدستورية . وقد أقام المدعون هذه الدعوى بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة العليا فى 13 من أكتوبر سنة 1971 قيدت برقم 7 لسنة 2 ق عليا دستورية وطلبوا الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 فى شأن حل المحافل البهائية . وطلبت الحكومة الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها مع إلزام رافعيها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة . وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى وحدد لنظر الدعوى جلسة 2 ديسمبر سنة 1972 ، وتداولت الدعوى بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر ثم تقرر إصدار الحكم فى الدعوى بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة .
من حيث أن المدعين الثانى والسابع والسابع عشر والتاسع عشر والرابع والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين والحادى والثلاثين والثانى والثلاثين والثالث والثلاثين والرابع والثلاثين والسابع والثلاثين والثالث والأربعين لم يدفعوا أمام محكمة الجنح فى قضية الجنحة رقم 11278 لسنة 1967 الوايلى وقضية الجنحة رقم 4086 لسنة 1965 الزيتون بعدم دستورية القرار بقانون المطعون عليه ولم يلتزموا الأوضاع المقررة قانوناً فإن الدعوى تكون غير مقبولة بالنسبة إليهم .
ومن حيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى باقى المدعين لأنهم لم يرفقوا بصحيفة الدعوى صورة من محضر الجلسة التى أمرت فيها المحكمة بوقف الدعوى طبقاً للمادة الثانية من قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا .
ومن حيث إن المدعين أرفقوا بصحيفة دعواهم حافظة مستندات ضمت صورة رسمية من محضر جلسة 30 من سبتمبر سنة 1971 فى قضية الجنحة رقم 11278 لسنة 1967 الوايلى تفيد أن المدعين الأول والثالث والرابع والخامس والخامس والثلاثين والسادس والثلاثين والأربعين والحادى والأربعين والثانى والأربعين قد عارضوا فى الحكم الغيابى الصادر بحبسهم ، وأن الأستاذ أحمد طلعت عبد العظيم المحامى الحاضر معهم دفع بعدم دستورية القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 والتمس تحديد موعد لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة العليا ، وقدم المدعون بعد ذلك بجلسة التحضير فى 12 من مارس سنة 1972 صورة رسمية من حكم محكمة الوايلى الصادر فى 23 من ديسمبر سنة 1971 فى قضية الجنحة المذكورة والقاضى بوقف السير فى المعارضة حتى يفصل فى الطعن المرفوع أمام المحكمة العليا . كما ضمت حافظة مستندات المدعين التى أرفقوها بصحيفة الدعوى صورة رسمية من محضر جلسة 22 من سبتمبر سنة 1971 بدائرة الجنح المستأنفة بمحكمة القاهرة الابتدائية فى قضية الجنحة رقم 1063 لسنة 1969 تفيد حضور المدعى التاسع ومعه الأستاذ لبيب معوض المحامى الذى دفع بعدم دستورية القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 طالباً وقف الدعوى والإذن برفع الأمر إلى المحكمة العليا فقررت المحكمة تحديد مدة ثلاثين يوماً للمتهمين لرفع الدعوى أمام المحكمة العليا بعدم دستورية القرار بقانون المشار إليه ، وحددت جلسة 10 من نوفمبر لسنة 1971 ليقدم المتهمون الدليل على رفع الدعوى ، وقدم المدعون بعد ذلك بجلسة التحضير فى 12 من مارس سنة 1972 شهادة من نيابة شرق القاهرة بناء على طلب المدعى الأول تفيد أن قضية الجنحة المستأنفة المذكورة حكم فيها بجلسة 10 من نوفمبر سنة 1971 بوقف الدعوى حتى يتم الفصل فى الطعن رقم 7 لسنة 2 قضائية عليا.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المدعين المشار إليهم أرفقوا بصحيفة الدعوى صورة رسمية من محضرى الجلستين اللتين دفع فى كلتيهما بعدم دستورية القرار بقانون المطعون فيه ، وقد رفع المدعوى الدعوى الدستورية أمام المحكمة العليا فى الأجل الذى حددته لهم محكمة الجنح ومن ثم فإن الدعوى تكون قد استوفت أوضاعها الشكلية المقررة فى القانون ولا محل لما تثيره الحكومة فى هذا الصدد ، ويتعين لذلك الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى .

ومن حيث إن المدعين يطلبون الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 فى شأن حل المحافل البهائية استناداً إلى الأوجه الآتية :
الوجه الأول : أن القرار بقانون المطعون فيه إذ قضى بحل المحافل البهائية ومراكزها ووقف نشاطها قد خالف الأصول الدستورية الخاصة بحرية الاعتقاد والمساواة بين المصريين ، فحرية الاعتقاد مطلقة وللإنسان مطلق الحرية فى أن يعتنق ديناً دون آخر كما أن المصريين جميعاً سواء لدى القانون لا فرق فى ذلك بين البهائى وغير البهائى ، وقد انطوى هذا التشريع على التمييز بينهما فبينما يمارس غير البهائى شئون دينه حراً فى معتقداته فإن البهائى ليس كذلك .
الوجه الثانى : أن هذا القرار بقانون هو إجراء مؤقت من إجراءات الطوارئ التى انتهت حالتها إذ أشار فى ديباجته إلى القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ وإلى قرار رئيس الجمهورية رقم 1174 لسنة 1958 باستمرار حالة الطوارئ مما يفيد أن هذا الإجراء التشريعى هو مجرد تدبير من تدابير الطوارئ التى رخص لرئيس الجمهورية فى مباشرتها فى حالة الطوارئ . ولما كانت هذه الحالة قد أنهيت بقرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 1964 الصادر فى 24 من مارس سنة 1964 فإن القرار بقانون المطعون عليه ينتهى حتماً بانتهائها ولا يعتبر دستورياً بعد هذا التاريخ إذ فقد سنده التشريعى .
الوجه الثالث : أن هذا القرار بقانون لم يعرض على مجلس الأمة فى أول انعقاد له طبقاً لنص المادة 53 من دستور سنة 1958 .
ومن حيث إنه عن الوجه الأول فإنه يبين من الإطلاع على قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 263 لسنة 1960 فى شأن حل المحافل البهائية أنه يقضى فى المادة الأولى بحل جميع المحافل البهائية ومراكزها الموجودة بإقليمى الجمهورية ووقف نشاطها ويحظر على الأفراد والمؤسسات القيام بأى نشاط مما كانت تباشره هذه المحافل والمراكز وأيلولة أموالها وموجوداتها إلى الجهات التى يعينها وزير الداخلية بقرار منه مع فرض عقوبة على مخالفة أحكامه.
ومن حيث إنه يبين من استقصاء النصوص الخاصة بحرية العقيدة فى الدساتير المصرية المتعاقبة أنها بدأت فى أصلها بالمادتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من دستور سنة 1923 وكانت أولاهما تنص على أن حرية العقيدة مطلقة ، وكانت الثانية تنص على أن تحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية فى الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافى الآداب . وتفيد الأعمال التحضيرية لهذا الدستور أن النصين المذكورين كانا فى الأصل نصاً واحداً اقترحته لجنة وضع المبادئ العامة للدستور مستهدية بمشروع للدستور أعده وقتئذ لورد كيرزون وزير خارجية انجلترا التى كانت تحتل مصر وكان يجرى على النحو الآتى :
" حرية الاعتقاد الدينى مطلقة ، فلجميع سكان مصر الحق فى أن يقوموا بحرية تامة علانية أو فى غير علانية بشعائر أية ملة أو دين أو عقيدة مادامت هذه الشعائر لا تنافى النظام العام أو الآداب العامة " ، وقد اثار هذا النص معارضة شديدة من جانب أعضاء لجنة الدستور لأنه من العموم والإطلاق بحيث يتناول شعائر الأديان كافة فى حين أن الأديان التى تجب حماية شعائرها هى الأديان المعترف بها وهى الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية واستقر الرأى على أن يكون النص مقصوراً على شعائر هذه الأديان فحسب فلا يسمح باستحداث أى دين وصيغ النص مجزأ فى المادتين الثانية عشرة والثالثة عشرة اللذين تقدم ذكرهما وتضمنت الأولى النص على حرية العقيدة وتضمنت الثانية النص على حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد و... و... وظل هذان النصان قائمين حتى ألغى دستور سنة 1923 وحل محله دستور سنة 1956 وهو أول دستور للثورة فأدمج النصين المذكورين فى نص واحد تضمنته المادة 43 وكان يجرى على النحو الآتى : " حرية الاعتقاد مطلقة وتحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافى الآداب " ثم تردد هذا النص فى دستور سنة 1958 ( فى المادة 43 ) ثم دستور سنة 1964 ( فى المادة 34 ) واستقر أخيراً فى المادة 46 من الدستور القائم ونصها " تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ) .
