نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة أول مارس سنة 1975 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب وعمر حافظ شريف نائبى رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية والدكتور منير العصرة وطه أحمد أبو الخير أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 2 لسنة 2 قضائية عليا " دستورية " .

الوقائع
تتلخص وقائع الدعوى فى أن المدعى كان يستأجر أرضاً زراعية من أحمد رمضان الصاوى وقد أوقع هذا الأخير ضده حجزاً تحفظياً بتاريخ 11 من يونيو سنة 1969 وفاء لمبلغ 730 مليم ، 291 جنيه ، ثم تقدم لقاضى الأمور الوقتية بمحكمة دمنهور الكلية فى 14 من يونيو سنة 1969 بطلب إصدار أمر ضد المستأجر بأداء المبلغ المذكور والمصروفات ، وقد رفض قاضى الأمور الوقتية إصدار هذا الأمر وحدد لنظر النزاع أمام المحكمة جلسة 13 من سبتمبر سنة 1969 ، وأثناء نظر النزاع أمام المحكمة المذكورة فى الدعوى رقم 572 لسنة 1969 كلى دمنهور دفع المدعى بعدم دستورية القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية لأن الإيجار الذى يطالب به المؤجر قد حددته لجنة الفصل فى المنازعات الزراعية المشكل طبقاً للقانون المذكور وهو قانون غير دستورى ، وطلب تحديد موعد لرفع الدعوى الدستورية أمام المحكمة العليا . وقد قررت المحكمة فى 26 من ديسمبر سنة 1970 وقف الدعوى وحددت له أجلاً مداه شهران لرفع الدعوى الدستورية ، وقد رفع هذه الدعوى بعريضة أودعت فى 28 من فبراير سنة 1971 قلم كتاب المحكمة العليا ، ضد النائب العام وأحمد رمضان الصاوى وآخرين ، وطلب الحكم بإلغاء القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية لعدم دستوريته وعلى الأخص فيما تضمنته المادة السابعة منه التى تقضى بعدم جواز الطعن فيما تصدره اللجان الزراعية من قرارات أمام القضاء مع إلزام المدعى عليهما الأول والثانى متضامنين فى مواجهة الباقين المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .

وقد أعلن قلم الكتاب رئيس الوزراء بالدعوى فى 7 من مارس سنة 1971 باعتبار أن الحكومة من ذوى الشأن فى دعاوى الدستورية .

وأثناء نظر الدعوى أمام هذه المحكمة صدر القانون رقم 11 لسنة 1972 بإلغاء موانع التقاضى فى بعض القوانين على أن يعمل به من تاريخ نشره الذى تم فى 8 من يونيو سنة 1972 ، وقد نصت المادة الأولى منه على أن " تلغى كافة صور موانع التقاضى الواردة فى نصوص القوانين الآتى بيانها " . ومن بين النصوص ( المادة السابعة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية ) .

وقد تقدم المدعى عليه الثانى بالدفوع الآتية :
( أولاً ) دفع بعدم اختصاص المحكمة العليا ولائياً بنظر الدعوى لأن المدعى فيها يطلب الحكم بإلغاء القانون رقم 54 لسنة 1966 وليس من اختصاص المحكمة الحكم بإلغاء القوانين .
( ثانياً ) دفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى باقى المدعى عليهم لرفعها على غير ذى صفة لأنهم لم يكونوا خصوماً فى الدعوى الأصلية .
( ثالثاً ) دفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعى لانتفاء المصلحة لأن حكم اللجنة قد نفذ فعلاً بطرد المستأجر . وقد رددت الحكومة هذا الدفع .

وفى الموضوع طلب المدعى عليه الثانى والحكومة رفض الدعوى .

وقد تم تحضير الدعوى وقدم المفوض تقريره فيها ، ثم تداولت بجلسات المحكمة وفى جلسة 5 من يناير سنة 1975 حجزت للحكم لجلسة اليوم حيث أصدرت الحكم الآتى :
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً .
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة قانوناً .

عن الدفع بعدم الاختصاص : من حيث أن مبنى هذا الدفع أن المدعى يطلب الحكم بإلغاء القانون رقم 54 لسنة 1966 المشار إليه فى حين أن المحكمة العليا لا تختص بإلغاء القوانين .

