نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 19 من يناير سنة 1973 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل و عادل عزيز زخارى وعمر حافظ شريف، نواب رئيس المحكمة وحسين زاكى وأحمد طوسون حسين ومحمد بهجت عتيبة أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 4 لسنة 3 قضائية عليا " دستورية " .

الوقائع
أقامت الجمعية التعاونية الإنتاجية لشئون التخليص والأعمال الجمركية الدعوى رقم 1308 لسنة 1969 مدنى كلى إسكندرية ضد الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية تطلب الحكم بإلزام المدعى عليها بأن تؤدى إليها مبلغ 085ر24793 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد مع إلزامها المصروفات والأتعاب والنفاذ وقالت شرحاً لدعواها أنها أنشئت طبقاً لقانون التعاون رقم 317 لسنة 1956 وسجلت بوزارة الصناعة بتاريخ 18 يناير سنة 1962 كجمعية تعاونية تشكل من مؤسسيها وهم فئة مستخلصى الجمارك ويتكون رأس مالها من أسهم غير محدودة ولكل عضو حق الاكتتاب فيها والنزول عنها ويوزع صافى الربح على الأعضاء كل بنسبة تعامله مع الجمعية ، ولما كان أعضاء الجمعية المساهمون فيها هم من طبقة أرباب الأعمال فإن أحكام قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية رقم 63 لسنة 1964 لا تسرى فى شأنهم إلا أن الجمعية أكرهت بقرار إدارى من محافظ الإسكندرية على أداء اشتراكات التأمين الاجتماعى عن المدة من أول يناير سنة 1967 حتى 31 من نوفمبر سنة 1968 ومقداره 085ر24793 جنيهاً ولما كان أداء هذا المبلغ قد تم بغير حق فإنها تطلب الحكم برده .

وبتاريخ 30 من إبريل سنة 1970 قضت محكمة الإسكندرية الإبتدائية بندب مكتب خبراء وزارة العدل بالإسكندرية لبيان مقدار المبالغ التى سددتها المدعية إلى المدعى عليها والمطالب بها فى الدعوى والأشخاص الذين سددت عنهم هذه المبالغ وصفات هؤلاء الأشخاص وما إذا كانوا عمالاً لدى المدعية أم أعضاء ومساهمين فيها .

وقد أعاد الخبير المنتدب المأمورية إلى المحكمة بمذكرة قال فيها أن الحاضر عن المدعى عليها أشار إلى صدور القانون رقم 40 لسنة 1970 الذى عمل به من تاريخ نشره فى 4 من يونيه سنة 1970 وهو يقضى بسريان أحكام قانون التأمينات الاجتماعية على أعضاء الجمعيات التعاونية الإنتاجية وبالنسبة لأعضاء الجمعيات الذين سبق لهم الاشتراك فى الهيئة فإنهم يعتبرون خاضعين لأحكام هذا القانون من تاريخ اشتراكهم .

ودفعت المدعية أمام المحكمة بعدم دستورية القانون رقم 40 لسنة 1970 المشار إليه فقررت فى 9 من مارس سنة 1973 وقف نظر الدعوى حتى تفصل المحكمة العليا فى هذا الدفع وحددت مهلة مقدارها شهران لترفع المدعية الدعوى الدستورية أمام تلك المحكمة وفى 7 من مايو سنة 1972 أقامت المدعية هذه الدعوى بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة وقيدت برقم 4 لسنة 3 ق عليا دستورية طالبة الحكم بعدم دستورية القانون رقم 40 لسنة 1970 وإلزام المدعى عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .

وأودع المدعى عليهما مذكرتين بدفاعهما طلبا فيهما الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .

وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى .

وقد نظرت المحكمة الدعوى بجلسة أول ديسمبر سنة 1973 على النحو المبين بمحضر الجلسة ثم أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم .

المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
ومن حيث إن الدعوى قد استوفت الأوضاع الشكلية المقررة قانوناً .
ومن حيث إن المدعية تطلب الحكم بعدم دستورية القانون رقم 40 لسنة 1970 استناداً إلى الأسباب الآتية :
أولاً : أن هذا القانون قد أضفى صفة غير صحيحة على المساهمين فى الجمعيات التعاونية الإنتاجية واعتبرهم عاملين بينما هم أصحاب أعمال مخالفاً بذلك أحكام القانون المدنى وقانون العمل وقانون التعاون .
ثانياً : أنه قد صدر لمعالجة حالة خاصة فى قضية معينة هى الدعوى رقم 1308 لسنة 1969 مدنى كلى إسكندرية المرفوعة من المدعية وبذلك فقد صفة العموم .
ثالثاً : أنه يفرق بين المستخلص الذى يشترك فى جمعية تعاونية وزميله الذى يزاول نشاطاً فردياً مما يضر بنظام التعاون الذى أكد الدستور حمايته .
رابعاً : أنه إذ نص على أن أعضاء الجمعيات التعاونية الإنتاجية الذين اشتركوا فى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية فى تاريخ سابق يعتبرون خاضعين لأحكامه من تاريخ الاشتراك قد تضمن تقرير سريان هذا القانون بأثر رجعى بقصد إحباط دعوى المدعية .
خامساً :أنه غير قابل للتطبيق لأن أقساط التأمين يدفعها كل من صاحب العمل والعامل بينما المساهم فى الجمعية التعاونية الإنتاجية يجمع بين الصفتين ويتعذر وضع حد فاصل بينهما.

ومن حيث إنه يبين من نصوص القانون رقم 40 لسنة 1970 المطعون فيه والذى عمل به من تاريخ نشره فى الجريدة الرسمية فى 4 من يونيه سنة 1970 أنه يتضمن تعديلاً لنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون التأمينات الاجتماعية يقضى بسريان أحكام هذا القانون على جميع العاملين وكذا المندرجين منهم كما يسرى على العاملين من أعضاء الجمعيات التعاونية الإنتاجية وتستثنى من الخضوع لأحكامه الفئات الواردة بهذه المادة ونصت المادة الثانية منه على أن " يعتبر العاملون من أعضاء الجمعيات التعاونية الإنتاجية المشار إليهم فى الفقرة الأولى من المادة السابقة والذين اشتركوا فى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية فى تاريخ سابق خاضعين لأحكام القانون المذكور من تاريخ الاشتراك " .

ومن حيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن فإن مناط اختصاص المحكمة العليا بالفصل فى دستورية القوانين أن يكون أساس الطعن هو مخالفة التشريع لنص دستورى فلا يمتد لحالات التعارض أو التنازع بين القوانين ذات المرتبة الواحدة ومن ثم فإن ما تثيره المدعية من أن القانون المطعون فيه إذ اعتبر المساهمين فى الجمعيات التعاونية الإنتاجية عاملين قد خالف أحكام القانون المدنى أو قانون العمل أو قانون التعاون أمر لا يتناوله اختصاص هذه المحكمة .

ومن حيث إنه عن السببين الثانى والثالث فإن عموم القاعدة القانونية لا يعنى انصراف حكمها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة وانبساطه على كل ما يصدر عنهم من الأعمال بل هو يتوافر بمجرد انتفاء التخصيص وذلك بأن يسن الشارع قاعدته مجردة عن الاعتداد بشخص معين أو واقعة محددة بالذات وغنى عن البيان أنه يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تحدد المراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط فى طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية فإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط فى البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التى كفلها المشرع لهم ، والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب فى تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق لا يخل بشرطى العموم والتجريد فى القاعدة القانونية ذلك لأن المشرع إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط ، ولما كان التشريع المطعون فيه إذ قضى بسريان أحكام قانون التأمينات الاجتماعية على العاملين من أعضاء الجمعيات التعاونية قد استن قاعدة عامة مجردة لا تستهدف حالة فردية بذاتها وإنما تنطبق فى جميع الأحوال عند استيفاء أوضاعها واستكمال شرائطها فإن ما تثيره المدعية من أن هذا التشريع قد صدر لمعالجة حالة خاصة فى الدعوى المرفوعة منها وأنه يفرق فى المعاملة بين المستخلص الذى يشترك فى جمعية تعاونية وذلك الذى يزاول نشاطاً فردياً يكون على غير أساس ، وليس فى تطبيق قواعد التأمينات الاجتماعية على فئة من الناس أى إضرار بنظام التعاون ذلك أن رعاية هذا النظام والتى نص عليها دستور سنة 1971 فى المادة 28 إنما تنهض وتتأكد فى إطار من مظلة التأمينات الاجتماعية وليس بمنأى عن حمايتها وضماناتها .

ومن حيث إنه عن السبب الرابع المتعلق بالأثر الرجعى للتشريع المطعون فيه فقد نصت المادة 163 من دستور سنة 1964 الذى صدر التشريع فى ظله على أنه لا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ومع ذلك يجوز فى غير المواد الجنائية النص فى القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية مجلس الأمة وقد ردد الدستور القائم هذا النص فى المادة 187 .

ولما كان مجلس الأمة قد وافق على هذا التشريع كما يبين من الإطلاع على مضبطة الجلسة الحادية والثلاثين لمجلس الأمة المنعقدة فى 5 من مايو سنة 1970 وكانت موافقته بأغلبية أعضاء المجلس إذ وافق عليه 294 عضواً فإن ما تنعاه المدعية على التشريع المطعون فيه فى هذا الصدد لا يقوم على أساس سليم .

ومن حيث إنه عن السبب الأخير فإن ما تثيره المدعية من أن التشريع المطعون فيه غير قابل للتطبيق إذ يجمع المساهم فى الجمعية التعاونية الإنتاجية بين صفة العامل وصاحب العمل فى ذات الوقت لا علاقة له بفرض صحته بموضوع الدستورية وهو لا يعدو أن يكون بحثاً حول أسلوب تطبيق القانون وكيفيته مما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة .

ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين رفضها مع إلزام المدعية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ومصادرة الكفالة .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ومصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ أربعين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .