تزوجت طفلة‏..14‏ عاما‏..‏ من عريس يكبرها بشهور قليلة‏..‏ زواج غير موثق‏..‏ أثمر عن ثلاثة أطفال‏,‏ قبل أن يدب الخلاف بينهما ويقرر الأهل الطلاق وترفض عائلة الزوج توثيق الزواج أو حتي الاعتراف بالأبناء‏..‏ اضطر والدها إلي كتابة شهادات ميلاد احفاده الثلاثة باسمه لضمان دخولهم المدارس‏.‏ أحفاده باسمه‏:‏

هذه حالة من حالات عديدة مرت علي المركز المصري لحقوق المرأة تجسد إحدي مشاكل الزواج المبكر الذي تفضل الحقوقية نهاد أبوالقمصان رئيس المركز المصري تسميته بـ' جريمة الزواج المبكر' وهو ظاهرة يعاني منها مجتمعنا دون شك, قبل الثورة وبعدها, وان كنا نفتقر لوجود إحصائيات تكشف عن حجمها لأن اغلب الحالات غير مسجلة وتتم بعقود عرفية أو بمجرد الإشهار, لذا هي ظاهرة كجبل الثلج ما يظهر منها اقل مما يخفي. وفي أحدث استطلاع للمجلس القومي للمرأة أجري علي13500 فتاة في27 محافظة, كشف عن أن38% منهن أجبرن علي الزواج المبكر, وهذه الدراسة بمثابة نواة لدراسة متعمقة يجريها المجلس علي هذه الظاهرة.
وعن المشاكل القانونية والخطورة الجسيمة التي قد تحدث جراء هذا الزواج توضح نهاد أبو القمصان أن القانون المصري لا يسمح بالزواج المبكر حيث تم تعديل قانون الأحوال المدنية بموجب القانون رقم'126' لسنة2008 والذي رفع سن الزواج من16 عاما إلي18 عاما بموجب نص صريح وهو نص المادة31 مكرر:' لا يجوز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة.... ويعاقب تأديبيا كل من وثق زواجا بالمخالفة لأحكام هذه المادة'.

ورغم أهمية النص, إلا أنه علي مستوي التطبيق تتراجع هذه الأهمية في ضوء مواد قانونية أخري كالمادة2 في قانون الطفل والتي تنص علي إثبات السن بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم القومي أو أي مستند رسمي آخر عن طريق العدل والصحة. والمادة34 من لائحة المأذونين والتي تنص علي أن المأذون يعتمد في معرفة بلوغ أحد الزوجين السن القانونية علي شهادة الميلاد أو أي مستند رسمي آخر ثابت فيه تاريخ الميلاد, ما لم يكن طالب الزواج بحال تؤكد بلوغه السن القانونية. وتساهم هذه المواد في التلاعب في تقدير السن حيث لم يقصر إثبات السن علي شهادة الميلاد وإنما النص بلفظ' أي مستند آخر' يساعد علي اللجوء إلي إثبات السن عن طريق تقديم شهادة صحية معتمدة من الإدارات الصحية الحكومية تحدد سن الفتاة وغالبا ما تكون بالاتفاق مع أسرتها بتحديد سن اكبر من الحقيقة مما يساعد علي انتشار الزواج المبكر لاسيما في المناطق الريفية والقبلية. وتلجأ بعض الأسر إلي الزواج العرفي' غير الرسمي' وهو زواج يمثل شكلا من أشكال العنف لما يسببه من أذي ومعاناة نفسية وما يترتب عليه من ضياع أو حرمان تعسفي لحقوق المرأة.وعادة ما تدفع النساء ثمنا باهظا له لأن القانون لا يعطي ضمانات للمتزوجة عرفيا بأي حال من الأحوال ولكن حاول التدخل في علاج الآثار المترتبة علي الزواج العرفي مثل الطلاق والنسب فقط لا غير.

وفي تقديرها أن السن المناسبة للزواج لا يجب أن يقل عن21 عاما وهو سن الرشد أو22 عاما وهو سن التخرج من الجامعة, أما الحد الأدني للزواج فهو18 سنة, وهو أمر يتفق مع حقوق الطفل كإنسان, فهو سن الحد الأدني للتعليم المتوسط, وبما هو دون ذلك نكون منتهكين لحق الطفلة في التعليم الذي يؤمن مستقبلها ويساعدها علي فهم أبسط المعاملات في الحياة ويعطيها القدرة علي التعبير عن نفسها أو الدفاع عن نفسها ضد اي مشكلات تتعرض لها.
أيضا سن18- علي الأقل- يتوافق مع أركان الزواج في الشريعة الإسلامية الصحيحة, لأن عقد الزواج في الإسلام عقد أيجاب وقبول اي مبني علي الاختيار والإرادة للطرفين الزوج والزوجة, والإرادة لا تتوافر إلا بالإدراك والفهم والقدرة علي الاختيار علي أسس موضوعية وليس تخيلات وأحلام صغار بثوب العرس و الشبكة الذهب, ولا يجوز أن يختار الأب عن ابنته أو إجبارها, لان الإجبار بالعنف يستوي مع التدليس علي الصغيرة غير الواعية بالهدايا.
ليس حلا للزواج العرفي:

أما الحديث عن السماح بزواج البنت في سن مبكرة كوسيلة للقضاء علي الزواج العرفي الذي يلجا له البعض لتزويج بناتهن القاصرات فتقول أبو القمصان: ان الحديث عن الحد من جريمة الزواج المبكر بالاعتراف به وتقنينه هو حديث الهدف منه التدليس علي المجتمع والمراهنة علي أميته, فهل من المعقول إباحة وتقنين جريمة السرقة من أجل الحد منها. وتميل رئيس المركز المصري لحقوق المرأة إلي أن' الدساتير ليست مكان للتفاصيل', وان تتضمن المبادئ العامة الأساسية لحماية الحقوق, و لا يحدد سن الزواج في الدستور.. وإنما يذكر في الدستور تجريم التعدي علي حقوق الأطفال, باعتباره شكل من أشكال التعدي, وسن الطفولة المجمع عليه في العالم هو18 سنة, وتلفت ابو القمصان الي ان سن الطفولة لا يتحدد لغرض الزواج والطلاق فقط وإنما أيضا للمسئولية الجنائية.

و تؤكد دساتير الدول الأخري علي تجريم التعدي علي حقوق الأطفال وبناء علي نص التجريم هذا يجرم حرمان البنات من التعليم, او الاتجار بهن باسم الزواج, كل هذه الممارسات تعتبرها دساتير الدول الأخري جريمة لأنها تعدي علي حق الطفلة في النمو والتعليم والتمتع بحقوقها الإنسانية الطبيعية, وتعتبر بعض الدول الزواج قبل السن القانونية نوعا من الاغتصاب تصل عقوبته إلي عقوبة الاغتصاب, وتعتبر الزواج المبكر عدة جرائم وليست جريمة واحدة,فهو جريمة انتهاك للحق في تعليم الفتاة وانتهاك حقها في السلامة الجسدية واتجار في البشر, وكل جريمة لها عقاب مختلف ولها شركاء متعددين مثل الأب, المأذون, الزوج, الشهود وكل من تورط في هذه الجريمة.

المصدر
الأهرام