التحرشالجنسي‏..‏ انتهاك لحرمة المرأة‏!‏
تحقيق‏:‏ رجاء شعير

قبل خمسة عشر قرنا من الزمان حمل الإسلام إلي الناس نداء حاسما يفرضعلي الجميع الموازنة بين مطالب الروح ومطالب الجسد‏,‏ لكن الواقع المعاصر يؤكد أنهلا حياة لمن تنادي‏.‏

صار الاهتمام بالجسد يشغل الصغار والكبار والرجالوالنساء والبنين والبنات‏..‏ الكل يجري وراء صيحات الجسد لتلبية نداء الغريزة بأيشكل من الأشكال‏,‏ حتي تحولت الشوارع والميادين والمدارس والجامعات إلي معارضللأزياء لا تخفي شيئا من مفاتن الجسد‏.‏ وتحول الفن عندنا ـ في كثير من أعماله ـ منكلمات تخاطب العقل والوجدان إلي همسات تخاطب الغرائز‏,‏ من خلال مناظر جسدية أعدتبإحكام لمداعبة الشهوة‏.‏

وصارت الأغنية إيقاعا يستفرغ كل ما في الجسد منوسائل الإغراء‏ وفي تلك الأجواء المثيرة غابت الروح وانسحبت الأخلاق من الميدان بينفرحة الشامتين‏,‏ وحسرة القلة من الغيورين‏.‏

ووصلت الأرقام والإحصاءاتالخاصة بالتحرش الجنسي في مصر إلي مستويات خطيرة‏,‏ كما يؤكد المراقبون وعلماءالاجتماع‏.‏ فما رؤية الشرع الحكيم لمظاهر التحرش الجنسي؟ وهل تكفي العقوباتالحالية للقضاء عليها؟

في التحقيق التالي الإجابة عنكثير من التساؤلات حول التحرش الجنسي‏:‏
*‏ التحرشالجنسي مصطلح جديد يضاف إلي قانون العقوبات المصري‏..‏ فما رأي الشريعة في ذلك؟ ومامفهومه من خلالها؟
سؤال مهم طرحناه علي الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذالفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية‏,‏ فأوضح أنكلمة التحرش لم تكن مستعملة في المجتمع المصري قبل سنين مضت‏,‏ وكان أشهر مااستعملت فيه هو المجتمع الغربي‏,‏ وكلمة التحرش أو التحريش تستعملان في الأصلاللغوي في معان كلها مرفوضة أخلاقيا ودينيا في التعامل بين الرجال والنساء وقداستعملت الكلمتان في معاني الإفساد والإغراء والخدش والخشونة‏.‏

وهذهالمعاني كلها موجودة عند حدوث هذا الفعل المجرم وهو التحرش بالمرأة فهو محاولة منالشخص المعتدي أن يفسد أخلاق من يتحرش بهن‏,‏ وهو محاولة إغراء أيضا علي أفعالقبيحة مرفوضة في الشرع والأخلاق والعرف‏,‏ وهو أيضا خدش لحياء المرأة‏,‏ وخشونة فيالتعامل معها تتنافي مع واجب الذوق واللياقة في تعامل القوي معالضعيف‏.‏

ويضيف أنه مما يحث عليه الشرع أن يبعد الرجل كل معاني الخشونة فيالتعامل مع المرأة‏,‏ وأن يتعامل بكل رفق‏,‏ وهو ما يشير إليه قول رسول الله ـ صليالله عليه وسلم ـ لرجل كان يحدو الإبل‏(‏ أي يغني والإبل تحمل بعض النساء في بعضأسفار رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم‏),‏ فكانت الجمال إذا سمعت غناء الرجل تسرعفي السير فتهز ما تحمله من النساء‏,‏ فقال عليه الصلاة والسلام للرجل‏(‏ رفقابالقوارير‏).‏

ويشير إلي أن التحرش سواء كان بالكلمة أو بالفعل من أسوأألوان التعامل مع المرأة‏,‏ وقد ذم الشرع الحنيف الشخص الذي يفحش في كلامه‏,‏ فقالالله ـ عز وجل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاعليما‏.‏

وفي الحديث أن الله يبغض الفاحش البذيء‏,‏ وثبت من وصايا رسول اللهـ صلي الله عليه وسلم للرجال في معاملتهم لزوجاتهم ألا يسمعوهن الكلام القبيحفعندما سأله رجل‏:‏ ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال‏:‏ تطعمها إذا أكلت وتكسوها إذااكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح‏(‏ أي لا تسمعها كلاما قبيحا‏)‏ ولا تهجر إلا فيالبيت‏.‏