ومن حيث أن هذا الدفع مردود بأن المدعى إنما يعنى طلب الحكم بعدم دستورية القانون المشار إليه كما يدل على ذلك الحكم الصادر من محكمة الموضوع بوقف الدعوى الأصلية فضلاً عن سائر أوراق الدعوى ، وليس ثمت شك فى اختصاص المحكمة بالفصل فى هذا الطلب طبقاً للفقرة 1 من المادة الرابعة من قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969 ومن ثم يكون الدفع غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه .

عن الدفع بعدم قبول الدعوى المقدم من المدعى عليه الثانى ضد باقى المدعى عليهم :
من حيث أن المدعى عليه الثانى دفع بعدم قبول الدعوى ضد باقى المدعى عليهم استناداً إلى عدم توافر شرط الصفة لديهم لعدم مخاصمتهم فى الدعوى الأصلية .

ومن حيث إنه يتعين لقبول الدفوع أن تكون لمن يقدمها مصلحة قائمة فى تقديمها يقرها القانون شأنها فى ذلك شأن الدعاوى .

ومن حيث إن المدعى عليه الثانى غير ذى مصلحة فى الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى غيره من المدعى عليهم مما كان يقتضى رفض هذا الدفع لتخلف شرط المصلحة فيمن تقدم به ، إلا أن للمحكمة العليا أن تقضى من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى من يقحم عليها وذلك بما لها من سلطة فى الإشراف على إجراءات الدعوى الدستورية تكفل لها القيام بدور إيجابى فى توجيهها للاستيثاق من جديتها وتجردها من اللدد والعنت ، ولقد خولها القانون فى هذا الصدد حق إرساء القواعد التى ترى من الملائم إرساءها فيما يعرض عليها من دعاوى ( وأفصح عن هذا المعنى فى المادة الأولى من قانون إصدار قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة التى نصت على أن يعمل بأحكام القانون المرافق فى شأن الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا أو فى هذا القانون الأخير وبأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض مع طبيعة الأوضاع أمام المحكمة العليا وروحها .

ومن حيث إن المشرع رسم لرفع الدعوى الدستورية طريقاً واحداً وهو طريق الدفع أمام المحاكم بعدم دستورية نص قانونى وذلك أثناء نظر الدعاوى الموضوعية مما يقتضى اتحاد الخصوم فى الدعوى والدفع على أنه نظراً لأن الدعوى الدستورية تستهدف فى الطعن فى القوانين واللوائح التى تصدرها الدولة فى إشرافها على المرافق العامة وفى تنظيم مختلف العلاقات فى المجتمع وتعتبر من ثم مسئولة عن سلامتها ، فقد رأى المشرع اعتبار الحكومة من ذوى الشأن فى هذا النوع من الدعاوى كى تقول كلمتها فى أوجه الطعن الموجهة إلى القانون أو اللائحة ، كما رأى اعتبار النيابة العامة من ذوى الشأن فيها إذا كان الطعن يتناول نصاً عقابياً وذلك بوصفها الأمينة على الدعوى العمومية .

ومن حيث إن النص المطعون فيه ليس نصاً عقابياً ومن ثم فلم يكن هناك محل أصلاً لاختصام النائب العام فى الدعوى ، وكذلك لم يكن ثمت محل لإدخال المدعى عليهم من الثالث إلى الأخير بمقولة أنهم مزارعون ممن أصابهم ضرر من النص المطعون فيه ذلك لأن الخصوم إنما يستهدفون من الاختصام أصلياً أو عن طريق الإدخال أن تكون للحكم حجية بالنسبة إلى من يختصم أصلياً أو يختصم عن طريق الإدخال على السواء .

ولما كان شأن الدعوى الدستورية غير شأن الدعاوى العادية فى هذا الصدد لأن الخصومة فيها عينية تستهدف الطعن فى النص القانونى للحصول على حكم بعدم دستوريته ويكون الحكم الصادر فيها حجة على الكافة طبقاً للمادة 31 من قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة ، فإنه يكتسب حجية قبل المدعى عليهم سالفى الذكر دون حاجة إلى إدخالهم فى الدعوى . هذا فضلاً عن أنهم لم يكونوا خصوماً فى الدعوى الأصلية التى انعقدت بها الخصومة بين أطرافها ، وعلى مقتضى ما تقدم يكون اختصام المدعى عليهم ( عدا الثانى ) غير قائم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليهم .




عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام مصلحة المدعى فيها :
ومن حيث إن الحكومة والمدعى عليه الثانى دفعاً بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعى فيها وقد بنت الحكومة دفعها على الأسباب الاتية :
( أولاً ) أن المدعى يحاول بدعواه هذه استحداث درجة جديدة من درجات التقاضى للطعن فى قرار اللجنة الاستئنافية للفصل فى المنازعات الزراعية الذى قضى بعدم قبول الاستئناف لرفعه بعد الميعاد .
( ثانياً ) أنه على فرض اعتبار اللجنة المذكورة لجنة إدارية ذات اختصاص قضائى ، فقد كان على المدعى أن يطعن فى قرارها فى الميعاد القانونى أمام مجلس الدولة ولكنه أغفل ذلك حتى أصبح القرار نهائياً غير قابل للطعن .
( ثالثاً ) أن محكمة الموضوع التى دفع أمامها بعدم دستورية القانون المطعون فيه لا تطبق هذا القانون بل تطبقه اللجان المنصوص عليها فيه .

كما استند المدعى عليه الثانى إلى أن قرار اللجنة الزراعية الصادر بطرد المدعى قد تم تنفيذه فعلاً ومن ثم انتفت مصلحته فى الدعوى .

ومن حيث إن دفع الحكومة مردود للأسباب الآتية :
أولاً : بالنسبة إلى الوجه الأول المبنى على أن المدعى يحاول استحداث درجة للطعن فى القرار النهائى الصادر من اللجنة الاستئنافية للفصل فى المنازعات الزراعية . فإن هذا الوجه مبنى على خطأ فى تكييف اللجنة المذكورة واعتبارها لجنة قضائية تصدر أحكاماً قضائية ، وهو نظر لا يتفق مع طبيعة اللجنة ولا مع الأحكام المنظمة لها ، وقد أفصح القانون رقم 11 لسنة 1972 بإلغاء موانع التقاضى فى بعض القوانين عن وضعها القانونى الصحيح حين نص على إلغاء حظر التقاضى الوارد فى المادة السابعة من القانون رقم 54 لسنة 1966 موضوع الطعن ووصفت مذكرته الإيضاحية اللجان المذكورة بأنها لجان إدارية ذات اختصاص قضائى ، ومن ثم يجوز الطعن فى قراراتها أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى .
ثانياً : بالنسبة إلى الوجه الثانى القائم على فوات ميعاد الطعن فى قرار اللجنة الاستئنافية على فرض اعتباره قراراً إدارياً فإن هذا الوجه مردود بأن الجهة القضائية المختصة بنظر دعوى الموضوع الخاصة بالطعن فى هذا القرار هى التى تختص بقبول هذا الطعن أو عدم قبوله ، ويدخل فى سلطتها فى هذا الصدد تقدير أثر حظر التقاضى الذى كان منصوصاً عليه فى المادة السابعة من القانون المطعون فيه على قبول الدعوى وهل يعتبر حائلاً قانونياً دون رفع الدعوى فى ميعادها المقرر قانوناً أو لا يعتبر كذلك .
ثالثاً : بالنسبة إلى الوجه الثالث القائم على أن المحكمة التى تنظر الموضوع لا تطبق القانون المطعون فيه فإن هذا القول مردود بأن محكمة الموضوع إنما تتولى الفصل فى النزاع الأصلى القائم حول أجرة الأرض وقد حددت هذه الأجرة بالقرار الصادر من لجنة الفصل فى المنازعات الزراعية طبقاً لأحكام القانون المطعون فيه ، ولا شك أن الفصل فى دستورية هذا القانون سوف ينعكس أثره على القرار الصادر بتحديد الأجرة وبالتالى على دعوى الموضوع وهى الهدف الأصيل للمدعى من الطعن بعدم دستورية القانون المذكور .

ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون دفع الحكومة غير قائم على أساس سليم متعيناً رفضه .

ومن حيث إن دفع المدعى عليه الثانى المبنى على انتفاء المصلحة لتنفيذ حكم الطرد مردود بأن الدعوى الدستورية تستهدف إبطال العمل بالقانون المطعون فيه وما يترتب على ذلك من إلغاء القرار الصادر من لجنة الفصل فى المنازعات الزراعية على اعتبار أنها مختصة بالفصل فى هذه المنازعات عملاً بأحكام القانون المذكور ، ومن ثم فلا تزال مصلحة المدعى قائمة فى الدعوى على الوجه الذى تقدم ذكره وليس لتنفيذ الحكم أثر فى قيام هذه المصلحة ويتعين لذلك رفض الدفع .

عن الموضوع :
ومن حيث إن المدعى يطلب الحكم بعدم دستورية القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية وخاصة ما تضمنته المادة السابعة منه التى تقضى بعدم جواز الطعن فيما تصدره اللجان الزراعية من قرارات أمام القضاء .

ومن حيث إن المادة السابعة من القانون المذكور والتى وجه إليها المدعى طعناً خاصاً تنص على ما يأتى :
" استثناء من أحكام قانونى مجلس الدولة والسلطة القضائية لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة من لجان الفصل فى المنازعات الزراعية واللجان الاستئنافية المنصوص عليها فى هذا القانون أو التعويض عنها .
ويمتنع على المحاكم النظر فى المنازعات التى تدخل فى اختصاص هذه اللجان طبقاً للفقرة 2 من المادة 3 وتحال إليها فوراً جميع القضايا المنظورة حالياً أمام محكمة الدرجة الأولى والتى تدخل فى هذا الاختصاص مادام باب المرافعة لم يقفل فيها " .

ومن حيث إن القانون رقم 11 لسنة 1972 بإلغاء موانع التقاضى فى بعض القوانين قد صدر فى 28 من مايو سنة 1972 ونص فى مادته الأولى على ما يأتى :
" تلغى كافة صور موانع التقاضى الواردة فى نصوص القوانين الآتى بيانها :
أولاً : قوانين الإصلاح الزراعى :
1 2 3
6 المادة السابعة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية " .

ومن حيث إنه بإلغاء النص المطعون فيه الذى كان يحظر الطعن فى قرارات لجان الفصل فى المنازعات الزراعية بالإلغاء أو وقف التنفيذ أو طلب التعويض عنها يسقط المانع الذى كان يحول دون الطعن فيها وينفسح السبيل لكل ذى مصلحة للطعن فى هذه القرارات أمام القضاء ويتحقق بذلك هدف المدعى من الطعن بعدم دستورية المادة السابعة من القانون المتقدم ذكره .

ومن حيث إنه بالنسبة إلى طعن المدعى الموجه إلى القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن الفصل فى المنازعات الزراعية على وجه عام فإنه يقوم على أن هذا القانون إذ أنشأ لجاناً إدارية تابعة للسلطة التنفيذية ووكل إليها وحدها سلطة الفصل فى منازعات تدخل فى اختصاص السلطة القضائية ، فإنه يكون قد خالف نصوص الدستور التى تخول السلطة القضائية اختصاص الفصل فى المنازعات ، كما تحرم على أى سلطة التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة ، يؤكد هذه المخالفة أن قرارات اللجان نهائية وغير قابلة لأى طعن مما يجعلها بمنأى عن رقابة السلطة القضائية .

ومن حيث إن الدستور إذ ينص فى المادة 165 على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وإذ ينص فى المادة 167 على أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها فإنه يعهد إلى المحاكم بولاية الفصل فى المنازعات كما يفوض المشرع العادى فى تحديد الهيئات القضائية وفى توزيع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة لممارسة هذه الولاية دون مساس بها ودون إهدار لحق التقاضى أو الانتقاص منه .

ومن حيث إنه يبين من استقصاء التشريعات المتعاقبة الصادرة بإنشاء لجان فض المنازعات الزراعية وتنظيمها أن المشرع كان يستهدف بإنشاء هذه اللجان تحقيق مصالح الزراع بالعمل على حسم منازعاتهم عند منبعها بالسرعة التى تتطلبها طبيعتها وتصفيتها بطريقة أشبه ما تكون بالمصالحات منها بالخصومات القضائية ، مع تقريب لجان الفصل فى المنازعات من مواقع النزاع ومن المتنازعين تيسيراً لهم ، وإشراك عناصر واعية بطبيعة المنازعات فى عضوية اللجان . وهذا الأسلوب فى تنظيم فض المنازعات ليس غريباً على المشرع ، فكثيراً ما يلجأ إلى إنشاء نظم معينة لفض المنازعات فى مراحل سابقة على الالتجاء إلى المحاكم توخياً للتيسير وسرعة فض المنازعات ، وتحقيقاً للمصالح التى يقدرها ويقدر وسائل تحقيقها ، ولا نزاع فى حق المشرع فى ذلك ما دام التنظيم الذى يضعه لا يحول دون بسط رقابة القضاء على المنازعة ، ومادام يترك الباب مفتوحاً أمام ذوى الشأن إذا شاءوا أن يطرحوا منازعتهم على الجهة القضائية المختصة ، سواء حددها المشرع بالنص أو ترك أمر تحديدها للقواعد العامة فى تحديد الاختصاص بين الجهات القضائية .

ومن حيث إن القانون رقم 54 لسنة 1966 المطعون فيه ، وبعد أن ألغى المشرع النص المانع من التقاضى فى المادة السابعة منه ، بموجب القانون رقم 11 لسنة 1972 ، قد أصبح مجرد قانون منظم لفض المنازعات بالطريقة التى ارتآها المشرع محققة لمصالح المتنازعين ، فإذا انتهى نظر المنازعة أمام اللجان كان لكل ذى مصلحة فيها أن يطعن فى قراراتها أمام جهة القضاء المختصة ، وبذلك تنبسط رقابة القضاء على هذه المنازعات .

ومن حيث إنه بالنسبة لما أثاره دفاع الحكومة من استناد إلى نص المادة 191 من الدستور للقول بأن النص المذكور يقرر صحة ونفاذ التشريعات السابقة على صدوره ، وبذلك يكون القانون المطعون فيه صحيحاً بحكم الدستور لصدوره قبل العمل به ، حتى ولو تعارض مع القواعد التى استحدثها الدستور مادامت لم تعدل تشريعياً بالوسيلة المقررة لذلك ، هذا الدفاع مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة ، من أن الشارع لم يقصد بالمادة 191 من الدستور إلى إضفاء الصحة على كافة نصوص القوانين ولو خالفت مبدأً دستورياً ، وإنما قصد به مجرد استمرار ونفاذ التشريعات السابقة على الدستور ، دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم الدستورية شأنها فى ذلك شأن التشريعات التى تصدر فى ظل الدستور القائم ، فليس معقولاً أن تكون التشريعات التى صدرت قبل الدستور بمنأى عن الرقابة التى تخضع لها التشريعات التى تصدر فى ظله .

ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون الدفع بعدم دستورية القانون رقم 54 لسنة 1969 بشأن لجان الفصل فى المنازعات الزراعية ( عدا النص المانع من التقاضى الذى ألغى بالقانون رقم 11 لسنة 1972 ) غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه .

ومن حيث إنه بالنسبة إلى مصروفات الدعوى ، فإن المحكمة ترى بعد مبادرة المشرع إلى إلغاء النص المانع من التقاضى فى القانون المطعون بعدم دستوريته ، ما يبرر عدم إلزام الطاعن بالمصروفات ، وإلزام الحكومة بها .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
( أولاً ) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى .
( ثانياً ) بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعى عليهم عدا المدعى عليه الثانى والحكومة .
( ثالثاً ) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعى فيها .
( رابعاً ) باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية النص المانع من التقاضى الوارد فى المادة السابعة من القانون رقم 54 لسنة 1966 المطعون فيه .
( خامساً ) برفض الدعوى فيما عدا ذلك ومصادرة الكفالة .
( سادساً ) بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .