نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 27 مايو سنة 1989م.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين/ منير أمين عبد المجيد ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور وواصل علاء الدين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف. أعضاء
وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارةالمفوض
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 150 لسنة4قضائية"دستورية" .
"الإجراءات"
بتاريخ 26 ديسمبر سنة 1982 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 848 لسنة 1979 جنح مركز البدرشين بعد أن قضت محكمة جنح البدرشين بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1980 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادتين (238)، (244) من قانون العقوبات والمادة (220) من قانون الإجراءات الجنائية.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى وإحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
"المحكمة"
بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث أن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة العامة أسندت للمدعى عليهما الأول والثاني أنهما في يوم 26 ديسمبر 1978- تسبباً بخطئهما في إحداث وفاة ثلاثة عشر شخصاً وإصابة ثمانية وثلاثين شخصاً وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهما وعدم إحترازهما وعدم مراعاتهما القوانين واللوائح وطلبت عقابهما بالمادتين 238/1، 3و 244 /1، 3 من قانون العقوبات، وأثناء تداول الدعوى أمام محكمة جنح البدرشين إدعى ورثة بعض المجني عليهم مدنياً طالبين الحكم بتعويض مؤقت، وإذ تراءى لمحكمة جنح البدرشين الجزئية عدم دستورية المادتين 238، 244 من قانون العقوبات والمادة 220 من قانون الإجراءات الجنائية فقد أحالت الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية هذه المواد، إستناداً إلى أن المادتين 238، 244 من قانون العقوبات تنصان على عقوبتي الحبس والغرامة أو إحداهما لمن يتسبب خطأ في موت أو جرح شخص نتيجة إهماله أو رعونته أو عدم إحترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة وإنطوتا بذلك على مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية التي أصبحت طبقاً للمادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسي للتشريع، وذلك بإعتبار أن الدية تجب فى القتل الخطأ وأن الأرث يجب في إصابة ما دون النفس خطأ، كما أن المادة 220 من قانون الإجراءات الجنائية التي أجازت رفع الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة تتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وإذ كان من المقرر أن العقاب على إرتكاب جريمة إنما يكون وفقاً للنصوص السارية في تاريخ حدوثها، فإن نطاق الطعن يتحدد بالنسبة للمادتين 238 ، 244 من قانون العقوبات بنصهما المعمول به في تاريخ الواقعة الجنائية ما دام أنه لم يتم تعديلهما بعد ذلك على وجه أصلح للمتهم، ويتحدد هذا النطاق أيضاً بالمادة 220 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث أن المادة 238 من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 والمعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 تنص على أن " من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم إحترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند إرتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين".
وحيث أن المادة 244 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 وقبل تعديلها بالقانون رقم 29 لسنة 1982، تنص على أنه:
"من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم إحترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند إرتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين".
وحيث أن المادة 220 من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 بتاريخ 3 سبتمبر سنة 1951 تنص على إنه: "يجوز رفع الدعوى المدنية، مهما بلغت قيمتها، بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجنائية لنظرها مع الدعوى الجنائية".
وحيث أنه يبين من تعديل الدستور الذي تم بتاريخ 22 مايو سنة 1980 أن المادة الثانية منه أصبحت تنص على : "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع"، بعد أن كانت تنص عند صدور الدستور في 11 سبتمبر سنة 1971 على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع".
وحيث أنه لما كان من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن إلزام المشرع بإتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع – بعد تعديل المادة الثانية من الدستور على نحو ما سلف – لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه هذا الإلزام بحيث إذا إنطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله، أي في وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الإعمال، ومن ثم فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن هذا القيد، وهذا هو مناط الرقابة الدستورية.
وحيث أنه ترتيباً على ما تقدم، ولما كان مبنى الطعن هو مخالفة المادتين 238 و244 من قانون العقوبات والمادة 220 من قانون الإجراءات الجنائية للمادة الثانية من الدستور، وإذ كان القيد المقرر بمقتضى المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية – لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه حسبما سلف بيانه، وكان نطاق الطعن قد تحدد بالمادتين 238، 244 من قانون العقوبات بنصهما في تاريخ الواقعة الجنائية سنة 1978 وهو تاريخ سابق على تعديل المادة الثانية من الدستور وبالمادة 220 من قانون الإجراءات الجنائية التي لم يجر تعديلها بعد هذا التعديل للدستور، ومن ثم فإن النعي على هذه المواد بمخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور – وأيا كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون في غير محله، الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى.
"لهذه الأسباب"
حكمت المحكمة برفض الدعوى.