فإذا كان الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد منع الزوج أن يسمعزوجته كلاما قبيحا فأدعي أن يكون منهيا عنه أن يسمع المعتدي علي النساء ألفاظاقبيحة لأنه أجنبي عنهن‏,‏ ولا يتسامح في شأنه التسامح الذي يمكن أن يحدث بين الزوجةوزوجها‏.‏

ويضيف أن كلمة‏(‏ هتك العرض‏)‏ تفيد بأن الشخص ارتكب فعلا قبيحاترتب عليه الكشف عما يجب ستره‏.‏ وما دامت هذه الأفعال محرمة لا تجوز فإن لها عقوبةفي أحكام الشريعة وهي عقوبة تدخل في دائرة ما يسميه الفقهاء عقوبات التعزير‏,‏ فمنالمعروف أن العقوبات التي يحكم بها القاضي في الإسلام ثلاثة أنواع هي‏:‏ القصاص‏,‏والحدود‏,‏ والتعزير‏.‏

أما القصاص فمعناه أن يعاقب الجاني بمثل ما فعلبالمجني عليه‏,‏ وأما الحدود فهي عقوبات قدرها الشرع ولم يترك لنا أمر تحديدها‏,‏لأنها عقوبات علي جرائم من شأنها أن تهز أمن الفرد والجماعات بل تهز أمن الدولةنفسها وذلك كجريمة السرقة وقطع الطريق للاستيلاء علي أموال الناس أو قتلهم أوترويعهم‏,‏ أما التعزير فهو عقوبة غير مقدرة ترك الشرع أمر تقديرها للحاكم والمجتمعيقرران فيها ما يتلاءم مع درء هذه الجريمة‏,‏ ويمكن إدخال هذا النوع من الجرائمبحسب الاصطلاح القانوني الوصفي في المخالفات والجنح‏.‏

وعقوبة التعزير فيالشريعة تتفاوت بحسب الجريمة‏,‏ فيمكن أن تكون بالحبس أو الغرامة المالية الكبيرةأو الجلد‏.‏

ويقترح الدكتور رأفت عثمان أن تكون عقوبة التحرش هي الجلدوالغرامة المالية الكبيرة حتي يحصل الزجر والردع للكثير ممن يمارسون هذا اللون منالتعدي الذي جعل النساء يسرن في الشوارع مهددات بالتعدي عليهن‏.‏

القانون‏..‏ وحوادث التحرش
هل القانونالحالي به نص يعاقب علي جريمة التحرش الجنسي؟
الدكتور سامح جاد أستاذالقانون الجنائي عميد الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سابقا‏.‏ يتصدي للإجابة عنالسؤال قائلا‏:‏ لا ينص القانون علي جريمة التحرش الجنسي‏,‏ ولكن هناك جرائم مثلجرائم الاغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح لها عقوبات في القانون‏,‏ وقد يمثل فعلالجاني جريمة سب أو قذف مثل التفوه بألفاظ مخلة بالآداب والشرف‏,‏ أو يمثل الفعلفعلا فاضحا علنيا‏,‏ وجميع هذه الجرائم تقع في نطاق الجنح‏.‏

ويقول‏:‏ لولمس الجاني أي عضو من أعضاء المجني عليها فهذا يكون فعله جناية هتك عرض‏,‏ أما مادون ذلك فيشكل إسناد فعل أو ما يترتب عليه عقاب الشخص‏.‏ ولابد من إثبات الدعوي عليالمتهم بالشهود والمحررات وللقاضي الجنائي أن يحكم حسب الوقائع والملابسات إذاتعرضت المرأة للتحرش في الشارع أو الأماكن العامة‏.‏

ويوضح أنه يصعب إثباتهذه الجريمة بالوسائل المعروفة مثل الشهود والمحررات التي قلنا عليها وغالباالضحايا يرفضن الإبلاغ خشية الفضيحة وصعوبة الإثبات ولكن إذا تكرر ذلك وكانت المرأةتستطيع أن تستدل علي الشخص فمن حقها الإبلاغ عنه‏.‏

تغليظ العقوبة‏..‏ للقرابة
ما رأي الشريعة والقانون إذاكان المتحرش من أصول المجني عليها أو من له سلطة علي المجني عليها؟

يقولالدكتور مصطفي عرجاوي عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع دمنهور‏:‏ تشديدعقوبة مواقعة الأنثي دون رضاها من أحد أصولها أو المسئولين عن تربيتها بالأشغالالشاقة المؤبدة أو الإعدام في حالة ما إذا كان المعتدي تربطه بالمعتدي عليها صلةقرابة كالعم أو الخال أو الأب أو الجد وكل من له قرابة قريبة من الأنثي‏,‏ فإنهيعاقب بعقوبة الإعدام باعتباره من المحارم وأي رضا عن المواقعة لهؤلاء المحارم لايعتد به شرعا ولا قانونا وعلي من يدعي خلاف ذلك أن يثبته وإذا ما أثبته فإن ذلك لايؤدي إلي تخفيف العقوبة‏

لأن صلة القرابة في حد ذاتها يفترض فيها إكراهامعنويا مبنيا علي الثقة التي تتوطد بمواثيق القربي‏,‏ فإذا كان مرتكب هذا الجرم منالأصول كالأب أو الجد أو من الفروع كالابن أو ابن الأخ أو ابن الأخت فإن العقوبةتغلظ لاعتبار القرابة لأن من الأفضل والمسلم به أن الأصول تحمي فروعها وتحميقرابتها وتصون عرضها وتدافع عنه بكل وسيلة‏,‏ فإذا كانت هذه الأصول مصدر الخطروالعدوان فإن تشديد العقوبة في هذه الحالة يوافق مقتضي الشرع ويحمي الأسرة منانحرافات بعض أعضائها‏.‏

ويضيف الدكتور عرجاوي أنه يعاقب بالعقوبة نفسها منكان يتولي تربية الأنثي‏,‏ سواء كان من أقاربها أو من غير أقاربها‏,‏ لأنه موضع ثقةللأنثي ويأخذ حكم القريب‏,‏ بل ربما يكون التعاطف معه أكثر لأنه يقوم بمهمة ربماتكون طوعا كالذي يتولي إحدي الفتيات اليتامي‏,‏ فيربيها من صغرها‏,‏ ومع ذلك عندماتشب الأنثي يطمع فيها ويعتدي عليها‏,‏ وبذلك يخون أمانة مسئولية الرعاية والتربيةبهذه الأنثي‏,‏ بل تغليظ العقوبة عليه أولي وأشد حتي لا يفكر أي شخص في أن يقومبأخذ أنثي صغيرة بحجة تربيتها‏,‏ وهو يبغي أو يهدف إلي الاعتداء عليها بعد كبرها‏,‏واستغلالها بصورة منافية للأخلاق‏,‏ فالعقوبة الرادعة تمنع المتلاعبين من العبثبأعراض اليتامي والأطفال القصر أو عديمي الأسرة‏.‏

ويؤكد الدكتور عرجاوي أنالشريعة الإسلامية تأخذ بما يعرف بسد الذرائع وتقرر عقوبات تعزيرية تتركها لوليالأمر بناء علي قاعدة‏(‏ لا ضرر ولا ضرار‏)‏ لأن هذا مبدأ شرعي وقانوني في الوقتنفسه‏,‏ فكل ما يؤدي إلي الفساد أو شيوعه في المجتمع الأسري بالذات تكون العقوبةعلي قدر الإساءة لتقضي علي الجرم بمجرد نشأته لتفعل بذلك أمرا يحمي المجتمع منتداعيات الفساد واستشرائه بداخله‏.‏

فالإسلام بكل أحكامه العامة يؤازر تغليظالعقوبة علي الأصول والفروع والأقارب أيا كانت درجتهم من المعتدي عليها‏,‏ وكذلك منيتولون تربية الصغيرة ويدخل فيهم المعلم والحارس والأستاذ الجامعي ومن له وسيلةتربوية يتعامل من خلالها مع الصغيرة ذلك حماية لعرضها وحرصا علي قيام علاقة وطيدةبين المربي والمتربية تقوم علي أصول شرعية سواء كان بالمنزل كالخادم والمدرسة أوالنادي‏.‏ وعندئذ يتم تشديد عقوبة المواقعة ولا يعتد بالرضا إذا كانت سن من تمتمواقعتها دون البلوغ وأيضا دون بلوغ السن القانونية للتعامل ولقبول الرضا لهذاالفعل المشين‏.‏

مصر الثانية عالميا فيالتحرش‏!‏
يقول الدكتور حسام عقل عضو هيئة التدريس بتربية عين شمس‏:‏ كانمشهد التحرش الذي حدث في أحد شوارع جامعة الدول العربية بالمهندسين في أحد أيام عيدالفطر الماضي حين تناوب نحو عشرين شابا‏(‏ تتراوح أعمارهم بين‏20‏ و‏30‏ سنة‏)‏الاعتداء الجنسي علي فتيات في الطريق العام‏,‏ ناقوس خطر كفيلا بأن ينبهنا إليخطورة هذا الانحراف الذي سقط شبابنا فريسة سائغة له‏.‏

وقد أكدت صحيفةواشنطن بوست أن مصر تأتي في المرتبة الثانية من التحرش بعد أفغانستان‏,‏ وأن بعضالدول مثل بريطانيا وأمريكا تحذر رعاياها عند السفر إلي مصر خوفا من ظواهر التحرشالجنسي‏.‏

وقد أكد تقرير المركز المصري لحقوق المرأة أن‏72%‏ ممن تعرضنللتحرش محجبات‏,‏ وفي التقرير نفسه الذي جاء تحت عنوان غيوم في سماء مصر ثبتأن‏64.1%‏ من المصريات يتعرضن للتحرش بصفة يومية وأن‏33.9%‏ تعرضن للتحرش أكثر منمرة‏,‏ وأن‏10.9%‏ يتعرضن للتحرش بصفة أسبوعية‏,‏ وأن‏3.9%‏ يتعرضن للتحرش بصفةشهرية‏,‏ وتتراوح أشكال التحرش بين لمس الجسد والتصفير والتلفظ بألفاظ ذات دلالةجنسية والملاحقة والتتبع والمعاكسات الكلامية‏.‏

ويرجع أسباب التحرش إلي مايعانيه الشباب من سوء الحالة الاقتصادية والبطالة مقابل غلو الأسر في المغالاة فيالمهور‏,‏ وقد قال النبي ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة‏(‏أي تكلفة‏),‏ فأين نحن من هذا التشريع وهديه؟‏!‏

وقد آثرت بعض الأسر أن تحولالزواج إلي صفقة بيع وشراء في تجاهل لقول النبي ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ إذا جاءكممن ترضون دينه وخلقه فزوجوه‏.....‏ وقوله ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ أعظم النساء بركةأيسرهن مهورا‏,‏ وقال الله عز وجل‏:‏ وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكموإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله‏.‏

ويشير إلي أننا لا نستطيع أننغفل أن ما تبثه بعض الفضائيات من‏(‏ مواد إباحية‏)‏ مما يفاقم المشكلة ويزيدهاصعوبة‏,‏ حيث تستثار الغرائز استثارة خصوصا مع سوء الحالة الاقتصادية وانتشارمعدلات البطالة وغياب الوعي الديني‏,‏ ويتعين مع هذا كله أن ينتبه المشرع القانونيإلي سن قانون فعال وواضح يحرم التحرش ويوفر عقوبة رادعة يتعين تطبيقها بغاية الحسمكما قال الله ـ عز وجل في عقوبة الزانيين ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله‏,‏ وقالالنبي ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ لحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطرواأربعين صباحا‏.‏

تعقد أسباب الزواج
ويقولالدكتور محمود عباس الأستاذ بجامعة الأزهر‏:‏ الساحة امتلأت بشباب جائع إلي متعةالجسد ومحروم من تلبية نداء الطبيعة‏,‏ والمتهم هنا الزواج الذي تعقدت أسبابهومشكلة المشكلات في مجتمع تعقد فيه الحلال من أن نطالب الإنسان بالاستعفاف بعد أنتمكن فيه عشق الجسد‏,‏ وصار كل شيء حوله يحرك فيه رغبة الجائعالمحروم‏.‏

وإذا ابتلي الإنسان بهذا النوع من العشق الجسدي وصار إليه هواهفمن الصعب أن يصلحه جيش من الأنبياء ما لم يتداركه الله بالرحمة فيجد غني يغنيه أوشيئا يشبع فيه جوع المنحرفين إلي الشهوات‏,‏ كما يقول الحق ـ سبحانه أفرأيت من اتخذإلهه هواه وأضله الله علي علم وختم علي سمعه وقلبه وجعل علي بصره غشاوة فمن يهديهمن بعد الله‏.‏

ويضيف أنه كما صارت اللوطية داء عضالا في قوم لوط ـ عليهالسلام‏,‏ لم يشفهم من هذا الداء نبي ولا وعظ ولا استنكار بل ظلوا في لوطيتهم حتيرأوا العذاب الأليم‏..‏ وكم حاولت امرأة العزيز أن تتحرش بيوسف عليه السلام‏,‏ وظلتمرارا وتكرارا تراوده عن نفسه من غير حياء أو خجل‏,‏ فالأسباب مهيأة في بيت يفتقدإلي رجل غيور علي حرماته‏,‏ والكفر لا يمنع المرأة من السقوط لإشباع جوع الجسدولكنها لم تجد من الشاب الجميل الوسيم إلا ثباتا علي عفته وحرصا علي طهارتهونقائه‏.‏

ويتساءل‏:‏ من أين لنا اليوم بشباب كيوسف في مجتمع ثارت فيهالغرائز كالطوفان لا تمنعه سدود ولا حدود حتي صار معظم الشباب من الجنسين بين ذئابتبحث عن الغرائز ونعاج تخرج من بيوتها دون رعاية أو حارس‏..‏ ولا تسأل عن الحارسفالأخلاق غائبة والآباء والأمهات خارج الخدمة‏.‏

ومتي كنا نعاقب علي جريمةالتحرش؟ والشباب يمارس علي مرأي ومسمع من الناس‏,‏ فقد كان رضا الطرفين ولا يزالشفيعا للجريمة‏,‏ وكأن المجتمع المسلم ليس له حق يطلبه في انتهاك الحرمات فيالشوارع والطرقات حتي صار التحرش يلاحق النساء والفتيات والقاصرات‏,‏ وزاد الأمرسوءا حتي لحق بالأطفال الأبرياء وكأننا أمام ذئاب جائعة يستهويها لحم الأطفالالصغار وأجسام الكاسيات أحيانا والكاسيات العاريات أحيانا أخري‏,‏ ومن قبيل العبثفي الفهم والخطأ في الرأي أن نواجه هذا البلاء بالمواعظ والكلمات‏,‏ وإنما يحتاجالأمر إلي إصلاح الخلل وإشباع جوع المنحرف إلي الشهوة‏..‏ كيف؟ إذا تيسرت أسبابالزواج وتلك مسئولية المجتمع كله علي اختلاف هيئاته والمؤمنون والمؤمنات بعضهمأولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‏.‏

فالجائع المحروم إذا سرقطعاما وبه جوع فالمتهم هو المجتمع‏,‏ قالها عمر رضي الله عنه للسيد الذي شكا إليهخادمه الذي سرق الطعام‏(‏ لو سرق هذا الغلام مرة أخري لقطعت يدكأنت‏).‏

وجوع المنحرف إلي الشهوات أكثر خطرا من جوع البطون‏,‏ فهو وباء يهددالمجتمع إذا لم يحصن نفسه بأسباب الوقاية التي تقضي علي الفتنة في مهدها كما أخبرناالحق سبحانه إذ يقول واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏.‏

فإذاتهيأت للإنسان بيئة لا يكثر فيها فساد الأخلاق‏,‏ ولا يجاهر الناس فيها بالفواحش منغير حرج‏,‏ ثم تيسر فيها الحلال الطيب‏,‏ فمن الصعب أن يمارس الإنسان جريمة التحرشبالنساء أو أن يسقط في كارثة الاغتصاب‏,‏ فمن فعلها في تلك الأجواء فلا يلومن إلانفسه‏,‏ إذ يؤخذ بعقاب الذين يفسدون في الأرض فسادا وهو العقاب الذي نصت عليه الآيةالكريمة في قوله سبحانه‏:‏ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرضفسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلكلهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏.‏

ويوضح الدكتور محمود أنالشعوب التي تبيح الفواحش وتشيع فيها الفوضي والانحلال هي أكثر تشددا في جريمةالتحرش وعقوبتها‏,‏ وقد يصل الأمر إلي ساحة القضاء كما سمعنا‏,‏ فهل آن الأوان لكينراجع حياتنا ونصحح زوايا المسير قبل أن ينهار المعبد علي رؤوسالجميع؟‏.‏

جريمة داخل الأسرةوالعشوائيات‏!‏
ظاهرة التحرش الجنسي لابد أن ننظر لها نظرة أعمق‏,‏ كماتقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعيةوالجنائية‏,‏ خاصة أن المتحرش أصبح في كل المراحل العمرية ولا يتوقف علي الأماكنالعامة‏,‏ وهناك تحرش داخل الأسرة ونحن نعلم أسبابه وهو السكن في أماكن ضيقة وداخلالعشوائيات‏,‏ وترجع هذه الظاهرة إلي انقسام فئات المجتمع إلي طبقات متفاوتة منهاطبقات تعاني الفقر فتظهر هذه السلوكيات العشوائية كنوع من الانتقام والمعاناةوالإحباط الذي يعيشه الشباب وإحساس بعدم الثقة بالذات وعدم القدرة علي التكوينالطبيعي المستقبلي فأصبحت البطالة سيفا علي رقاب الشباب وتضيف أن الإحساس بعدمالعدالة وأن الواسطة سواء كانت سياسية أو اقتصادية تحقق كل رغباتالإنسان‏.‏

علي الجانب الآخر فئة الأغنياء التي تستمتع بكل متع الحياة ومعظمالناس محرومون‏,‏ مما أدي إلي أن الأغنياء أنفسهم يسلكون سلوكا سلبيا يتعلمونالاستهتار واللامبالاة وعدم احترام القانون نظرا لأن آباءهم يتفرغون لجمع المال أوالبقاء في السلطة دون رعاية أخلاقية لأبنائهم‏,‏ فأصبحت كل الفئات من الطبقات فيالمجتمع تعاني عدم الالتزام‏,‏ بالإضافة إلي الفراغ الذهني وعدم إشغال العقل بقضايافكرية ومستقبلية بدلا من المعاكسات والجلوس داخل غرف الإنترنت ونحن نعلم مديخطورتها‏,‏ فالفراغ والبطالة سبب في ظهور هذه الظاهرة‏,‏ بالإضافة إلي عامل مهم جداهو غياب الوازع الديني والتنشئة والتربية التي هي مسئولية كل من المسجد والمدرسةولا نلقي بأولادنا ليتلقوا ثقافتهم بالجلوس في السايبر الذي تجتمع فيه فئاتومستويات مختلفة‏.‏

ولا تخرجنا هذه العوامل عن الأساس وهو الأسرة التي لاتعلم ماذا يفعل أبناؤها خارج البيت‏,‏ فلابد من مراقبتهم وتدعيمهم بالنصائحوالأخلاق حتي يمكن خلق جيل أكثر التزاما‏,‏ خاصة الجيل الحالي الذي يعيش العولمةبكل ما فيها من تناقضات وتشتمل علي العلم والانحراف‏.‏

مبررات الاستباحة‏!‏
ويؤكد الدكتور عبدالفتاح الشيخ عضومجمع البحوث أن التحرش الجنسي أثيرت حوله أحاديث ومبررات مختلفة‏,‏ ولكن حينمااستبحنا هذه الأسباب وجعلناها ثقافة من ثقافات المجتمع بدعوي عدم التخلف عما يجريخارج بلاد الإسلام كانت النتيجة وقوعنا في محاذير التحرش الجنسي وخلافه مما حرمهالله تبارك وتعالي‏,‏ وبالتالي فعلينا أن نمنع هذه الأسباب مثل اختلاط الشباب منالبنين والبنات والجلوس معا والتصاق كل منهما بالآخر في الجامعات وفي الشوارع ممايثير غرائز الشباب‏,‏ فإذا منعنا كل ذلك لن نحتاج إلي قانون يجرم التحرش الجنسي‏,‏وإذا قيل ربما يحدث ذلك سيكون أمرا نادرا ونحن نعلم أن الشريعة قررت فيه عقوبةتعزيرية يحددها القاضي بحسب الظروف والملابسات‏.‏

ويشير إلي أنه يتعجب من أنتبقي البنات خارج بيوتهن ثم يتجولن في الشوارع بعد منتصف الليل وليس معهن أزواج أوإخوة يحمونهن من أي منحرف يتعرض لهن‏,‏ إذن ترك البنات والشباب دون رقابة ودونمرافقين من أفراد الأسرة الذكور سبب جوهري في حدوث هذا التحرش‏,‏ وأضف إلي ذلكنوعية الملابس التي ترتديها الفتيات التي تكشف عن مفاتن أجسادهن كلها عوامل حرمتهاالشريعة الإسلامية حتي لا يقع ما هو أشد من التحرش‏ فإذا أخذنا بالشريعة الإسلاميةستختفي كل هذه الظواهر التي يعاني منها الناس‏.‏