نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 18 أبريل سنة 1992 م .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبدالواحد والدكتور عبدالمجيد فياض
وحضور السيد المستشار / السيد عبدالحميد عمارة المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 8 قضائية " دستورية " .
الإجراءات
فى الثالث من أغسطس سنة 1986 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المواد 63 ، 64 ، 162 ، 210 ، 232 من قانون الإجراءات الجنائية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام ضد وزير الثقافة الدعوى رقم 4133 لسنة 1983 مستعجل القاهرة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بندب الخبير المختص لإثبات حالة أفلام الماستر فيديو التى قام تابعو الوزير بمحو تسجيلاتها ، وتقدير قيمة ما أصابه من ضرر من جراء ذلك ، فأصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى 7 نوفمبر سنة 1983 حكماً تمهيدياً بندب خبير مختص فى المرئيات والصوتيان لمعاينة الأفلام المشار إليها وإثبات حالتها وتقدير قيمتها مسجلة وخالية وقيمة الضرر الناجم عن محوها ، وكلفت المدعى إيداع أمانة قدرها مائة جنيه أتعاباً للخبير ، فقام المدعى بذلك ، إلا أن مكتب خبراء جنوب القاهرة أخطأ بتكليفه أحد خبراء الجدول من المهندسين المعماريين بمباشرة المأمورية التى فصلها الحكم التمهيدى ، وقد اعترض المدعى على قيام هذا المهندس بالمأمورية لعدم خبرته فى مجال الصوتيات والمرئيات ، إلا أنه مضى فى مباشرتها وقام بقبض الأمانة ، فتقدم المدعى بشكوى اتهم فيها ذلك المهندس باختلاس المال العام والاستيلاء عليه وانتحال صفة الخبير ذى الحق فى اقتضاء الأمانة ، ومن ثم ارتكابه الجرائم المنصوص عليها فى المواد 112 ، 113 ، 211 من قانون العقوبات ، وقامت النيابة العامة بتحقيق هذه الشكوى بسماع أقوال وكيل المدعى الذى ادعى مدنياً مطالباً إلزام المشكو ضده بتعويضه مؤقتاً بما مقداره واحد وخمسون جنيهاً . وإذ أصدرت النيابة العامة قرارها بحفظ الأوراق وقيدها بدفتر الشكاوى الإدارية برقم 5664 لسنة 1985 إدارى عابدين ، فقد تظلم الشاكى – بصفته مدعياً بالحقوق المدنية – من هذا القرار ، ونظر تظلمه أمام محكمة جنيايات القاهرة منعقدة فى غرفة المشورة ، حيث دفع بجلسة 15 يونية 1986 بعدم دستورية المواد 63 ، 64 ، 162 ، 210 من قانون الإجراءات الجنائية ، فصرحت باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية المواد المشار إليها والمادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية ، فأقام دعواه الماثلة .

وحيث إن ولاية هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية – وعلى ما جرى به قضاؤها – لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة فى قانونها ، وكان نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع ، وفى الحدود التى تقدر فيها جديته ، وكان المدعى – فى الدعوى الماثلة – قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المواد 63 ، 64 ، 162 ، 210 من قانون الإجراءات الجنائية ، فصرحت له برفع الدعوى بعدم دستورية تلك المواد مضيفة إليها المادة 232 من القانون ذاته دون دفع مسبق بعدم دستوريتها ، فإن الطعن بعدم دستورية هذه المادة الأخيرة يكون مجاوزاً النطاق الذى تتحدد به المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها ، بما مؤداه انتفاء اتصال الدعوى الماثلة – فى شقها الخاص بالطعن على المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية – بالمحكمة الدستورية العليا ، اتصالاً مطابقاً للأوضاع التى رسمها قانونها ، والتى لا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة كى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية وفقاً للقواعد التى حددها ، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها ، وليس سائغاً القول بأن المادة 232 المشار إليها والتى أضافتها محكمة الموضوع إلى المواد التى دفع المدعى أمامها بعدم دستوريتها ، تعتبر محالة منها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا ، ذلك أن البند (أ) من المادة 29 من قانون هذه المحكمة وإن خول محكمة الموضوع أن تحيل من جانبها النصوص التشريعية التى تقوم لديها شبهة قوية على مخالفتها أحكام الدستور ، ويكون الفصل فى دستوريتها لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة عليها ، إلا أن مباشرة محكمة الموضوع لهذا الاختصاص يقتضيها أن تصدر بالإحالة حكماً بمعنى الكلمة يكون قاطعاً فى دلالته على انعقاد إرادتها على أن تعرض بنفسها المسألة الدستورية على المحكمة الدستورية العليا ، وأن يكون قضاؤها بالإحالة متضمناً تحديداً كافياً للنصوص التشريعية المطعون عليها ونصوص الدستور المدعى مخالفتها والأوجه التى تقوم عليها هذه المخالفة ، وهو ما لم يتحقق فى الدعوى الماثلة .

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية ، وإن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ، وكان من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعى المطعون عليه للدستور ، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً ، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية مرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية ، وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة ، وبالتالى لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معاً مفهومها ، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه ، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفى تكاملهما ، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية ، أولهما أن يقيم المدعى – وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون عليه – الدليل على أن ضرراً واقعياً – اقتصادياً أو غيره – قد لحق به ، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً ، مستقلاً بعناصره ، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية ، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً ، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذه المحكمة لا يتوخى الفصل فى خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفة كتلك التى تتوخى تقرير حكم الدستور مجرداً فى موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيدلوجية أو دفاعاً عن قيم مثالية يرجى تثبيتها ، أو كنوع من التعبير فى الفراغ عن وجهة نظر شخصية ، أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون فى مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للطاعن بها ، أو لإرساء مفهوم معين فى شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالطاعن ولو كانت تثير اهتماماً عاماً ، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة من خلالها الترضية التى تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التى كفلها ، ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئاً لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية ، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها ، ثانيهما : أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه ، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئاً عن هذا النص ومترتباً عليه ، فإذا لم يكن النص التشريعى قد طبق على المدعى أصلاً ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه ، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لم يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها .

وحيث إنه بالبناء على ما تقدم ، يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره محدداً لفكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية ، ومبلوراً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها ، ومؤكداً ضرورة أن تكون المنفعة التى يقررها القانون هى محصلتها النهائية ، ومنفصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعى المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه .