نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسـة العلنية المنعقـدة 7 مارس سنة 1992 .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبدالواحد والدكتور عبدالمجيد فياض وماهر البحيرى
وحضور السيد المستشار / السيد عبدالحميد عمارة المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمة الدستورية العليا برقـم 8 لسنة 11 قضائية " تنازع " .

الإجراءات
بتاريخ 5 يوليه سنة 1989 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً تعيين محكمة أسوان الابتدائية محكمة مختصة بنظر النزاع بينه وبين الجمعية التعاونية لصائدى الأسماك بأسوان بعد أن تخلت كل من جهتى القضاء العادى والإدارى عن نظره .

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 1009 لسنة 1983 مدنى كلى أسوان ضد الجمعية التعاونية لصائدى الأسماك بأسوان بطلب الحكم بتمكينه من منطقة تعمل بها مراكبه مع إلزام هذه الجمعية بأن تؤدى له تعويضاً قدره تسعة وثلاثون ألف جنيه عن الأضرار التى ألحقتها به من جراء قعودها عن توفير هذه المنطقة كى يقوم بالصيد فيها . وقال شارحاً لدعواه أن مراكبه كانت تعمل فى منطقة خصصتها له الجمعية المدعى عليها ، إلا أنها أخلته منها دون أن توفر له منطقة بديلة رغم التزامها بذلك قانوناً . وإذ انتهت محكمة أسوان الابتدائية فى 29 ديسمبر سنة 1986 إلى عدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بأسيوط وذلك استناداً إلى أن إخلاء المدعى من المنطقة التى كان يقوم بالصيد فيها تم تنفيذاً للقرار رقم 285 لسنة 1981 الصادر عن الهيئة العامة لتنمية بحيرة السد العالى ، وأن هذا القرار يعد قراراً إدارياً مما يدخل الاختصاص بإلغائه والتعويض عنه فى ولاية محاكم مجلس الدولة ، وكانت الدعوى المحالة إلى محكمة القضاء الإدارى قد قيدت برقم 5187 لسنة 42 قضائية ، وقضت هى الأخرى فى 28 فبراير سنة 1989 بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها ، مقيمة قضاءها على نظر حاصله أن امتناع الجمعية المدعى عليها عن تمكين المدعى من منطقة تعمل فيها مراكبه لا يعدو أن يكون قراراً سلبياً صدر عنها بوصفها من أشخاص القانون الخاص ، ولا يعتبر بالتالى قراراً إدارياً مما تختص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة به – فقد أقام المدعى الدعوى الماثلة بطلب تعيين الجهة القضائية المختصة بالفصل فى دعوى الموضوع الواحد إزاء تخلى كل من جهتى القضاء العادى والإدارى عن نظرها .

وحيث إن الجمعية المدعى عليها دفعت بعدم جواز نظر الدعوى الماثلة استناداً إلى أن الحكم الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى الموضوعية المحالة إليها من محكمة أسوان الابتدائية لم يصبح بعد حكماً باتاً ، وأنه كان ينبغى على المدعى أن يستنفد طرق الطعن فيه قبل اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا .

وحيث إن هذا الدفع مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن نهائية الأحكام الصادرة بالاختصاص أو بعدم الاختصاص أو صيرورتها باتة لا تعتبر شرطاً لقبول الطعن فى تنازع الاختصاص إيجابياً كان هذا التنازع أو سلبياً ، ذلك أن المشرع لم يستلزم نهائية الأحكام إلا فى الحالة المنصوص عليها فى البند ثالثاً من المادة 25 من قانون هذه المحكمة ، وهى التى يقوم فيها النزاع بشأن تنفيذ حكمين متناقضين .

وحيث إن مناط قبول طلب الفصل فى تنازع الاختصاص طبقاً للبند ثانياً من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، ولا تتخلى أحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها .

وحيث إن المسألة مثار النزاع فى الدعوى الماثلة ، هى ما إذا كان عدم قيام الجمعية التعاونية المدعى عليها بتسكين المدعى فى منطقة يقوم بالصيد فيها بدلاً من تلك التى أخلى منها ، يعد قراراً إدارياً مما تختص ببحث مشروعيته محاكم مجلس الدولة ، أم إخلالاً بالتزام كان ينبغى عليها الوفاء به فى إطار أغراضها وطبقاً لنظامها وتدخل بالتالى المنازعة المتعلقة بالامتناع عن تنفيذه فى إطار الولاية العامة لجهة القضاء العادى .

وحيث إن البين من قرار رئيس الجمهورية رقم 317 لسنة 1956 بإصدار قانون الجمعيات التعاونية،أنه افرد تنظيماً كاملاً للجمعيات التعاونية جميعها – ومن بينها الجمعية المدعى عليها – تضمن بيان القواعد المتعلقة بتأسيسها وبنظامها ونشاطها وإدارتها وانقضائها وحلها وتصفيتها . وقد دل هذا القرار بقانون بما نص عليه فى المادة 11 منه من خضوع الجمعيات التعاونية لأحكام قانون الجمعيات فيما لم يرد به نص خاص فى هذا القانون – على ان قانون الجمعيات الخاصة هو الأصل ، وأن أحكامه تمثل الإطار العام والقواعد الكلية التى ترد إليها الجمعيات جميعها فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى النظم المتعلقة بها ، مما مؤداه أن الجمعيات التعاونية الخاضعة لأحكام القانون رقم 317 لسنة 1956 المشار إليه ، لا تخرج عن كونها من الجمعيات الخاصة وأنها تأخذ حكمها باعتبارها فرعاً منها . يؤيد هذا النظر أن القانون المدنى كان ينظم الجمعيات الخاصة فى المواد من 54 إلى 68 منه ، ثم آل الأمر إلى تفرق بعض أحكامها وتشتتها فى تشريعات متعددة ، مما حمل المشرع على أن يجمعها فى صعيد واحد ، واقتضاه ذلك انتزاعها من صلب القانون المدنى ، وإقرار تشريع خاص بها يستقل ببيان أحكامها . واتصل بهذا التطور إصدار القرار بقانون رقم 317 لسنة 1956 مفصلاً أحكام نوع بذاته من الجمعيات الخاصة تقوم على الأسس التعاونية ، وتباشر أعمالها فى فروع النشاط الاقتصادى والاجتماعى بأشكالها المختلفة وإن جاز أن تقصر نشاطها على نوع منها وفقاً لنظامها ، وهذه هى الجمعيات التعاونية التى يتعين أن تعامل بوصفها من أشخاص القانون الخاص وأن تسرى عليها – فيما تباشره من أعمال طبقاً لنظامها وفى حدود أغراضها – قواعد هذا القانون .

وحيث إن الجمعية التعاونية المدعى عليها تتوخى وفقاً لنظامها تحسين حال أعضائها من صائدى الأسماك مهنياً واقتصادياً واجتماعياً ، ولها فى سبيل ذلك أن تمد أعضاءها من الصيادين بأدوات الصيد ومعداته ولوازمه الضرورية وكذلك تمكينهم من امتلاك مراكب الصيد وقواربه وتدبير الوسائل السريعة والمجهزة لنقل الأسماك من مناطق إنتاجها إلى مناطق استهلاكها ، فضلاً عن تسويق الأسماك ومنتجات الصيد إلى غير ذلك من الأعمال المرتبطة بمعاونة أعضائها فى مجال النهوض بمهنة الصيد بما فى ذلك إعداد لوازمه والقيام على شئون تسويقه وإدارة المبانى اللازمة لممارسة نشاطها ، وكذلك إدارة المزارع التعاونية السمكية .

وحيث إن النهوض ببحيرة السد العالى التى تقوم على شئونها وتنمية واستغلال مواردها الهيئة العامة لتنمية بحيرة السد العالى الصادر بإنشائها قرار رئيس الجمهورية رقم 420 لسنة 1978 – اقتضى إخلاء الصيادين من بعض مواقعها ، مع تخصيص أماكن أخرى بديلة تقوم الجمعية التعاونية المدعى عليها – وعملاً بنص المادة الثانية من القرار رقم 285 لسنة 1981 الصادر عن الهيئة المشار إليها – بتسكين الصيادين وعمال الصيد التابعين لها فيها باعتبارها مناطق الصيد الجديدة التى حلت محل المناطق التى تقرر إخلاؤهم منها ، وبمراعاة أن تضم كل منطقة الصيادين من القبيلة الواحدة ، وكان هذا التسكين لازماً لزوماً حتمياً للصيادين وعمالهم لضمان استمرار حياتهم المعيشية ومتصلاً أوثق الاتصال بالأغراض التى تقوم عليها الجمعية ومرتبطاً بالتالى بنشاطها الرئيسى وكان النزاع الموضوعى مبناه نكول الجمعية وبوصفها من أشخاص القانون الخاص – عن الوفاء بالتزامها بالتسكين ، وهو التزام بأداء عمل أضحى واقعاً على عاتقها ، وعليها مسئولية تنفيذه وفقاً لنظامها ، ولتعلقه بأغراضها وفى إطار علاقتها بأعضائها ، فإن المنازعة التى تدور حول قعودها عن تنفيذ هذا العمل ، وما يترتب على ذلك من التعويض ، تعتبر واقعة فى منطقة القانون الخاص التى تدخل مسائله أصلاً فى نطاق الولاية العامة لجهة القضاء العادى دون غيرها .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة باختصاص جهة القضاء العادى بنظر الدعوى