وحيث إن المدعى ينعى على النص التشريعى المطعون عليه إخلاله بالحق فى التقاضى إذ منع المضرور من الجريمة التى ارتكبها موظف أو مستخدم عام أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ، من اللجوء إلى قاضيه الطبيعى لطلب التعويض من المسئول عن الفعل الضار فضلاً عن القصاص منه .
وحيث إن هذا النعى مردود ، ذلك أن المشرع وإن خول من لحقه ضرر من الجريمة أن يدعى بحقوق مدنية أثناء إجراء التحقيق ، إلا أن اللجوء إلى القضاء الجنائى للفصل فى الحقوق المدنية لا يعدو أن يكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدنى بنظر الدعوى المتعلقة بها ، ومن ثم كانت الدعوى المدنية المنظورة أمام القضاء الجنائى تابعة للدعوى الجنائية ، وكان المدعى بالحقوق المدنية بالخيار بين ولوج أحد الطرفين المدنى أو الجنائى إذا كان كلاهما مفتوحاً أمامه ، فإذا انغلق الطريق الاستثنائى بالنسبة إليه ، ظل حقه فى طلب تعويض الأضرار الناشئة عن الجريمة قائماً أمام القضاء المدنى ، بوصفه حقاً أصيلاً – لا استثنائياً – بما مؤداه أن الأصل هو أن يكون الفصل فى الدعوى المدنية بيد هذا القضاء بوصفه قاضيها الطبيعى ، ومن ثم لا يكون النص التشريعى المطعون عليه قد حال دون لجوء المدعى بالحقوق المدنية إليه لجبر الضرر الذى لحقه من الجريمة التى ارتكبها احد الموظفين أو المستخدمين العامين ، ذلك أن الطريق إلى اقتضاء الحقوق المدنية أمام قاضيها الطبيعى يظل مفتوحاً ولا يسقط حقه فيه إلا بسقوط الحق فى الدعوى التى تقام لطلبها .
وحيث إنه عن الادعاء بحرمان المدعى بالحقوق المدنية من القصاص من هؤلاء لجريمة وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها ، فمردود بأن الحق فى الادعاء المباشر ليس إلا استثناء من أصل رفع الدعوى الجنائية بأمر من جهة قضائية ، وقد أغلق المشرع – فى حدود سلطته التقديرية ولاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة على ما سلف بيانه – هذا الطريق فى مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق فى ملاحقة مرتكبيها جنائياً وفق مقاييس موضوعية وعلى ضوء الأدلة التى تعزز الاتهام وترجحه ، إذ كان ما تقدم ، فإن النص التشريعى المطعون عليه لا يكون قد اخل بالحق فى الفصل فى الحقوق المدنية لجبر الضرر الناشئ عن الجريمة الوظيفية أو أهدر الحق فى القصاص من مرتكبها الأمر الذى يعتبر معه هذا النعى برمته على غير أساس .

وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص التشريعى المطعون عليه من انه حصن قراراً صدر عن النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالمخالفة لنص المادة 68 من الدستور ، مردود بأن ما قررته هذه المادة من عدم جواز النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ، لا ينسحب إلى القرارات القضائية ، ويندرج تحتها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الذى أجرته ، إذ يعتبر قراراً قضائياً بمعنى الكلمة ويجوز بالتالى حظر الطعن فيه فى نطاق المسائل التى فصل فيها .

وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان النص المطعون عليه لا يخالف من أوجه أخرى أى حكم من أحكام الدستور ، فإنه يتعين والحالة هذه رفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على الفقرة الأولى من المادة 210 من قانون الإجراءات الجنائية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على نصوص المواد 63 ، 64 ، 162 ، 232 من قانون الإجراءات الجنائية ، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة 210 من القانون ذاته ، فيما تضمنه من عدم تخويل المدعى بالحقوق المدنية حق الطعن فى أمر النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر فى تهمة موجهة إلى موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها فى المادة 123 من قانون العقوبات ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .