نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 7 من يونيه سنة 1975.
برئاسة السيد المستشار/ بدوي إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين/ محمد عبد الوهاب خليل وعمر حافظ شريف نائبي رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية والدكتور محمد منير العصرة وطه أحمد أبوالخير أعضاء
وحضور السيد المستشار/ محمد كمال محفوظ المفوض
وحضور السيد/ سيد عبد الباري إبراهيم أمين السر


أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 2 لسنة 3 قضائية "دستورية"

الوقائع
أقام المدعى هذه الدعوى بصفته رئيساً لرابطة المهندسين المساحيين (الدعوى رقم 2 لسنة 3 القضائية " دستورية") ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونقيب المهندسين، بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة العليا في 23 من أبريل سنة 1972، قائلاً إنه بتاريخ 11 من مارس سنة 1972 صدر قرار من المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة يقضي بوقف الطعن رقم 600 لسنة 8 القضائية المرفوع من المدعى ضد المدعى عليه الثالث ثلاثة أشهر ليتخذ المدعى إجراءات إقامة دعوى أمام المحكمة العليا بالطعن في دستورية القانون رقم 622 لسنة 1955 بإلغاء قرار وزارة التربية والتعليم بمعادلة شهادة مدرسة المساحة بشهادة الفنون والصنايع نظام حديث، والذي تضمن مادة وحيدة تنص على أنه " مع عدم الإخلال بالأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة والأحكام والقرارات النهائية الصادرة من المحاكم الإدارية واللجان القضائية، يعتبر ملغي من وقت صدوره قرار وزارة التربية والتعليم الصادر في يناير سنة1950، بمعادلة الشهادة التي تمنحها مصلحة المساحة لخريجي مدرستها لشهادة الفنون والصنايع (نظام حديث)" ولهذا فقد أقام هذه الدعوى طاعناً بعدم دستورية القانون المذكور مؤسساً طعنه على الأسباب الآتي:

أولاً : أن القانون المطعون فيه - وقد صدر عن مجلس الوزراء فهو لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً، لا يصح أن يرتد أثره إلى الماضي، بل يسري من يوم صدوره.
ثانياً :أن هذا القانون بإلغائه قرار وزارة التربية والتعليم الخاص بمعادلة شهادة مدرسة المساحة بأثر رجعي، قد مس الحقوق المكتسبة لخريجي مدرسة المساحة في معادلة شهادتهم بشهادة الفنون والصنايع نظام حديث، وأن المساس بالحقوق المكتسبة أمر لا يقره الدستور.
ثالثا : إن القانون المشار إليه إذ استثنى من حكمه من صدرت لهم أحكام أو قرارات نهائية من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية أو اللجان القضائية ومن ثم فإنه يتضمن إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون.
رابعا : إن القانون المذكور قد صدر مشوباً بعيب الانحراف، ولم يستهدف الصالح العام، ويكفي دليلاً على ذلك الرجوع إلى المذكرة الإيضاحية للقانون، فقد جاء بها أنه بعد أن تقررت معادلة شهادة مدرسة المساحة بشهادة الفنون والصنائع نظام حديث، تقدم الحاصلون على الشهادة الأولى إلى نقابة المهن الهندسية طالبين قيد أسمائهم بجدول المهندسين المساعدين بالتطبيق للفقرة (ج) من المادة الثالثة من القانون رقم 89 لسنة1946 بإنشاء نقابة المهن الهندسية، ولما رفضت النقابة قيدهم بالجدول لجأ بعضهم إلى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة التي أصدرت أحكاماً بإلغاء قرارات رفض طلبات قيدهم، ولكن وزير الأشغال في ذلك العهد أراد أن يقضي على الدعاوى التي رفعها بعض الخريجين فاستصدر القانون المطعون فيه قاضياً بإلغاء قرار وزارة التربية والتعليم المشار إليه بحجة أن البيانات التي بنى عليها هذا القرار كانت غير صحيحة، والواقع خلاف ذلك. فعندما تقدم خريجو مدرسة المساحة إلى وزارة التربية والتعليم طالبين معادلة شهادة مدرسة المساحة بإحدى الشهادتين المنصوص عليهما في الفقرة (ج) من المادة 3 من القانون رقم 89 لسنة 1946 بإنشاء نقابة المهن الهندسية التي تنص على أن" يعتبر مهندساً مساعداً كل من حصل على دبلوم الفنون والصنائع أو دبلوم الفنون الجميلة قسم العمارة أو على شهادة معادلة لأيهما معترف بها من وزارة التربية والتعليم" شكلت لجنة بمراقبة الامتحانات بوزارة التربية والتعليم، قامت بمراجعة شروط الالتحاق ومواد الدراسة بمدرسة المساحة وانتهت إلى أنها ترى أن أقرب ما تعادل به شهادة مدرسة المساحة هي مدرسة الفنون والصنايع، وبعد ذلك أصدر وزير التربية والتعليم قراراً بإحالة الموضوع إلى لجنة برئاسة سكرتير عام الوزارة مثلت فيها عدة هيئات، ولما أقرت هذه اللجنة ما انتهت إليه لجنة مراقبة الامتحانات بوزارة التربية والتعليم، أصدر وزير التربية والتعليم قراره بالتعادل، وقد وافق مجلس الوزراء على هذا القرار.
وقد دفعت إدارة قضايا الحكومة الدعاوى، بالحجج الآتية:
أولاً :أن القانون المطعون فيه صدر في 21 من ديسمبر سنة 1955 في ظل الإعلان الدستوري الصادر في 10 من فبراير سنة 1953 الذي تضمن دستور فترة الانتقال، وقد خول مجلس الوزراء في تلك الفترة ممارسة السلطة التشريعية إلى جانب توليه أعمال السلطة التنفيذية، وإذ صدر القانون المطعون فيه من السلطة التي تملك التشريع في ذلك الوقت، فإنه يملك تقرير الأثر الرجعي كأي قانون عادي، والدستور لم يمنع من إصدار قوانين بأثر رجعي.
ثانيا : أن القانون المطعون فيه لم يتضمن مساساً بحقوق مكتسبة لخريجي مدرسة المساحة، ذلك أن قرار وزير التربية والتعليم الصادر في يناير سنة 1950 بمعادلة شهادة مدرسة المساحة لشهادة الفنون والصنايع (نظام حديث)، قد صدر بناء على بيانات غير صحيحة استظهرتها مذكرة القسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 86/3/74 المؤرخة في 9 من أكتوبر سنة 1955 ، لوجود فارق كبير بين خريجي مدرسة المساحة وبين الحاصلين على شهادة الفنون والصنايع (نظام حديث) من حيث درجة الثقافة ومدة الدراسة، ولما كانت من حق السلطة التشريعية أن تراقب أعمال السلطة التنفيذية، ولها أن تلغي أي قاعدة تصدر منها مخالفة للقانون أو غير ملائمة، وكان قرار وزارة التربية والتعليم المشار إليه غير مستند إلى أسس سليمة، فإن القانون المطعون فيه إذ ألغى هذا القرار يكون قد رد الأمر إلى نصابه الصحيح، والدستور لم يقيد سلطة المشرع في تنظيم النقابات وشروط الانضمام إليها، ومن ثم تكون سلطة المشرع في هذا الشأن سلطة تقديرية مطلقة وإذ رأت السلطة التشريعية عدم أحقية خريجي مدرسة المساحة في القيد بجدول نقابة المهن الهندسية ، فإن ذلك الأمر يدخل في صميم اختصاصها وسلطتها التقديرية بلا معقب عليها في ذلك.
ثالثا : أن النص في القانون المطعون فيه على عدم المساس بالأحكام والقرارات النهائية الصادر من القضاء الإداري لا ينطوي على أي مساس بمبدأ المساواة أمام القانون، ذلك أن المقصود بمبدأ المساواة وفقاً لما استقر عليه قضاء المحكمة العليا هو عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية، ولما كان القانون رقم 622 لسنة 1955 قد انطوى على قاعدة عامة مجردة تنطبق على كافة خريجي مدرسة المساحة، ولم يستثن المشرع من هذه القاعدة سوى من صدرت لهم أحكام قضائية نهائية، فإن القانون المذكور لا ينطوي على أي إخلال بمبدأ المساواة إذ أن مرد هذا الاستثناء هو احترام حجية الأحكام، تلك الحجية التي تعلو على اعتبارات النظام العام.
رابعاً : لا وجه للقول بأن القانون المطعون فيه قد صدر مشوباً بعيب الانحراف إستناداً إلى أن مؤهل خريجي مدرسة المساحة يتساوى مع شهادة الفنون والصنائع (نظام حديث)، إذ فضلا عن عدم صحة هذا القول، فقد قضت المحكمة العليا بأنه بولاية المحكمة لا تمتد إلى مناقشة ملاءمة التشريع أو البواعث التي حملت السلطة التشريعية على إقراره،لأن ذلك كله مما يدخل في صميم اختصاص السلطة التشريعية وتقديرها المطلق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام المدعى المصروفات.
وقد نظرت الدعوى أمام هذه المحكمة بجلستها المنعقدة في 6 من أكتوبر سنة 1973 واستمعت المحكمة إلى ملاحظات أطرافها على الوجه المبين بمحاضر الجلسات ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى قد استوفت الأوضاع المقررة قانوناً.
ومن حيث إن المدعى يستند في طعنه بعدم دستورية القانون رقم 622 لسنة 1955 إلى الأوجه الآتية: (أولاً) أن القانون المطعون فيه - وقد صدر عن مجلس الوزراء فهو لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً، لا يصح أن يرتد أثره إلى الماضي بل يسري من يوم صدوره (ثانياً) أن هذا القانون بإلغائه قرار وزارة التربية والتعليم الخاص بمعادلة شهادة مدرسة المساحة بأثر رجعي، قد مس الحقوق المكتسبة لخريجي مدرسة المساحة في معادلة شهاداتهم بشهادة الفنون والصنايع (نظام حديث)، وأن المساس بالحقوق المكتسبة أمر لا يقره الدستور (ثالثا) أن القانون المشار إليه إذ استثنى من حكمه، من صدرت لهم أحكام أو قرارات نهائية من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية أو اللجان القضائية فإنه يتضمن إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون (رابعاً) أن القانون المذكور قد صدر مشوباً بعيب الانحراف للاعتبارات التي سبق بيانها في عرض الوقائع.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن، فإنه عقب قيام الثورة المصرية في 23 من يوليه سنة 1952، صدر في 10 من ديسمبر سنة 1952 إعلان دستوري من القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيساً لحركة الجيش أعلن فيه باسم الشعب سقوط دستور سنة 1923 وتأليف لجنة لوضع مشروع دستور جديد يقره الشعب ويكون محققا لآمال الأمة في حكم نيابي سليم، ورغبة في تثبيت قواعد الحكم أثناء فترة الانتقال وتنظيم الحقوق والواجبات لجميع المواطنين ولكي تنعم البلاد باستقرار شامل يتيح لها الإنتاج المثمر والنهوض بها إلى المستوى المرجو لها، وصدر بتاريخ 10 من فبراير سنة 1953 إعلان دستوري ثان من القائد العام للقوات المسلحة وقائد ثورة الجيش يتضمن المبادئ والأحكام الدستورية التي تنظم حكم البلاد في فترة الانتقال، وقد نص هذا الإعلان في المادة التاسعة منه على أن " يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية " كما نص في المادة العاشرة على أن " يتولى مجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه أعمال السلطة التنفيذية" وهكذا جمعت السلطة التنفيذية ممثلة فى مجلس الوزراء بين وظيفتها الأصلية وبين الوظيفة التشريعية فكانت تتولهما خلال فترة الانتقال المشار إليها والتي حددها إعلان آخر صدر في 16 من يناير سنة 1953 بثلاث سنوات.
ومن حيث إن القول بأن الإعلان الدستوري الصادر في 10 من فبراير سنة 1953 الذي صدر القانون المطعون في ظله لم يتضمن نصاً على تخويل مجلس الوزراء الذي عهد إليه سلطة التشريع في فترة الانتقال الحق في إصدار القوانين بأثر رجعي هذا القول مردود:
أولاً : بأن الإعلان الدستوري المتقدم ذكره إذ خول مجلس الوزراء في مادته التاسعة ولاية التشريع أثناء فترة الانتقال فإن هذه الولاية تنتقل إليه كي يتولاها كما تتولها الهيئة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل بممارستها فيكون له كافة سلطاتها وحقوقها في مجال التشريع. ولما كانت هذه الهيئة وفقاً لما استقرت عليه جميع الدساتير المصرية في خصوص هذا المبدأ منذ دستور سنة 1923 حتى الدستور القائم تملك إستثناء من الأصل الدستورى المقرر بشأن عدم رجعية القوانين - رخصة إصدار القوانين بأثر رجعي متى اقتضى ذلك الصالح العام ولم يستثن الشارع من هذه الرخصة سوى القوانين الجنائية فحظر سريانها بأثر رجعي لما كان الأمر كذلك فإن مجلس الوزراء الذي انتقلت إليه السلطة التشريعية كاملة على النحو المتقدم يملك إصدار القوانين بأثر رجعي متى اقتضى ذلك الصالح العام.
ثانياً: أن الإعلان الدستوري الصادر في 10 من فبراير سنة 1953 قد صدر عقب قيام الثورة لتنظيم الحكم أثناء فترة الانتقال من نظام الحكم الملكي إلى النظام الجمهورى - ولئن خلا هذا الإعلان من نص يخول مجلس الوزراء الذي عهد إليه ممارسة السلطة التشريعية رخصة إصدار القوانين بأثر رجعي فمرد ذلك إلى أن الشارع قد راعى مقتضيات الضرورة في أعقاب الثورة فأصدر الإعلان في نصوص محدودة موجزة لا تجاوز أحد عشر نصاً يتضمن تنظيم السلطات في فترة الانتقال تنظيماً مجملاً موقوتاً حتى يتم إعداد نظام دستوري ديمقراطي كامل يعمل به عقب إنقضاء هذه الفترة، وقد نظم الإعلان فيما نظم السلطة التشريعية فعهد بها إلى مجلس الوزراء دون تفصيل لحدود هذه السلطة وضوابطها فما كان المقام يتيح ذلك التفصيل - ولا يعني خلو الإعلان من النص على تخويل مجلس الوزراء رخصة التشريع بأثر رجعي أن الشارع قصد إلى العدول عنها فقد خلا الإعلان كذلك من الأصل الدستورى العام المقرر بشأن عدم رجعية القوانين والذي ترد الرخصة المذكورة استثناء عليه- وبذلك خلا من القاعدة الاستثنائية كما خلا من القاعدة العامة وذلك اكتفاء بما جاء في الإعلان الدستوري الأول الصادر في 10 من ديسمبر سنة 1952 من التزام الحكومة التي تتولى السلطات أثناء فترة الانتقال بالمبادئ الدستورية العامة. ويبين من استقراء نصوص الدساتير المصرية في هذا الخصوص أنها استقرت منذ دستور سنة 1923 حتى الدستور القائم على تقرير مبدأ عدم رجعية القوانين ، وكانت تقرنه دائماً كلما نصت عليه برخصة الاستثناء منه وذلك بإجازة إصدار القوانين بأثر رجعي كلما اقتضى ذلك الصالح العام ولم تستثنين من هذه الرخصة سوى القوانين الجنائية (المواد 27 من دستور سنة 23 و6 من دستور سنة 1930 و186 من دستور سنة 1956 و66 من دستور 1958 و163 من دستور سنة 1964 و177 من الدستور القائم) مما يدل على استقرار قاعدة عدم رجعية القوانين ورخصة الاستثناء فيها كمبدأ من المبادئ الدستورية العامة التي التزمت بها الحكومة القائمة على شئون الدولة أثناء فترة الانتقال.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الوجه الأول سالف الذكر من أوجه الطعن على القانون المطعون فيه لا يقوم على أساس سليم من القانون.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من أوجه الطعن والذي يقوم على أن القانون المطعون فيه قد مس حقاً مكتسباً لخريجي مدرسة المساحة في معادلة شهادة هذه المدرسة لشهادة الفنون والصنائع (نظام حديث)، وأن الحق المكتسب لا يجوز المساس به بأي حال من الأحوال، فإن هذا القول مردود بأنه ولئن كان المبدأ الدستوري الذي يقض بعدم جواز ارتداد أثر القانون إلى الماضي، يستهدف أساساً احترام الحقوق المكتسبة ومراعاة الاستقرار الواجب للمعاملات، إلا أن المشرع الدستورى حين أجاز الاستثناء من هذا المبدأ،بتقرير الأثر الرجعي للقانون بنص خاص، افترض بداهة أن هذا الاستثناء، قد يؤدي إلى المساس بالحقوق المكتسبة، ومن أجل ذلك أحاطت الدساتير المتعاقبة منذ دستور سنة 1956 هذا الاستثناء بالضمان اللازم فتطلبت لصحة تقريره موافقة الهيئة التشريعية عليه بأغلبية خاصة، فتقرير الأثر الرجعي للقانون يفترض في الأغلب الأعم أن في إعمال هذه الرخصة مساساً بالحقوق والمراكز التي تمت في الماضي ولكن الدستور خول المشرع هذه الرخصة متى اقتضى ذلك الصالح العام، فإذا كان المشرع قد تبين أن قرار وزارة التربية والتعليم بمعادلة شهادة مدرسة المساحة بشهادة الفنون والصنائع (نظام حديث) قد بنى على بيانات غير صحيحة وأصدر القانون المطعون بأثر رجعي رداً للأمور إلى نصابها الصحيح، لأن مصلحة المجتمع تقتضي الارتداد بأثر هذا القانون إلى الماضي، فلا تثريب عليه فى ذلك، ولو كان فيما قرره مساس بحق مكتسب لخريجي مدرسة المساحة، إن صح مثل هذا القول بعد ثبوت بطلان الأساس الذي قام عليه ذلك الحق.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث من أوجه الطعن وحاصله أن القانون المطعون فيه إذا استثنى من حكمه الأحكام والقرارات النهائية الصادرة من محكمة القضاء الإداري ومن المحاكم الإدارية واللجان القضائية، فإنه يكون بذلك قد أخل بمبدأ المساواة أمام القانون، فإن هذا القول مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن المساواة التي نصت عليها المادة 40 من الدستور الحالي والتي رددتها الدساتير السابقة - تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق، ولكنها ليست مساواة حسابية، ذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام، وضع شروط تحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد، وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية وإذ اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر، انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها القانون لهم، ولما كان القانون المطعون فيه لم يمس حقوقا تقررت بأحكام قضائية نهائية، وإنما كان مبنى الطعن أن القانون لم يسو بين من صدرت لهم أحكام قضائية نهائية ومن لم تصدر لهم مثل هذه الأحكام، فإن القول بإخلاله بمبدأ المساواة لهذا السبب يكون غير سديد لاختلاف المراكز القانونية لكل من الفريقين، هذا فضلاً من أن استثناء من صدرت لهم أحكام نهائية هو ما يمليه وجوب احترام حجية هذه الأحكام، (تلك الحجية التي تعلو اعتبارات النظام العام).
ومن حيث إنه عن الوجه الرابع من أوجه الطعن القائم على أن القانون المطعون فيه معيب بعيب الانحراف، فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن من المبادئ الدستورية المقررة أن للسلطة التشريعية الحق في رقابة أعمال السلطة التنفيذية، فإذا ما أسفرت هذه الرقابة عن ضرورة إلغاء بعض القرارات الصادرة عن هذه السلطة إما لمخالفتها للقانون أو لعدم ملاءمتها، فلها أن تصدر قانوناً بإلغائها، وحقها في هذا الصدد مطلق بوصفه صاحبة الاختصاص الأصيل في التشريع بحيث تستطيع تنظيم أي موضوع بقانون غير مقيدة في ذلك إلا بأحكام الدستور، ولا تمتد ولاية المحكمة إلى مناقشة ملاءمة التشريع أو البواعث التي حملت السلطة التشريعية على إقراره لأن ذلك كله مما يدخل في صميم اختصاص السلطة التشريعية وتقديرها المطلق؛ أما ما يذهب إليه المدعى من أن القانون المطعون فيه لم يستهدف الصالح العام وإنما صدر بقصد الانتقام والكيد لخريجي مدرسة المساحة، فهو مردود بأن اللجنة التي شكلت قبيل صدور القانون لبحث موضوع التعادل بين شهادة مدرسة المساحة وشهادة الفنون والصنائع (نظام حديث) انتهت إلى أن قرار اللجنة التي شكلت سنة 1949 لتقدير شهادة مدرسة المساحة من الناحيتين الثقافية والمادية قد بني على أساس المشاهدة العملية ولم يبن على أساس المقارنة ين المدرستين من نواحي البرامج وخطط الدراسة ونظمها ومددها ومسوغات الالتحاق بها، ومؤهلات مدرسيها، في حين أنه قد بان من البحث ألا وجه للمقارنة بين المدرستين للاختلاف المبين بينهما من كافة النواحي، كما أن قرار وزير التربية والتعليم قد بني على أساس أن مدة الدراسة بالمدرسة تتراوح في جملتها بين ثلاث سنوات وأربع سنوات تعقبها مدة تمرين أقلها سنة، مع أنه لم يحدث في تاريخ المدرسة أن زادت مدة الدراسة بها على سنة واحدة بل كانت تتراوح بين ثلاثة شهور وبين سنة ولم تعقبها سنة تمرين أصلاً، وقد خلصت اللجنة إلى أن قرار وزير التربية والتعليم الصادر في 28 من يناير سنة 1950 بمعادلة شهادة مدرسة المساحة بشهادة الفنون والصنائع (نظام حديث) قد قام على وقائع ثبت فيما بعد على وجه قاطع عدم صحتها ومجافاتها للحقائق الثابتة، فانتفت بذلك الأسباب التي قام عليها التعادل. وقد تبنى الشارع نتائج بحث هذه اللجنة - كما يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون المطعون فيه - ومن ثم يكون النعي على هذا القانون بعيب الانحراف لا يقوم على أساس سليم.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى غير قائمة على أساس سليم من القانون خليقة بالرفض.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وبإلزام المدعى المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.