(1) دولة الاتحاد الفيدرالي السويسري:

سويسرا نموذج لدول الاتحاد الفيدرالي، إذ تعيش في ظل نظامها جماعات متعارضة تتعايش فيها بالتوافق، فالسلطات موزّعة ومتآلفة، والامتيازات التي تحتفظ بها الولايات هي أكثر أهمية مما هي عليه في معظم الاتحادات الأخرى، كما أن السلطة تتسم بصفة الاستعجال، وأنها في متناول الجميع، إذ إن تدخل المواطنين المباشر معترف به ويمارسه المواطنون بشكل لا يحدث في أي بلد آخر، والسلطة تعتمد أسلوب المشاركة، والجهاز التنفيذي موسع يتبع طريق الإدارة الجماعية، ويشترك على الدوام في أعماله أهم القوى السياسية والأطراف المقيمة في الولايات، بإدارة شؤون الاتحاد.

أنشئت دولة سويسرا الاتحادية أصلاً من أجل تأمين إيجاد سوق مشتركة واحدة، وألغيت الجمارك بين الكانتونات الـ 23، ووضعت تعرفة خارجية مشتركة، وضمنت الجنسية السويسرية حرية تنقل الأشخاص، وحصلت السلطات الاتحادية، علاوة على امتيازاتها في الشؤون الخارجية، والعسكرية والنقدية، على صلاحية توحيد الأوزان والمقاييس وإقامة بنى تحتية وطنية، ومقابل هذه التحفظات، احتفظت الكانتونات بصلاحيات حاسمة في مجال التشريع، في الشؤون المدنية، الجزائية، التجارية، والاجتماعية، وكذلك فيما يتعلق بمهام الشرطة، والعدلية أو التربية وفي عام 1874، لم تغير إعادة النظر الشاملة في الدستور نظام الحكم، ولكنها دعمت صلاحيات الدولة الاتحادية، وفي الوقت نفسه أقامت المحكمة الاتحادية، وأقرت قبول الاستفتاء وأسقطت الرأي بالمبادرة الشعبية.

وهكذا توطدت أركان ديمقراطية المشاركة مزودة بنظام مبني على التوافق، إن سويسرا تلتزم المبادئ الهامة للنظام الاتحادي، في منحى مناسب بل محابي ومؤيد للكيانات والأعراف التي يضمها الاتحاد، فأحد المجلسين يمثل الكانتونات على قدم المساواة. ومجلس الولايات يضم نائبين عن كل كانتون ونائباً عن كل نصف كانتون أياً كان عدد سكانه.

والكانتونات تنظم نفسها وتضع أنظمتها بكل حرية، وفيما يتعلق بهذه النقطة، فإن صلاحياتها الدستورية لا يحددها سوى الالتزام باحترام قواعد الديمقراطية، وبأتباع إجراءات الديمقراطية المباشرة وإقرار دستور إحدى الكانتونات ينبغي أن يكون شعبياً، وإعادة النظر فيه أو تعديله يجب أن تستطيع طلبهما أغلبية من المواطنين.

وفيما يتعلق بتوزيع الصلاحيات بين الكانتونات والكونفدرالية (أي بين الولايات والاتحاد) فإن الدولة الاتحادية ليس لها سوى صلاحية ما ينسب لها من سلطات، وتحتفظ الولايات التي يضمها الاتحاد بصلاحيات الحق العام والمشترك، والصلاحيات غير المسندة للسلطة الاتحادية تعود حكماً للكانتونات، والتي تتمتع بصلاحيات متبقية تسمح لها بالدخول في المجالات العائدة إلى الاتحاد، وعلى هذه الأسس، في سويسرا، كما في الدول الأخرى، يبدو التطور يتجه نحو المركزية.

في عام 1848 ولد الاتحاد السويسري، وظل النظام الكونفدرالي في الأذهان، وأخذ الاتحاد مساراً باتجاه التطور، وفي نهاية القرن تنامت صلاحية الاتحاد باحتكار حق إصدار النقود والحوالات المصرفية، قانون الجزاء، وشرطة مراقبة الحبوب والمواد الغذائية، وكذا قطاع التعليم وفي الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين، شمل التوسع شؤون الملاحة، ضمان الشيخوخة تنظيم سير السيارات والملاحة الجوية، الحياد، نظام معاملة الأجانب، والرسوم والطوابع.

إن أسلوب الائتلاف والتوافق كالذي تتبعه سويسرا، إنما هو أسلوب نابع من التاريخ والثقافة، ومن الحياة السياسية، قبل أن يدوّن في القواعد والقوانين الدستورية، والنمط السويسري يقضي بجعل البلاد تدار من قبل التحالف بين الأربعة الكبار (الحزب الديمقراطي المسيحي – الحزب الراديكالي الديمقراطي – الحزب الاشتراكي – الاتحاد الديمقراطي الوسط).

الجمعية الاتحادية هي التي تمارس السلطة العليا في الاتحاد مع الاحتفاظ بحقوق الشعب والكانتونات، ومجلسا هذه الجمعية هما: المجلس الوطني المنتخب مباشرة من قبل السكان، بالطريقة النسبية لمدة أربع سنوات. ومجلس الولايات الذي يضم 46 عضواً، عضوان عن كل كانتونة، هما اللذان ينتخبان المستشارين الاتّحاديين (أعضاء مجلس الاتحاد).

وعلى المجلس الاتحادي أن يقدم إلى مجلس الجمعية تقريراً سنوياً عن إدارة وتنظيم الأعمال، وعليه أيضاً أن يقدم لهما تقارير خاصة في كل مرة يطلبان منه ذلك. وتستطيع الجمعية الاتحادية أن تبين للسلطة التنفيذية أية سياسة تتبع، وأي إجراء يتخذ (عن طريق التصويت على فرضية أولية)، أو أي قانون يجب عليهما تحضيره، ولا تستطيع الحكومة حل المجلس، ولا تستطيع طرح مسألة الثقة، ولا تستطيع التهديد بالاستقالة، فهي وكيلة أو مندوبة السلطة التشريعية، وإذا صوتت الجمعية على استجواب ينم عن الريبة وحجب الثقة، فإن المجلس لا يستقيل بل يطيع ويخضع.

وإذا كان نظام الحكم نظام جمعية، فإن الأسلوب ليس كذلك، إذا إن الجمعية الاتحادية لا تجتمع إلا بصورة متقطعة، والمجلس الاتحادي هو الذي يدير فعلياً شؤون البلاد، وأعضاؤه المنتخبون لمدة أربع سنوات، يعاد انتخابهم، ومتوسط بقائهم في السلطة يصل على العشر سنوات، ويلطف مبدأ التوافق بين القوى السياسية، بصورة جدّية، قواعد الاستقلال بين السلطات. والجمعية الاتحادية والمجلس الاتحادي يعملان معاً بكل انسجام.
(2) الولايات المتحدة الأمريكية:

على المستوى القومي أي الاتحادي، تهيمن سلطتان سياسيتان، إن إحدى المزايا الخاصة الهامة لنظام الحكم الأمريكي تعود لهذا النوع من التواجد معاً، وفي نفس الوقت لسلطتين مستقلتين، كل منهما ناتجة عن الاقتراع العام.

- الرئيس: وفي الدستور الأمريكي يحتل الرئيس المرتبة الثانية: فالمادة الأولى وفقراتها العشر مخصصة لكونغرس الولايات المتحدة (الـ 50).

والرئيس في الأسلوب السياسي الأمريكي يحتل المرتبة الأولى، فهو على رأس أكبر قوة عالمية، وهو بناء على ذلك منتخب من قبل الشعب، يشكل حكومته بكل حرية، والتي لا يمكن أن يسقطها البرلمان، وهو يرأس ويدير البلاد، مزوداً بالسلطات والوسائل اللازمة لذلك.

ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية يجمع بين وظيفتين هما عادة متميزتان ومختلفتان، ويتمتع بمعظم الصلاحيات المتعلقة بالدولة، فهو في الوقت نفسه رئيس الدولة ورئيس الحكومة (رئيس الوزراء).

وباعتباره رئيساً للدولة، يصبح بموجب الدستور، القائد الأعلى للجيش، ومكلفاً بعقد المعاهدات وتعيين السفراء، وبتعيين رجال الإدارة وأعضاء المحاكم الفيدرالية، ولكن بعد المصادقة عليهم من قبل مجلس الشيوخ الذي يجري التحقيقات اللازمة بشأن تعيينهم.

ويتمتع الرئيس بحق العفو عن مرتكبي الجرائم الاتحادية، (باستثناء حالة أو جريمة الخيانة العظمى، فتلك من صلاحية الكونغرس (مجلسي النواب والشيوخ).

كما إنه يتمتع أيضاً بحق الاعتراض (الفيتو) على القوانين: ورفضه لإصدار ونشر القانون لا يمكن إلغاؤه أو التغلب عليه إلا بأغلبية الثلثين في كلّ من المجلسين.

والرئيس كنظير للحكومة عليه أن يسهر على التنفيذ الأمين للقوانين وما يتصل بها.
- الكونغرس: يتكون من مجلسين: مجلس النواب + مجلس الشيوخ، حيث يتألف الأول من 22 لجنة دائمة، والثاني 17 لجنة، إضافة إلى لجان مختلطة مكلفة بالتنسيق بين المجلسين، وكذلك لجان متعادلة مكلفة بالتنسيق بين الجهاز الإداري وسياسة الكونغرس.

ووظيفة الكونغرس الذي يمثل السلطة التشريعية، صياغة القوانين وتنظيم العمل البرلماني.

يتمتع الكونغرس الأمريكي بسلطات حقيقية وهي على صنفين:

أ- السلطات المعلنة والصريحةles enumerated powers: التي كرسها الدستور، وهي تتعلق أولاً وبصورة تقليدية بسلطات وصلاحيات شؤون الميزانية والأمور المالية، وهي تتعلق أيضاً بالسلطات التجارية.

ب- السلطات المستترة: وهي سلطات ضمنية نابعة من الدستور، كالإشراف على الدفاع العام والسهر على تأمين الرفاهية في الولايات المتحدة.

كذلك يتمتع الكونغرس بامتيازات وصلاحيات في مجال القضاء، وأيضاً صلاحية إعلان الحرب.

- الرقابة القضائية (المحكمة العليا): إن الدستور الحالي وقوانين الولايات المتحدة الصادرة بشكل مطابق له، وكل المعاهدات المعقودة من قبل سلطات الولايات المتحدة تشكل القانون الأعلى للبلاد، الذي يرتبط به قضاة كل ولاية من الولايات، رغم أي وضع يخالف ذلك في دساتير أو قوانين أية ولاية من الولايات (المادة 6- الفقرة 2 دستور عام 1787). وهكذا فإن القانون يحدّده الدستور، والسلطة تحدّدها الحقوق، والسياسيون يضع لهم الحدود القضاة، كل القضاة. ومراقبة دستورية القوانين والإجراءات موزعة، فكل سلطة قضائية تستطيع أن تمارسها.

والمحكمة الاتحادية العليا مكونة من تسعة قضاة يعينون على مدّى الحياة، والرئيس هو الذي يختارهم، وبمصادقة من مجلس الشيوخ. يمثل المبدأ الاتحادي للولايات الأمريكية الـ 50، نظاماً فيدرالياً مركزياً، وهو بناء وقبول سلطة عليا تشرف وتنسق من فوق، فلكل ولاية من الولايات الأمريكية الخمسين حكومتها المنتخبة، وجهازها التشريعي الذي يضع القوانين، وشعبها الذي يُدعى إلى المشاركة في العديد من الاستفتاءات واستطلاعات الرأي، ودستورها الذي تحكم بتنظيم السلطة والحكم.

وصلاحيات الولايات تمس مجالات أساسية في الحياة اليومية لمختلف أبناء الشعب الأمريكي، والحقوق الدستورية تختلف من ولاية إلى أخرى، وتختلف الحقوق الجزائية أيضاً.