وحيث إن النص التشريعى المطعون فيه بعد أن قرر أن حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها مع العلم بأنها مهربة يعتبر فى حكم التهريب الجمركى ، نص على أن هذا العلم يفترض إذا لم يقدم حائز البضائع الأجنبية بقصد الاتجار المستندات الدالة على سبق الوفاء بالضريبة المستحقة عنها ، وبذلك أحل المشرع واقعة عدم تقديم الحائز المذكور لتلك المستندات محل واقعة علمه بتهريب البضائع التى يحوزها بقصد الاتجار فيها منشئاً بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها دليلاً على ثبوت واقعة العلم بالتهريب التى كان ينبغى أن تتولى النيابة العامة بنفسها مسئولية إثباتها فى إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لقيام كل ركن يتصل ببنيان الجريمة ، ويعتبر من عناصرها ، بما فى ذلك القصد الجنائى العام ممثلاً فى إرادة الفعل مع العلم بالوقائع التى تعطيه دلالته الإجرامية .
وحيث إن القرينة القانونية التى تضمنها النص التشريعى المطعون فيه والسالف بيانها ، لا تعتبر من القرائن القاطعة ، إذ الأصل فى القرائن القانونية بوجه عام هو جواز إثبات عكسها ، ولا تكون القرينة قاطعة إلا بنص خاص يقرر عدم هدمها وقد التزم القانون الجمركى الأصل العام فى القرائن القانونية بما تضمنته مذكرته الإيضاحية من ان الأثر الذى رتبه هذا القانون على افتراض علم الحائز بحقيقة أن البضائع الأجنبية التى يحوزها للاتجار فيها مهربة ، هو أن النيابة العامة أضحت غير مكلفة بإقامة الدليل على هذا العلم ، وأن نفيه غدا التزاماً قانونياً ألقاه المشرع على عاتق الحائز ، مثلما هو الشأن فى القرائن القانونية ، ذلك أن المشرع هو الذى تكفل باعتبار الواقعة المراد إثباتها بقيام القرينة القانونية وأعفى النيابة العامة بالتالى من تقديم الدليل عليها . إذ كان ذلك ، وكان الأصل فى القرائن القانونية قاطعة كانت أو غير قاطعة – هى أنها من عمل المشرع وهو لا يقيمها تحكماً أو إملاء ، وإنما يجب أن تصاغ القرينة وأن يتحدد مضمونها على ضوء ما يقع غالباً فى الحياة العملية ، وكانت القرينة القانونية التى تضمنها النص التشريعى المطعون عليه لا تعتبر كذلك ، ذلك أنها تتعلق ببضائع أجنبية يجرى التعامل فيها بعد خروجها من الدائرة الجمركية ، وهو تعامل لا ينحصر فيمن قام باستيرادها ابتداء ، وإنما تتداولها أيد عديدة شراءً وبيعاً إلى أن تصل إلى حائزها الأخير ، وفى كل ذلك يتم التعامل فيها بافتراض سبق الوفاء بالضريبة الجمركية المستحقة عنها ترتيباً على تجاوزها الدائرة الجمركية التى ترصد فى محيطها البضائع الواردة وتقدر ضرائبها وتتم إجراءاتها باعتبار أن ذلك هو الأصل فيها وأن تهريبها لا يكون إلا بدليل تقدمه الإدارة الجمركية ذاتها وهو ما أكدته الفقرة الثالثة من المادة 5 من القانون الجمركى بما نصت عليه من أن الضريبة الجمركية إنما تستحق بمناسبة ورود البضاعة أو تصديرها وفقاً للقوانين والقرارات المنظمة لها ، وأنه لا يجوز الإفراج عن أية بضاعة قبل إتمام الإجراءات الجمركية ، وأداء الضرائب والرسوم المستحقة عنها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك . ولازم ما تقدم ، أن عدم تقديم حائز البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها المستندات الدالة على الوفاء بالضرائب الجمركية المستحقة عليها ، لا يفيد بالضرورة علمه بتهريبها ، إذ كان ذلك ، فإن الواقعة البديلة التى اختاراها النص المطعون فيه لا ترشح فى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بالتهريب ثابتة بحكم القانون ولا تربطها بالتالى علاقة منطقية بها . وتغدو القرينة بالتالى غير مرتكزه على أسس موضوعية ومقحمة لإهدار افتراض البراءة ، ومجاوزة من ثم لضوابط المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور فى صلبه .
وحيث إن جريمة التهريب الجمركى من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركناً فيها ، وكان الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة وأن يكون هذا العلم يقيناً لا ظنياً أو افتراضياً ، وكان الاختصاص المقرر دستورياً للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، وكان النص التشريعى المطعون فيه قد حدد واقعة بذاتها جعل ثبوتها بالطريق المباشر ، دالاً بطريق غير مباشر على العلم بالواقعة الإجرامية مقحماً بذلك وجهة النظر التى ارتآها فى مسألة يعود الأمر فيها بصفة نهائية إلى محكمة الموضوع لاتصالها بالتحقيق الذى تجريه بنفسها تقصياً للحقيقة الموضوعية عند الفصل فى الاتهام الجنائى ، وهو تحقيق لا سلطان لسواها عليه ، ومآل ما يسفر عنه إلى العقيدة التى تتكون لديها من جماع الأدلة المطروحة عليها ، إذ كان ذلك ، فإن المشرع إذ أعفى النيابة العامة – بالنص التشريعى المطعون عليه – من التزاماتها بالنسبة إلى واقعة بذاتها تتصل بالقصد الجنائى وتعتبر من عناصره ، هى واقعة علم المتهم بتهريب البضائع الأجنبية التى يحوزها بقصد الاتجار فيها ، حاجباً بذلك محكمة الموضوع عن تحقيقها ، وأن تقول كلمتها بشأنها ، بعد ان افترض النص المطعون عليه هذا العلم بقرينة تحكمية ، ونقل عبء نفيه إلى المتهم ، فإن عمله يُعد انتحالاً لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية ، وإخلالاً بموجبات الفصل بينها وبين السلطة التشريعية ، ومناقضاً كذلك لافتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه فى كل وقائعها وعناصرها ، ومخالفاً بالتالى لنص المادة 67 من الدستور .
وحيث إن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائماً من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك – ومن ناحية أخرى – وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة ، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها ، وكان النص التشريعى المطعون عليه – وعن طريق القرينة القانونية التى افترض بها ثبوت القصد الجنائى – قد اخل بهذه الوسائل الإجرائية بأن جعل المتهم مواجهاً بواقعة أثبتتها القرينة فى حقه بغير دليل ، ومكلفاً بنفيها خلافاً لأصل البراءة ، ومسقطاً عملاً كل قيمة أسبغها الدستور على هذا الأصل ، وكان هذا النص – وعلى ضوء ما تقدم جميعه – ينال من مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، ومن الحرية الشخصية ويناقض افتراض البراءة ، ويخل بضوابط المحاكمة المنصفة وما تشتمل عليه من ضمان الحق فى الدفاع ، فإنه بذلك يكون مخالفاً لأحكام المواد 41 و 67 و 69 و 86 و 165 من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 121 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 وذلك فيما تضمنته فقرتها الثانية من افتراض العلم بالتهريب إذا لم يقدم من وجدت فى حيازته البضائع بقصد الاتجار المستندات الدالة على أنها قد سددت عنها الضرائب الجمركية المقررة ، مع إلزام الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .