بسم الله الرحمن الرحيم

(وداودَ وسليمانَ إذ يَحْكُمَانِ في الحَرْث، إذ نَفَشَتْ فيه غَنَمُ القوم، وكنّا لحُكْمهم شاهدين) صدق الله العظيم.

(الأنبياء – الآية: 87)

يخبرنا الله في هذه الآية عن قوم كان لهم كَرْمٌ (أي بستان كبير) تدلّت فيه عناقيد العنب، وإذا بقطيع من الغنم، يأتي إلى هذا الكرم ليلاً ويأكل منه كلّ شيء، لم يدع فيه ورقة ولا عنقوداً إلا أكله أو أفسده وأتلفه، والنفش هو الرعي وهولا يكون إلا في الليل.
وفي الصباح عندما جاء أصحاب البستان ورأوا ما حلّ به من تلف وخراب.. ذهبوا إلى داود عليه السلام ليحكم بينهم بحكمه العادل.

قال أصحاب الكرم:
- إنّ هذا البستان كان مثمراً وقد نبتت عناقيده وامتلأت بالعنب، إلى أن جاء الغنم بالأمس فأكلتْ كلَّ ما فيه. فحكم لهم داود عليه السلام بأن تعطى الغنم إلى أصحاب الكرم، تعويضاً لهم عن خسارتهم في هذا الكرم.
وبعد أن أصدر داود حكمه، خرج الخصوم من عنده، فلقيهم سليمان عليه السلام (وهو ابن داود، وكان حينها ابن إحدى عشرة سنة) فسألهم عن قصّتهم، وبما حَكَمَ لهم نبيُّ الله داود، فأخبروه بالقصّة، وذكروا له الحكم الذي أصدره بحقّهم.. فقال سليمان عليه السلام:
- أما أنا لو كنت حكمت لكم لقضيت بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم ليأخذوا من ألبانها وأصوافها إلى أن يقوم أصحاب الغنم بإصلاح الكَرْم حتى يعود إلى حالته الأولى قبل إفساده، ثم يأخذ أصحاب الغنم غنمهم ويستعيد أهل الكَرْم كَرْمَهم.
حين سمع داود حكم سليمان أُعجب به وقال له:
- لقد أصبحت الآن يا سليمان شاباً قوياً حكيماً، ذا رأي سديد، وأكلفك من الآن أمر الحكم بين الناس.
وهكذا فَسَخَ حُكْمُ سليمانَ حُكْمَ داود، بما ألهمه الله تعالى وهداه، فكان اجتهاده أقرب إلى الصواب والعدل. وقد ثبَّتَ اللهُ حُكْمه هذه في قرآنه الكريم بقوله:
(ففَهّمْناها سليمانَ وكلاً آتَيْنا حُكْماً وعلْماً) الأنبياء - الآية: 99.
ثم يخبرنا الله تعالى أن كلا الحُكْمين كان صواباً، لأنه ورد في الآية نفسها قولُه سبحانه وتعالى) :وكلاً آتينا حكماً وعلماً).
وصار سليمان يجلس كل يوم إلى الناس ليقضي بينهم ويحلّ خلافاتهم ومشاكلهم بما يرضي الله تعالى والناس بالحق.


( 2 )
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنّ هذا أخي له تسعٌ وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ فقال أكفلنيها وعزّني في الخطاب) صدق الله العظيم. (ص- الآية 23).
كان داود عليه السلام، كثير العبادة، كثير الصوم والصلاة، خاشعاً متواضعاً لله، وبهذا أحبّه الله، وعلّمه الحكمة، وفكّ الخصومات، والحكم بين الناس، فقال له: (يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحقّ).
وكان داود عليه السلام يأكل من كسبه وعمل يده، فقد ألان الله له الحديد، فعمل في صناعة الدروع والسيوف للحرب.
وذات يوم أراد داود أن يستريح من عناء فض المشاكل والتفرغ لعبادة الله وحده، ودخل إلى محرابه وأمر حراسه أن لا يقطعوا عليه خلوته. في ذلك الوقت حضر رجلان يطلبان داود علبيه السلام لحلّ مشكلة تعيقهم، فقال لهم الحراس:
إنّ هذا اليوم هو يوم عبادته. وإنه لا يقدر على مقابلتكما الآن على أن تأتوا في الغد إن شاء الله.
فأخذ الرجلان يطوفان حول المحراب ثم تسلقا السور.
وبينما داود في صلاته وإذا بالرجلين يجلسان أمامه دون أن يشعر بهما، ففزع في بادئ الأمر، ولكن الرجلين هدآه وقالا له نحن عندنا مشكلة ونريد أن تحلها لنا، وتحكم بيننا بالعدل.
قال الأول: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة وعندي نعجة واحدة، فأراد أن يضمّ نعجتي إلى نعاجه ليكملها إلى مئة نعجة، وغلبني في إلحاحه وطلبه. فاحكم بيننا بالعدل.
فكّر داود قليلاً ثم قال:
- لقد ظلمك بضمّ نعجتك إلى نعاجه، وأراه أخطأ في ذلك.
وهنا اختفى الرجلان فجأة، فعرف داود أنهما ملكان مرسلان من الله تعالى ليختبر قدرته على الحكم بين الناس، وأدرك أنه أخطأ في تسرعه في الحكم، وأنه سمع من أحد الطرفين ولم يسمع من الطرف الآخر، حيث كان عليه أن يسمع شكوى الطرفين ثم يحكم بينهما بالحقّ والعدل. فاتّجه إلى الله تعالى وراح يبكي، ويستغفر الله ويطلب العفو والمغفرة، واستمرّ في بكائه ودعائه حتى قبل الله توبته.

منقول