نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 7 مارس سنة 1992 .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وحمدى محمد على وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبدالمجيد فياض
وحضور السيد المستشار / السيد عبدالحميد عمارة المفوض

وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 8 لسنة 8 قضائية " دستورية " .
الإجراءات
بتاريخ 27 مارس سنة 1986 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الأولى والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 ، والفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 .

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات ، والمداولة .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين سبق أن فرضت عليهما الحراسة بالأمر رقم 140 لسنة 1961 ، وتقرر تعويضهما نهائياً – بموجب القرار رقم 584 لسنة 1975 بالنسبة للأول ورقم 585 لسنة 1975 بالنسبة للثانى – استناداً إلى أحكام القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 بتصفية الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الخاضعين لأحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 ، وعلى أساس أن المدعى الأول قد أسقطت عنه جنسيته المصرية ، بعد ان غادر البلاد بتاريخ 14 سبتمبر سنة 1962 وأن المدعى الثانى قد ابعد عن البلاد نهائياً بعد تخليه عن جنسيته المصرية فى 7 مايو سنة 1969 ، وكان المدعيان قد أقاما الدعوى رقم 624 لسنة 2 ق " قيم " التى انتهيا فى شأنها إلى تعديل طلباتهما – فى مواجهة الحاضر عن المدعى عليهم – إلى طلب الحكم ببطلان الإجراءات المترتبة على فرض الحراسة على أموالهما ورد هذه الأموال عيناً إليهم ، ودفعا – أثناء نظرها – بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الأولى والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 ، وإذ صرحت لهما محكمة الموضوع بجلسة 2 فبراير سنة 1986 بإقامة دعواهم الدستورية ، فقد أقاما الدعوى الماثلة .
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى استناداً إلى أن المدعيين من الأجانب ، وهؤلاء يكفل المشرع العادى حقوقهم فى النصوص التشريعية المختلفة دون نصوص الدستور التى يقتصر مجال تطبيقها على المصريين لضمان حقوقهم وحرياتهم دون سواهم ، ومستهدفة بهذا الدفع إنكار حق المدعيين فى رفع الدعوى الدستورية القائمة .

وحيث إن هذا الدفع غير سديد ، ذلك أن الدستور أفرد بابه الرابع للقواعد التى صاغها فى مجال سيادة القانون وهى قواعد تتكامل فيما بينها ويندرج تحتها نص المادة الثامنة والستين التى كفل بها حق التقاضى للناس كافة ، دالاً بذلك على أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها فى الخضوع للقانون ، ومؤكداً بمضمونه جانباً من أبعاد سيادة القانون التى جعلها أساساً للحكم فى الدولة على ما تنص عليه المادتان الرابعة والستون والخامسة والستون ، وإذا كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات ، فقد أضحى لازماً – وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولاً بنص صريح فى الدستور كى لا تكون الحقوق والحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها ، بل معززة بها لضمان فاعليتها .

وحيث إنه متى كان ذلك ، وكان الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقاً لنص المادة الثامنة والستين من الدستور يقتضيها أن توفر لكل فرد وطيناً كان أم أجنبياً – نفاذاً ميسراً إلى محاكمها بالإضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة بتشريعاتها ، وبمراعاة الضمانات الأساسية اللازمة لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقاً لمستوياتها فى الدولة المتحضرة ، وكانت الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية يلازمها بالضرورة – ومن أجل اقتضائها – طلب الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لها باعتبار أن مجرد النفاذ إلى القضاء فى ذاته لا يعتبر كافياً لضمانها ، وإنما يتعين أن يقترن هذا النفاذ دوماً بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة عن العدوان عليها ، وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة ، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها ويضمن عدم استخدام التنظيم القضائى كأداة للتمييز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها وكانت هذه التسوية هى التى يعتمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها ، فإن هذه الترضية – وبافتراض مشروعيتها واتساقها مع أحكام الدستور – تندمج فى الحق فى التقاضى وتعتبر من متمماته لارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة ، وأيد ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية ،ولكن غايتها طلب منفعة يقرها القانون وتتحدد علي ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها ،وذلك هو ما أكدته هذه المحكمة بما جرى عليه قضاؤها من أن الدستور أفصح بنص المادة الثامنة والستين منه عن ضمان حق التقاضي كمبدأ دستوري أصيل مرددا بذلك ما قررته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة هذا الحق لكل فرد –وطنيا كان أم أجنبيا –باعتباره الوسيلة التي تكفل حماية الحقوق التي يتمتع بها قانونا ورد العدوان عليها .