موضوع الدراسة

إرتبطت الجريمة منذ فجر التاريخ بوجود الإنسان على الأرض بل وتطورت أوصافها وأشكالها بتطور حياة البشر حتى أنه يمكن القول أن تطور المجتمع وما يصاحبه من تطور علمى وتكنولوجى ينعكس أثره على تطور الجريمة، فالجريمة بإعتبارها إحدى صور إفرازات المجتمع يصلها ما يصل المجتمع من تطور، ومرجع ذلك أن مرتكب الجريمة وضحيتها عضوان فى المجتمع، ويتأثران بحياته وثقافته وتطوره، فأقصى ما يصل إليه المجرم من براعة ودراية نتيجة لهذه الثقافة والتعلم، يحاول إستخدامها فى جريمته، فالجريمة هى محصلة كل ذلك.

لذا كان إقامة العدل بين الناس هدف من أهداف الرسالات السماوية، فالعدالة من صفات الله سبحانه وتعالى، والعمل على تحقيقها موجب للثواب، فقد بين الله تعالى فى كتابه الكريم أن الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم هى تحقيق أمرين: هداية الناس، ونشر العدالة بالقضاء على الظلم وبث الطمأنينة بين عباده، ليسود السلام ربوع الأرض.

والشهادة بإعتبارها إحدى طرق الإثبات، بل أقدم هذه الطرق منذ العصور الأولى، ومن الأدلة المتفق عليها، هى دليل حى رفع الله سبحانه وتعالى من شأنها، وشرف بها ملائكته وأفاضل الناس، ثم زادها تشريفاً بنسبتها إليه عز وجل.
والشاهد شخص تلعب الصدفة الدور الكبير فى إختياره، وقد أدت التجارب التى قام بها كثيرون من علماء النفس والإجرام إلى أن الشهادة الصحيحة التى تنطبق على الحقيقة هى النادر حتى ولو كان الشاهد ذكياً وشريفاً وكانت الظروف التى تلابس شهادته حسنة وملاءمة، وينطبق هذا حتى على الجزئيات التى يكون الشاهد متأكداً منها.

والإستدلال بشهادة الشهود لا غنى عنه مهما قيل عنه من عيوب وما شابه من نقائص، لأن الأفعال والحوادث التى تصبح يوماً من الأيام أساساً للدعاوى لا سبيل إلى إثبات كلياتها وجزئياتها دون الرجوع إلى ذاكرة الأشخاص الذين شهدوا وقوعها ليكونوا شهوداً على الحادث.

والشهادة بإعتبارها دليلاً معنوياً هى نتاج للنفس البشرية، تلك النفس الغامضة المبهمة، ولهذا فهى تخضع لما تخضعها له هذه النفس من العوامل التى لا حصر لها.

ولأهمية الشهادة سعت غالبية النظم القانونية المعاصرة نحو صياغة برامج متكاملة تكفل بها حماية الشهود والعاملين بميدان العدالة الجنائية من التهديدات التى قد يتعرضون لها وذلك بهدف ضمان الحصول على شهاداتهم خالية من أى زيف أو زيغ، وصولاً لخدمة العدالة الجنائية وتحقيق العدل بين أفراد المجتمع.

أهمية البحث

تأتى أهمية البحث فى ضوء الإعتبارات التالية:
أن الحماية الجنائية سواء الموضوعية أو الإجرائية، تتباين من نظام إلى آخر تبعاً للنظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى السائد فى الدولة، ومن الأهمية بمكان، التعرف على تلك الحماية فى النظام المصرى، للوصول إلى صياغة حماية جنائية متوازنة، لا تخل بمقتضيات العدالة من جهة ومتطلبات الحماية للشاهد من جهة أخرى.

إذا كانت الحماية الجنائية المقررة للموظفين العموميين ومن هم فى حكمهم، تمثل أهمية فى هذا الصدد، فإنها تمثل– فى الوقت نفسه – أهمية متوازية بالنسبة للشاهد، ذلك أن تقرير الحماية الجنائية للشاهد فى مُختلف مراحل الدعوى ينبغى ألا تقل أهمية عن الحماية الجنائية المُقرر للموظفين العموميين وأساس ذلك أن الشاهد يقدم خدمة عامة للعدالة، بمساعدته القضاء فى الإدلاء بما وصل إليه عن طريق حواسه، من معلومات عن الواقعة الإجرامية، لذلك فإن قيام الشاهد بواجبه تجاه العدالة، يحتم بالضرورة فرض حماية جنائية له، للحيلولة دون الاعتداء عليه لا تقل – بأى حال من الأحوال – عن تلك المقررة للمكلفين بخدمة عامة، إذ أن الإخلال بتلك الحماية يؤثر لا محالة فى قيام الشاهد بأداء واجب الشهادة.

كما أن الحماية الأمنية هى الأخرى لا تقل أهميتها عن الحماية الجنائية للشاهد، وذلك بوصفها الحماية التى تضفيها السلطات الأمنية على شخص الشاهد، بمعنى أن الشاهد خلال الفترة السابقة على حضوره أمام المحكمة، واللاحقة على إدلائه بشهادته، لدى قسم الشرطة، والنيابة العامة أو الادعاء العام – حسب الأحوال – يكون فى حماية مديرية الأمن، أو قسم الشرطة الذى يقع فى مكان إقامته، مما يضفى عليه الحماية الأمنية.

فروض الدراسة

تقوم الدراسة على تحقيق الفروض التالية:
إن توفير الحماية الجنائية والأمنية للشاهد لا يخل - بأى حال من الأحوال - بمقتضيات العدالة، ولا يعطل سير مرفق الأمن بانتظام واطراد.

إن الاعتراف للشاهد بصفة المكلف بخدمة عامة خلال الفترة التى يكلف فيها بأداء الشهادة، لا يتعارض وطبيعة دوره فى مساعدة السلطة القضائية فى تحقيق رسالتها.

إذا كانت لصفة الشاهد أهمية فى كونها سبب تجريم، فإن لصفته عين الأهمية فى الاعتداد بها كظرف مشدد فى العقاب.

إن غياب الحماية الجنائية الفعالة، أدى إلى أفول نجم الحماية الأمنية، ويظهر ذلك من عدم وجود طريق مرسوم لتحقيقها.

خطة البحث

تناولت الدراسة موضوع الحماية الجنائية والأمنية للشاهد من خلال استعراض الفصول الآتية:
الفصل الأول : المضمون العام للشهــــــــــادة.
الفصل الثانى: الحماية القانونية للشاهــــــــــد.
الفصل الثالث: الحماية الأمنية للشاهـــــــــــد.

التوصيـــات

إنتهت الدراسة إلى عدة توصيات أهمها:
دعوة المشرع المصرى إلى التدخل بتعديل المواد التى تحدد إلتزامات الشهود، وذلك بترك بعض حالات الإلتزام لتقدير قاضى الموضوع، طبقاً للظروف والأحوال التى يقف عليها من واقع ملف القضية، وبذلك يتحقق التخفيف من حدة الإلتزامات مما يتيح لبعض الأشخاص التحلل منها، متى وجد ما يحول دون إلتزامهم بأداء الشهادة، إذا قدر القاضى ذلك، مراعاة لعدم مضارتهم من هذا الواجب، لأنه لا يُكلف الشخص بما يضره لينفع غيره.

النص صراحة فى القوانين المنظمة، على إعتبار صفة الشاهد مكلفاً بخدمة عامة وتثبت له هذه الصفة، من لحظة إستدعائه لأداء الشهادة وحتى صدور حكم بات فى موضوعها.

النص صراحة فى القوانين العقابية، على إعتبار صفة الشاهد ظرفاً مشدداً فى العقاب، فى بعض الجرائم متى كان محلاً لها، ونذكر منها (جرائم القتل العمد – جرائم الضرب والجرح بأنواعه – جرائم القذف والسب والإهانة – جرائم الخطف متى وقعت عليه أو على أحد أصوله أو فروعه – جريمة التهديد)، وغيرها من الجرائم التى يقدر المشرع ضرورة أن تكون صفة الشاهد فيها ظرفاً مشدداً.

تضمين القوانين الإجرائية، القواعد التى يتم بواسطتها إقتضاء حق الدولة فى العقاب متى كان الشاهد مجنياً عليه، وبالأخص متى وقعت عليه جريمة من الجرائم السالفة، وذلك حتى لا يضار من حيث أراد له المشرع الحماية.

إذا كانت العدالة تتأذى من وجود شاهد يقول الحقيقة على غير وجهها الصحيح، فإن دور التشريعات فى هذا الشأن، النص على عدم جواز الإعتداد بشهادة من سبق الحكم عليه، حتى ولو على سبيل الإستدلال.

منح سلطة التصدى للأفعال المنصوص عليها فى المادة (13) إجراءات جنائية لجميع القضاء ومختلف المحاكم، وليس لمحكمتى الجنايات والنقض وحصر الأفعال التى من شأنها أن تجيز سلطة التصدى، وبالأخص تلك المتخذة من الشهود محلاً لها.

إذا كانت التوصيات السابقة تحمل فى مضمونها إطار الحماية القانونية للشاهد، فإننا نقترح إنشاء إدارة متخصصة بحماية الشهود، يتاح لها من الإمكانيات المادية والبشرية مايساعدها على توفير الحماية الأمنية والوقائية من الأخطار التى قد تهدد الشهود، وتوثر بالتالى فى تحقيق العدالة الجنائية ، ونقترح أن تكون تبعيتها الوظيفية لوزارة الداخلية مع كفالة تحقيق التعاون بينها وبين كافة الأجهزة المعنية .

منقول