نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة أول فبراير سنة 1975 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل و عادل عزيز زخارى وعمر حافظ شريف ، نواب رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية ومحمد منير على العصرة أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 1 لسنة 4 قضائية عليا " دستورية " .

الوقائع
أقام المدعى الدعوى رقم 1248 لسنة 1972 مدنى كلى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد وزراء الخزانة والعدل والإسكان بصفاتهم وضد محافظ القاهرة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة أملاك القاهرة طالباً الحكم بتثبيت ملكيته لقطعة أرض كائنة بمدينة حلوان ومبينة بصحيفة الدعوى وشطب تسجيل محضر الحجز العقاري الإداري الموقع على الأرض المذكورة في 14 من نوفمبر سنة1961 ضد تيوفيل جاك ليفى (البائع له) واعتبار الحجز كأن لم يكن، وقال بياناً للدعوى أنه اشترى قطعة الأرض المشار إليها من نيوفيل جاك ليفى بموجب عقد بيع رسمي موثق في 5 من نوفمبر سنة1949 ووضع يده عليها منذ ذلك الحين دون منازعة، وفي 10 من أغسطس 1971باع هذه الأرض بعقد ابتدائى إلى الدكتور منير يس، ولما تقدم المشتري لشهر العقد تبين أن العقار محجوز عليه بالطريق الإداري منذ 14 من نوفمبر سنة 1961 ضد المالك السابق نيوفيل جاك ليفى وفاء لمبلغ 56 جنيهاً و770 مليماً قيمة نفقات ردم البرك التي كانت بالأرض وما نتج عنها من مصروفات احتمالية حتى شهر نوفمبر سنة1963، وقد طلب المدعى شطب الحجز الإداري نظير الوفاء بهذا المبلغ إلا أن جهة الشهر المختصة رفضت هذا الطلب فاضطر إلى رفع دعواه المدنية طالباً الحكم له بتثبيت الملكية وشطب الحجز، وقد طلبت الحكومة رفض الدعوى استناداً إلى أن الأرض موضوع النزاع كانت من بين المستنقعات التي صدر قرار من وزير الصحة في 27 يوليو سنة1945بالاستيلاء عليها وردمها وفقاً لأحكام الأمر العسكري رقم363 لسنة 1943 الصادر في 19 من يناير سنة 1943 بتقرير بعض التدابير لإزالة البرك والمستنقعات وغيرها من بيئات توالد البعوض، ثم آلت ملكية هذه الأرض إلى الدولة إعمالاً لأحكام القرار بقانون رقم 177 لسنة1960 المعدل بالقرار بقانون رقم 97 لسنة 1964 في شأن البرك والمستنقعات التي قامت الحكومة بردمها قبل إتمام إجراءات نزع ملكيتها بعد العمل بالقانون رقم 76 لسنة1946 بردم البرك والمستنقعات ومنع إحداث الحفر بالإقليم المصري.

ورداً على ذلك دفع المدعى بعدم دستورية هذه التشريعات الثلاثة، فحكمت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية في 23 من يناير سنة 1973 بوقف الدعوى حتى تفصل المحكمة العليا في الدفع بعدم الدستورية، ولهذا أقام المدعى دعواه هذه ضد المدعى عليهم في الخصومة المدنية مضافاً إليهم السيد رئيس مجلس الوزراء طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بعدم دستورية الأمر العسكري رقم363 لسنة 1943 والقانون رقم 177 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 97 لسنة 1964 وذلك فيما تقضي به هذه التشريعات من أيلولة الأرض موضوع الدعوى رقم1248 لسنة1972 مدني كلي جنوب القاهرة الابتدائية إلى الدولة خلافاً للقاعدة الدستورية المقررة بشأن حرمة الملكية الخاصة وعدم جواز المساس بها أو نزعها عن صاحبها إلا للمنفعة العامة وبعد اتخاذ إجراءات نزع الملكية ولقاء تعويض عادل مع إلزام المحكوم عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقدمت الحكومة مذكرة بدفاعها ساقت فيها الحجج والأسانيد التي تؤيد دستورية هذه التشريعات وطلبت الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعى المصروفات والأتعاب، وأنتهت هيئة مفوضي الدولة في تقريرها المقدم فى الدعوى إلى أنها ترى الحكم بعدم دستورية القانون رقم 97 لسنة 1964 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 177 لسنة1960 فيما ينص عليه من أيلولة ملكية أراضي البرك التي ردمت بالتطبيق لأحكام الأمر العسكري رقم363 لسنة 1943 ولم تسدد تكاليف ردمها إن لن يتنازل عنها أصحابها إلى الدولة مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد نظرت المحكمة الدعوى بجلسة 4 من يناير سنة 1975 على النحو المبين بمحضر الجلسة وقررت إرجاء الحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الدعوى إستوفت الأوضاع المقررة قانوناً.
ومن حيث إن المدعى يطلب الحكم بعدم دستورية الأمر العسكري رقم 343 لسنة 943 والقرار بقانون رقم 177 لسنة 1960 المعدل بالقرار بقانون رقم97 لسنة 1964 فيما تقضي به هذه التشريعات من أيلولة الملكية الخاصة لبعض الأراضي إلى الدولة، إستناداً إلى أنها تخالف القاعدة الدستورية المقررة في كافة الدساتير المصرية والتي تقرر للملكية الخاصة حرمة بحيث لا يجوز المساس بها أو نزعها عن صاحبها إلا للمنفعة العامة وبعد اتخاذ إجراءات نزع الملكية المنصوص عليها في القانون ولقاء تعويض عادل، وأن هذا المبدأ قد أقرته المادة الخامسة من الدستور المؤقت الصادر سنة 1958 وهو الذي صدر في ظله القرار بقانون رقم 177 لسنة 1960 المعدل بالقرار بقانون رقم 97 لسنة1964، كما أن الدستور القائم قد أكده في المادة 34 منه، ولقد أهدرت التشريعات المطعون فيها هذه القاعدة الدستورية حين أجازت نزع الملكية جبراً عن أصحابها دون مراعاة للشروط والأحكام المشار إليها، وآية ذلك ثلاثة أمور:

(أولاً) أن التشريعات المطعون فيها تقضي بأيلولة الملك الخاص إلى الدولة لغير منفعة عامة يصدر بتقريرها قرار من الوزير المختص وهو ما توجبه المادة الثانية من القانون رقم 577 لسنة1954 في شأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، ولقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 97 لسنة1964 بأن الهدف من إصداره كان حماية الحقوق المالية التي نشأت للدولة نتيجة ما أنفقته لردم أراضي البرك والمستنفعات وفقاً لأحكام القانون رقم 76 لسنة1946 والأمر العسكري رقم 313 لسنة1943.
(ثانيا) إن النصوص الدستورية المتعاقبة التي قررت حرمة الملكية الخاصة تشترط لنزعها جبراً عن مالكها أن يتم ذلك وفقاً للقانون، وهذه العبارة لا تعني إلا قانوناً واحداً هو قانون نزع الملكية للمنفعة العامة الذي يتعين دائماً إتباع الإجراءات التي نص عليها في هذه الصدد، والتي لا تغنى عنها الإجراءات المنصوص عليها في التشريعات المطعون فيها.
(ثالثا) أن شرط التعويض العادل التي حرصت كافة الدساتير على تقريره لقاء نزع الملكية قد أغفلته التشريعات موضوع الطعن إذ لم ينص أيها على إلزام الحكومة بأن تؤدي للمالك تعويضاً ما، بل وقفت عند حد تقرير حق المالك في استرداد أرضه مقابل دفع قيمتها بعد ردمها أو تكاليف الردم أيهما أقل.

ومن حيث إن الحكومة طلبت الحكم برفض الدعوى تأسيساً على أن التشريعات المطعون فيها لا تتعارض مع المبادئ التي قررها الدستور بشأن الملكية الخاصة ومنها : مبدأ خضوع الملكية بوجه عام لرقابة الشعب، ومبدأ الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، وأن هذه التشريعات ليست إلا مجموعة من القواعد المنظمة لأداء قطاع معين من الملكية الخاصة – هي أراضي البرك والمستنقعات - لوظيفتها الاجتماعية بما لا يتعارض مع الخير العام للشعب، وقد نظمت هذه التشريعات كيفية نقل ملكية أراضى البرك والمستنقعات إلى الدولة تحقيقاً لمصلحة عامة هى الرعاية الصحية للمواطنين، وبإجراءات مماثلة لإجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يمثل قيمة الأرض الحقيقية، ومن ثم تكون أيلولة هذه الأراضى إلى الدولة قد تمت وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة 34من الدستور.

ومن حيث إنه بالنسبة إلى الأمر العسكري رقم 363 لسنة 1943، وهو التشريع الأول المطعون فيه فقد صدر في 19 من يناير سنة1943 بتقرير بعض التدابير لإزالة البرك والمستنقعات وغيرها من بيئات توالد البعوض، وباستقراء نصوصه يتضح جلياً أنه لم يقضى في أي منها بنزع ملكية هذه العقارات جبراً عن ملاكها، وقصارى ما سنه في هذا الشأن هو تخويل وزير الصحة سلطة الاستيلاء على عقارات البيئات الصالحة لتوالد البعوض إذا لم يتعهد ملاكها أو واضعوا اليد عليها بردمها أو تجفيفها أو تعهدوا بذلك ولم ينفذوا تعهداتهم في مواعيد محددة (المادتان 2و 3) وهذا الاستيلاء الذي شرعه الأمر العسكري يختلف عن نزع الملكية من حيث طبيعته وخصائصه ونطاقه، فبينما يؤدي نزع الملكية للمنفعة العامة إلى مراكز قانونية دائمة تتمثل في تجريد المالك من ملكه ليؤول نهائياً وبصفة مطلقة إلى الدولة، فإن الاستيلاء على العقار لا يترتب عليه إلا مجرد رفع يد المالك أو الحائز عن العين المستولى عليها لتنتقل هذه الحيازة إلى الدولة لفترة محدودة تنتهي بإنتهاء الغرض من الاستيلاء، ويبين هذا النظر واضحاً في القانون رقم 577 لسنة1954 في شأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة والتحسينات والذي يفرق في أحكامه بين نزع الملكية والاستيلاء المؤقت على العقارات (المواد 16و 17 و 18 من القانون سالف الذكر).

ومن حيث إنه ولئن كان الأمر العسكري المتقدم ذكره يخول الجهة الإدارية سلطة الإستيلاء على أراضي البرك والمستنقعات على هذا النحو إلا أنه لم ينف أو يمنع بقاء الأراضي المستولى عليها على ملك أصحابها، إذ نص في المادة الخامسة منه على أن " يجري تحصيل المصاريف التي تنفقها الحكومة في أرض الغير بطريق الحجز الإداري إلا إذا اختار صاحب العقار دفع المصاريف واسترداد العقار أو التنازل عنه للحكومة " وواضح من هذا النص أن المشرع يصف الأرض المستولى عليها بأنها أرض الغير وينظر إليها – حتى بعد صدور قرار الاستيلاء – باعتبارها لا تزال على ملك أصحابها، بحيث ينفذ عليها في مواجهتهم بطريق الحجز العقاري الإداري، وبحيث يجوز لهم التنازل عن ملكيتها للحكومة، ومؤدى ذلك كله أن المشرع لم يتجه أصلاً إلى حرمان أصحاب الأراضي المستولى عليها من ملكيتها ومن ثم لا يكون ثمت مساس بحرمة الملكية الخاصة ولا يكون الأمر العسكري رقم363 لسنة 1943 المطعون فيه مخالفاً للدستور.

ومن حيث إنه بالنسبة إلى قراري رئيس الجمهورية بالقانون رقم 177 لسنة 1960 وبالقانون رقم 97 لسنة 1964 المعدل له، فإن التأصيل التاريخي لنصوصهما وأحكامهما يقتضي الرجوع إلى القانون رقم 76 لسنة 1946 بردم البرك والمستنقعات ومنع إحداث الحفر الذي صدر في 16 من يوليو سنة 1946 الذي خول وزارة الصحة الحق في نزع ملكية البرك والمستنقعات لتباشر ردمها أو تجفيفها بشرط أن تتبع في ذلك الإجراءات المنصوص عليها في قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، وأجاز للمالك المنزوعة ملكيته على هذا النحو استردادها مقابل الوفاء بتكاليف الردم أو التجفيف ورد الثمن الذي يكون قد قبضه، على أن يسقط هذا الحق إذا لم يستعمل في ميعاد غايته سنة واحدة من تاريخ الإعلان عن إتمام الردم أو التجفيف، وفي 5 من يونيو سنة1960 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 177 لسنة1960 في شأن البرك والمستنقعات التي قامت الحكومة بردمها بعد العمل بالقانون رقم 76 لسنة 1946 ونص في مادته الأولى على أن " تؤول إلى الدولة ملكية أراضي البرك والمستنقعات التي ردمتها أو جففتها الحكومة بعد العمل بالقانون رقم 76 لسنة1946 المشار إليه وقبل أن تتم إجراءات نزع ملكيتها" وقد ثار اللبس حول تحديد مدلول العبارة الأخيرة من النص وهل توجب لأيلولة ملكية هذه الأراضي إلى الدولة أن تكون مسبوقة بإجراءات نزع الملكية لم تتم فأصدر الشارع في 21 من مارس سنة 1964 القرار بقانون رقم 97 لسنة 1964 بتعديل النص السابق لرفع هذا اللبس بما مؤداه أن تؤول الملكية إلى الدولة بحكم القانون" ودون حاجة إلى اتخاذ إجراءات نزع ملكيتها" ، كما نص في هذا التعديل على سريان حكم الأيلولة إلى الدولة على أراضي البرك التي ردمت بالتطبيق لأحكام الأمر العسكري رقم363 لسنة1943 ولم تسدد تكاليف ردمها بعد أو لم يتنازل عنها أصحابها للحكومة " المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 97 لسنة 1964 ".

ومن حيث إن مقطع الفصل في دستورية التشريعين الأخيرين المطعون فيهما هو في بيان مدى موافقتهما أو مجافاتهما لقواعد حماية الملكية الخاصة كما أقرتها الدساتير التي تعاقبت منذ دستور سنة 1923، وآخرها المادة34 من دستور سنة 1971 القائم والتى جرى نصها بأن " الملكية الخاصة مصونة... ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون" ، ومؤدى هذا النص أن الدستور قد شرط لنزع الملك الخاص جبراً عن صاحبه شرطين أساسيين:أولهما ألا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة، وثانيهما: أن يكون ذلك لقاء تعويض، ثم جاءت عبارة " وفقاً للقانون" لتنسحب على ما سبقها من عبارات ولتدل على أن الدستور قد ناط بالسلطة التشريعية تنظيم إجراءات تقرير المنفعة العامة ونزع الملكية وتقرير أساس التعويض وضماناته، ولم يقيد الدستور السلطة التشريعية في هذا النص إلا بالشرطين المتقدم ذكرهما.

ومن حيث إنه عن شرط المنفعة العامة فإن هذه العبارة لا تعني بالضرورة تخصيص العقار المنزوعة ملكيته لخدمة مرفق عام أو مشروع عام بحيث يفيد منه جميع المواطنين بطريق مباشر أو غير مباشر، وإنما يكفي لتحقق المنفعة العامة أن يكون نزع الملكية قد تم لضرورة عامة أو لصالح عام يعلو على الصوالح الخاصة للأفراد، يؤيد هذا النظر نص المادة32 من الدستور التي جعلت للملكية وظيفة اجتماعية وقضت بأن يكون استخدامها بما لا يتعارض مع الخير العام للشعب،أما بالنسبة لشرط التعويض فلكي يكون "مقابلاً" للملك المنزوع فإنه يتعين أن يكون عادلاً وأن يكون تقديره والتظلم منه محاطاً بضمانات قضائية.

ومن حيث إنه بإنزال هذه المعايير على القرار بقانون رقم 97 لسنة1964 المعدل للقرار بقانون رقم 177 لسنة 1960،يتبين أنه قد صدر على هدى من المبادئ التي أرستها المادة 34 من الدستور، فهو ينص في مادته الأولى المعدلة على أن تؤول إلى الدولة بحكم القانون ملكية أراضي البرك والمستنقعات التي ردمتها أو جففتها الحكومة أو ستقوم بردمها أو تجفيفها بعد العمل بالقانون رقم 76لسنة 1946، وقد شرع هذا الحكم لمنفعة عامة تتمثل في ضرورة تحقيق الرعاية الصحية للمواطنين بإزالة البرك والمستنقعات وبيئات توالد البعوض التي يتخلف أصحابها عن إزالتها سنوات طويلة رغم تعاقب التشريعات التي تهدف إلى إجبارهم على ذلك، الأمر الذي يتعارض مع حسن استخدام الملكية ومع دورها الاجتماعي وعلى الخير العام للجماعة، ولم يغفل المشرع تقرير التعويض العادل لقاء أيلولة الأرض إلى الدولة، إذ نص في جميع الأحوال على أن يكون انتقال ملكية هذه الأراضي إلى الدولة مقابل قيمتها الحقيقية قبل تاريخ البدء في ردمها أو تجفيفها، وأجرى هذا الحكم على الأراضي التي كانت قد استولت عليها الدولة بالتطبيق لأحكام الأمر العسكري رقم 363 لسنة1943،ثم فتح القانون باب التظلم والطعن في تقدير التعويضات أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقار وفقاً لإجراءات معينة ومواعيد محددة.

ومن حيث إنه لا يقدح في هذا النظر ما ينعاه الطاعن على القرار بقانون رقم 97 لسنة1964من أنه قد أعفى جهة الإدارة من اتخاذ إجراءات نزع الملكية المنصوص عليها في القانون رقم 577 لسنة1954بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين مع أن هذا القانون دون سواه هو الذي عناه المشرع الدستوري بعبارة "وفقاً للقانون" الواردة بالمادة 34، وقد ترتب على ذلك كما يقول الطاعن أن أهدرت كافة الضمانات المنصوص عليها في القانون المذكور، وأخصها أن يكون تقرير المنفعة العامة بقرار من الوزير المختص يعلن بطريق النشر واللصق مع تنظيم حق ذوي الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق في الاعتراض على ما ينشر من بيانات عن العقارات وأسس التعويض، وناط بجهة القضاء الفصل في هذه المعارضات، لا يقدح هذا القول في وجهة النظر المتقدم ذكرها وذلك للأسباب الآتية:

(أولاً) أن عبارة " وفقاً للقانون" الواردة بالمادة34 من الدستور لا تعني قانوناً محدداً بذاته بل تعني كل قانون تصدره السلطة التشريعية في شأن نزع الملكية للمنفعة العامة، وآية ذلك أن القانون رقم 577 سنة 1954يخضع كأي قانون آخر للتعديل أو الإلغاء، كما أنه ليس القانون الوحيد الذي ينظم إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة، بل إن هناك قوانين أخرى عديدة قد سنت لهذا الغرض مثل القانون رقم 27 لسنة 1956 في شأن نزع ملكية الأحياء لإعادة تخطيطها وتعميرها، والقانون رقم 63 لسنة 1974 في شأن حماية المؤسسات الكهربائية والقانون رقم 97 لسنة1964 المطعون فيه.
(ثانيا) أنه إذا كان تقرير المنفعة العامة بقرار من الوزير المختص يعتبر بعد نشره ضماناً لذوي الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق فإن تقرير هذه المنفعة بقانون تسنه السلطة التشريعية ويستكمل إجراءات إصداره ونشره يعد في صدد هذا الضمان أداة أقوى ولقد نهج القانون المطعون فيه هذا النهج إذ قرر المنفعة العامة لأراضي البرك والمستنقعات بطريقة ضمنية ولم يكن في حاجة إلى تقريرها صراحة بعد أن تكفل بذلك القانون رقم 71 لسنة 1946 بردم البرك والمستنقعات الذي أحال إليه القانون المطعون فيه في ديباجته ونصوصه ومذكراته الإيضاحية.
(ثالثا) أنه بالنسبة إلى حقوق وضمانات ذوي الشأن فقد ذهب القانون المطعون فيه في هذا الخصوص إلى آفاق أبعد من القانون رقم 577 لسنة 1954 الذي يستمسك الطاعن بأهدابه ذلك أنه لم يقف عند حد إلزام وزير الإسكان بإصدار قرار بتحديد مواقع وحدود الأراضى ينشر بالجريدة الرسمية، وتنظيم طرق التظلم والطعن في التقديرات والتعويضات أمام جهة القضاء، بل زاد على ذلك رعاية أخرى للمالك بتقرير نظام الاسترداد العيني الذي كان قد استحدثه الأمر العسكري رقم 363 لسنة1943 في شأن الأراضي المستولى عليها ثم شرعه القانون رقم76لسنة 1946 في شأن الأراضي التي تنزع ملكيتها وهو نظام مقتضاه منح المالك الحق في استرداد ملكية أرضه التي آلت إلى الدولة خلال ميعاد محدد ومقابل أداء قيمة الأرض أو تكاليف ردمها أيهما أقل، فإذا كان المالك قد تراخى عن استخدام هذا الحق فإن هذا التراخى ينهض قرينة على أنه قد اختار التخلي عن ملكه مقابل التعويض.

ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم ومن ثم يتعين رفضها مع إلزام المدعى بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبإلزام المدعى بالمصروفات ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.