ومن حيث إنه يستفاد مما تقدم أن المشرع قد التزم فى جميع الدساتير المصرية مبدأ حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية باعتبارهما من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة فى كل بلد متحضر فلكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التى يطمئن إليها ضميره وتسكن إليها نفسه ، ولا سبيل لأى سلطة عليه فيما يدين به فى قرارة نفسه وأعماق وجدانه . أما حرية إقامة الشعائر الدينية وممارستها فهى مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتير السابقة وأغفله الدستور القائم وهو " قيد عدم الإخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب " ولا ريب أن إغفاله لا يعنى إسقاطه عمداً وإباحة إقامة الشعائر الدينية ولو كانت مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب . ذلك أن المشرع رأى أن هذا القيد غنى عن الإثبات والنص عليه صراحة باعتباره أمراً بديهياً وأصلاً دستورياً يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه أما الأديان التى يحمى هذا النص حرية القيام بشعائرها فقد استبان من الأعمال التحضيرية لدستور سنة 1923 عن المادتين 12 ، 13 منه وهما الأصل الدستورى لجميع النصوص التى رددتها الدساتير المصرية المتعاقبة أن الأديان التى تحمى هذه النصوص ومنها نص المادة 46 من الدستور الحالى حرية القيام بشعائرها إنما هى الأديان المعترف بها وهى الأديان السماوية الثلاثة .
ومن حيث إن العقيدة البهائية على ما أجمع عليه أئمة المسلمين ليست من الأديان المعترف بها ومن يدين بها من المسلمين يعتبر مرتداً ويبين من استقصاء تاريخ هذه العقيدة أنها بدأت فى عام 1844 حين دعا إليها مؤسسها ميرزا محمد على الملقب بالباب فى إيران عام 1844 معلناً أنه يستهدف بدعوته إصلاح ما فسد وتقيم ما اعوج من أمور الإسلام والمسلمين وقد اختلف الناس فى أمر هذه الدعوة وعلى الخصوص فى موقفها من الشريعة الإسلامية وحسماً لهذا الخلاف دعا مؤسسها إلى مؤتمر عقد فى بادية " بدشت " بإيران فى عام 1848 حيث أفصح عن مكنون هذه العقيدة وأعلن خروجها وانفصالها التام عن الإسلام وشريعته ، كما حفلت كتبهم المقدسة وأهمها كتاب البيان الذى وضعه مؤسس الدعوة ثم الكتاب الأقدس الذى وضعه خليفته ميرزا حسن على الملقب بالبهاء أو بهاء الله وقد صيغ على نسق القرآن الكريم بما يؤيد هذا الإعلان من مبادئ وأصول تناقض مبادئ الدين الإسلامى وأصوله كما تناقض سائر الأديان السماوية وشرعوا لأنفسهم شريعة خاصة على مقتضى عقيدتهم تهدر أحكام الإسلام فى الصوم والصلاة ونظام الأسرة وتبتدع أحكاماً تنقضها من اساسها . ولم يقف مؤسسو هذه العقيدة عند حد ادعاء النبوة والرسالة معلنين أنهم رسل يوحى إليهم من العلى القدير منكرين بذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين كما جاء فى القرآن الكريم " ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " بل جاوزوا ذلك فادعوا الألوهية ثم خرجوا من مجال العقيدة الدينية إلى مجال السياسة المعادية للأمة العربية فضلاً عن الإسلام والمسلمين فبشوا فى كتبهم بالدعوة الصهيونية معلنين أن بنى إسرائيل سيجتمعون فى الأرض المقدسة حيث تكون " أمة اليهود التى تفرقت فى الشرق والغرب والشمال والجنوب مجتمعة " .
