الحرب العالمية الاولى
أسبابها : شهدت أوربا والعالم في السنوات الممتدة بين 1870 تاريخ الوحدة الألمانية ومقتل ولي عهد النمسا في سيراجيفو في 28 حزيران 1914 مجموعة أحدث وأزمات وترت الأجواء الدولية ومنها : بروز فلسفة القوة والنزعة إلى الحرب في ألمانيا ، والسعي إلى تأمين المستعمرات خاصة بعد التطور الصناعي الكبير اللاحق لمرحلة الوحدة وحاجة ألمانيا إلى المواد الأولية والأسواق .
من ناحية ثانية وجد بسمارك أن فرنسا القوية والمدعومة تشكل خطراً على مستقبل بلاده فسعى إلى عزلها دولياً وسعى بالمقابل إلى تقوية نفسه بأحلاف دفاعية مع الدول التي تشاطره نظرته ، فنشأ التحالف الثلاثي سنة 1882 وضم ألمانيا والنمسا وإيطاليا .
كما عقد الامبراطور غليوم الثاني الألماني سنة 1905 معاهدة سرية مع القيصر نقولا الثاني ضد بريطانيا . وردت فرنسا على التحاف الثلاثي باتفاق مع روسيا سنة 1891 وبتقربها مع إيطاليا سنة 1902 وبتحالف آخر مع بريطانيا سنة 1904 ، ثم عملت على حل الخلاف الروسي – الإنكليزي فتحول الاتفاق بين فرنسا وكل من الدولتين إلى تفاهم ودي ثلاثي سنة 1907 . هكذا انقسمت أوربا إلى معسكرين كبيرين . وسعت دولها إلى زيادة جيوشها وبدأ سباق محموم على التسلح وطهرت أسلحة حديثة فتاكة خاصة الطائرات والغواصات ، وتعزز اسطولها البحري لأن مستقبلنا على البحر ، حسب ما قال القيصر الألماني : وفشلت محاولات التهدئة والحد من التسلح التي قام بها القيصر الروسي سنة 1898 حين دعا إلى مؤتمر في لاهاي .
وارسل الملك الإنكليزي أدوار السابع اللورد هالدين إلى برلين سنة 1906 للتفاوض بشأن تحديد الأسلحة ففشل وحاول السير إدوار غراي وزير خارجية بريطانيا أن يقرب بين وجهات نظر المتحالفين الأوروبيين ففشل بسبب تعنت الألمان .
وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهرت قضايا القوميات في أوربا والشرق بشكل علني ومقلق وراحت الشعوب القومية المحكومة من دولة أو أكثر تسعى إلى الاستقلال والوحدة ملتمسة العون والمساعدة من الدول المعارضة للدول المهيمنة عليها . وأبرز هذه القوميات : الشعوب السلافية الخاضعة للنمسا والطامحة للتوحد مع دولة صربيا وخاصة في ولايتي البوسنة والهرسك التي ضمتها إليها النمسا سنة 1908 وطلب السلافيون حماية روسا ضد النمسا .
العرب الذين ضاقوا ذراعاً بسياسة التتريك وسعوا إلى تكوين كيانات مستقلة بمساعدة الإنكليز بعد انحياز تركيا إلى الألمان. وسكان الألزاس واللورين الذين لرفضوا الذوبان في الوحدة الألمانية وظلوا تواقين للعودة إلى السادة الفرنسة.
وأدى مقتل ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرنسوا فرديناند في سيراجيفو على طالب صربي متعصب يوم الأحد في 28 حزيران 1914 إلى إطلاق شرارة الحرب التي تريدها ألمانيا ضد أعدائها . هكذا بدأت الحرب العالمية الأولى فعلياً بفريقين متقابلين : ألمانيا والنمسا من جهة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وصربيا والجبل الأسود ، ثم اليابان في 15 آب من جهة ثانية . وانضمت فيها بعد دول جديدة إلى الفريقين ومراحل الحرب كانت على الشكل التالي : احتلال اللكسمبورغ وبلجيكا في 12 آب 1914 . واختراق الألمان للدفاعات الفرنسة ، بعد اجتياح بلجيكا وتقدمهم حتى وصلوا إلى بعد 25 كلم عن العاصمة باريس ولجوء الحكومة الفرنسية إلى بوردو . ومعركة المارن الأولى بين 6 و 12 أيلول 1914 التي أوقف الفرنسيون فيها زحف الألمان عند نهر النارن . ومعركة فردان في شباط 1916 وهجوم نهر السوم في تموز 1916 وفيه استعملت الدبابات للمرة الأولى . تلك أبرز المعارك على الجبهة الغربية .
أما في الجبهة الشرقية . فقد قامت علنا الحرب ضد روسيا حيث هاجم الروس ألمانيا من الشرق ، من بروسيا الشرقية ، في محاولة لتخفيف الهجوم الألماني على فرنسا وهذا ما حصل بالفعل في معركة المارن كما هاجم الروس القوات النمساوية وانتصروا عليها عند أبواب غاليسيا في 12 أيلوا 1914 . وفي 29 أيلول دخلت القوات النمساوية نحو كراكوفيا . وفي 13 تشرين الثاني 1914 سقطت . وفي بداية سنة 1915 عين الألمان فالكنهاني رئيساً للأركان وانضمت بلغاريا إلى جانب ألمانيا في حربها .
فاجتاحت قواته بولونيا وقضت على المقاومة الروسية . واضطر القيصر الروسي نيقولا إلى التراجع عن غاليسيا بكاملها ثم عن بولونيا باتجاه السهل الروسي ثم من جبال الكاربات وليتوانيا . وفي آذار 1917 اهتزت روسيا نتيجة الخسائر الكبرى في المعارك وسؤ الحالة الاقتصادية وخيانة العديد من كبار الضباط ودسائس البلاط الملكي حيث ساد نفوذ زوجة القيصر الألمانية الأصل وفضائح الراهب راسبوتين وفي 7 آذار بدأت الاضرابات لنقص القمح والفحم .
وسعى الجنرال جوفر خلال سنة 1915 إلى خرق الجبهة الألمانية خلال ثلاث حملات قام بها الفرنسيون في منطقة شمبانيا في شباط وفي منطقة أرتوا في أيار ومجدداً في شمبانيا في أيلول دون جدوى وبلغت خسائرهم 348000 قتيل مقابل ثلاثة أضعاف هذا الرقم عند الألمان . وبين 21 شباط و 24 حزيران 1816 سعى الألمان إلى احتلال منطقة فرادن لاستنزاف القوات الفرنسية فكانت النتيجة مقتل 600000 ألف جندي من الجانبين دون أن يصل الألمان إلى هدفهم .
وشن البرطانيون هجوماً ضد الألمان في منطقة السوم في حزيران 1916 دون جدوى . وفي 24 أيار 1915 دذلت إيطاليا الحرب إلى جانب الحلفاء ودخلت بلغاريا إلى جانب دول الوسك في تسرين الأول 1915 وهذا ما سمح للنمسا أن تسحق القوات الصربية . وفي شباط 1915 ، انزل الحلفاء قوات في مضيق الدردنيل لكن الحملة فشلت فسعت بريطانيا إلى استمالة العرب وحثهم على الثورة ضد العثمانيين مقابل تأسيس مملكة عربية .
لكن اتفاقية سايكس – بيكو التي وقعت سنة 1916 بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم الدول العثمانية فيما بينهما أجبرت العرب على إعادة النظر في مواقفهم .
ورغم سعي ألمانيا إلى عرقلة المواصلات البحرية ، واستعمالها للغواصات لضرب القوافل المتجهة نحو أوربا عبر المحيط الأطلسي ، ظلت بريطانيا مسيطرة على البحار خاصة بعد معركة جوتلاند التي خاضتها ضد ألمانيا في بحر الشمال في 31 أيار 1916 .
وفي 31 كانون الثاني 1917 أعلن الألمان الحرب البحرية الشمالية واعتقدوا أنه بإمكانهم تركيع بريطانيا خلال ستة أشهر لكنهم تراجعوا في أيلول بعد أن تمكنت بريطانيا من حماية القوافل المتجهة إلى أوربا بمساعدة الأميركيين الذين أعلنوا الحرب على ألمانيا في 4 نيسان 1917 كرد على الحرب البحرية وبدأوا بالوصول إلى أوربا في 26 حزيران 1917 .
وأدت ثورة البلاشفة في روسيا إلى توقيع هدنة بريست ليتوفسك مع الألمان في 15 كانون الأول 1917 وإلى خروج روسا من الحرب مما سمح للألمان بتوحيه فرقهم التي كانت على الجبهة الشرقية إلى الجبهة الغربية والاستفادة من تفوقهم العددي لمحاولة إحراز نصر على الحلفاء قبل وصول الاميركيين . وسعى الالمان في ربيع وصيف 1918 إلى خرق الجبهة الغربية بشنهم أربع هجمات ، 21 آذار و8 نيسان و 27 أيار و15 تموز .
لكن الحلفاء تمكنوا من التصدي لها وشنوا هجوماً معاكساً في 18 تموز اتبعوه بهجوم آخر في 8 آب أدى إلى بدء التراجع الألماني وفي خريف سنة 1918 طلب حلفاء ألمانيا توقيع الهدنة بعد هزيمة بلغاريا في أيلول وتركيا والنمسا في تشرين الأول . وفي 9 تشرين الثاني ، تنازل وليم الثاني عن العرش وفي 11 منه وقعت ألمانيا على هدن فانتهت بذلك (( الحرب الكبرى )) التي كانت الأولى من نوعها في تاريخ البشرية .
منقول