نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة أول إبريل سنة 1972 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة وعمر حافظ شريف نائب رئيس المحكمة وحسين حسين قاسم وحسين زاكى وأحمد طوسون حسين ومحمد بهجت عتيبة أعضاء
وحضور السيد المستشار عادل عزيز زخارى نائب رئيس المحكمة
رئيس هيئة مفوضى الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 11 لسنة 1 قضائية عليا " دستورية " .


الوقائع
أقام رئيس اللجنة النقابية للعاملين بشركة وادى كوم امبو وبعض العاملين بها الدعوى رقم 6338 لسنة 1964 عمال جزئى القاهرة ضد شركة وادى كوم امبو يطلبون الحكم بأحقية هؤلاء العاملين فى صرف بدل طبيعة العمل السابق تقريره لكل منهم على أساس ما كان يصرف له شهرياً وفقاً للبيان الموضح بصحيفة الدعوى وإلزام الشركة المدعى عليها بأن تؤدى إلى كل منهم المبالغ التى حبستها عنهم من بدل طبيعة العمل اعتباراً من تاريخ إيقاف تلك البدلات أو تعديل فئاتها حتى شهر مايو سنة 1965 مع إلزامها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة . وقضت محكمة العمال الجزئية بجلسة 5 يناير سنة 1969 بإلزام الشركة المدعى عليها بأن تؤدى للمدعين بدل طبيعة العمل السابق تقريره لهم وكذلك المبالغ التى حبستها عنهم الشركة منذ تاريخ إيقاف الصرف فى أول سبتمبر سنة 1963 طبقاً للثابت بالجدول المرفق بتقرير الخبير المنتدب من المحكمة والمصروفات وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة . استأنفت الشركة المدعى عليها هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 131 لسنة 1969 عمال مستأنف القاهرة واستندت إلى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 20 لسنة 1969 الصادر بتاريخ 19 يناير سنة 1969 الذى ينص فى مادته الأولى على أن " تلغى قرارات مجالس إدارة الشركات التابعة للمؤسسة المصرية العامة لاستصلاح الأراضى فى شأن منح بدل طبيعة عمل للعاملين بالمركز الرئيسى لهذه الشركات والصادرة استناداً إلى القرار الجمهورى رقم 1598 لسنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفى وعمال الشركات " وتنص المادة الثانية منه على أنه " مع عدم الإخلال بأحكام القضاء النهائية لا يجوز للعاملين بالشركات المحددة بالمادة السابقة المطالبة بصرف بدل طبيعة عمل عن الفترة السابقة على العمل بهذا القانون استناداً إلى القرارات المشار إليها " .

وقالت الشركة إنه بصدور هذا القانون الذى يسرى بأثر رجعى لا يجوز للمستأنف ضدهم وكافة عمال شركة وادى كوم امبو التابعة لمؤسسة استصلاح الأراضى والذين يعملون بالمركز الرئيسى بالشركة المطالبة بهذا البدل السابق صرفه لهم طبقاً للقرار الجمهورى رقم 1598 لسنة 1961 . وقد دفع المستأنف ضدهم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 20 لسنة 1969 المشار إليه . وقضت محكمة القاهرة الابتدائية بجلسة 3 يونية سنة 1970 بقبول الاستئناف شكلاً وبإعادة الدعوى إلى المرافعة لجلسة 28 من أكتوبر سنة 1970 وعلى المستأنف ضدهم إقامة دعوى أمام المحكمة العليا بعدم دستورية القرار بقانون رقم 20 لسنة 1969 وتقديم الدليل على ذلك إلى ما قبل الجلسة بأسبوع . وقد أقام المستأنف ضدهم هذه الدعوى فى 21 من أكتوبر سنة 1970 طالبين الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 20 لسنة 1969 . وبجلسة 28 من أكتوبر سنة 1970 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بوقف السير فى الدعوى حتى يفصل فى الدعوى الدستورية . وقدمت كل من شركة وادى كوم أمبو والحكومة مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها وقدمت هيئة مفوضى الدولة بالمحكمة تقريراً برأيها . ونظرت الدعوى أمام المحكمة بجلسات 6 نوفمبر سنة 1971 وأول يناير سنة 1972 و4 مارس سنة 1972 وفى هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة إرجاء إصدار الحكم إلى جلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة .
من حيث أن الدعوى قد استوفت الأوضاع المقررة قانوناً .
ومن حيث أن المدعين يقيمون دعواهم على الأسباب الآتية :
أولاً : أن التشريع المطعون فيه صدر استناداً إلى المادة 119 من دستور سنة 1964 التى تجيز لرئيس الجمهورية فى حالة الضرورة أن يصدر قرارات بقوانين وذلك دون أن تكون هناك ضرورة تستدعى العجلة فى إصداره فى غيبة مجلس الأمة وعلى فرض أن هذا التشريع قد صدر استناداً إلى التفويض التشريعى الصادر من مجلس الأمة إلى رئيس الجمهورية بالقانون رقم 15 لسنة 1967 فإن هذا التفويض باطل لمخالفته نص المادة 120 من الدستور التى تشترط أن يكون التفويض لمدة محددة وأن يحدد الموضوعات التى يرد عليها والأسس التى تقوم عليها .
ثانياً : أن هذا التشريع يحظر على القضاء الفصل فىالدعاوى المنظورة أمامه وذلك بخلاف ما نص عليه الدستور من أنه لا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضاء أو فى شئون العدالة .
ثالثاً : أنه أهدر المساواة بين العاملين فى قطاع واحد فبينما احتفظ ببدل طبيعة العمل لفريق من العمال الذين حصلوا على أحكام نهائية فإنه حرم فريقاً آخر منهم من الحصول على هذا البدل .

ومن حيث إن الحكومة دفعت أولاً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وثانياً بعدم قبولها .

وقالت بياناً للدفع الأول إن التشريع المطعون فيه قد صدر فى تاريخ سابق على إنشاء المحكمة ومن ثم فلا تختص بالنظر فى الطعن بعدم دستوريته وقالت عن الدفع الثانى أنه يتعين لقبول الدعوى الدستورية أن تكون محكمة الموضوع مختصة بنظر الدعوى المطروحة عليها ولما كانت محكمة القاهرة غير مختصة بنظر دعوى الموضوع بل يختص بنظرها القضاء الإدارى لأن المدعين يعتبرون موظفين عموميين فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة .

ومن حيث أن الشركة المدعى عليها دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واستندت فى ذلك إلى ذات الأسباب التى أقامت عليها الحكومة دفعها .

عن الدفع بعدم الاختصاص :
ومن حيث أن مبنى هذا الدفع أن ولاية المحكمة العليا لا تتناول التشريع المطعون فيه لأنه صدر فى تاريخ سابق على إنشائها .

ومن حيث أن هذا الدفع مردود بأن رقابة دستورية القوانين تستهدف صون الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة يستوى فى ذلك ما كان من هذه التشريعات سابقاً على إنشاء المحكمة أو لاحقاً على إنشائها وهو ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة ومن ثم يكون الدفع غير قائم على أساس سليم متعيناً رفضه .

عن الدفع بعدم قبول الدعوى :
ومن حيث أن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استناداً إلى أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية أمام المحكمة العليا أن تكون المحكمة التى أثير أمامها الدفع بعدم الدستورية أثناء نظر إحدى الدعاوى مختصة بنظر هذه الدعوى . ولما كانت محكمة القاهرة الابتدائية غير مختصة بنظر الدعوى التى أثير فيها هذا الدفع لأنها تتعلق بمنازعة بين إحدى شركات القطاع العام وبين بعض العاملين فيها مما يختص بنظره مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى دون جهات القضاء العادى فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة .

ومن حيث أن هذا الدفع مردود بأن الدعوى الدستورية قائمة بذاتها وتختلف موضوعاً عن الدعوى الأصلية ومحكمة الموضوع وحدها هى الجهة المختصة بالفصل فيما يقدم إليها من دفوع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وليست المحكمة العليا جهة طعن بالنسبة إليها ولا تعرض لموضوع الاختصاص إلا حين يقوم تنازع على الاختصاص بين الجهات القضائية ويرفع الأمر إليها لتعيين الجهة المختصة تطبيقاً للفقرة الرابعة من المادة الرابعة من قانون المحكمة العليا .

عن الموضوع :
ومن حيث أنه عن السبب الأول من الأسباب التى أقيمت عليها الدعوى فإنه يبين من ديباجة قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 20 لسنة 1969 أنه صدر استناداً إلى المادة 119 من دستور سنة 1964 التى تنص على أنه " إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو فترة حله ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون . ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الأمة فى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً وفى أول اجتماع له فى حالة الحل فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال ما كان لها من قوة القانون من تاريخ الاعتراض . " ويبين من هذا النص أن المشرع الدستورى خول رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون لمواجهة حالات الضرورة التى لا تحتمل التأخير والتى تطرأ بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو فترة حله وترك له تقدير هذه الحالات ومن ثم تقدير ملاءمة أو عدم ملاءمة استعمال تلك الرخصة التشريعية الاستثنائية المخولة له على أن يكون استعمالها تحت رقابة مجلس الشعب على النحو الوارد بالنص المشار إليه .

ومن حيث أنه يبين من المستندات التى قدمتها الحكومة أن القرار بقانون المطعون فيه قد عرض على مجلس الأمة فى أول اجتماع له من دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعى الثانى المنعقد فى 28 يناير سنة 1969 فأقره ومن ثم تكون السلطة التشريعية قد أقرت رئيس الجمهورية على قيام حالة الضرورة التى اقتضت إصداره . ولما كان تقدير حالة الضرورة الملجئة لإصدار قرارات بقوانين عملاً بنص هذه المادة مرده إلى السلطة التنفيذية تقدره تحت رقابة السلطة التشريعية بحسب الظروف والملابسات القائمة فى كل حالة فإذا ما عرض القرار بقانون على السلطة التشريعية وأقرته فلا معقب عليها فيما تراه بشأن قيام حالة الضرورة التى ألجأت السلطة التنفيذية إلى إصداره فى غيبة السلطة التشريعية .

ومن حيث أنه عن السبب الثانى فإن القرار بقانون المشار إليه ينص فى مادته الأولى على أن " تلغى قرارات مجالس إدارة الشركات التابعة للمؤسسة المصرية العامة لاستصلاح الأراضى فى شأن منح بدل طبيعة عمل للعاملين بالمراكز الرئيسية لهذه الشركات والصادرة استناداً إلى القرار الجمهورى رقم 1598 لسنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفى وعمال الشركات " وينص فى مادته الثانية على أنه " مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية النهائية لا يجوز للعاملين بالشركات المحددة فى المادة السابقة المطالبة بصرف بدل طبيعة عمل عن الفترة السابقة على العمل بهذا القانون استناداً إلى القرارات المشار إليها " .

ومن حيث أنه من المبادئ الدستورية المقررة أن للحكومة سلطة مراقبة أعمال الوزارات والمصالح والهيئات التابعة لها ولها أن تلغى أو تعدل قراراتها التى ترى أنها غير ملائمة على الوجه المبين بالقانون وتلك هى الرقابة الإدارية الذاتية كما أن لمجلس الشعب الحق فى رقابة أعمال السلطة التنفيذية رقابة سياسية تستند فى أساسها إلى مبدأ مسئولية الوزراء أمام هذا المجلس فإذا ما أسفرت هذه الرقابة بشقيها رقابة السلطة التنفيذية على الجهات التابعة لها ورقابة مجلس الشعب على أعمال السلطة التنفيذية عن ضرورة إلغاء قرارات مجالس إدارة الشركات المشار إليها إما لمخالفتها للقانون أو لعدم ملاءمتها فلكل منها أن يلغيها فى حدود اختصاصه فتلغيها السلطة التنفيذية بقرارات تنظيمية عامة ويلغيها مجلس الشعب بقانون وحقه فى هذا الصدد مطلق بوصفه صاحب الاختصاص الأصيل فى التشريع بحيث يستطيع تنظيم أى موضوع بقانون غير مقيد فى ذلك إلا بأحكام الدستور .

ولا تمتد ولاية المحكمة إلى مناقشة ملاءمة التشريع أو البواعث التى حملت السلطة التشريعية على إقراره لأن ذلك كله مما يدخل فى صميم اختصاص السلطة التشريعية وتقديرها المطلق .

أما ما ينعاه الطاعنون على التشريع المطعون فيه من أنه ينطوى على حظر التقاضى استناداً إلى ما تنص عليه المادة الثانية منه من أنه لا يجوز للعاملين المطالبة بصرف بدل طبيعة عمل عن الفترة السابقة على العمل بالقانون فهو مردود بأن نص هذه المطالبة لا ينطوى على ذلك الحظر بل هو تقرير لعدم أحقية العاملين فى المطالبة بصرف بدل طبيعة عمل عن الفترة السابقة على تاريخ العمل بالقانون أى تطبيق لحكم القانون بأثر رجعى على الماضى وهو ما تبيحه المادة 163 من دستور سنة 1964 التى تنص على أنه " لا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ومع ذلك يجوز فى غير المواد الجنائية النص فى القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الأمة " وقد رددت هذا الحكم المادة 187 من الدستور القائم ولما كان مجلس الأمة قد أقر هذا التشريع بالأغلبية الخاصة سالفة الذكر على ما يبين من الأوراق فإن هذا السبب يكون أيضاً على غير أساس .

ومن حيث أن ما يثيره المدعون فى السبب الثالث من أن التشريع المطعون فيه قد أخل بمبدأ المساواة الذى نص عليه الدستور فإنه مردود بأن المقصود بالمساواة التى نصت عليها المادة 124 من دستور سنة 1964 ومن بعده المادة 40 من الدستور الحالى هو عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية ولم يتضمن التشريع المشار إليه أى تمييز بين من تنطبق عليهم أحكامه ممن تماثلت مراكزهم القانونية إذ جاء النص على عدم جواز المطالبة بصرف بدل طبيعة عمل عن الفترة السابقة على العمل بالقانون عاماً بالنسبة إلى كافة العاملين بالشركات المحددة فى المادة الأولى ولم يستثن التشريع من ذلك سوى من صدرت لهم أحكام قضائية نهائية وهو ما يمليه وجوب احترام حجية هذه الأحكام .

ومن حيث أنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم ومن ثم يتعين رفضها .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والدفع بعدم قبولها وفى الموضوع برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعين المصروفات ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة للحكومة والشركات المدعى عليها مناصفة بينهما .