نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة أول فبراير سنة 1975 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل و عادل عزيز زخارى وعمر حافظ شريف ، نواب رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية ومحمد منير على العصرة أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 3 لسنة 5 قضائية عليا " دستورية " .
الوقائع
أقام المدعى هذه الدعوى بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة فى 28 من فبراير سنة 1974 ضد رئيس الوزراء ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسكك الحديدية طالباً الحكم بعدم دستورية المادة السابعة من القانون رقم 181 لسنة 1952 والمصروفات شاملة أتعاب المحاماة .

وحاصل الوقائع أن المدعى كان موظفاً بالهيئة العامة للسكك الحديدية وفصل من الخدمة فى 7 من ديسمبر سنة 1952 بقرار من مجلس الوزراء بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 فى شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبى فأقام الدعوى رقم 51 لسنة 3 قضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية ضد هذه الهيئة ، فقضت فى 13 من يناير سنة 1960 بقبولها شكلاً وبعدم قبول طلب إلغاء قرار الفصل وبالنسبة لطلب التعويض بإلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعى مبلغ 400 جنيه تعويضاً عن فصله .................................... .................. الخ وقد أيدت المحكمة الإدارية العليا ( دائرة فحص الطعون ) هذا الحكم بحكمها الصادر فى 15 من ديسمبر سنة 1962 فى الطعن رقم 578 لسنة 7 قضائية .

وقد صدر بعد هذا الحكم النهائى القانون رقم 31 لسنة 1963 الذى اعتبر قرارات الفصل بغير الطريق التأديبى من أعمال السيادة ، وقضت المحكمة العليا بعدم دستوريته فى 6 من نوفمبر سنة 1971 فى الدعوى الدستورية رقم 6 لسنة 1 قضائية ، فرأى المدعى أن هذا الحكم قد فتح له ميعاداً جديداً للطعن فى قرار فصله ، وأقام بتاريخ 20 من مارس سنة 1972 الدعوى رقم 2034 لسنة 27 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد رئيس الوزراء ورئيس مجلس الهيئة العامة للسكك الحديدية طالباً الحكم بإلغاء قرار فصله من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار ، وعملاً بقواعد الاختصاص فقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات التى أحالتها بدورها إلى المحكمة الإدارية لمدينة طنطا وقيدت برقم 84 لسنة 1 قضائية وقد دفع المدعى عليهما بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها ، كما دفعا احتياطياً بعدم سماع الدعوى عملاً بأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 فى شأن فصل الموظفين بغر الطريق التأديبى الذى منع المحاكم من سماع دعاوى إلغاء القرارات الصادرة تطبيقاً له ، ورداً على ذلك طعن المدعى بعدم دستورية النص المانع من الطعن بإلغاء قرارات الفصل الصادرة بالاستناد إلى القانون رقم 181 لسنة 1952 لأن حق التقاضى حق أصيل لا يجوز أن يحرم منه أحد .

وقد قررت المحكمة الإدارية لمدينة طنطا فى 28 من يناير سنة 1974 " وقف الفصل فى الدعوى حتى تفصل المحكمة العليا فى الدفع المثار بعدم دستورية المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 فى شأن الفصل بغير الطريق التأديبى وحددت المحكمة للمدعى ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة العليا " .

وقد قدم المدعى طلباً للمحكمة العليا فى 9 من فبراير سنة 1974 قيد برقم 4 لسنة 5 قضائية عليا (( إعفاء )) لإعفائه من رسوم الدعوى الدستورية وقبل الطلب فى 26 من فبراير سنة 1974 ثم أقام الدعوى فى الثانى والعشرين من هذا الشهر .

وقد تم تحضير الدعوى فى هيئة مفوضى الدولة وقدم المفوض تقريراً بالرأى القانونى ، ثم عرضت على المحكمة حيث تداولت بالجلسات ، وبجلسة 4 من يناير سنة 1975 تقرر إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم .

المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً .
ومن حيث إن الدعوى رفعت فى الميعاد الذى حددته المحكمة الإدارية لرفعها فهى مقبولة شكلاً .

ومن حيث إنه يبين من الوقائع المتقدم ذكرها أن المدعى يطلب الحكم بعدم دستورية المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 فى شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبى فيما تضمنه من حظر الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بفصل الموظفين بالتطبيق لأحكامه ، وذلك استناداً إلى أن هذا النص يصادر حق التقاضى وهو حق كفله الدستور للكافة بحيث لا يجوز حرمان أحد منه .

ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 المشار إليه قد صدر فى 14 من سبتمبر سنة 1952 متضمناً أحكام وقواعد تنظيم فصل الموظفين العاملين بغير الطريق التأديبى إذا قام بهم سبب من الأسباب الواردة به ، وتقضى بأن يكون الفصل طبقاً لإجراءات حددتها المادة الثانية منه ، وقد استهدف المشرع بهذا التشريع تطهير الإدارة الحكومية بعد قيام الثورة ، على ما يبين من المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون المذكور . وقد نصت المادة السابعة منه على أنه " استثناء من أحكام المادتين 3 ، 10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا القانون " .

ومن حيث إن دستور جمهورية مصر الصادر سنة 1956 قد نص فى المادة 190 منه على ما يأتى :
" كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذاً ، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة فى هذا الدستور " .

كما نصت المادة 191 من هذا الدستور على ما يأتى :
" جميع القرارات التى صدرت من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التى تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها ، وكذلك كل ما صدر من الهيئات التى أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التى صدرت من هذه الهيئات أو من أية هيئة أخرى من الهيئات التى أنشت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه وأمام أية هيئة كانت " .

ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة فى شأن النصين المذكورين قد استقر على أن المشرع لم يلتزم فى دستور سنة 1956 موقفاً واحداً من التشريعات السابقة على تاريخ العمل به بل غاير بينهما فيما أسبغه عليها من الحماية ، فاتخذ بالنسبة لبعضها موقفاً اقتضته ضرورة تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية التى اتخذت فى ظروف لا تقاس فيها الأمور بالمقياس العادى وذلك بالنص على عدم جواز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه وأمام أية هيئة كانت بينما اتخذ بالنسبة لسائر التشريعات الأخرى موقفاً آخر ينطوى على حماية أدنى من تلك التى أسبغها على التشريعات الثورية الاستثنائية المتقدم ذكرها ، وذلك بالنص على بقائها نافذة مع إجازة إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة فى الدستور . وأن هذه الحصانة الدستورية هى حصانة نهائية ، ذلك أن المشرع الدستورى قد " اجتزأ بنقل المادة 190 من دستور سنة 1956 إلى المادة 166 من دستور سنة 1964 ( المادة 191 من دستور سنة 1971 ) ولم تنقل المادة 191 من ذلك الدستور التى استنفذت أغراضها إذ أسبغت على التشريعات الثورية الاستثنائية التى صدرت منذ قيام الثورة حتى عام 1956 حصانة نهائية لا مبرر ولا مسوغ لتكرار النص عليها " .

ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1953 المطعون بعدم دستورية المادة السابعة منه هو من القوانين التى عناها المشرع بنص المادة 191 من دستور سنة 1956 وأضفى عليها الحصانة الدستورية النهائية .

ومن حيث إنه يبين مما سبق أن النص المطعون بعدم دستوريته قد أصبح معصوماً من الطعن بعدم الدستورية بعد تحصينه بنص دستورى على الوجه المتقدم ومن ثم تكون الدعوى غير قائمة على أساس سليم من القانون متعيناً رفضها .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .