'البدون' او الاجنبي وابنائها، نوعا من انواع التمييز والاضرار بمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، كما انها لا تتواكب مع توجهات الدولة الاخيرة على المستوى السياسي بإعطاء المرأة حقها السياسي، فمن غير المنطقي ان تعترف الدولة بحق التصويت والترشيح للمرأة في حين انها تمر بأقسى انواع المعاناة الاسرية والاجتماعية والنفسية جراء حرمان ابنائها من ابسط الحقوق الانسانية (حق التعليم، توثيق عقود الزواج، رخصة القيادة، شهادة الميلاد، الوظيفة، الهوية وغيرها).
تلك المعاناة التي تمر بها المرأة الكويتية المتزوجة ببدون او اجنبي بسبب قانون الجنسية تتعارض مع نصوص الدستور الكويتي مثل:
المادة 29 الناس سواسية في الكرامة الانسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين.
المادة 7 'العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين'.
المادة 9 'الاسرة اساس المجتمع قوامها الدين والاخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها ويقوي اواصرها ويحمي في ظلها الامومة والطفولة'.
المادة 10 'ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه من الاهمال الادبي والجسماني والروحي'.
والجدير بالقول ان العديد من المعارضين لمنح حق المرأة في اكساب جنسيتها لاولادها وزوجها، يلوذون بحجج ومبررات دينية حكمتها تعاليم الشريعة الاسلامية، مثل مبرر ان الاب هو صاحب الولاية بالاستناد الى قوله تعالى 'الرجال قوامون على النساء' ونسب الابناء لآبائهم وفقا لقوله عز وجل 'ادعوهم لآبائهم هو اقسط عندالله'، وهنا ينبغي التأكيد ان الشريعة الاسلامية لا يمكنها ان تكون سببا لحرمان وبؤس آلاف من البشر بسبب شرط من هذا النوع، كما ان الدين الاسلامي هو دين المساواة والعدل، فمفهوم الجنسية كحق للمواطنة والانتماء الى دولة من الدول وما يترتب عليها من حقوق وواجبات حتى وان اتت من قبل الام ليس لها علاقة بتغيير نسب الاولاد لابيهم فهم يحملون اسمه وهو الذي يمارس دوره وفقا لاحكام الشريعة كما ان روابط الابوة المرتكزة على روابط الدم بالاب لن تنتفي اذا نقلت الام جنسيتها إلى ولدها وانما مصدر الجنسية رابطة قانونية ما بين الفرد والدولة.
واخيرا يمكننا القول ان معظم الكويتيات المتزوجات من بدون، هن من المقيمات مع ازواجهن وابنائهن على الاراضي الكويتية، ولذلك فان استقرار اولئك الابناء بحكم المولد والتعليم والاقامة في الكويت، قد حقق الرابطة الفعلية في اندماجهم بالمجتمع وفي تلاحمهم كونهم جزءا من النسيج الوطني والاجتماعي مما يعطيهم صفة المواطنة بالشعور والوجدان والممارسة الفعلية، وهذا المعطى الاجتماعي يعتبر الاساس الجوهري لاكتساب الجنسية في كثير من بلدان العالم العربية والاجنبية.
قضية البدون في تجارب السعودية والبحرين وسوريا
ما هو معروف على المستوى الاقليمي، ان قضية المحرومين من الجنسية هي قضية تكاد تكون عالمية لا تخلو اي دولة منها. واما ما يميز دولة عن اخرى فهو حيوية قوانينها والكيفية التي تعالجها بها حتى لا تتفاقم وتتحول الى مأساة انسانية ومصدر تهديد لاستقرار المجتمع وامن الدولة، كما انها تتوقف ايضا على درجة الوعي والنضج السياسي في الدولة.
ما نلاحظه في تجارب الدول الثلاث التي تم اختيارها لتكون محل دراسة مقارنة (السعودية، البحرين، سوريا) ان اسباب بروز ظاهرة البدون تختلف من دولة لأخرى نتيجة للبيئة الجغرافية والاثنية والسياسية للدولة ذاتها، فتظهر في سوريا لاسباب عرقية (تجاه الاكراد) والبحرين لاسباب ديموغرافية مذهبية (تجاه الشيعة) ولاسباب مرتبطة بالتكوين القبلي المرتبط بحركة النزوج والهجرة في السعودية، وفي كل الحالات تتفاوت ارادة ورغبة الحل من دولة لأخرى بسبب الضغوطات المحلية والخارجية وانما تبقى معاناة المحرومين من الجنسية واحدة متقاربة في مجتمعات تلك البلدان.

خلاصات الرؤية المقارنة

1ـ ما هو ملاحظ في ظل سيادة قيم العولمة وخصوصا تلك المتعلقة بمفاهيم التجانس والتقارب الثقافي والقانوني في مجالات عدة، اقتصادية وانسانية وسياسية، نجد هناك توجها بتبني مفاهيم وروابط حق الاقليم او حق الارض Jus Sanguinis، وعليه فان معايير منح الجنسية الكويتية ينبغي ان تتواكب مع ما يحدث في العالم في ربط مفهوم الجنسية بما يحقق مصالحها الاقتصادية وسد نواقص الكفاءات والخبرات العلمية في الدولة، وتعديل التركيبة السكانية المختلة وفوق ذلك ربط فلسفة التجنيس بتحقيق المواطنة المدنية في المجتمع ودفع عجلة التنمية المستدامة. وهذا ما سعت اليه السعودية والبحرين في تعديل بعض قوانين الجنسية لديها، وان كانت تلك التعديلات النسبية لا ترتقي الى مستوى الطموحات الانسانية.
2ـ ان قوانين الجنسية هي احد اهم مكونات المواطنة في الدولة ومن هنا ينبغي تطبيق قواعدها على المواطنين دون تمييز بسبب الجنس وخصوصا ما يتعلق بالحصول على الجنسية ونقلها لدى المرأة، لذلك فان ربط الجنسية بحق الدم والابوة فقط في الكويت كفيل بخلق مأساة متزايدة للكويتيات المتزوجات من بدون، وان تعديل قانون الجنسية يشمل حق المرأة في منح جنسيتها تلقائيا لابنائها كفيل بخلق مواطنة كاملة في المجتمع كما انه يشمل احد الروافد المهمة لوضع الية قانونية لحل ازمة البدون في الكويت.
3ـ ان عملية وضع الية لحل ازمة البدون ينبغي ان تتوافر بها عدة عوامل ايجابية جوهرية منها:
أ توافر ارادة سياسية في الكويت باهمية انهاء الملف بصورة انسانية وقانونية.
ب ـ توفر موقف شعبي عام مدرك لمعاناة تلك الشريحة التي تعيش ضمن النسيج الاجتماعي.