ومن حيث إن القانون المطعون فيه وهو القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 فى شأن حل المحافل البهائية يقضى فى مادته الأولى بحل جميع المحافل البهائية ومراكزها الموجودة فى الجمهورية وبوقف نشاطها كما يقضى فى المادة الثانية بأيلولة أموالها وموجوداتها ومراكزها إلى الجهات التى يعينها وزير الداخلية ، ويفرض فى المادة الثالثة عقوبة جنائية على مخالفة أحكامه ويبين من هذه النصوص أن الشارع لم يتعرض لحرية العقيدة البهائية ولم يمسسها من قريب أو بعيد وإنما عرض لمحافلهم التى يجتمعون فيها ويمارسون نشاطهم وشعائرهم ويبثون دعوتهم المخلة بالنظام العام فقضى بحلها وقاية للمجتمع من شر هذه الدعوى .
ولم يخالف الشارع فى هذه النصوص أحكام الدستور وبيان ذلك :
( أولاً ) إن الحماية التى يكفلها الدستور لحرية إقامة الشعائر الدينية مقصورة على الأديان السماوية الثلاثة المعترف بها كما تفصح عن ذلك الأعمال التحضيرية للمادتين 12 و13 من دستور سنة 1923 التى تقدم ذكرها وهما الأصل التشريعى الذى ترجع إليه النصوص الخاصة بحرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية فى الدساتير المصرية التى تلت هذا الدستور . ولما كانت العقيدة البهائية ليست ديناً سماوياً معترفاً به فإن الدستور لا يكفل حرية إقامة شعائرها .
( ثانياً ) إن إقامة الشعائر الدينية لأى دين ولو كان ديناً معترفاً به مقيدة بألا تكون مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب . ولما كانت إقامة شعائر العقيدة البهائية مخلة بالنظام العام فى البلد الذى يقوم فى أصله وأساسه على الشريعة الإسلامية لا يكفل حمايتها .
( ثالثا ) إن المحافل البهائية وفقاً للتكييف القانونى السليم هى جمعيات خاصة تخضع لأحكام القانون رقم 384 لسنة 1956 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة وقد حظر الدستور إنشاء هذه الجمعيات متى كان نشاطها معادياً لنظام المجتمع ( المادة 55 من الدستور ) ونظام المجتمع هو النظام العام الذى تقدم ذكره .
ومن حيث إنه لا تعارض بين القرار بقانون المطعون فيه وبين مبدأ المساواة ذلك أن هذا المبدأ لا يعنى التماثل من جميع الوجوه بين جميع الأفراد وإن اختلفت مراكزهم القانونية والمساواة بينهم مساواة حسابية مطلقة وإنما يعنى هذا المبدأ عدم التمييز والتفرقة بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت بينهم هذه المراكز ولم يتضمن القرار بقانون المطعون عليه أى تمييز من هذا القبيل ومن ثم فلا سبيل للنعى عليه بالإخلال بمبدأ المساواة .
ومن حيث إنه عن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10 من ديسمبر سنة 1948 ووقعته مصر ، فإنه لا يعدو أن يكون مجرد توصية غير ملزمة وليست له قيمة المعاهدات الدولية المصدق عليها ، وحتى بالنسبة إلى هذه المعاهدات فإن صدور قانون داخلى بأحكام تغايرها لا ينال من دستوريته ذلك أن المعاهدات ليست لها قيمة الدساتير وقوتها ولا تجاوز مرتبتها مرتبة القانون بذاته ، هذا فضلاً عن أن القرار بقانون المطعون فيه لا يناهض الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فقد نصت المادة 29 منه فى فقرتها الثانية على أن الفرد يخضع فى ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التى يقررها القانون لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها لتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق فى مجتمع ديمقراطى ومن ثم فإنه متى اقتضت موجبات النظام العام فى البلاد والذى يستمد حدوده أساساً من الشريعة الإسلامية حظر المحافل البهائية ووقف نشاطها فلا تثريب على هذا الحظر ولا تنافر بينه وبين الإعلان العالمى لحقوق الإنسان . ومن ثم يكون هذا الوجه غير قائم على أساس سليم .
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى وهو أن القرار بقانون المطعون فيه يعتبر إجراء من إجراءات الطوارئ التى انتهت حالتها فإنه يبين من الاطلاع على هذا القرار بقانون أنه صدر بهذا العنوان " قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 263 لسنة 1960 " وقد نص فى ديباجته على صدوره باسم الأمة واستناداً إلى الدستور المؤقت كما نصت المادة الخامسة منه على أن ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية وهذه سمات القرارات بقوانين . أما الإشارة فى ديباجته إلى القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ وإلى قرار رئيس الجمهورية رقم 1174 لسنة 1958 باستمرار حالة الطوارئ فإنها لا تخلع عن القرار بقانون وصفه هذا وتجعله مجرد أمر من أوامر الطوارئ الموقوتة بطبيعتها ولا تعنى أكثر من استظهار سبب من الأسباب التى استوجبت إصداره ويكون ما يثيره المدعون فى هذا الوجه على غير أساس .
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث القائم على أن القرار بقانون المطعون فيه لم يعرض على مجلس الأمة فى أول انعقاد له فقد دفعت الحكومة بعدم قبول هذا الوجه لأن المدعين لم يثيروه إلا بجلسة التحضير على خلاف ما تقضى به المادة الثانية من قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا من وجوب بيان الأسباب التى يبنى عليها الطعن بعدم الدستورية فى صحيفة الدعوى ذاتها .
ومن حيث إن المادة الثانية من قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970 إذ نصت على أنه " يتعين أن تتضمن صحيفة دعوى الدستورية بيان النص القانونى وأوجه مخالفته الدستور " فهى لم تحظر إبداء أسباب إضافية أو تمنع استظهار أوجه مخالفة للدستور لم تتضمنها صحيفة الدعوى فلا يحال بين المحكمة أو المدعى وبين استظهار أسباب أخرى غير ما تضمنته صحيفة الدعوى ، وللمحكمة أن تبسط رقابتها كاملة فى هذا الشأن ، ذلك أن الحكم بالدستورية من قبل المحكمة وهو ملزم لجميع جهات القضاء يعنى سلامة التشريع من جميع الوجوه وبراءته من جميع المثالب وأسباب البطلان وهو ما لا سبيل إليه إن قيل بقصر الدعوى على الأسباب المعلنة بصحيفتها ومن ثم فإن هذا الدفع يكون غير قائم على أساس .
ومن حيث إنه عن موضوع هذا الوجه فإن دستور سنة 1958 قد نص فى مادته الثالثة والخمسين على أن لرئيس الجمهورية أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلاً فى اختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة إلى اتخاذه فى غياب المجلس على أن يعرض عليه فور انعقاده . فإذا اعترض المجلس على ما أصدره رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثى أعضائه سقط ماله من أثر من تاريخ الاعتراض . ويستفاد من هذا النص أنه وإن أوجب عرض ما يصدره رئيس الجمهورية من تشريعات تطبيقاً له على مجلس الأمة فور انعقاده ، إلا أنه لم يفرض جزاء لعدم العرض وذلك خلافاً لمسلك الشارع فى سائر الدساتير الأخرى سواء السابقة على هذا الدستور أو اللاحقة له ( المادة 41 من دستور سنة 1923 والمادة 41 من دستور سنة 1930 والمادة 135 من دستور سنة 1956 والمادة 119 من دستور سنة 1964 والمادة 147 من دستور سنة 1971 ) إذ نصت جميعها على أن هذه القرارات بقوانين إذا لم تعرض على المجلس النيابى زال ما كان لها من قوة القانون ، وهذه المغايرة فى الحكم بين دستور سنة 1958 وسائر الدساتير الأخرى تدل على أن الشارع فى هذا الدستور قصد ألا يترتب ذلك الأثر على مجرد عدم عرض القرارات بقوانين على مجلس الأمة بل أوجبه فقط فى حالة اعتراض المجلس عليها بالأغلبية التى نص عليها وهى أغلبية ثلثى أعضائه ، ومن ثم فإن هذا الوجه يكون غير قائم على أساس سليم .
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم فيتعين رفضها مع إلزام رافعيها المصروفات ومصادرة الكفالة .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
( أولاً ) بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعين الثانى والسابع والسابع عشر والتاسع عشر والرابع والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين والحادى والثلاثين والثانى والثلاثين والثالث والثلاثين والرابع والثلاثين والسابع والثلاثين والثالث والأربعين .
( ثانياً ) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى باقى المدعين وبرفض الدفع بعدم قبول الوجه الثالث من الدعوى .
( ثالثاً ) برفض الدعوى وإلزام المدعين المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة ومصادرة الكفالة .