المبحث الثاني
القضاء الإداري ونظرية الإنعدام
المطلب الأول
توسع القضاء الإداري المصري في الأخذ بفكرة "إغتصاب السلطة"

توسع القضاء الإداري في فكرة الإنعدام:
إتجه القضاء الإداري إلى التوسع في تطبيق فكرة إغتصاب السلطة وإعتبار القرار الإداري معدوماً في حالات يجمع الفقه والفقهاء على كونها تمثل عدم إختصاص بسيط يجعل القرار الإداري غير مشروع. وقد أضاف لحالات إغتصاب السلطة التقليدية حالات جديدة حيث لم تحصر حالات الإنعدام بركني المحل والإختصاص وتم شملها لكل أركان القرار الإداري الأخرى حيث إعتبر الإنعدام بقضاء مجلس الدولة لدينا مرادف للمخالفة الواضحة.
وسيتم عرض صور للقضاء التوسعي الذي يجافي قضاء مجلس الدولة الفرنسي بهذا الخصوص.
أولاً: الإنعدام نتيجة التفويض الباطل: مثال ذلك حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 5 يناير 1954 حيث جاء فيه " أن المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 1931 أعطى إختصاصات معينة لمدير عام مصلحة السكة الحديد بالنسبة لطائفة من موظفيها، ولا يجوز قانوناً التفويض في هذا الإختصاص بل يتعين أن يباشر الإختصاص من عينه القانون بالذات. ومن ثم فيكون القرار المطعون فيه الصادر من سكرتير عام مصلحة السكة الحديد بفصل المدعي ينطوي على نوع من إغتصاب السلطة، فهو قرار معدوم لا أثر له" وكذلك قرار لجنة شؤون الموظفين لا تملك طبقاً للقانون رقم 210 لسنة 51 أن تفوض في إختصاصها. فإذا فعلت وشكلت لجاناً أخرى فإن القرارات الصادرة من هذه اللجان لا قيمة لها إطلاقاً.
ثانياً: الإنعدام نتيجة لإعتداء سلطة تأديب على سلطة أخرى: يستوي ذلك أن يقع الإعتداء من: أ) مجلس تأديب على إختصاص مجلس تأديب آخر. ومن ذلك حكم لمحكمة الإدارية العليا الصادر في 14 يناير 1956 والذي ينص على ما يلي: من حيث أنه يبين مما تقدم أن مجلس التأديب المطعون في قراره قد إنتزع ولاية جماعة كبار العلماء في محاكمة عالم من علماء الأزهر لفعل نسب إليه هو في حقيقة وجوهره مما تملك هذه الجماعة وحدها ولاية الحكم فيه، وهذا العيب الذي اعتبر القرار لا يجعله مشوباً بمجرد عيب عادي من عيوب عدم الإختصاص مما يعيبه ويجعله قابلاً للإلغاء قائماَ قانوناً إلى أن يقضي بإلغائه، بل هو عيب ينهض إلى حد إغتصاب السلطة الذي ينزل بالقرار إلى جعله مجرد فعل مادي معدم قانوناً.
ب) أن يعتدي رئيس إداري على سلطة مجلس تأديب: وبذا المعنى تقول محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في 20 مايو سنة 1957 و"إذا كان قرار حرمان المطعون ضده من مرتبة عن مدة التوقف لم يصدر من السلطة التأديبية، وإنما صدر من مدير ا لتحقيقات فإنه يكون قراراً معدوماً لصدوره من سلطة غير مختصة، إذ لا إختصاص لمدير التحقيقات في إصداره، فلا تنتج إذا اثر، ولا تلحقه إجازة". وكذلك حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بتوقيع عقوبة على أحد موظفي الدرجة الثالثة فما فوقها، يعتبر إغتصاباً لسلطة المحكمة التأديبية مما يؤدي لإنعدام القرار.
ثالثاً: الإنعدام نتيجة الخطأ في تكييف الذنب الإداري: ذلك أنه ـ كما تقول المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر عام 1960 " إذا صدر الجزاء من الرئيس بخصم سبعة أيام من راتب موظف على فهم أن المخالفة إدارية، بينما هي مالية، فكون الجزاء قد صدر معيباً بعيب عدم الإختصاص الذي ينحدر به إلى درجة غصب السلطة.
رابعاً: الإنعدام نتيجة إعتداء سلطة إدارية على سلطة إدارية أخرى:
قد يكون ذلك في نطاق الإدارة المركزية. ومن ذلك حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 19 يونيه سنة 1955، والذي نص على جعلت نقل موظفي المصلحة لغاية الدرجة الثانية من إختصاص المدير العام وحده، فإذا كان قرار نقل المدعي قد صدر من السكرتير العام للمصلحة، فإنة يكون إصدار من موظف غير مختص، وهو بهذه المثابة مشوب بعيب إغتصاب السلطة مما يجعله معدوماً ولا أثر له". وقد يترتب الإنعدام في نظر محكمة القضاء الإداري على تجاوزات سلطة الوصاية الإدارية لحدود إختصاصها، فهي تقرر في حكمها الصادر في 1953 أن قرار وزير الشؤون المدنية والقروية، والذي يعتدي على حقوق مجلس بلدي القاهرة هو قرار يصدر "ممن لا يملك إصداره مستقبلاً، فيلحقه عيب عدم الإختصاص، ويعتبر معدوم الأثر، حيث لا تلحقه الإجازة اللآحقة حتى من الجهة التي إغتصب وزير الشؤون البلدية والقروية سلطتها..".
خامساً: الإنعدام نتيجة لعدم مراعاة القانون في تشكيل لجنة معينة: إذا نص القانون على تشكيل لجنة ما على وجه معين فإنه يكون مفروضاً قانوناً أنه قد روعي في تشكيلها كل الضمانات اللآزمة، ولا يصح تعديل هذا التشكيل أن روعي تقرير ضمان أكبر ألا ممن يملكه قانوناً وهو المشرع. أما السلطة القائمة على تنفيذ القانون، فإنها لا تمكن أصلاً تعديل التشكيل، فإن فعلت " كان تصرفها من قبيل إغتصاب السلطة، فيقع باطلاً بطلاناً أصلياً" أي تقر المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في 1960 أنه إستمر أعضاء الجمعية بعد الإنتهاء من جدول الأعمال، وإتخذوا قرارات في موضوعات لم ترد بجدول الأعمال، فإن هذه القرارات تعد معدومة " والإجراء المنعدم ليس بحاجة لقرار إداري ليبطله. ومن ثم لم يكن ثمة حاجة لأن يصدر وزير الشؤون الإجتماعية قراراً بالغاء هذا الإنتخابات المعدوم أصلاً.
سادساً: الإنعدام لإختلال ركن المحل أو السبب: قد صورته المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر عام 1959 من خلال القانون الخاص بأكل البحر وطرحه جعلت الإختصاص في التوزيع لوزير المالية بقرار منه. ولكن يجب أن يصدر القرار قائماً على سببه الصحيح وواقعاً على محله القانوني وألا تمخض تصرفاً في ملك من أملاك الدولة بدون وجه حق، فينحدر الى درجة العدم، كما لو وزع الطرح على غير مستحق قانوناً وجاز للإدارة في أي وقت إسترداد الطرح الموزع بذلك القرار المعدوم قانوناً".