نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسـة العلنية المنعقـدة 4 يناير سنة 1992 م .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبدالواحد والدكتور عبدالمجيد فياض
وحضور السيد المستشار / السيد عبدالحميد عمارة المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الطلب المقيد بجـدول المحكمة الدستورية العليا برقـم 1 لسنة 13 قضائية " تفسير " .

الإجراءات
بتاريخ 20 سبتمبر سنة 1991 ورد إلى المحكمة كتاب السيد وزير العدل بطلب تفسير نص الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 308 لسنة 1955 فى شأن الحجز الإدارى ، وذلك بناء على طلب السيد رئيس مجلس الوزراء .
وبعد تحضير الطلب ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً بالتفسير الذى انتهت إليه .
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار القرار بجلسة اليوم .

المحكمة
من حيث إن المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور ، وذلك إذا أثارت خلافاً فى التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها .

وحيث إن مؤدى هذا النص أنه خول هذه المحكمة سلطة تفسير النصوص التشريعية التى تناولها تفسيراً ملزماً يكون بذاته كاشفاً عن المقاصد الحقيقة التى توخاها المشرع عند إقرارها منظوراً فى ذلك لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة التى تحمل معها النصوص التشريعية محل التفسير على غير المعنى المقصود منها ابتداء ، بل إلى أرادته الحقيقية التى يفترض فى هذه النصوص أن تكون معبرة عنها ، مبلورة لها ، وإن كان تطبيقها قد باعد بينها وبين هذه الإرادة .

وحيث إن السلطة المخولة لهذه المحكمة فى مجال التفسير التشريعى – وعلى ما يبين من نص المادة 26 من قانونها – مشروطة بأن تكون للنص التشريعى أهمية جوهرية – لا ثانوية أو عرضية – تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التى ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها ، وأن يكون هذا النص – فوق أهميته – قد أثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التى يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل عملاً بعمومية القاعدة القانونية الصادرة فى شأنهم ، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها ، ويهدر بالتالى ما تقتضيه المساواة بينهم " فى مجال تطبيقها " الأمر الذى يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند إقرارها حسماً لمدلولها ، وضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها .

وحيث إن هذين الشرطين اللذين تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافرا فى الطلب الماثل ، ذلك أن دائرتين من دوائر محكمة النقض التى ناط بها المشرع إنزال حكم القانون على وجهه الصحيح فى الطعون المرفوعة إليها وتقعيد مبادئه لضمان وحدة تطبيقها ، قد اختلفتا فيما بينهما فى مسألة جوهرية تتعلق بنطاق الحقوق التى كفلها قانون الحجز الإدارى لتمكين الجهات العامة من الحصول على مستحقاتها من الملتزمين بأدائها ، ذلك أن بينما ذهبت أحدى هاتين الدائرتين إلى ان إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإدارى ينبغى أن يتم بموجب كتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول ، فإن دائرة أخرى قد اتجهت إلى أن هذا الإعلان يجب أن يتم بواسطة ورقة من أوراق المحضرين تعلن وفقاً للقواعد المقررة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية . وإذ كان هذا التعارض بين هاتين الدائرتين يتصل بنص تشريعى له أهميته ، وتتأثر بالكيفية التى يطبق بها حقوق الجهة الإدارية الحاجزة قبل المدين المحجوز عليه ، فقد تقدم وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء بطلب التفسير الماثل إرساءً لمدلوله .

وحيث إن القانون رقم 308 لسنة 1955 فى شأن الحجز الإدارى بعد أن نص فى الفقرة الأولى من مادته التاسعة والعشرين على ان " يقع حجز ما للمدين لدى الغير بموجب محضر حجز يعلن إلى المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول ويتضمن قيمة المبالغ المطلوبة وأنواعها وتواريخ استحقاقها " ، نص فى الفقرة الثالثة من المادة المذكورة على أنه " ويجب إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز مبيناً بها تاريخ إعلانه للمحجوز لديه خلال الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلان المحضر للمحجوز لديه وإلا اعتبر الحجز كأن لم يكن " ، كما نص فى مادته الخامسة والسبعين على أنه " فيما عدا ما نص عليه فى هذا القانون ، تسرى جميع أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية التى لا تتعارض مع أحكام هذا القانون .

وحيث إن الأصل المقرر قانوناً أنه إذا ورد نص تشريعى فى صيغة عامة ولم يقم دليل على تخصيصها ، تعين حمل هذا النص على عمومه ؛ وكان القانون رقم 308 لسنة 1955 المشار إليه قد دل بعموم نص المادة 75 منه على أن أحكام قانون المرافعات جميعها ، وبوصفها التنظيم الإجرائى العام فى المواد المدنية والتجارية ، هى التى يتعين تطبيقها – وبالقدر الذى لا تتعارض فيه مع أحكام القانون رقم 308 لسنة 1955 – على كافة المسائل الإجرائية التى لم يرد بشأنها نص خاص فى هذا القانون . إذ كان ذلك ، فإن التنظيم الإجرائى الخاص يعامل باعتباره منصرفاً إلى المسائل التى تعلق بها وحدها ، ولا يجوز إسناده إلى غيرها ، إذ هو استثناء من أصل خضوع المسائل الإجرائية للقانون العام الذى يحكمها . وإذ كان الأصل فى دلالة النص العام أنها لا تخصص بغير دليل ، تعين القول بأن التنظيم الخاص – وقد وضع على سبيل الانفراد – لا يقاس عليه .

وحيث إن البين من الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 29 من قانون الحجز الإدارى المشار إليه آنفاً ، أن المشرع قصد إلى المغايرة بين المحجوز لديه من ناحية والمحجوز عليه من ناحية أخرى فيما يتعلق بالوسيلة التى يتم بها إخطار كل منهما بالحجز ، ذلك أن الفقرة الأولى صريحة فى نصها على أن حجز ما للمدين لدى الغير يقع بموجب محضر يعلن على المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول – وبها دل المشرع على أنه عين وسيلة بذاتها يتم بها هذا الإعلان كتنظيم خاص يستبعد ما عداها . أما الفقرة الثالثة من المادة 29 المشار إليها ، فإن إيجابها إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز ، اقترن بسكوتها عن تنظيم الوسيلة التى يتم بها هذا الإعلان ، كاشفة بذلك عن أن المشرع قصد إلى إجرائه وفقاً للقواعد العامة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية باعتبارها أصلاً لكل مسألة إجرائية لم يرد فى شأنها نص خاص . هذا إلى أن ما قررته الفقرة الأولى من المادة 29 فى شأن الإعلان لا يعدو أن يكون تنظيماً متعلقاً بالمحجوز لديه وحده تضمن خروجاً على القواعد العامة ، ولو كان المشرع قد اتجه إلى إلحاق المحجوز عليه بالمحجوز لديه فى هذا الحكم لما أعوزته النصوص القانونية التى يفصح بها عن قصده . وليس فى إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز وفقاً للقواعد العامة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية ما يتعارض وأحكام القانون رقـم 308 لسنة 1955 ، إذ لا يتوخى هذا القانون مجرد تقرير حقوق للجهات العامة تحصل بموجبها على مستحقاتها من الملتزمين بأدائها دون ما اعتداد بضرورة موزانتها بالحماية التشريعية التى ينبغى كفالتها للمدين المحجوز عليه ، إذ هو الأصيل فى خصومة التنفيذ لتعلقها بأمواله ، ولأن مصروفاتها تقع عليه، وهى تؤول فى خاتمة مطافها إلى بيع ما يكون له فى يد الغير أو لديه من منقول ومن المبالغ والديون ولو كانت مؤجلة أو معلقة على شرط ما لم يتم أداء المبلغ المحجوز من أجله مع المصروفات الإجرائية أو يودع خزانة الجهة الإدارية الحاجزة خلال أجل معين ، وتلك كلها مصالح رئيسية للمحجوز عليه يظاهرها أن صورة محضر الحجز التى يعلن بها يجب أنه تشتمل على تحديد السند الذى يتم التنفيذ بموجبه ، وكذلك على بيان بقيمة الأموال المحجوز من أجلها وأنواعها وتواريخ استحقاقها ، وتاريخ إعلان محضر الحجز إلى المحجوز لديه ومن ثم يكون ضمان اتصال هذه الصورة مع بياناتها الكاملة بعلم المحجوز عليه أمراً لازماً لتعريفه بالحجز ، وبنطاق الأموال التى وقع من أجل اقتضائها ، ولتحديد بدء ميعاد الثمانية أيام التالية لإعلان محضر الحجز إلى المحجوز لديه والتى يعتبر الحجز كأن لم يكن إذا لم يعلن المحجوز عليه خلالها بصورة من ذلك المحضر ، فإذا ما اتجهت إرادة المشرع إلى أن يكون إعلانه بتلك الصورة بواسطة ورقة من أوراق المحضرين إعمالاً للقاعدة العامة التى رددتها المادة السادسة من قانون المرافعات المدنية والتجارية التى تنص على أن " كل إعلان أو تنفيذ يكون بواسطة المحضرين بناء على طلب الخصم أو قلم الكتاب أو أمر المحكمة " ، فذلك لأن إتمام الإعلان على هذا الوجه ضمانة قدر المشرع ضرورتها كى يوفر من خلالها الحماية اللازمة للمحجوز عليه قبل الجهة الإدارية فى مواجهة حجز وقعته فى غيبته .

فلهذه الأسباب
وبعد الاطلاع على نص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والعشرين من القانون رقم 308 لسنة 1955 فى شأن الحجز الإدارى .
قررت المحكمة
أن إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز طبقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والعشرين من القانون رقم 308 لسنة 1955 فى شأن الحجز الإدارى يكون بواسطة ورقة من أوراق المحضرين تعلن وفقاً للقواعد المقررة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية