هوامش حرة
لا نستحق هذا الوطن
يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة


فتحي سرور يا ويكا‏..‏ الكل يحبك حب الفرخة للديكا
أما حبك للقانون فهو في دمك وكلاويكا

أستاذ قانون ناجح لم تعرف شغل البولتيكا‏..‏
لأن مصر دايما في قلبك‏..‏ ليس لها شريكا

طلبةالحقوق بيقولوا
كلامك حلو وسكر‏..‏ وعامل زي المزيكا‏..‏

بهذه الكلماتالرديئة وقف رئيس وزراء مصر الأسبق د‏.‏علي لطفي يتحدث في حفل تكريم كبير لرئيسمجلس الشعب المصري د‏.‏فتحي سرور أقامة مواطن سعودي عاشق لمصر الثقافة والفكر هود‏.‏ غازي عوض الله في واحد من أكبر فنادق القاهرة‏..‏

المناسبة هي تكريما لرجل الثاني في الدولة المصرية ورئيس مجلس الشعب لمدة‏19‏ عاما‏..‏ وهو عالم فيالقانون وأستاذ جامعي‏..‏ فهل هذا الكلام يليق برئيس وزراء مصر‏..‏ وهل هذا المستويفي اللغة واللفظ يليق برئيس البرلمان المصري وهل ذلك كله يليق بمصر الثقافةوالريادة والدور‏..‏

والله إنها سقطة لا تغتفر‏..‏
حين قرأت هذه الكلمات ظننت للوهلة الأولي أنها نكتة ولكنني شاهدت في كل الصحف تقريبا صورة كبار رجالالدولة المصرية في صورة جماعية تضم أكبر رموز العدالة والقانون ومجلس الشعب فيمصر‏..‏ المناسبة أمر عادي جدا فقد اعتاد صالون غازي الثقافي أن يكرم الفنانينوالكتاب والصحفيين وحتي لاعبي كرة القدم وهو تقليد جميل‏..‏ ولكن التكريم هذه المرةوقع علي رئيس مجلس الشعب المصري‏..‏ ووسط جمع كبير تسابق أساتذة القانون وأعضاءمجلس الشعب ومسئولون كبار في مواقع مختلفة في الحديث عن إنجازات رئيس مجلس الشعب فيحفل تكريمه‏..‏

وللأسف الشديد إن ما قيل في هذا الحفل لا يتناسب مع أهميةالشخص المكرم وجلال حفل التكريم الذي يليق بوطن كبير اسمه مصر‏..‏

في زمانمضي مازلت أذكر حفلات التكريم التي كانت تتزين برجال مصر ورموزها في الفن والإبداعوالقانون والثقافة‏..‏ وكانت مرافعات رجال القانون المصريين دروسا في اللغة والرقيوالترفع‏..‏ كان المحامي المصري يزلزل أرجاء المحاكم بكلماته الجميلة وحجتهوإقناعه‏..‏ وكانت هناك علاقة عميقة جدا بين الأدب والقانون وما أكثر خريجي كلياتالحقوق الذين حملوا رسالة الأدب والكلمة الجميلة والإبداع الخلاق‏..‏ وكان لقب رئيسوزراء مصر يهز أرجاء هذا الكون قيمة وبريقـا ودورا‏..‏ وكانت تصرفات وسلوكيات كبارالمسئولين عندنا تعكس قيمة شعب وثقل دولة فمازلنا نتذكر رؤساء وزارات في مصر كانواعلي مستوي المسئولية شكلا وموضوعا‏..‏

ولكن الصورة الرفيعة للمسئولية في مصرانهارت وتراجعت في السلوك والأخلاق ولغة الحوار‏..‏

إن رجالات مصر كانوا يؤكدون وجه مصر الحضاري والثقافي والفكري‏..‏ وكان المواطن العربي ينظر إلي مصر عليأنها قبلة الثقافة العربية وزادها الحقيقي ويري فيها الحلم والملاذ‏..‏

إنحفل التكريم أقامه مواطن سعودي وأستاذ جامعي وفي هذا الحفل جلس السفراء العرب وعددمن كبار المثقفين من مصر والدول العربية وكان المفروض أن يشاهد هؤلاء حفل تكريم يليق برمز من رموز مصر بحكم المسئولية والقيمة والمكانة‏..‏ وكان ينبغي أن يكونالكلام محسوبا والألفاظ مختارة‏..‏ ولهذا كان أمرا غريبا أن تتسلل مثل هذه الألفاظفي حفل عام أمام شاشات التليفزيون والصحافة وأجهزة الإعلام‏..‏ هذا الحفل سوفيشاهده الملايين علي امتداد الساحة العربية‏..‏ وسوف يضحك هؤلاء جميعا علي ما وصل إليه حال المصريين أصحاب الريادة‏..‏

كان أحمد شوقي أمير الشعراء العربوكانت قصائد شوقي تهز أرجاء هذه الأمة وتزلزل أركانها وهو يشدو بشعره في مدح الرسولعليه الصلاة والسلام وفي الأحداث الكبري التي لحقت بهذه الأمة‏..‏ وكان حافظإبراهيم شاعر النيل العملاق وكانت لغة المصريين رفيعة في كل شيء سلوكـا ولفظـا‏..‏

ذات ليلة كنت أتحدث مع مثقف سعودي من الأجيال القديمة التي عاشتالعصر الذهبي للثقافة المصرية‏..‏ قال لي‏:‏ عندما زار عميد الأدب العربي د‏.‏طهحسين المملكة العربية السعودية في نهاية الأربعينيات استقبله السعوديون كما يستقبلون رؤساء الدول وكان حدثـا من أكبر الأحداث السياسية والثقافية في بلادنا‏..‏لأن طه حسين في مكة وحين زار طلعت حرب السعودية لافتتاح فرع لبنك مصر‏..‏ كانتزيارته حديث كل بيت في السعودية‏..‏ كانت هذه هي مصر طه حسين وطلعتحرب‏..‏

إنني أتعجب من الجرأة التي اندفع فيها رئيس وزراء مصر الأسبق د‏.‏علي لطفي الأستاذ الجامعي ومعلم الأجيال لكي تخرج من فمه هذه الكلمات‏..‏ إنالكلمات أكثر من رديئة‏..‏ وهي قبل أن تكون إساءة للغة العربية فهي اساءة للسلوكالعام والذوق العام وقبل هذا كله أن الرجل مازال يحمل اسم المنصب الذي تولاه يوماوالكرسي الذي جلس عليه حين كان رئيسا لوزراء مصر هل تصدقون‏!‏

كيف باللهتشجع رئيس وزراء مصر وقال عن رئيس مجلس الشعب فتحي سرور ياويكا‏..‏ الكل يحبك حبالفرخة للديكا‏..‏ ومن هي الفرخة ومن هو الديك‏..‏ هل الشعب المصري هو الفرخة ورئيسالمجلس هو الديك‏..‏ وهل هذا الكلام يليق من رجل مسئول في حفل يجمع كل هذا العدد منكبار المسئولين في الدولة ثم بعد ذلك يقول الأستاذ الجامعي ومعلم الأجيال في قصيدتها لعنترية‏..‏ أما حبك للقانون فهو في دمك وكلاويك كلامك حلو وسكر وعامل زيالمزيكا‏..‏

ما هذا الحب الذي يسري في كلاوي رئيس مجلس الشعب المصري حسب ماقال رئيس وزراء مصر الأسبق‏..‏ وإذا كان رئيس برلمان مصر هو الديكا فماذا عن بقيةأعضاء المجلس خاصة من الحزب الوطني حزب الأغلبية لقد أساءت هذه الكلمات لرئيس مجلسالشعب إساءة بالغة‏..‏

لقد حزنت كثيرا وأنا أقرأ هذه الكلمات القبيحة فيالصحف المصرية‏..‏ وحزنت للمستوي الذي وصلت إليه اللغة العربية علي يد رائدةالثقافة العربية مصر كنانة الله في أرضه‏..‏

وحزنت أكثر لأن بعض المسئولين عندنا فقدوا بوصلة الاتجاه الصحيح والموقف السليم حتي في لغة الخطاب وحزنت لأنأبناءنا الصغار الذين نطالبهم بأن يزدادوا حبا للغتهم وثقافتهم يسمعون هذا الكلام الرخيص ويرددونه في مدارسهم ومجالسهم‏..‏ كنت أتمني لو أن أستاذا من أساتذه القانونالذين حضروا حفل التكريم أرسل بلاغـا للنائب العام يطالب فيه بتوجيه اتهام بإفسادالذوق العام في هذه الكلمات‏..‏

نحن نتباكي كثيرا الآن علي انحدار مستوياللغة العربية في مدارسنا وبيوتنا ووسائل إعلامنا‏..‏ ونتباكي علي تراجع سلوكياتالناس في الشارع ونشعر بالحزن الشديد لأن لغة الحوار تعيش الآن أسوأ أيامها‏..‏وإذا كان هذا هو مستوي اللغة ومستوي الحوار ومستوي السلوك فيجب أن نقول علي الأرض السلام‏..‏ أننا في حاجة إلي أن نراجع أنفسنا بأمانة شديدة في كل شيء لأن ما وصلتإليه الأحوال يحتاج عملية إنقاذ سريعة حتي لا نفيق بعد فوات الأوان‏..‏

لنيكون غريبا أن نجد هذه الكلمات التي أبدعها رئيس وزراء مصر الأسبق في حفل تكريمرئيس مجلس الشعب علي شريط كاسيت وأغنية شبابية مليئة بالفراخ والديوك وهي تتراقصعلي شاشات الفضائيات العربية‏..‏

هذا الحفل إهانة لرئيس مجلس الشعب ورئيسوزراء مصر الأسبق وإهانة لكل المصريين‏..‏

لا تغضبوا مني إذا قلت‏..‏ نحن لانستحق هذا الوطن‏..‏