روى الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث أنس وجابر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قالوا: يا رسول الله! هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ على يديه» [هذه رواية البخاري]، وفي رواية: قال: «تحجزه عن الظلم؛ فإن ذلك نصره»، وعند مسلم من حديث جابر: «إن كان ظالماً فلينهه؛ فإنه له نصره».
قال بعض السلف: "إن الله ليقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة".
وفي الترمذي: «إن الناس إذا رأوا الظالم ثم لم يأخذوا على يديه إلا عمهم الله بعقاب من عنده
اليوم ومع انتشار عموم الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي على مستوى مؤسسة الأسرة والدولة وغيرها، والظلم الذي تمارسه قوى الاستكبار العالمي في احتلال الدول ونهب الثروات ومصادرة الحقوق والحريات... إلخ؛ فإنه تمسّ الحاجة للتأمل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تصحيح الأفكار والتصورات والمفاهيم لدى أصحابه والمسلمين كما حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم على العمل بعد العلم، واستعداد نفوسهم الكريمة لتغيير المألوفات وتصحيح الأفكار والعادات الجاهلية، والتي قد تربوا عليها ورضعوها وشبّوا عليها، ومعلوم أن مخالفة المألوف شاق وعسير على النفوس، لكنهم أرغموها طاعة لله ولرسول
كما دعا الحديث الى الدعوة إلى ضرورة تحلي المسلم بالإيجابية والفاعلية والمبادرة الذاتية, بأن يكون حياً فاعلاً مؤثراً في محيطه ومجتمعه، يحرص على تصحيح الأوضاع الخاصة وإصلاحها وتغييرها خلافاً لكثير ممن اتصفوا بالسلبية الناتجة عن الهزيمة النفسية والإحباط واليأس والقنوط ممن يتذرعون باستعصاء الحل وعظم التحديات، أو السلبية الناتجة عن العقلية المثالية غير الواقعية التي تكتفي بالتنظير والتأصيل والنقد، وممارسة دور الوصاية على الدعوات والأفكار، من غير أن تحرك ساكناً أو تغير واقعاً.
فقوله عليه الصلاة والسلام «انصر أخاك» ففيه تذكير المسلم بحقوق الأخوة الإسلامية، فلا يخذل أخاه؛ لأن أخاه كنفسه فخذلانه خذلان لنفسه اليوم، وجدير أن يخذل هو غداً, ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم بعد دفن الميت: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل»، وكما كان يقول إبراهيم عليه السلام لأبيه: {يَا أَبَتِ}، وكان كل نبي يقول لقومه: {يَا قَوْمِ}، وفيه استعطاف وترقق، فكأنه يقول: يا من تقومون لي وأقوم لهم، فيسوؤني ما يسوؤكم، ويسرني ما يسركم.
فقداجتمع هنا الخطاب الوعظي القلبي العاطفي مع الخطاب العملي العقلي
والحديث نص في تحريم العصبية الجاهلية في نصرة القبيلة والعشيرة ولو بالباطل .
فالحديث فيه تحقيق لكل مصالح الدنيا والآخرة، والدنيا والدين، والمعاش والمعاد، والأفراد والمجموعات، والدول والمجتمعات.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على نصرة الدين، والقيام بحق المظلومين والمستضعفين قولاً وعملاً، وأن يجنب بلادنا وأمتنا أسباب الظلم والفساد .. آمين.

صفحة الشيخ محمد متولى الشعراوي