احتكار الوطنية واقصاء الآخر واتهامه بالعمالة والكفر اصبحت ظاهرة يمارسها العديد من القوي السياسية والحزبية وقاسما مشتركا بين معظم من يمارسون العمل السياسي في مصر فكل تيار يقدم نفسه علي انه يملك صك الوطنية وحارسها الامين والممثل الشرعي والوحيد للشعب المصري.

وانه بمفرده يملك الحقيقة المطلقة ومفاتيح الحل بينما ينظر لباقي التيارات الاخري نظرة من الشك والريبة وانها دائما علي باطل.
لماذا يحتكر كل تيار الوطنية لنفسه ويحجبها عن باقي القوي الاخري بل ويشكك في نياتها ومقاصدها؟ اليس الجميع مصريين وطنيين ومن حق كل طرف ان يدافع عن وجهة نظره التي يعتقد بصلاحيتها, ولماذا ينظر كل فصيل سياسي لمصالحه الحزبية الضيقة علي حساب مصلحة الوطن؟.

وفي ظل الحالة الضبابية التي يعيشها المجتمع المصري وتراجع دور اهل العلم المتخصصين فإنه في المقابل تتعالي اصوات النشطاء السياسيين الذين يقدمون انفسهم بوصفهم خبراء في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, حتي مجال الافتاء لم يسلم من ألسنتهم, وقد يفسر البعض هذا لأسباب منها ان الشارع المصري لم يتعود علي الديمقراطية وثقافة الاختلاف التي افتقدها منذ عقود طويلة وان ما يحدث امر طبيعي في فترات المد الثوري والتحولات الديمقراطية الكبري. في البداية يؤكد الكاتب الكبير فهمي هويدي ان الحقيقة المطلقة تدخلنا في مسائل عقائدية لكن ما يحدث الآن من اطلاق بعض التيارات السياسية الاتهامات للآخري ووصفها بعدم الوطنية والعمالة ينسف العملية الديمقراطية من أساسها ويرجع ذلك لعدم وجود خريطة تصويتية يمكن ان تعبر بصدق عن اوزان القوي السياسية المختلفة في الشارع خاصة في ظل غياب استطلاعات رأي حقيقية أو خبرات انتخابية حيث ترسخ لدي بعض هذه التيارات ان كثرة ظهور رموزها في وسائل الاعلام يمكن ان تؤهلها للحديث باسم الشارع, وفي الوقت نفسه اقصاء باقي القوي الاخري.

ويستطرد هويدي قائلا: ان ما يزيد من حدة ظاهرة احتكار الوطنية تصاعد احتقان الشارع وغياب الديمقراطية الحقيقية والدور الاعلامي الذي يمارسه بعض رجال الاعمال الذين يملكون المحطات الفضائية الخاصة وحساباتهم الشخصية في عزل اي تيار يمكن ان يتعارض مع مصالحهم, ومن جانب آخر الانطباعات الكثيرة المعكوسة, فوثيقة نبذ العنف ادت الي زيادة العنف, وهو ما يؤكد ان من تبني هذه الوثيقة لا يمثلون الشارع, وانما يمثلون انفسهم فقط لهذا فالمخرج الوحيد امامنا هو الديمقراطية الحقيقية.
وفي سياق متصل يؤكد الدكتور حسن نافعة استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان الميل لاتهام بعض التيارات للاخري بالعمالة وعدم الوطنية أمر في غاية الخطورة علي التجربة الديمقراطية مشيرا أن لدينا استسهالا, فكل من يختلف في الرأي والاتجاه او الايديولوجية أو المواقف فهو عميل لدولة أخري يتلقي تمويلا من الخارج دون اي ادلة او قرائن تؤكد ذلك فهو ميل غريزي للعديد من القوي والتيارات السياسية في مصر وهو يعبر عن عدم النضج السياسي وغياب الثقافة وحداثة التجربة الديمقراطية بعد فترة طويلة من الاستبداد والقمع وهو ما يفسر تفشي ظاهرة احتكار البعض للوطنية, فالبعض يقدم نفسه انه الوحيد الذي يملك التفسير الصحيح للدين او الحارس للوطنية وان من يخالفه فهو غير وطني وغير شريف او عميل لجهة أجنبية ومن اخطر آفات العمل السياسي في مصر الان الاتهام بالعمالة او الكفر عندما تتعارض وجهات النظر لذا يطالب باستصدار قانون يجرم اصدار فتاوي من غير المختصين حتي لا يخرج علينا كل من هب ودب ويصدر فتاوي القتل والكفر من آن لآخر.
ويتفق أحمد أبو بركة المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة مع رأي الدكتور حسن نافعة مؤكدا ان احتكار الوطنية هو بالفعل ظاهرة غريبة والتي يفسرها بانها من اهم ثمار الاستبداد الذي عايشته مصر لاكثر من ستين عاما لكنه يختلف معه في الوقت نفسه, حيث ان معظم القوي السياسية الموجوده علي الساحة الأن هي قوي مهترئة لا تملك الثقة أو القدرة علي تلبية رغبات الجماهير وليس لديها اي ادوات تمكنها من ان تنافس الاغلبية من خلال صندوق الانتخابات أو العمل الايجابي للتخفيف من معاناة رجل الشارع لكنها فقط تتشدق بالديمقراطية وتضع شروطا تؤدي للكفر بالعملية الديمقراطية.
ويضيف ابو بركة ان اسلوب المطالبة الدائمة للقوي السياسية يعتبر عن مدي الضعف والعجز الذي تعانيه, بدلا من نزولها وتكثيف وجودها في الشارع وبذل جهودها للتخفيف من معاناة الجماهير وعقد المؤتمرات الشعبية ليكون ذلك جواز مرورها للوصول إلي السلطة من خلال خوض الانتخابات والاحتكام للصندوق.
ويعتبر ابو بركة ان تصاعد العنف في الشارع هو انعكاس لحالة الضعف التي تواجهها بعض القوي وفشلها في تقديم حلول عملية يمكن ان تقلل من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعانيها البلاد وكسب ثقة الجماهير لكنها فقط تسعي لهدف وحيد وهو اغتصاب السلطة بصورة غير ديمقراطية وبدون مجهود عبر التصريحات النارية والمظاهرات والعنف والاعلام حتي لو كان ذلك علي جثث المصريين.
اما عبد الغفار شكر مؤسس حزب التحالف الشعبي والقيادي بجبهة الانقاذ فيري ان أي مجتمع توجد فيه تعددية وهناك مصالح متعارضة وطبقات مختلفة ولكل منها رؤي مختلفة لحل مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ويجب تقديرها حتي لو تم تغليفها بالطابع الاسلامي او الليبرالي ولابد ان نحترم الرأي الآخر وهي اهم قواعد الديمقراطية الحقيقية ودعائمها واذا لم نعترف بهذه التعددية فهنا يكمن الخطر فحق الاختلاف مكفول للجميع وهو لا يعني التخوين والانتقاص من وطنية الآخر.

ويبرر شكر الاحتقان في الشارع الآن وحدة المنافسة واللغة الخشنة والتشكيك بين القوي والتيارات السياسية المختلفة بأنه يرجع إلي اننا مازلنا نعيش في مرحلة انتقالية تعاد فيها صياغة مستقبل مصر وكل تيار يحاول فرض وجهة نظره فنحن نعيش مرحلة سيولة والمجتمع لم يعد له كبير فبعد ان تمكن طرف من الوصول الي السلطة يحاول اقصاء واستبعاد باقي القوي الاخري وفرض هيمنته وصياغة مستقبل مصر بمفرده.
ويؤكد شكر ان كل القوي والتيارات في مصر تقع عليها مسئولية ما يحدث الآن من عنف وهو رد فعل لمدي اليأس الذي يعانيه المواطن ولكن المسئولية الكبري تقع علي عاتق رئيس الدولة الذي يستطيع تخفيف حدة الاحتقان في الشارع بالدعوة الي حوار وطني حقيقي يتضمن عددا من القضايا العاجلة اهمها المشكلة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والتعديلات الدستورية, وان يتعهد الرئيس بتنفيذ ما جاء في الحوار من توصيات لتتحول إلي سياسات وهو ما سيؤدي في النهاية الي التوافق والمصالحة الوطنية وتفرغ كل القوي للمشاركة في صياغة مستقبل مصر بدلا من تناحرها.
اما صفوت عبد الغني عضو مجلس شوري الجماعة الاسلامية فيؤكد ان ادعاء كل طرف انه يملك مفاتيح الحل والحقيقة ليست المشكلة وانما تكمن المعضلة في تبادل الاتهامات واشعال الخلافات والانقسام والعنف وممارسة كل طرف الاقصاء للآخر فلكل تيار الحق في اعتبار ان ما ينادي به يخدم الوطن من وجهة نظره قائلا: اختلف ما شئت ولكن دون اقصاء للاخر او اتهامه بعدم الوطنية ولا بديل الان سوي الحوار في اطار المصلحة العليا للوطن بعيدا عن اي اختلافات أو مصالح حزبية أو شخصية ضيقة والتي يجب ان تكون في مرتبة ادني يعلوها مصلحة مصر, مشيرا إلي أن حزب البناء والتنمية والجماعة الاسلامية قاما بالدعوة لمليونية اليوم الجمعة تحت شعار نعم ضد العنف الي جانب مبادرتهما للحوار الوطني.

Ahram