وحيث إن هذه المحكمة عادت إلى تأكيد هذا المبدأ فيما قضت به فى الدعوى رقم 1 لسنة 1 قضائية دستورية بتاريخ 2 مارس سنة 1985 من عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 فيما عينه من حد أقصى للتعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة بما لا يجاوز خمسة عشر ألف جنيه .

وحيث إنه لما كان ما تقدم ، وكانت المادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 – المطعون عليها – لا تجيز مجاوزة الحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 – وقدره ثلاثون ألف جنيه – لتعويض الخاضع عن صافى العناصر المحققة ، بما مؤداه استيلاء الدولة دون مقابل على القدر الزائد على هذا الحد الأقصى وتجريد الخاضعين من ملكيته ، الأمر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة خاصة للأموال بما يناقض المادتين 34 ، 36 من الدستور ، ويتضمن خروجاً على حكم المادة 37 منه التى لا تجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية ، ومن ثم يقع باطلاً حكم المادة الخامسة المطعون عليها ، وهو ما يتعين الحكم به .

وحيث إن المدعيين ينعيان كذلك على المادة الخامسة سالفة البيان – مخالفتها للدستور فيما تضمنته من أن يكون التعويض بسندات أسمية على الدولة طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 الذى قرر أن تكون بفائدة قدرها 4% سنوياً مع جواز استهلاكها كلياً أو جزئياً بعد عشر سنين من إصدارها .

وحيث إن هذا النعى مردود بأن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة لا يجوز الخروج عليها ، ويتمثل جوهر السلطة التقديرية فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم ، ومن ثم ينحل ما ينعاه المدعيان على النص المطعون فيه إلى موازنة من جهتها بين البدائل وتعقيباً من جانبها على ما ارتآه المشرع ملائماً لصالح الجماعة فى إطار تنظيمه للكيفية التى تؤدى بها الدولة ما هو مستحق عليها من التعويض بما لا مخالفة فيه للدستور .

وحيث إن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 تنص على أنه بالنسبة للأشخاص الذين أسقطت عنهم الجنسية المصرية أو غادروا البلاد مغادرة نهائية ولم يستردوا الجنسية المصرية أو لم يعودوا إلى الإقامة بمصر خلال المدة المنصوص عليها فى القانون رقم 69 لسنة 1974 المشار إليه ، فيعوضوا عن تدابير الحراسة طبقاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1974 وفى الحدود المنصوص عليها فيه .

وحيث إن المدعيين ينعيان على نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليها مخالفتها للمادتين 34 ، 36 من الدستور .

وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك أن النص التشريعى المطعون عليه – والذى جرى تطبيقه على المدعيين – حدد فئتين يستحق أصحابهما – عن تدابير الحراسة – التعويض المنصوص عليه فى القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 وفى الحدود المنصوص عليها فيه ، أولاهما : من أسقطت عنهم الجنسية المصرية بصفة نهائية إزاء إخلالهم بواجباتهم نحو وطنهم ، وثانيتهما : من غادروا البلاد مغادرة نهائية إزاء إخلالهم بواجباتهم نحو وطنهم ، وثانيتهما : من غادروا البلاد مغادرة نهائية ولم يعودوا إلى إقامة بمصر خلال المدة المنصوص عليها فى القانون رقم 69 لسنة 1974 ، ومتى كان ذلك ، وكان المدعى الثانى قد ابعد عن البلاد نهائياً بعد تخليه عن جنسيته المصرية ، فإنه لا يكون مندرجاً ضمن الأشخاص الذين قررت السلطة التنفيذية إسقاط الجنسية عنهم ، وإنما تعتبر حالته مسكوتاً عنها لعدم انسحاب النص المطعون فيه إليه ، وهو فى كل حال يُعد أجنبياً بعد أن أمرته السلطة التنفيذية بمغادرة البلاد إثر تخليه عن جنسيته المصرية ويتعين بالتالى أن تلحق واقعة تخليه عن الجنسية المصرية بواقعة إسقاطها فى الحكم الذى ورد به النص التشريعى المطعون فيه لاتحاد الواقعتين فى العلة التى يقوم عليها ، وآية ذلك أن الجنسية هى رابطة أصلية بين الدولة والفرد يحكم القانون نشأتها ويحدد آثارها ، وإذ تقوم فى الأصل على فكرة الولاء للدولة فتتميز عن غيرها من الروابط القانونية بطابعها السياسى ، وتنشئها الدولة بإرادتها المنفردة ، فتحدد بتشريعاتها الوطنية الأسس والمعايير التى يتعين تطبيقها لتحديد من يعتبر متمتعاً بها أو خارجاً عن دائرة مواطنيها ، ولا يتصور أن يكون النص التشريعى المطعون فيه قد قصد إلى معاملة المدعى الثانى فى مجال مقدار التعويض المستحق بموجبه معاملة أفضل من تلك التى قررها بالنسبة إلى المدعى الأول ، فكلاهما قد غدا أجنبياً أولهما بإسقاط الجنسية المصرية عنه ، وثانيهما بتخليه عنها .

وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان التعويض عن تدابير الحراسة وفقاً للنص التشريعى المطعون فيه فى مجال تطبيقه على المدعيين – وبوصفهما من غير المواطنين – مقيداً بألا يجاوز مقداره الحدود المنصوص عليها فى القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 ، ومن ثم فإن هذا النص وقد التزم الحد الأقصى للتعويض المنصوص عليه فى هذا القرار بقانون – والذى خلصت هذه المحكمة آنفاً إلى القضاء بعدم دستورية – يكون مشوباً بذات العوار الدستورى الموصومة به المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 ، ومنطوياً بذلك على مخالفة للمادتين 34 ، 36 من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على الفقرة الثانية من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 ، وبعدم دستورية نص المادة الخامسة منه فيما تضمنه من تعيين حد أقصى لتعويض الخاضع عن صافى العناصر المحققة من ذمته المالية وما يتم التخلى له عنه عن عناصرها غير المحققة ، وبعدم دستورية نص الفقرة الثانية من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من أسقطت عنهم الجنسية المصرية أو تخلوا عنها وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .