نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 18 من يناير سنة 1975 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل و عادل عزيز زخارى وعمر حافظ شريف ، نواب رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية ومحمد منير على العصرة أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 13 لسنة 5 قضائية عليا " دستورية " .
الوقائع
أقامت المدعى عليها الثانية السيدة / تيسير أحمد عبد العزيز الدعوى رقم 26 لسنة 1974 أحوال شخصية أمام محكمة دير مواس الجزئية طلبت فيها إلزام المدعى أحمد ممدوح عبد المنعم عبد الباقى أن يؤدى لها مبلغ 396 جنيهاً وهو مقدار ما تجمد من نفقتها عليه بحكم المحكمة المذكورة فى الدعوى رقم 158 لسنة 1971 عن المدة من 1/10/70 لغاية آخر مارس سنة 1972 وحبسه عند الامتناع لقدرته ويساره وذلك استناداً إلى المادة347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 . ودفع المدعى أمام المحكمة بعدم دستورية هذه المادة وبجلسة 30 من مايو سنة 1974 قضت المحكمة بوقف الدعوى حتى يفصل فى الدعوى الدستورية وحددت ميعاداً لرفعها ينتهى فى يوم 27 من يونيو سنة 1974 .

وقد أقام المدعى هذه الدعوى بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة العليا فى 26 من يونيو سنة 1974 وقيدت برقم 13 لسنة 5 دستورية طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالقانون رقم 78 لسنة 1931 مع إلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة . وقدمت المدعى عليها الثانية مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة . وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى ومصادرة الكفالة وإلزام المدعى المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ونظرت الدعوى بجلسة 4 من يناير سنة 1975 على الوجه المبين بمحضر الجلسة وأرجأت المحكمة إصدار الحكم إلى جلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
من حيث أن الدعوى قد استوفت أوضاعها الشكلية .

ومن حيث إن المدعى يطلب الحكم بعدم دستورية المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 استناداً إلى السببين الآتيين :
السبب الأول أن ما تقضى به هذه المادة من حبس المدين بدين النفقة لإكراهه على أدائه يتضمن اعتداء على الحرية الشخصية التى تكفلها المادة 40 من الدستور التى تنص على أن الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس كما أنه يخل بمبدأ المساواة الذى نص عليه الدستور فى المادة 40 .

السبب الثانى أن الوضع الطبيعى فى التشريع هو أن توضع العقوبات المقررة لأفعال اعتبرها القانون موجبة للحبس فى قانون العقوبات ، ولهذا نصت المادة 293 من قانون العقوبات على أن " كل من صدر عليه حكم قضائى واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين " . وقد أفصح المشرع بإيراده هذا النص عن اتجاهه إلى إلغاء المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية لأنها فى غير موضعها القانونى .

ومن حيث إنه عن السبب الأول فإن المادة 41 من الدستور تنص على أن الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً لأحكام القانون وهذا النص لا يعنى أن الحرية الشخصية حق مطلق لا ترد عليه القيود ذلك أن الإنسان لم يعرف هذه الحرية المطلقة إلا عندما كان يعيش فرداً فى العصور الأولى فلما اقتضت ضرورات الحياة أن ينتظم فى سلك الجماعة أصبح كائناً اجتماعياً لا يستطيع العيش فرداً وقد اقتضاه ذلك أن يلتزم فى تصرفاته وأفعاله وأقواله الأصول والقواعد التى تتواضع عليها الجماعة ومن شأن هذه القواعد وتلك الأصول أن تحد من حريته فتحول دون اعتدائه على غيره من أعضاء المجتمع حتى يستطيع التمتع بمثل ما يتمتع به . والقانون هو الوسيلة الوحيدة لوضع هذه الحدود ، وقد قامت تشريعات العقاب على هذا الأساس لأنها إنما تؤثم صوراً من العدوان على الغير حفظاً لأمن الجماعة ونظام المجتمع ولو أن الحرية أطلقت دون قيد لسادت الفوضى واختل الأمن والنظام وارتد المجتمع إلى عهود الغابة . يؤيد هذا النظر أن المشرع الدستورى إذ يقرر الضمانات التى تجب مراعاتها عند القبض على الأفراد وحبسهم وإذ يوجب إشراف القضاء والنيابة على إجراءات القبض والحبس وضرورة استصدار أوامر القبض والحبس وغيرهما من الإجراءات المقيدة للحرية من القاضى المختص أو النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون فإنه يقر تقييد حرية الأفراد إذا اقترفوا ما يقتضى ذلك من الجرائم ومخالفة القانون ، كما يقر بأن الحرية الشخصية التى أحاطها بسياج من القداسة فى صدر النص ليست حرية مطلقة تمتنع على القيود والحدود إذا اقتضت مصلحة المجتمع فرض هذه القيود والحدود .

ومن حيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور مردود بأن المساواة إنما تتحقق بتوافر شرطى العموم والتجريد فى التشريعات فهى ليست مساواة حسابيه وذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط فى طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط فى البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم .

ومن حيث إنه عن السبب الثانى المبنى على أن المشرع قد أفصح عن اتجاهه إلى إلغاء النص المطعون عليه بما أورده فى المادة 293 من قانون العقوبات من توقيع عقوبة الحبس على كل من صدر عليه حكم قضائى واجب النفاذ بدفع نفقة وامتنع عن الدفع فإن ذلك لا يصلح سبباً للطعن بعدم الدستورية ذلك أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تقوم على مخالفة القانون أو اللائحة للدستور والمناط فى تقرير دستورية التشريع أو عدم دستوريته هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور . على أن المشرع لم يغفل هذا الأمر إذ عمل على التنسيق بين النص المطعون فيه والمادة 293 من قانون العقوبات عند التطبيق فأصدر فى 11 من أكتوبر سنة 1937 المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 الخاص بالإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة 293 من قانون العقوبات ونص فى المادة الأولى منه على أنه " لا يجوز فى الأحوال التى تطبق فيها المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية السير فى الإجراءات المنصوص عليها فى المادة 293 من قانون العقوبات ما لم يكن المحكوم له بالنفقة أو بأجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن قد استنفد الإجراءات المشار إليها فى المادة 347 المذكورة ، كما نص فى المادة الثانية على أنه " إذا نفذ الإكراه البدنى على شخص وفقاً لحكم المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ثم حكم عليه بسبب الواقعة نفسها بعقوبة الحبس تطبيقاً للمادة 293 من قانون العقوبات استنزلت مدة الإكراه البدنى الأولى من مدة الحبس المحكوم به ، فإذا حكم عليه بغرامة خفضت عند التنفيذ بمقدار عشرة قروش عن كل يوم من أيام الإكراه البدنى الذى سبق إنفاذه فيه " .

ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين رفضها .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ومصادرة الكفالة وإلزام المدعى المصروفات وثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .