دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء

العرض المتطور

  1. #1

    افتراضي

    2-التهريب الحكمي:
    وهو نوع من التهريب لا يدخل ضمن الإطار العام لجريمة التهريب، إذ تتخلف عنه بعض العناصر الجوهرية التي يتكون منها التهريب بمعناه المألوف إلا أن المشرع الجمركي ألحقه بالتهريب الحقيقي وأجرى عليه حكمه، لأنه يؤدي إلى ذات النتيجة التي يؤدي إليها التهريب الحقيقي وان اختلف معه في الشكل.
    وتجدر الإشارة إلى أن كلاًّ من النوعين يمكن أن يشكل تهريباً ضريبياً أو غير ضريبي، فنكون بصدد جريمة تهريب حقيقي ضريبي، أو غير ضريبي، وجريمة تهريب حكمي ضريبي أو غير ضريبي حسب الحال. هذا وقد نصت المادة (204) من قانون الجمارك الأردني النافذ حصراً على الحالات التي تدخل في حكم التهريب.
    ‌أ-عدم التوجه بالبضائع عند الإدخال إلى أول مركز جمركي.
    وتقوم هذه الجريمة بمجرد قيام ركنها المادي، والمتمثل في السلوك الإجرامي للمهرب الناجم عن مخالفته للقاعدة التشريعية، وتعتبر النتيجة متحققة لمجرد ضبط البضائع "محل التهريب" أثناء سلوكها طريقاً لا يؤدي إلى أول مركز جمركي أو لمجرد حيازتها أو تخزينها بين منطقة الحدود والمركز الجمركي. أما إذا تم ضبط البضائع المهربة بعد تجاوزها المركز الجمركي دون أداء الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى المترتبة عليها فإننا نكون في هذه الحالة أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان.
    ‌ب-عدم اتباع الطرق المحددة في إدخال البضائع وإخراجها.
    فإذا تم ضبط البضاعة "محل التهريب" على الحدود. دون التقيد بالطرق المودية إلى المركز الجمركي، فإن هذا الفعل يعتبر شروعاً في التهريب أما إذا تم ضبطها بعد تجاوزها منطقة المركز الجمركي دون دفع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى فإن هذا الفعل يعتبر جريمة تامة.
    ‌ج-تفريغ البضائع من السفن أو تحميلها عليها بصورة مغايرة للأنظمة على الشواطئ التي لا توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو تفريغها في النطاق الجمركي البحري.
    حيث نصت المادة (45/أ) على ما يلي: "لا يجوز تفريغ حمولة السفن وجميع وسائط النقل المائية الأخرى إلا في حرم المرافئ التي يوجد فيها مراكز جمركية، ولا يجوز تفريغ أي بضاعة أو نقلها من سفينة إلى أخرى إلا بموافقة خطية من المركز الجمركي المختص وبحضور موظفيه".
    ‌د-تفريغ البضائع من الطائرات أو تحميلها عليها بصورة غير مشروعة خارج المطارات الرسمية أو إلقاء البضائع أثناء النقل الجوي مع مراعاة أحكام المادة (53) والتي تنص على ما يلي:
    " يحظر تفريغ البضائع أو إلقاؤها من الطائرات أثناء الطيران، إلا أنه يجوز لقائد الطائرة أن يأمر بإلقاء البضائع إذا كان ذلك لازماً لسلامة الطائرة على أن يعلم الدائرة بذلك فور هبوطه". وقد نصت المادة (215/أ) من قانون الجمارك الأردني النافذ على ما يلي: "تتكون المخالفات كما تترتب المسؤولية المدنية في جرائم التهريب بتوافر أركانها، إلا أنه يعفى من المسؤولية من أثبت أنه كان ضحية قوة قاهرة وكذلك من أثبت أنه لم يقدم على ارتكاب أي فعل من الأفعال التي كونت المخالفة أو جريمة التهريب أو تسببت في وقوعها أو أدت إلى ارتكابها.
    هـ-عدم التصريح في مكتب الإدخال أو الإخراج عن البضائع الواردة أو الصادرة دون بيان حمولة ويدخل في ذلك ما يصحبه المسافرون مع مراعاة أحكام المادة (197) من قانون الجمارك النافذ والتي تنص على ما يلي: "تفرض غرامة جمركية لا تزيد على مثل الرسوم على ما يلي:
    أ‌-البضائع المستوردة أو المصدرة تهريباً ولا تزيد قيمتها على 100 دينار ولم تكن من البضائع الممنوعة المعينة.
    ب‌-الأمتعة والمواد المعدة للاستعمال الشخصي والأدوات والهدايا الخاصة بالمسافرين التي لا تتجاوز قيمتها (500) دينار ولا يصرح عنها في المركز الجمركي عند الإدخال أو الإخراج ولم تكن معفاة من الرسوم.
    ويجوز في الحالتين إعادة البضائع المحجوزة إلى أصحابها كلا أو جزءاً شرط أن تراعى في ذلك القيود التي تقضي بها النصوص النافذة.
    ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في السلوك السلبي وهو الامتناع عن واجب التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به، ويكفي لقيام هذه الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد كذلك مع النتيجة.
    و- تجاوز البضائع في الإدخال أو الإخراج المراكز الجمركية دون التصريح عنها.
    إن إدراج المشرع لهذه الحالة تحت عنوان جرائم التهريب الحكمي هو شيء لا يتفق وواقع الحال حيث أننا أمام جريمة تهريب حقيقي مكتملة الأركان من حيث السلوك، ومحل الجريمة، والسببية والنتيجة. حيث يتم إدخال البضاعة أو إخراجها من البلاد دون أداء الرسوم الجمركية، كما أنه يتم ضبطها بعد تجاوز المركز الجمركي، وبصورة مخالفة للتشريعات الجمركية.
    ز- اكتشاف بضائع غير مصرح عنها في المركز الجمركي موضوعة في مخابئ بقصد إخفائها أو في فجوات أو فراغات لا تكون مخصصة عادة لاحتواء مثل هذه البضائع.
    تنص المادة (24) من قانون الجمارك النافذ على أنه "يقدم عن كل بضاعة تدخل المملكة أو تخرج منها بيان حمولة، ويتوجب تقديم البضاعة دون إبطاء إلى السلطات الجمركية في أقرب مركز جمركي وفقاً لما تحدده الدائرة". وتنص المادة (49/أ على ما يلي:
    "على ناقلي البضائع ومرافقيها أن يقدموا لدى وصولهم إلى المركز الجمركي قائمة الشحن أو الوثيقة التي تقوم مقام بيان الحمولة موقعة من قبل سائق واسطة النقل ومعتمد شركة النقل إن وجد، منظمة وفق الشروط المحددة في المادة (43) من هذا القانون، ومضافاً إليها قيمة البضاعة وللمدير أن يقرر عند الاقتضاء بعض الاستثناءات من هذه القاعدة".
    أما الشروط التي نصت عليها المادة (43) من قانون الجمارك الأردني النافذ فهي كما يلي:
    ‌أ-يجب أن تسجل في بيان الحمولة كل بضاعة ترد بطريق البحر ولو كانت مرسلة إلى المناطق الحرة.
    ‌ب-يجب أن ينظم بكامل الحمولة بيان واحد يوقعه ربان السفينة أو وكيلها في ميناء التحميل، متضمناً المعلومات التالية:
    1-اسم السفينة وجنسيتها وحمولتها المسجلة.
    2-أنواع البضائع ووزنها الإجمالي ووزن البضائع المنفرطة إن وجدت وإذا كانت البضائع ممنوعة فيجب أن تذكر بتسميتها الحقيقية.
    3-عدد الطرود والقطع ووصف غلافاتها وعلاماتها وأرقامها.
    4-اسم الشاحن واسم المرسل إليه.
    5-المرافئ التي شحنت إليها البضائع.
    ‌ج-على ربان السفينة عند دخولها النطاق الجمركي أن يبرز لدى أول طلب من موظفي الدائرة بيان الحمولة الأصلي للتأشير عليه وأن يسلمهم نسخة منه.
    ‌د-وعلى ربان السفينة أن يقدم للمركز الجمركي عند دخول السفينة المرفأ:
    1.بيان الحمولة وعند الاقتضاء ترجمته الأولية.
    2.بيان الحمولة الخاص بمؤن السفينة وأمتعة البحارة والسلع العائدة لهم.
    3.قائمة بأسماء الركاب.
    4.قائمة البضائع التي ستفرغ في هذا المرفأ.
    5.جميع الوثائق وبوالص الشحن التي يمكن أن تطلبها الدائرة في سبيل تطبيق الأنظمة الجمركية.
    هـ-تقديم البيانات والمستندات خلال ست وثلاثين ساعة من دخول السفينة المرفأ ولا تحتسب ضمن هذه المهلة العطل الرسمية.
    ‌و-يحدد المدير شكل بيان الحمولة وعدد النسخ الواجب تقديمها. إلا أن قانون الجمارك الأردني لم يعتبر عدم تقديم هذه البيانات من جرائم التهريب، إلا أنه اعتبرها من المخالفات المنصوص عليها في المادة (200/ج) والتي جاء فيها: (فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب تفرض غرامة من 25 – 100 دينار عن المخالفات التالية: "عدم تقديم بيان الحمولة أو ما يقوم مقامه والمستندات الأخرى المشار إليها في المادة 43 من هذا القانون لدى الإدخال أو الإخراج. وكذلك التأخير في تقديم بيان الحمولة أو ما يقوم مقامه عن المدة المنصوص عليها في المادة ذاتها" ).
    ورغم أن المشرع قد أفرد بنداً خاصاً، في جرائم التهريب الحكمي، لحالة إخفاء البضائع في مخابئ، إلا أن بعض النقاد يرى بالنتيجة أنها لا تخرج عن جريمة عدم التصريح عنها. لأن إخفاء البضائع بحد ذاته، لا يشكل جريمة تهريب، بل إن عدم التصريح عنها، هو الذي يشكل الجريمة، حيث أن التصريح عن هذه البضاعة حتى لو كانت موضوعة في مخابئ، ينفي الجريمة نفياً قاطعاً وأن الركن المادي لهذه الجريمة هو السلوك السلبي الذي يتمثل بالامتناع عن واجب التصريح عن البضاعة، الذي فرضه القانون على الكافة، للالتزام به، ويكفي لقيام الجريمة، القيام بهذا السلوك الذي يتحد أيضاً مع النتيجة
    ح- الزيادة أو النقص أو التبديل في عدد الطرود وفي محتوياتها المقبولة في وضع معلق الرسوم المنصوص عليها في الباب السادس من هذا القانون والمكتشفة بعد مغادرة البضاعة مركز الإدخال ويشمل هذا الحكم البضائع التي عبرت البلاد تهريباً أو دون معاملة ويتحمل الناقل مسؤولية ذلك. حيث نصت المادة (88) من قانون الجمارك على أنه: يجوز إدخال البضائع ونقلها من مكان إلى آخر في المملكة أو عبرها مع تعليق تأدية الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم عنها ويشترط في هذه الأوضاع تقديم ضمانات لتأمين الرسوم والضرائب نقداً أو بكفالة مصرفية أو تعهدات مكفولة وفق التعليمات التي يصدرها المدير أما المادة (89) فتنص على أنه لا يجوز استعمال المواد والأصناف المقبولة تحت أي وضع من الأوضاع المعلقة للرسوم أو تخصيصها أو التصرف بها في غير الأغراض والغايات التي استوردت من أجلها وصرح عنها في البيانات المقدمة.
    ط- عدم تقديم الإثباتات التي تحددها الدائرة لإبراء بيانات الأوضاع المعلقة للرسوم المنصوص عليها في الباب السادس من هذا القانون. حيث تنص المادة (90) من قانون الجمارك على ما يلي: تبرأ الكفالات المصرفية والتعهدات المكفولة وترد الرسوم والضرائب المؤمنة استناداً إلى شهادات الإبراء وفق الشروط التي يحددها المدير. وبشكل عام فإن الإبراء يتم عادة، إما بوضع البضاعة في الاستهلاك المحلي مع دفع الرسوم الجمركية المترتبة عليها. وإما بإخراجها من المملكة وتقديم ما يثبت خروج البضاعة وإما بإخراجها من خلال دخولها كجزء من السلع المصنعة والمصدرة.
    ي- إخراج البضائع من المناطق الحرة أو المخازن الجمركية أو المستودعات إلى المنطقة الجمركية دون معاملة جمركية.
    والركن المادي لهذه الجريمة هو ممارسة السلوك المادي الذي نهى عنه القانون الجمركي والذي يتحد مع النتيجة، ويؤدي بالتالي إلى تكامل أركان جرم التهريب وهو إدخال البضاعة إلى البلاد دون أداء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى، أو خلافاً لأحكام المنع أو التقييد وذلك تبعاً لنوع البضاعة.
    ك- تقديم البيانات الكاذبة التي قصد منها استيراد أو تصدير بضائع ممنوعة معينة أو ممنوعة أو محصورة أو التي قصد منها استيراد بضائع بطريق التلاعب بالقيمة لتجاوز مقادير المخصصات النقدية المحددة في النصوص النافذة.
    ولا يمكن لتوافر أركان هذه الجريمة، القيام بالسلوك المادي وهو تقديم البيانات الكاذبة، بل لا بد من توافر الدافع أو الباعث وهو التهرب من أحكام المنع أو الحصر أو التحديد، بمعنى أن هذه الجريمة تتطلب قصداً خاصاً وهو الوصول إلى استيراد بضائع ممنوعة، أو محصورة، أو محددة، من خلال هذه البيانات الكاذبة.
    ل- تقديم مستندات أو قوائم كاذبة أو مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة بقصد التخلص من تأدية الرسوم الجمركية أو الرسوم والضرائب الأخرى كلياً أو جزئياً أو بقصد تجاوز أحكام المنع أو الحصر، مع مراعاة ما ورد في المادة (198/أ/2) من هذا القانون الجمركي والتي جاء فيها: فيما عدا الحالات التي تعتبر في حكم التهريب والمشمولة بالمادة (204) من هذا القانون تفرض غرامة لا تزيد على نصف الرسوم والضرائب المتوجبة على البيان المخالف الذي يتحقق فيه أن القيمة الحقيقية لا تزيد على 10%من القيمة المعترف بها أو 10% من الوزن أو العدد أو القياس على ألا تكون من البضائع الممنوعة.
    فإذا كان محل الجريمة بضاعة ممنوعة أو محصورة فإننا نكون أمام جريمة تامة لمجرد عبور البضاعة الخط الجمركي، أما إذا كان محل الجريمة بضاعة خاضعة للرسوم، وكان القيام بالسلوك المادي لغاية التخلص من هذه الرسوم، وتم ضبط البضاعة والمستندات قبل دخولها إلى البلاد، فإننا نكون أمام شروع في التهريب، أما إذا اكتشفت هذه المستندات، بعد دخول البضاعة إلى البلاد نكون أمام جريمة تهريب تامة.
    م- نقل أو حيازة البضائع الممنوعة المعينة أو الممنوعة أو المحصورة دون تقديم إثباتات تؤيد استيرادها بصورة نظامية.
    ن- نقل أو حيازة البضائع الخاضعة لضابطة النطاق الجمركي ضمن هذا النطاق دون مستند نظامي.
    س- عدم إعادة استيراد البضائع الممنوع تصديرها والمصدرة مؤقتاً لأي غاية كانت. ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة بسلوك سلبي هو عدم إعادة استيراد البضاعة خلال المدة الممنوحة لصاحبها لإعادة استيرادها، كما يشترط في محل الجريمة أن تكون من البضائع الممنوع تصديرها. وعلى ضوء ما تقدم فإن عدم إعادة استيراد البضاعة الممنوع تصديرها، يحقق النتيجة التي نص عليها قانون الجمارك الأردني النافذ في المادة (203) "إخراج البضاعة خلافاً لأحكام المنع" وعليه فإننا نكون أمام جريمة تهريب تامة.
    ع- تفريغ البضائع من القطارات أو تحميلها عليها بصورة مغايرة للأنظمة في الأماكن التي لا توجد فيها مراكز جمركية أو تحميلها أو تفريغها في النطاق الجمركي.
    ثانياً : من حيث المصلحة المعتدى عليها فإن التهريب الجمركي
    ينقسم إلى تهريب ضريبي وغير ضريبي.
    1-التهريب الضريبي: ويتحقق بإدخال البضائع أو إخراجها بطريقة غير مشروعة دون أداء الضريبة الجمركية المستحقة، وهو إضرار بمصلحة ضريبة الدولة، ويتحقق هذا الإضرار بحرمانها من تلك الضريبة.
    2-التهريب غير الضريبي: يتكون الركن المادي في هذه الجريمة من نشاط يتمثل في إدخال المهرب بضاعة أو إخراجها من البلاد خرقاً للحظر المفروض عليها، ويستوي أن يكون الجاني قد أدخل البضاعة أو أخرجها بطريقة مشروعة أو غير مشروعة.
    ولذلك فإن الجريمة تقع حتى لو أقر الحائز للبضاعة المحظور دخولها بحيازتها كما أنها تقع من باب أولى لو أخطأ الموظف المختص فلم يتبين أنها محظور استيرادها وعليه فلا يجوز لمن يستورد بضاعة محظور استيرادها أن يحتج بأنه سلك الطريق الطبيعي لاستيرادها. فالنشاط المادي يكتمل بتوافر فعل دخول البضاعة أو إخراجها في وجود حظر لاستيرادها أو تصديرها، ولا عبرة بما إذا كانت البضاعة ذات نفع عام أو ليس لها ضرر على الصحة أو الأخلاق فالاعتبارات التي أدت إلى الحظر متروك تقديرها لسلطات الدولة وفقاً للظروف التي تمر بها.
    والفرق بين صورتي التهريب الجمركي من حيث المصلحة المعتدى عليها أنه بينما يهدف قانون الجمارك من العقاب على التهريب الضريبي إلى حماية مصلحة الدولة الضريبية من الإضرار بها أو تعريضها للخطر، فإنه يهدف من وراء العقاب على التهريب غير الضريبي إلى حماية مصلحة أخرى أساسية غير مصلحتها الضريبية، والتي قد تكون اقتصادية أو حربية أو صحية أو أخلاقية.
    ويطلق البعض3على التهريب غير الضريبي اصطلاح التهريب الاقتصادي تمييزاً له عن التهريب غير الضريبي، وذلك على أساس الهدف الذي يتوخاه المشرع من العقاب عليه هو حماية المصلحة الاقتصادية للدولة كما أنه كثيراً ما ينطوي التهريب الاقتصادي على تهريب ضريبي لأن المال موضوع التهريب الاقتصادي غالباً ما يكون وعاءاً للضريبة الجمركية.
    إلا أن بعض الفقهاء انتقدوا هذه التسمية وقالوا أن فيها قصوراً عن الإحاطة بحقيقة هذا التهريب، لأنه لا تلازم بين التهريب غير الضريبي والمصالح الاقتصادية للدولة، فالقيود التي تفرضها الدولة لمنع الاستيراد أو التصدير لا تهدف إلى رعاية مصالحها الاقتصادية فحسب وإنما قد يريد بها حماية مصالح أخرى سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو صحية4
    ونحن بدورنا نؤيد الاتجاه الذي يؤيد هذا النقد، باعتبار أن "التهريب الاقتصادي" هو صورة من صور التهريب غير الضريبي لا كلها. لأن الأسباب التي تفرض الرقابة الجمركية من أجلها غير محصورة في الأغراض المالية والاقتصادية بل تتعداها إلى أغراض أخرى متنوعة منها: الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والصحية. أو لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة أو بمركزها بين غيرها من الدول.
    ويرى بعض الفقهاء أنه من الأفضل عدم تعدد التهريب الجمركي بتعدد المصالح المعتدى عليها، ولا تجزئته إلى تهريب ضريبي وتهريب غير ضريبي، لأن التهريب غير الضريبي ينطوي، في غالب الأحوال، على تهريب ضريبي إذ أن محل التهريب غير الضريبي كثيراً ما يكون وعاء للضريبة الجمركية، لذلك ليس هناك فيصل حازم بين الاثنين فالتهريب الجمركي واحد وإن تنوعت أسبابه
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي

    الفصل الأول
    الاختصاص المحلي([2])
    في المسائل الجنائية


    مقدمة

    تقوم فكرة الاختصاص المحلي (الإقليمي) على أساس تقسيم إقليم الدولة إلى مناطق توزع بين المحاكم التي تنتمي لذات النوع والدرجة، أي يتحدد الاختصاص المكاني بإطار جغرافي معين، وعلّة هذا التقسيم والتوزيع على محاكم متعددة هو نتيجة حتمية لاتساع رقعة الإقليم وصعوبة اختصاص محكمة واحدة في نظر كافة الدعاوى الإقليمية.
    والمتفق عليه فقهاً وقانوناً أن التوزيع يتم وفق ضوابط ثلاث هي / مكان وقوع الجريمة، مكان إقامة المتهم، ومكان ضبط المتهم.
    وهذا يستلزم منا:
    أولاً : تحديد النطاق الإقليمي الذي يعمل فيه القاضي.
    ثانياً : تحديد الصلة بين هذا النطاق والجريمة أو المتهم والتي تبرر للقاضي الاختصاص وهذه الصلة ضابط للاختصاص المحلي([3]).
    لا بد من التنويه بأن تحديد مكان وقوع الجريمة قد أثار بعض المسائل التي تمكن الفقه والقضاء إلى حل الكثير منها، كالمسائل التي تتعلق بالجرائم التي تمتد في الزمان والمكان كالجرائم المستمرة وجرائم الاعتياد، والمسائل المتعلقة بجرائم تقع في الخارج ويمتد القانون الوطني ليطبق عليها ولا يكون للمتهم محل إقامة في هذا الإقليم (الدولة).
    ومن الرجوع لقواعد القانون الأردني (أصول محاكمات جزائية) نجد أن المادة الخامسة قد تناولت هذه الضوابط في الفقرة الأولى منها، وامتد الاختصاص للمسائل الأخرى في فقراتها التالية حيث جاء فيها:
    1.تقام دعوى الحق العام على المشتكى عليه أمام المرجع القضائي التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المشتكى عليه([4]) أو مكان إلقاء القبض عليه.
    2.في حالة الشروع تعتبر الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال البدء بالتنفيذ، وفي الجرائم المستمرة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار، وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأعمال الداخلة فيها.
    3.إذا وقعت في الخارج جريمة من الجرائم التي يسري عليها أحكام القانون الأردني ولم يكن لمرتكبها محل إقامة معروف في المملكة الأردنية الهاشمية ولم يلق القبض عليه فيها فتقام دعوى الحق العام عليه أمام المراجع القضائية في العاصمة.
    أما قانون الإجراءات الجنائية المصري فقد تناولت الضابط المحدد للاختصاص المكاني في المادة (217) حيث جاء فيها([5]):
    (يتعين الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض فيه عليه).
    في حين تناولت المادة (218) أهم تطبيقات هذا الضابط (وقد تناولته المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في فقرتها الثانية) حيث تناولت معظم المسائل الشائكة بالنسبة لكون بعض الجرائم لا تتحقق أركانها في آن واحد أو في مكان واحد حيث جاء فيها:
    في حالة الشروع تعتبر الجريمة أنها وقعت في كل محل وقع فيه عمل من أعمال البدء في التنفيذ، وفي الجرائم المستمرة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار، وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأعمال الداخلة فيها([6]).
    ويلاحظ من النص 217، 218 أن لا خلاف فيهما عن النص الوارد في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في مادته الخامسة فقرة أولى وثانية.
    النصوص السابقة تحتم علينا وعلى الأخص المادة 218، والفقرة الثانية من المادة الخامسة أن نحدد المقصود بالخلاف بين الجريمة التي تقع كافة أركانها في آن واحد ومكان واحد (وهي الجريمة الآنية أي الوقيتة، والجريمة التي لا تكتمل أركانها في زمن واحد أو مكان واحد (وهي الجرائم المستمرة) وذلك من أجل تحديد المحكمة أو المحاكم المختصة بنظر الدعاوى ولكي نحدد مفهوم الضابط الأول للاختصاص المكاني وهو مكان وقوع الجريمة كما يجب أن نحدد أماكن وقوع الجريمة بالنسبة لجريمة الاعتياد، والتكرار، والشروع، وسنتناول هذه الضوابط في المباحث التالية:



    المطلب الأول
    الضابط الأول / مكان وقوع الجريمة
    تكون للدولة ولاية القضاء بصفة أصلية إذا وقعت الجريمة في إقليمها لكن تحديد مكان وقوع الجريمة ليس سهلاً دائماً فهنالك خلاف بحسب نوع الجريمة هل هي من الجرائم الوقتية أم من الجرائم المستمرة أم المتتابعة أم من جرائم العادة.
    ولمكان ارتكاب الجريمة أهمية كبيرة حيث هو الاختصاص الطبيعي فيها، لأنه في مكان ارتكابها اختل الأمن، واضطربت المراكز القانونية المستقرة وتم الاعتداء على حقوق يحميها القانون([7]) ولو أن المشرع قدر أنه من الملائم في السياسة التشريعية أن يحدد محكمة واحدة تنظر الجريمة لاختار المحكمة التي ارتكبت فيها، ذلك لأن مكان ارتكاب الجريمة يحقق العدالة بصورة أفضل، ويسهل عملية التحقيق وضبط أدوات الجريمة والقبض على المتهم، وتحقيق الردع والأثر الفعال للعقوبة في نفوس الأفراد([8]) ، وهو المكان الذي يمكن جمع أدلة الإثبات فيه.
    لا يعتبر في تطبيق هذا الضابط صعوبة إذا ما تحققت جميع عناصر الركن المادي في دائرة اختصاص محكمة واحدة إذ ينعقد الاختصاص لهذه المحكمة([9]).
    أما إذا تحققت عناصر الجريمة بين دوائر اختصاص محاكم متعددة كما لو ارتكب الفعل في دائرة اختصاص محكمة وتحققت الجريمة في دائرة اختصاص محكمة أخرى فإن المحكمتين تختصان معاً بالجريمة، وإذا تحققت بعض الحلقات السببية في دائرة ثالثة كانت هذه المحكمة مختصة أيضاً([10]).
    في الفقه (الرأي الراجح) نجد أن السلوك (الفعل) والنتيجة يتساويان من حيث خطورة كل منهما على نظام وأمن الدولة، فوقوع أيهما فيها يجعل لها ولاية أصلية في نظر الدعوى ومعاقبة الفاعل، وهذا ما تبنته كثير من قوانين العقوبات([11]).
    لهذا ينعقد الاختصاص إما لمحكمة مكان وقوع الفعل أو مكان تحقق النتيجة أو مكان وقوع أي أثر من آثارها، وضابط المفاضلة بينهما هو للمحكمة ذات الأسبقية الزمنية في رفع الدعوى أمامها([12])، أي ينعقد الاختصاص للمحكمة التي ترفع إليها الدعوى أولاً، وهذا ما أكدته أحكام محكمة التمييز الأردنية([13]).
    وكذلك الوضع في حال وقوع الفعل (أي السلوك الإجرامي) في مكان والنتيجة الجرمية في مكان آخر([14]) فإن المحكمة المختصة هي المحكمة التي وقع في نطاق إقليمها الفعل والمحكمة التي وقعت النتيجة في نطاق إقليمها، والأفضلية للمحكمة التي سبق ورفع الدعوى أمامها زمنياً.
    مثال على ذلك جريمة إصدار شيك بدون رصيد حيث اتفق الفقه بأنها ليست من الجرائم الوقتية بل جريمة مركبة (Complex) كما أكدت أحكام محكمة النقض الفرنسية هذا الرأي ورأت بأن جريمة إصدار شيك بدون رصيد جريمة مركبة فاعتبرت عدم وجود الرصيد ركناً أساسياً في الجريمة وينعقد الاختصاص لمحكمة إصدار الشيك ولمحكمة مكان تحقق ركن عدم وجود الرصيد([15]).
    كذلك اعتبرت من الجرائم المركبة جريمة السب والقذف غير العلني الذي يقع بواسطة إرسال الخطابات أو بطريق التلفون، حيث اعتبرت محكمة النقض الفرنسية هاتين الجريمتين من الجرائم المركبة([16]).
    وإذا كانت الجريمة من الجرائم السلبية البسيطة (أي قوامها امتناع مجرد) فتعتبر الجريمة مرتكبة في المكان الذي كان يجب أن ينفذ فيه الالتزام الذي فرضه القانون أي القيام بالفعل الإيجابي الذي يتطلبه القانون لصيانة مصلحة يحميها، إذ في هذا المكان تم إهدار المصلحة وبالتالي فإن المحكمة المختصة بنظرها هي المحكمة التي يتبعها هذا المكان.
    أما إذا كانت من الجرائم السلبية ذات النتيجة أي قوامها امتناع أعقبته نتيجة جرمية، فإن المحكمة المختصة علاوة على محكمة مكان الامتناع، أيضاً محكمة تحقق النتيجة الجرمية([17]).
    هذا بالنسبة للجرائم المستمر والجريمة المركبة، أما بالنسبة لجرائم الاعتياد وجريمة التكرار (المتتابعة) فيعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأفعال الداخلة فيها.
    وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه إذا وقعت أفعال السرقة المسندة إلى المتهم في دائرة أكثر من محكمة فإن الاختصاص في هذه الحالة يكون معقوداً لكل محكمة وقع فيها جزءاً من أعمال السرقة المعاقب عليها([18]).
    ويجدر بنا التمييز بين مكان ارتكاب الجريمة الذي يتحدد بمكان وقوع عناصر الركن المادي للجريمة ومكان الأعمال التحضيرية لها أو الأماكن المتعلقة بمكان حدوث الأفعال اللاحقة (آثار الجريمة) كمكان إخفاء جثة القتيل فإنهما لا يحددان مكان ارتكاب الجريمة([19]).
    نخلص إلى القول بأنه إذا كانت الجريمة مستمرة فإنها تعد مرتكبة في جميع الأماكن التي امتدت فيها الجريمة([20])، فمن حاز شيئاً مسروقاً أو متحصلاً من جناية أو جنحة وتنقل به في أماكن متعددة اختصت بجريمته جميع المحاكم التي تقع في دوائر اختصاصها هذه المحاكم. وقد تناولت المادة الخامسة في فقرتها الثانية أصول المحاكمات الجزائية من القانون الأردني أعمال البدء في التنفيذ والجرائم المستمرة، وجرائم الاعتياد والمتتابعة مقرة ما سبق ذكره أعلاه.
    لكن لا يؤخذ بهذا على إطلاقه فالجريمة المستمرة استمراراً ثابتاً (كجريمة إقامة بناء مخالف للترخيص أو بدون رخصة) فإنها تأخذ حكم الجريمة الوقتية، وبالتالي ينحر الاختصاص بها في المحكمة التي ارتكب في دائرتها الفعل، والغرض من ذلك أن جميع آثار الجريمة تحققت في الدائرة المكانية لهذه المحكمة.
    اختلف الشراح حول جريمة الاعتياد فذهب بعضهم إلى القول بأن هذه الجريمة تقوم بعدد من الأفعال كل منها لا يعتبر بذاته جريمة ولكنها مطلوبة في القانون لإثبات حالة العدد الذي هو موضوع التجريم، وبهذا تعتبر الجريمة بنظرهم مرتكبة في كل مكان اقترف فيه أحد الأفعال، ومن ثم تختص بها جميع المحاكم التي ارتكب في دوائر اختصاصها هذه الأفعال.
    ورأى البعض الآخر من الشراح أن المحكمة المختصة بجريمة الاعتياد هي المحكمة التي اقترف في دائرتها الفعل الأخير([21]).
    في حين ذهب آخرون بجعل الاختصاص للمحكمة التي يقيم المتهم في دائرتها([22])، ونحن نرى أن الاختصاص في حال جرائم الاعتياد ينعقد للمحكمة التي وقع بدائرتها الفعل الأخير أو مكان إقامة المتهم والأولوية للمحكمة التي رفعت لها الشكوى بالأسبقية الزمنية، كما نرى أن الأمر يختلف من حيث اعتبار كل فعل من الأفعال بحد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون في الجرائم المتتابعة عن جرائم الاعتياد، حيث أن المتهم في الأول يرتكب عدة أفعال يعاقب القانون عليها بحيث لو اكتفى بارتكاب واحدة منها لنال عقابه عليها، ولهذا فإن لكل فعل في ذاته الصفة الإجرامية الذاتية وبهذا تختص بنظر هذه الجريمة (المتتابعة) محكمة كل مكان اقترف فيه أحد هذه الأفعال.
    أما إذا اتخذت الجريمة صورة الشروع، فالفرض أن الجريمة لم تتحقق، ومن ثم يتعين أن يقتصر البحث على (فعل البدء في التنفيذ) حيث هو الذي يحدد مكان ارتكاب الشروع بالجريمة، وإذا امتدت أفعال التنفيذ إلى دوائر اختصاص محاكم متعددة كانت هذه المحاكم مختصة بنظر الدعوى.
    وقد أكدت المادة الخامسة في الفقرة الثانية من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه وفي حالة الشروع تعتبر الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال البدء في التنفيذ.
    ويلاحظ هنا أنه لا عبره في مكان تحقق النتيجة حيث لا يحق للدولة التي كانت معنية بوقوع النتيجة فيها توقيع العقاب، وترى تشريعات بعض الدول بأن هذا الضابط (أي الاكتفاء بمكان وقوع السلوك الإجرامي كمكان اختصاص لتوقيع العقاب) لا يحقق الحماية التامة، ومع ذلك نصت كثير من التشريعات على أن ينشأ الاختصاص أيضاً بصفة أصلية للدولة التي كان يقصد الجاني إيقاع النتيجة على إقليمها، هذا مسلك التشريع السويسري (المادة 7/2) والقانون السويدي (المادة 4) والقانون اللبناني والسوري (المادة 15 من كل منهما) والقانون التشيكي المادة (17) والمشرع المصري (المادة 6/2) والقانون العراقي ( المادة 6)، على أن هذا الرأي لا يستند إلى أساس علمي، طالما أن النتيجة لم تحدث وبالتالي لم يقع أي ضرر للدولة التي كان يراد إيقاع النتيجة فيها، علاوة على ذلك فإن مجال التحقق من الفعل وظروفه واكتشاف أدلة الإثبات والتحقيق لا تكون متوفرة إذا ما رفعت الدعوى لدى المحكمة التي كانت ستقع النتيجة في دائرتها.
    وهذا ما تناولته الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردنية، حيث اعتدت فقط في مكان البدء في التنفيذ، الذي حددته المادة 68 من قانون العقوبات بقولها: "أنه البدء في تنفيذ فعل من الأفعال الظاهرة المؤدية إلى ارتكاب تلك الجناية أو الجنحة ولكنها لم تحدث لحيلولة أسباب لا دخل لإرادته فيها"([23]).
    وقد سلك المشرع الأردني هذا السلوك فاكتفى بمكان (البدء في التنفيذ) أي مكان السلوك الإجرامي بخلاف ما جاء في المشرع المصري.

    الجرائم المرتكبة في الخارج
    تناولت هذا الموضوع الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني حيث جاء فيها: "إذا وقعت في الخارج جريمة من الجرائم التي تسري عليها أحكام القانون الأردني، ولم يكن لمرتكبها محل إقامة معروف في المملكة الأردنية الهاشمية، ولم يلقى القبض عليه فيها فتقام دعوى الحق العام عليه أمام المراجع القضائية في العاصمة".
    أما المادة 219 من قانون الإجراءات الجنائية المصري جاء فيها:
    (إذا وقعت في الخارج جريمة من الجرائم التي تسري عليها أحكام القانون المصري ولم يكن لمرتكبها محل إقامة في مصر ولم يضبط فيها ترفع الدعوى في الجنايات أمام محكمة جنايات القاهرة وفي الجنح أمام محكمة عابدين الجزئية).
    يفهم من نص المادة 5/3 قانون أصول المحاكمات الجنائية الأردني (والمادة 219) مصري أن تطبيقه يتم على الجرائم التي ترتكب خارج إقليم الدولة، وبالتالي لا يمكن تحديد المحكمة التي يمكن أن تنظر هذه الدعوى بالاستناد إلى مكان ارتكاب الجريمة، كما يفهم أن المتهم ليس له مكان إقامة في إقليم هذه الدولة([24]) كما لم يقبض عليه فيها أو كان مكان إقامته مجهولاً، أي بمعنى أنه لم يتوفر لتعين المحكمة المختصة بنظر الدعوى المتعلقة بالجريمة أي من الضوابط السابقة (مكان وقوع الجريمة، مكان الإقامة، أو مكان القبض عليه).
    ويجري العمل في القضاء الأردني واستناداً إلى المادة العاشرة من قانون العقوبات بأن المتهمين الحائزين على الجنسية الأردنية مسؤولون جزائياً أمام محاكم المملكة الأردنية سواء ارتكبوا الجريمة داخل أراضيها أو في الخارج([25]).
    النص السابق إذن لا يطبق في حال توافر محل إقامته للمتهم (بالنسبة للمادة 219 في مصر وبالنسبة للمادة 5/3 في الأردن)، في الإقليم أو القبض عليه فيها، لكن يطبق على من ليس له مكان إقامة في دولته ولم يقبض عليه فيها، والملاحظ أن هذا مجرد استثناء بحت، ويستوي أن يكون خضوع هذه الجريمة (المرتكبة في الخارج للقانون المصري مثلاً استناداً لمبدأ عالمية النص، أو استناداً لمبدأ شخصية النص، أو استناداً لمبدأ عينية النص) ([26]) لأن النص بذاته ذو طابع احتياطي وهو يضع قاعدة تحكمية حيث لا تجدي القواعد العامة في تقرير حل.
    والجدير بالملاحظة أن النص (الأردني والمصري) لا يطبق إذا ما وقعت الجريمة على متن سفينة أو طائرة في حالة تخضع فيها للقانون الأردني والمصري، إذا كانت السفينة قد رست أو الطائرة قد هبطت بعد الجريمة في ميناء أو مطار مصري أو أردني، لأنه في مثل هذه الحالة يكون مكان حط الطائرة أو رسو السفينة هو مكان ارتكاب الجريمة طبقاً للقواعد العامة، ولكن يطبق هذا النص إذا ما حطت الطائرة ورست السفينة في ميناء غير المطار أو الميناء المصري أي في ميناء أجنبي([27]).
    أما حالة الاشتراك في ارتكاب الجريمة فإن الأمر يتوقف على نظرة المشرع لفعل الاشتراك حيث أن غالبية التشريعات تعتبر الاشتراك أمر تبعي للفعل الأصلي، ولذا فسلطة العقاب تكون من حق الدولة التي يقع فيها الفعل الأصلي([28]).
    القانون الألماني (العقوبات لعام 1975) أخذ بمبدأ استقلال الشريك حيث نصت المادة التاسعة على المعاقبة على فعل الاشتراك الذي يقع في ألمانيا ولو وقعت الجريمة في الخارج حتى لو كان الفعل الأصلي الذي وقع في الخارج لا يعاقب عليه القانون الألماني([29]).
    ويأخذ بهذا المبدأ القانون السوداني حيث يعتبر فعل الاشتراك (من تحريض أو اتفاق أو مساعدة جريمة مستقلة) ([30]) ولو لم يترتب على الاشتراك أثر وإن كانت عقوبتها أخف من عقوبة الجريمة إذا تمت أو شرع فيها في جريمة وقعت كلها أو بعضها في الخارج حيث تناولت المادة الأولى والثانية من قانون العقوبات المصري هذا الموضوع بأحكام خاصة تطبق عليها مبدأ الإقليمية في حالتين مختلفتين عن بعضهما البعض في الأحكام.
    فجاءت الحالة الأولى والتي نصت عليها المادة الأولى من قانون العقوبات المصري بقولها: تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه.
    والحالة الثاني تنص عليها المادة الثانية من ذات القانون بقولها: تسري أحكام هذا القانون أيضاً على الأشخاص الآتي ذكرهم:
    (كل من ارتكب في خارج القطر فعلاً يجعله فاعلاً أو شريكاً في جريمة وقعت كلها أو بعضها في القطر المصري) ([31]).
    ويشترط لقيام الحالة الأولى النص الأول والثاني شرطان / الأول أن يساهم الجاني في الجريمة بفعله وهو داخل القطر المصري، فلا تسري المادة الأولى على الشريك الذي حرض وهو خارج القطر على جريمة وقعت داخله وإنما هنا تسري عليه أحكام المادة 2/1 منه. والشرط الثاني، أن تقع الجريمة كلها داخل الإقليم المصري([32])، سواء تحققت الجريمة كاملة أو وقفت عند حد الشروع.
    أما إذا وقعت بعض عناصر الجريمة في مصر والبعض الآخر في الخارج فإن المادة الثانية فقرة أولى تكون واجبة التطبيق.
    في حال توافر الشرطين يكون القانون المصري واجب التطبيق على كل من ساهم في الجريمة فاعلاً أو شريكاً مصرياً أو أجنبياً([33]) وهذا يحتم على النيابة أن ترفع الدعوى ولو تحققت أن الجاني حوكم في الخارج وبريء أو أدين واستوفى عقوبته بناء على مبدأ الشخصية الإيجابية مثلاً، بمعنى أن النيابة تتحرر من القيود التي ترد في المادة 4 من قانون العقوبات المصري، حيث أن هذه القيود واردة في الحالات الثلاث الواردة في المادة الثانية والثالثة.
    أما عن الحالة الثانية فإن المادة الثانية فقرة أولى تطبق على كل من يساهم وهو في الخارج في جريمة تقع كلها أو بعضها في مصر سواء كان مصرياً أو أجنبياً ولا يشترط أن يكون معاقباً على كل هذا الفعل في مصر أو في الخارج استقلالاً.
    وقد يكون هذا الفعل من أفعال الاشتراك وقد يكون أصلياً، لذا تسري هذه المادة على المحرض والفاعل الذي يرتكب فعله في الخارج من حيث القواعد العامة فكل من الاثنين فاعلاً أصلياً.
    علّة التفرقة بين الحالتين هي أن العمل الذي وقع في الخارج قد يكون جريمة في البلد الذي وقع فيه، مما يستلزم احترام سيادة الدولة ومراعاة العدالة التي تقتضي ألا يعاقب الشخص عن واقعة الفعل مرتين، أما إذا وقع جزء من هذه الأفعال (المساهمة داخل الإقليم المصري) وجزء في خارج الإقليم المصري (كالجرائم المستمرة، المتكررة الاعتياد) فإن القانون المصري يكون واجب التطبيق، حيث يتبع مبدأ التطبيق للأصل وهذا هو مبدأ القانون المصري، كتحريض شخص لآخر وهو في الخارج على ارتكاب فعل داخل الإقليم، أو إرسال شخص وهو في الخارج لآخر مواد مخدرة للاتجار فيها بمصر فكلا الجريمتين وقعتا في مصر.

    المطلب الثاني
    الضابط الثاني / محل إقامة المتهم
    من الرجوع لنصوص القانون المصري المادة 217 إجراءات جنائية نجد أن من الضوابط التي تحدد المحكمة المختصة محلياً هو مكان إقامة المتهم (Residence) دون محكمة الموطن (Domicile) بخلاف نص المادة الخامسة فقرة أولى من أصول المحاكمات الجزائية الأردنية التي نصت على موطن المتهم دون مكان إقامته، وثمة خلاف في المدلول القانوني بين التعبيرين في حين يعني الموطن المكان الذي انصرفت نية المتهم إلى الإقامة فيه على نحو منتظم مستقر، قد لا يكون مقيماً فيه فعلاً([34]).
    وموقف المشرع الأردني محل نقد لجعله المحكمة المختصة محكمة الموطن المختار دون محل إقامة المتهم لأن محل الإقامة هو المحل الذي يمكن أن تستقي فيه المعلومات المتعلقة بشخص المتهم وعلاقاته العائلية والاجتماعية بوجه عام، وكما يمكن التعرف على سوابقه الإجرامية([35])، وتحديد محل إقامة المتهم هو فصل في مسألة موضوعية.
    وغالباً يتحد مكان الإقامة وموطن المشتكى عليه، ولكن إذا اختلفا فإن العبرة في القانون المصري بمحل الإقامة دون الموطن، وبالعكس محل الموطن دون الإقامة في القانون الأردني.
    وإذا رفعت الدعوى العمومية عن جريمة وقعت في مكان يدخل في دائرة اختصاص محكمة ما إلى محكمة أخرى يدخل اختصاصها المحلي الذي يقيم فيه المتهم المرفوعة عليه الدعوى، فلا يؤثر في اختصاص هذه المحكمة أن يكون المتهم شريكاً في الجريمة لفاعل أصلي لا تصح قانوناً محاكمته أمامها وما دامت الدعوى لم ترفع إلا عليه([36]) وإذا تعددت محال إقامة المتهم كانت جميع المحاكم التي تتبعها هذه المحال مختصة بالجريمة([37]).
    وإذا غير المتهم مكان إقامته في الفترة ما بين ارتكاب الجريمة وبين البدء في اتخاذ الإجراءات الجنائية هذه، تكون المحكمة المختصة هي محكمة محل إقامته الأخير ويعني ذلك أنه إذا كان مكان ارتكاب الجريمة ثابتاً فإن محل إقامة المتهم قابل للتغيير، ولكنه ليس من الأهمية أن يغير المتهم محل إقامته بعد اتخاذ الإجراءات ضده([38]).

    المطلب الثالث
    الضابط الثالث / مكان القبض على المتهم
    راعى المشرع جعل الاختصاص المكاني وفق هذا الضابط لمكان القبض على المتهم في حالة عدم وجود محل إقامة (مجهول الإقامة) أو كان مكان وقوع الجريمة غير معين، وتراعي أيضاً سلطات التحقيق في الجرائم البسيطة التي تكون الإجراءات التي ستتخذ بشأنها ذات مصاريف كبيرة يستغني عنها فيفضل محاكمته بمكان القبض عليه بدلاً من نقله من مكان القبض عليه لمكان محكمة وقوع الجريمة أو محكمة مكان الإقامة أو يستوي الأمر أن يكون القبض على المتهم لذات الجريمة أو لجريمة أخرى (م/52) من قانون الإجراء الجنائية الفرنسية) وتحديد مكان القبض على المتهم هو فصل في مسألة موضوعية يترك أمر تقديرها لقاضي الموضوع.

    الاختصاص المكاني لسلطة التحقيق([39]):
    يحدد الاختصاص المكاني لسلطة التحقيق (المدعي العام، والنيابة العامة، ومأمور الضبط القضائي) بنفس الضوابط الثلاث التي يحدد بها الاختصاص المكاني لقاضي الحكم وهي مكان وقوع الجريمة، ومحل إقامة المتهم، وهذا ما أكدته المادة 18 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وقد جاء فيها:
    " في الأحوال المبينة في المواد (7 - 13) من قانون العقوبات يقوم بالوظائف المذكورة في المادة السابقة (أي المادة السابعة عشر من قانون أصول المحاكمات) المدعي العام التابع له موطن المشتكى عليه أو مكان إلقاء القبض عليه، أو موطنه الأخير، إلا أن هنالك فرق بين الاختصاص المحلي لسلطة التحقيق والاختصاص المحلي لسلطة الحكم حيث أن الاختصاص في الحالة الأولى يمكن أن يمتد لنطاق أوسع من دائرة الاختصاص أي خارج نطاق سلطة التحقيق إذا ما تطلبت ذلك مقتضيات التحقيق وظروفه فيقوم المدعي العام بانتداب أحد أفراد الضابطة العدلية للتحقيق في هذه الجريمة وقد يقوم بالتحقيق بنفسه إن اقتضت الضرورة.
    فقد يتم تفتيش منزل المتهم الواقع في خارج دائرة الاختصاص لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد المتهم متلبساً في جريمة وقعت في دائرة اختصاصه([40]).
    والقاعدة المستقرة في القضاء المصري أنه ما دام المحقق مختصاً بتحقيق الواقعة فلا يهم بعد ذلك المكان الذي اختاره لاتخاذ بعض الإجراءات المتعلقة بالتحقيق والذي يترك لتقديره حفاظاً على صالح التحقيق وسرعة الإجراء([41]).
    ويستند في هذا إلى المادة 7/2/ الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات المصري في حال قيام قاضي التحقيق أو انتداب النيابة العامة أو أحد أفراد الضابطة العدلية للقيام بالتحقيق خارج دائرة الاختصاص (المادة 199 خاص بالتحقيق الجاري من النيابة العامة).
    لا يعتبر هذا استثناء على القواعد العامة في تحديد الاختصاص المكاني وإنما هو مراعاة لمقتضيات التحري والتحقيق عن الجريمة وظروفها وتحقيق العدالة.
    نخلص مما سبق أن الضوابط الثلاث المحددة في المادة 217 من قانون الإجراءات المصري، والمادة الخامسة فقرة أولى من قانون أصول المحاكمات الأردني التي تنص على مكان انعقاد الاختصاص المكاني للمحكمة التي تنظر الواقعة في (مكان وقوع الجريمة، أو مكان إقامة المتهم أو مكان القبض عليه) وكلها متساوية ولا تفضيل بينهما وللمشتكي الخيار إذا ما سلك إحداهما فإن المحكمة تصبح ملزمة بنظر الواقعة([42]).
    كما نخلص للقول بأن قواعد الاختصاص المحلي لا تتعلق بالنظام العام فلا يترتب على مخالفتها البطلان كالذي يترتب على مخالفة الاختصاص النوعي والشخصي وإن كان هنالك جانب من الفقه يرى عدم التمييز بين قواعد الاختصاص إلا أننا نرى مع القائلين بأن قواعد الاختصاص المكاني غير متعلقة بالنظام العام للأسباب التالية:
    1-هذه القواعد وضعت لتنظيم العمل القضائي ليس إلا، فهي لم توضع لاعتبارات موضوعية تتعلق مثلاً بالقدرة على الفصل في الموضوع والكفاءة اللازمة لذلك وإنما الهدف هو تيسير العمل القضائي وعدم عرقلة سير العدالة.
    2-المشرع في تحديده لضوابط الاختصاص المحلي إنما قصد تيسير التقاضي أيضاً على الخصوم في الدعوى تماماً كما هو الشأن في الاختصاص المكاني للدعاوى المدنية([43]).
    3-لو كان الأمر يتعلق بالنظام العام كما هو الشأن في الاختصاص النوعي أو الشخصي لما وضع المشرع ضوابط عدة للاختصاص المكاني ولقصرها على ضابط واحد هو المتعلق بتحقيق العدالة([44]).
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

المواضيع المتشابهه

  1. السلطة التقديرية في الفقه الإسلامي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى الشريعة الإسلامية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-20-2010, 08:30 AM
  2. السلطة التقديرية في الفقه الإسلامي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى الفقه الجنائي الإسلامي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-11-2009, 06:10 AM
  3. جريمة التحريض فى الفقه القانونى.
    بواسطة سالي جمعة في المنتدى بحوث ومقالات في القانون الجنائي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-27-2009, 01:25 AM
  4. إصدار مجلة الفقه والقانون
    بواسطة sava33 في المنتدى أخبار تهمك
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-16-2008, 12:46 PM
  5. القانون الجمركي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى قوانين ليبيا
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-27-2008, 05:29 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •