دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الـمواطـنة في الدساتيـر الإسـلامية أطـروحات وإشـكاليات *

  1. #1

    افتراضي الـمواطـنة في الدساتيـر الإسـلامية أطـروحات وإشـكاليات *

    الـمواطـنة في الدساتيـر الإسـلامية أطـروحات وإشـكاليات * منقول للإفادة الكاتب ////////////// سامح فوزي ، باحث في قضايا المواطنة - مصر (1) إطـلالة أولـية يُعد مفهوم المواطنة Citizenship من المفاهيم الأساسية في الأبنية الدستورية والقانونية والاجتماعية في الدولة الحديثة. ويعني المفهوم ثلاثة أبعاد أساسية: قانونية، سياسية، اقتصادية اجتماعية. تعني المواطنة القانونية المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق. وعادة ما تكون رابطة الجنسية معيارا أساسيا في تحديد ماهية المواطن. وتشمل الحقوق السياسية- المدنية مثل الحق في الانتخاب، والترشيح، والتنظيم. أهم الحقوق السياسية هو المشاركة في الانتخابات ترشيحا وتصويتا، وأهم الواجبات دفع الضرائب المستحقة علي كل مواطن وفق القوانين والإجراءات الضريبية المعمول بها. وتنطوي الحقوق المدنية علي الحريات الشخصية، والحق في الأمان، والخصوصية، والاجتماع، والحصول علي المعلومات ، فضلا عن حرية الاعتقاد والتعبير. وفي قلب الحقوق المدنية تأتي حرية تشكيل تنظيمات مدنية – الأحزاب والنقابات والمنظمات غير الحكومية- وحرية الانتقال والحركة والمقاومة السلمية، والحق في محاكمة عادلة. أما المواطنة الاجتماعية فهي تشمل جملة من الحقوق الاقتصادية- الاجتماعية ليس فقط الحق في الملكية، ولكنها تمتد إلي الحقوق المرتبطة بممارسة العمل، مثل الحصول علي أجر عادل، وعطلة دورية، والحق في الإضراب، والتفاوض الجماعي. ويتعين وجود سلطة قضائية مستقلة، قادرة علي حماية حقوق الأفراد من أي افتئات عليها سواء من جانب مختلف أجهزة الدولة، أو علي يد الأفراد أنفسهم في علاقاتهم بعضهم بعضا. هذا إلي جانب منظمات فاعلة للمجتمع المدني- وبالأخص المنظمات الحقوقية والإعلامية- التي تنهض دائما علي حماية حقوق الأفراد، وصيانتها، والكشف عن كافة صور الانتهاك الذي قد يتعرضون له. ويُلاحظ أن المواطنة القانونية هي أول صور المواطنة التي عرفتها البشرية في شكل إقرار حقوق وواجبات متساوية، ولكنها ذات طبيعة استاتيكية. وتكتسب المواطنة ديناميكية وتفاعل في ظل ما يعرف بالمواطنة التفاعلية، وتعني المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، وتخفيض مستوي القيود القانونية المفروضة علي دخول فاعلين سياسيين المجال السياسي العام، مثل الأحزاب والحركات السياسية، فضلا عن ضمان حرية ونزاهة العملية الانتخابية. وتعني المواطنة الاجتماعية بتطوير جودة الحياة بالنسبة للمواطنين، وحق كل مواطن في الحصول علي نصيب عادل من الخدمات العامة، وما يستتبعه ذلك مواجهة قضايا الفقر، وارتباط الثروة بالسلطة السياسية، وكل المظاهر التي تحط من شأن المواطن علي الصعيد الاجتماعي . وأخيرا،رغم استقرار هذه الأجيال المتتابعة، والمتداخلة من حقوق المواطنة، يكثر الحديث عن جيل رابع جديد هو "المواطنة الثقافية"، التي بموجبها يتمتع الفرد بحقوق التعبير عن ثقافته العامة والفرعية، دون قيود أو عقبات. العلاقة بين حقوق المواطنة والدستور الإسلامي متشابكة. فمن ناحية أولي أن كلا المفهومين، أي المواطنة والدستور الإسلامي حديثان. وتلعب الخبرة التاريخية للمجتمعات، ما تسودها من ثقافات، وعلاقات بين أغلبيات وأقليات- من ناحية ثانية- دورا مهما في تحديد شكل هذه العلاقة. وأخيرا فإن الاستقطاب الحاد في العلاقة بين الدين والدولة الذي نشهده منذ عقود في المنطقة العربية أثر علي شكل هذه العلاقة، وجعل منها عائقا للتحول الديمقراطي الشامل. من هنا فإن علاج هذه الإشكالية يمثل مدخلا مهما ليس فقط للاستقرار الدستوري، ولكن للتنمية السياسية، وبناء رأس مال اجتماعي حقيقي في المجتمعات العربية، وبعث مناخ من الثقة في العلاقة بين الجماعات المتنوعة. من هنا فإن الاقتراب إلي الموضوع يتطلب ثلاثة مهام أساسية: أولا: النظر إلي حقوق المواطنة في الخبرة الدستورية الإسلامية، والتي تعكس مساحة واسعة من التنوع من ناحية النظر إلي وضعية الدين في البناء الدستوري، وحقوق المواطنة، والحريات الأساسية الواردة فيه. ثانيا: الوقوف علي مستوي إدراك مشروعات الدستور الإسلامي المختلفة لمفهوم المواطنة، دون السعي إلي محاكمة هذه المشروعات وفق ما آل إليه المفهوم في الوقت الراهن، وما طرأ عليه من أجيال تطورية، من مواطنة قانونية، ثم سياسية، ثم اجتماعية اقتصادية، وانتهاء بالثقافية. ثالثا: محاولة استكمال الصورة، من خلال إلقاء النظر علي مجمل الاجتهاد الإسلامي في مسألة المواطنة في ضوء ما آل إليه المفهوم، ومحاولة إيجاد مناطق التقاء بين المواطنة والدستورية في الوعي الإسلامي المعاصر. (2) الإسلام والدستور هناك عدد من الملاحظات يتعين تسجيلها عند بحث العلاقة بين الإسلام والدستور: أ‌- إن الحركات والقوي الإسلامية التي تطالب بالاحتكام إلي القرآن بوصفه دستورا للمسلمين، لم تغفل، بل أكدت علي أهمية وجود دستور مكتوب يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وطبيعة عمل مؤسسات الدولة، والحقوق والحريات الأساسية المكفولة للأفراد. ونظرا لأن الدول التي تقطنها أغلبيات مسلمة تمتد شرقا وجنوبا، وتسيطر عليها ثقافات متباينة، وخبرات تاريخية متفاوتة، وعلاقات اجتماعية تقادم بها العهد، يصبح من الصعب تصور إمكانية أن يوجد دستور موحد، تتشابه مواده، يحكم المسلمين في كل مكان. الواقع أنه مهما أتحد مصدر استلهام الدستور، أعني القرآن والسنة، فإن الخصوصيات الثقافية والحضارية لابد أن تنعكس علي النص الدستوري. ب‌- تأسيسا علي ما سبق يمكن النظر إلي خبرات دول تقطنها أغلبيات مسلمة، وقد عكست تجاربها الدستورية تنوعا واختلافا. في ماليزيا ينص الدستور علي أن "الإسلام هو دين الإتحاد الفيدرالي، وتجري ممارسة الأديان الأخرى في سلام ووئام في أي مكان في الاتحاد الفيدرالي" (المادة 3)، ويلاحظ أن الدستور منح حق ممارسة الشعائر الدينية للأديان غير السماوية، وهو ما يتضح من نص المادة (8) التي تحظر التمييز- بالمطلق- بين الأفراد بسبب الدين أو العرق أو مكان الميلاد. ويحوي الدستور حزمة من الحقوق والحريات الأساسية التي يتمتع به الأفراد مثل الحق في السلامة، والمساواة أمام القانون، وحظر العبودية، وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والتنظيم، وحظر كافة أشكال العمل بالسخرة. وينفرد الدستور الماليزي بإقرار حق كل شخص بأن يعترف بديانته، ويمارسها بحرية، بل ويروج لها. ومن حق كل جماعة دينية أن تمتلك وتدير مؤسساتها، بما في ذلك المؤسسات التعليمية. وذكر أن من حق الدولة أن تنشئ أو تعين مدارس إسلامية، وتنفق عليها من المال العام (أنظر المواد من 5-13). وتمارس الدولة الماليزية من خلال الاتحاد الفيدرالي بعض القيود علي الوحدات المكونة لها في مسألة الاختيارات السياسية والتشريعية خاصة في الولايات التي تحكمها أحزاب إسلامية، وذلك حتى تبقي الدولة إجمالا علمانية متعددة الثقافات. ورغم أن الدستور يعطي وضعا خاصا للإسلام، ويسمح بوجود محاكم شرعية، ويعزز من الحضور الإسلامي علي الصعيدين المالي والتعليمي، إلا أنه في التحليل الأخير ينطوي علي ضمانات تحول ممارسة أي نوع من التمييز ضد غير المسلمين، الذين لا يخضعون للتشريعات الدينية. وعندما عُدل الدستور في اتجاه تعزيز حقوق المرأة، ومواجهة التمييز ضدها جاء ذلك علي خلفية إدراك عام بأن ذلك يتفق مع الإسلام، كما يدركه المواطن الماليزي . وفي اندونيسيا، الأخ الأكبر لماليزيا نجد دستورا مختلفا تماما. ينص الدستور علي أن السيادة يمارسها الشعب طبقا للقانون (المادة 1)، والدولة الاندونيسية ليس لها دين، لكنها تؤمن بالإله الواحد (المادة 7)، والمواطنون أمام القانون سواء، وتضمن الدولة لكل شخص أن يمارس معتقده الديني (المادة 29)، ولا يشترط ديانة للرئيس الاندونيسي (المادة 3)، ويُقسم الرئيس ونائبه- قبل مباشرة عملهما- قسما مدنيا يعلنان فيه خضوعهما للدستور، وتعهدهما بخدمة مصالح أبناء الوطن. وخلاف ذلك يتمتع المواطن بحزمة من الحقوق مثل الحق في العمل والحياة الكريمة، والتعليم، وتعول الدولة الفقراء والأطفال المشردين (المواد من 27- 34). وفي تركيا،حيث يوجد دستور علماني، كل الأفراد متساويين أمام القانون دون تفرقة بسبب اللغة أو العرق أو اللون أو الجنس أو الرأي السياسي أو المعتقد الفلسفي أو الدين أو الطائفة أو أي اعتبار آخر، والمرأة مساوية للرجل، وتتعهد الدولة بضمان تحقق هذه المساواة عمليا (المادة 10). وينص الدستور علي "حرية الضمير والاعتقاد الديني وحرية ممارسة الشعائر الدينية بما لا يخالف النظام العلماني للجمهورية التركية الذي يستند إلي احترام حقوق الإنسان (المادتان 14و24). ويتمتع المواطن- في ظل هذا الدستور- بجملة من الحقوق الأساسية مثل الحق في الحياة، والحق في تنمية هويته الروحية والمادية، والحق في الخصوصية، وحرية الاتصال، وحرية التنقل والإقامة، وحظر كافة أشكال العمل بالسخرة (المواد من 12-24) . ت‌- مما سبق يتضح أن ممارسة "التعددية"- دستوريا وسياسيا- لا تحتاج إلي نظام علماني، علي غرار النموذج الأوربي، مثلما يتصور البعض، ولكن تحتاج إلي إدراك عميق لمفهوم التنوع، وبخاصة أن في الخبرة والممارسة الإسلامية ما يسمح بذلك. وكلما نحي النظام الدستوري صوب إدراك التنوع والاختلاف، وإن قرر وضعا خاصا لديانة أغلبية المواطنين، آخذا في اعتباره الخبرة التاريخية، والميراث الثقافي للمجتمعات، كان ذلك عاملا أساسيا علي تحقيق التوافق بين الإسلام والدستور. والعكس صحيح، في المجتمعات المتعددة دينيا وثقافيا، كلما كان هناك حرص علي فرض نصوص إسلامية في الدساتير لا تستوعب التمايزات الثقافية والسياسية والاجتماعية، كان ذلك سببا للتوتر، وعدم الاستقرار، وربما تفسخ عري المجتمع برمته. وهناك العديد من الخبرات السياسية الدالة علي ذلك، السودان ليس بعيدا عنها. ث‌- هناك عدد من المبادئ الأساسية في مجال تحقيق حقوق المواطنة الكاملة دستوريا يدور حولها ما يشبه الاتفاق في أي دستور ليبرالي إسلامي. ومهما اختلف شكل النظم السياسية وتنوعت، ستظل هذه المبادئ هادية وحاكمة. البعض يعيد هذه المبادئ إلي ما يعرف بدستور "دولة المدينة"، وهي الوثيقة وضعها الرسول محمد عقب الهجرة إلي المدينة. من ملامحها الأساسية إحلال الرابطة الدينية محل الرابطة القومية في تقرير حقوق المواطنة، وبالرغم من ذلك، فإنها أدركت المواطنة علي إنها ارتباط بالأرض، وهو ما يشكل جوهر المفهوم الحديث للمواطنة . فقد شملت الوثيقة المسلمين في المدينة، سواء الذين هاجروا إليها قبل الوثيقة أو بعدها، كما شملت غير المسلمين علي اعتبار أن اليهود المقيمين في المدينة من مواطني الدولة، وحددت ما لهم من الحقوق وما عليهم من واجبات. ونصت الوثيقة علي العدل والمساواة، وبعض المبادئ القانونية مثل القصاص وشخصية العقوبة، الخ . ويحدد الدكتور محمد سليم العوا عددا من المبادئ الأساسية التي يتعين وجودها في أي نظام إسلامي هي الشورى، والمساواة، والعدل، ومساءلة الحكام، والحرية. ومن خلال استعراضه لهذه المفاهيم، في ضوء النص والممارسة، خلص إلي أن ممارستها "حق" و"واجب" أكثر من كونها رخصة . وقد اجتهد د.العوا وآخرون في مراجعة مفاهيم استقرت في الأبنية السياسية والقانونية لبعض الدول الإسلامية لعقود طويلة مثل مفهوم "أهل الذمة"، وهو يشكل نقيضا للمواطنة بمعناها الحديث. وفي هذا يري د.وليم سليمان قلادة بأن "الفكرتين، أي الذمية والمواطنة، تصدران من منطلقين لا يمكن التوفيق بينهما. فالذمية تعبير عن حالة الغزو وحكم الفاتحين، والمواطنة تعبير عن حركة المحكومين لاستخلاص السلطة لأنفسهم من الحكام الذين يحكمون لصالح أنفسهم، فإن الذي أجرته هذه الحركة هو علي وجه التحديد نسخ مبدأ الذمة، وإحلال المواطنة مكانه، التي قامت علي أساس العقد الاجتماعي بين مكونات المحكومين، ونتيجة لواقعة تفريط الحاكم في سيادة البلاد ثم استردادها بواسطة المحكومين معا" . وفي رأي الدكتور العوا أن الذمة انتهت بوقوع الدول الإسلامية في فبضة الاستعمار، ومشاركة أبنائها، مسلمين وغير مسلمين، في تحريرها من المستعمر، واستحقوا بذلك جميعا المواطنة المتساوية . ويذهب الدكتور أحمد كمال أبو المجد إلي أن برنامج العمل الذي يتبعه المسلمون، بوصفه إسلاميا، يجب أن ينطلق في خدمة الوطن بكل فئاته. وهو ينبع من قيم الإسلام، التي لها جذور عميقة عند المسلمين، ولها كذلك رصيد عند المسيحيين. وأضاف أن الحل الصحيح لمشكلة الطائفية هو حرية العقيدة والعبادة، وحق الأغلبية في إنفاذ مشيئتها ولكن مع تقرير الحقوق الكاملة للأقلية. وفي هذا الخصوص فإن الموقف الصحيح من الأقليات غير المسلمة يقوم علي تقرير المساواة الكاملة بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق المدنية والسياسية، متجاوزين عن مفهوم "أهل الذمة" الذي اخذ في التطبيق التاريخي صورا ومظاهر أدني من المساواة الكاملة،وأدني من الضمانات التي يكفلها المجتمع الإسلامي لغير المسلمين. وفي كل الأحوال فهو ليس حكما إسلاميا ثابتا يجب إتباعه، وإنما هو موقف تاريخي للمسلمين وحكامهم، صنعته ظروف وملابسات تاريخية لم يعد أكثرها قائما، وليس الجيل الحالي ملزما بالآخذ بها . ج‌- في العالم العربي سعت الدول التي تخلصت من الاستعمار في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين إلي بناء دولة قومية، حافظت فيها علي الطابع العلماني الموروث عن الخبرة الاستعمارية، ولكن مع إقرار وضع خاص للإسلام في دساتيرها، سواء كان دينا للدولة، أو النص علي أن الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع. وقد حكمت العلاقة بين الدين والدولة علي أرض الواقع اعتبارات معقدة، أبرزها الخبرة التاريخية لهذه المجتمعات، وتوظيف الدين مصدرا للشرعية السياسية، وتصاعد الحركات الإسلامية، وانكماش قاعدة التأييد للنظم السياسية، وتآكل الانجاز الحقيقي، وتوالي الهزائم الخارجية، كل ذلك أدي إلي تحول العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة إلي أحد محاور الصراع، وعامل لتعطيل التنمية السياسية في هذه المجتمعات. فقد دخل الدين ما يمكن أن نطلق عليه "منطقة الصيد"، بمعني أنه تحول إلي مصدر متنازع عليه للشرعية، والحركة السياسية، والتغلغل الجماهيري بين النظم الحاكمة والحركات الإسلامية، وهو ما أضفي علي هذه القضية عوامل اشتعال، في الوقت الذي تراجع فيه الاجتهاد السياسي والفقهي الحقيقي . (3) المشروعات الدستورية الإسلامية في ظل المد الديني الذي شهدته المنطقة العربية، وبالأخص مصر، منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي سارت هناك دعوي لوضع دساتير إسلامية خالصة، تجسد النظام الإسلامي، وتحول البلاد إلي دول دينية. الملفت أن هذه المشروعات الدستورية وضعت بمعزل عن الاجتهادات الفقهية والقانونية المعتبرة في المنطقة العربية، التي رغم قلتها، كان لها تأثيرها وحضورها في العقل الديني والقانوني العربي. كما أن هذه المشروعات الدستورية- التي ظهر معظمها في مصر- وضعت بمعزل عن الخبرات الدستورية في الدول التي تقطنها أغلبيات مسلمة. وهكذا جاءت فقيرة في بنائها القانوني، تعكس سقفا فقهيا أقل مما تعارفت عليه الخبرة المصرية ذاتها. هذه المشروعات علي سبيل الحصر هي المشروع الذي وضعه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تطبيقا لتوصية مؤتمره الثامن بالقاهرة في أكتوبر عام 1977م، وجاء مشروعان دستوريان آخران هما مشروع المستشار الدكتور مصطفي كمال وصفي ، والمستشار الدكتور علي جريشة يعبران عن قراءتين مختلفتين لمشروع مجمع البحوث الإسلامية، سواء بتكرار بعض مواده، أو بتفصيل البعض الآخر، أو اختصار بعضها، أو بإيضاح المسكوت عنه فيها، أو بالتعبير الصريح عن الاختلاف مع بعض المواد الواردة فيه. إلي جانب هذه المشروعات الدستورية الثلاثة هناك مشروع دستوري رابع أقره المجلس الإسلامي العالمي في إسلام آباد في 10 ديسمبر 1983م. وقبل قراءة هذه المشروعات يحسن التوقف أمام قضية أساسية هي التكوين الفكري الذي يكمن خلفها، وبالتحديد المشروعين اللذين وضعهما المستشارين مصطفي كمال وصفي وعلي جريشة، ويعبر كلاهما عن تيار ديني ظهر بين رجال القضاء المصري، يحمل بين طياته العودة إلي آراء فقهية متشددة في التعامل مع القضايا، لم تأخذ في اعتبارها- علي وجه الخصوص- الفقه المصري التقليدي، المتسامح مع التعددية بكافة صورها، والذي هو نتاج واقع اجتماعي مختلف، عن الواقع الذي ظهرت فيه الآراء الفقهية المتشددة التي أرتكن إليها مشروعا كل من المستشارين مصطفي كمال وصفي وعلي جريشة . وبصفة عامة فإن العلاقة بين المواطنة والدستور في مشروعات الدساتير الإسلامية "شائكة". مبعث ذلك يعود إلي عدم تزامن إدراك كلا المفهومين في الخبرة الإسلامية المعاصرة. في الوقت الذي اهتم فيه العلماء المسلمون والتيارات الإسلامية بمسألة الدستور الإسلامي في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين لم يكن مفهوم المواطنة متبلورا علي النحو الذي نراه اليوم. وعندما تبلور مفهوم المواطنة، واكتملت معالمه، واحتل مساحة من النقاش العام في منتصف التسعينيات، لم يحدث اجتهاد إسلامي جاد لاستيعاب المفهوم بدلالاته، ومحاولة الخروج من ذلك بدستور إسلامي يأخذ في الحسبان التحولات التي طرأت علي حقوق المواطن في حقل المعرفة والممارسة، محليا وكونيا. بل علي العكس، انصب المشروع الإسلامي- في جزء كبير منه- علي الحركية، وتراجع بشكل واضح الاجتهاد الفكري، بل لم يعد هناك تركيز علي مسألة الدستورية ذاتها في ضوء النزوع المفرط للتسييس. غياب تزامن إدراك كلا المفهومين حول هذه المسألة إلي جزء من السجال الإسلامي- العلماني التقليدي، وأشاع مناخا من الاتهامات المتبادلة. هناك من يري أن الطرح الإسلامي، وبخاصة في مجال الاجتهاد الفقهي والمشروعات الدستورية لم يرق إلي استيعاب مجمل مشتملات مفهوم المواطنة، بمعناه الحديث، وهو بالتالي طرح لم يستوعب بعد الدولة الحديثة التي تستند إلي هذا المفهوم. وهناك من الإسلاميين من يدفع الاتهام بنفي مفهوم المواطنة ذاته، واعتباره غربيا، لا يعرفه الوعي الإسلامي، قديما أو حديثا. وأكثر من هذا، هناك من يتجه إلي القول بأن السجال حول هذه المسألة عديم الجدوى بعد أن فض دستور دولة المدينة الاشتباك، وهو أول دستور إسلامي أقر المواطنة، قبل أن تبلغها دساتير العالم. بصرف النظر عن هذه الآراء، فإنه من المفيد إلقاء نظرة تحليلية معمقة علي هذه المشروعات الدستورية ومحاولة الخروج منها بخلاصات محددة. أ‌- الحديث عن دولة "الرسالة". يعني الدستور- في أبسط معانيه- القانون الأساسي في الدولة، الذي ينطوي علي المبادئ التي تتأسس عليها الحكومة، وتباشر عملها، وكذلك المبادئ التي تنظم عمل السلطات السيادية، وحدود العلاقات فيما بينها. المعني الكامن في الدستور هو تنظيم العلاقات بين سلطات الدولة، وبين المواطن والسلطة في حدود إقليم جغرافي معين، يتمتع سكانه بالمواطنة، أي التمتع بالحقوق وتحمل الواجبات المنصوص عليها في الدستور. مشروع الدستور الإسلامي- علي النحو الذي طرح عليه- مختلف في معناه ومبناه. الدستور الإٍسلامي ُيراد به أن ينظم دولة "رسالة"، وليست دولة قومية لها وظائف معينه. يشرح ذلك بوضوح أبو الأعلى المودودي ".....ليست المهمة الحقيقية التي تتولاها الدولة الإسلامية في الأرض هي أن تعمل علي إقامة الأمن والدفاع عن حدود البلاد أو رفع مستوي معيشة الأهالي، فما هو الغرض الأقصى والغاية العليا من وراء قيام الدولة الإسلامية، فإن الميزة التي تميزها عن سائر الدول غير المسلمة هي أن تعمل علي ترقية الحسنات التي يريدها الإسلام أن يحلي بها الإنسانية وتستفيد جهودها في استئصال السيئات التي يريد الإسلام أن يطهر منها الإنسانية" . ينص مشروع المستشار علي جريشة في مادته الأولي علي أن "الإسلام دين الدولة، وعقيدته المصونة، وشريعته واجبة، ومشروعيته هي العليا فوق كل النصوص، ومصدره الأساسي الوحي: قرآنا وسنة، وكل ما يخالفه رد وباطل". وتستمد السلطة شرعيتها من "إقامتها لشرع الله، رضي الأمة بها. ولها حق الطاعة، وحق النصرة، فضلا عن حراسة الوجدان- ما أطاعت الله ورسوله" (المادة 3). ويقوم المجتمع علي "العقيدة ويصونها، ويحكم الشريعة ويحميها، ويلتزم الأخلاق الفاضلة ويذود عنها، ويعلي شعائر الدين ويعظمها، ويدفع بالغزو الفكري بكل صوره ويشيع الثقافة النافعة، ويسقط القدوات السيئة ويقتدي برسول الله صلي الله عليه وسلم ومن تبعه. ويتخذ الجهاد سبيلا لتربية أبنائه، وتحقيق أهدافه" (المادة 34). ويشدد علي أنه "إذا جاع المسلمون فلا مال لأحد" (المادة 32)، دون أي إِشارة إلي المواطنين الآخرين من أديان أخري الذين من المحتمل تعرضهم إلي خبرة الجوع. ويؤكد المشروع أن الجهاد ضمن رسالة الدولة "الجهاد ماض إلي يوم القيامة إعلاء لكلمة الله، والإعداد له واجب المجتمع والدولة والقوات المسلحة جزء من الأمة المدربة روحيا وماديا لحراسة الحدود وحفظ النظام، ويجري تدريب أفراد الأمة بما يكفل التعبئة الفورية في أي ظرف. وينظم القانون ذلك" (المادة 41). ويشير مشروع مجمع البحوث الإسلامية إلي التزام "الدولة بتعليم المسلمين الأمور المجمع عليها من الفرائض والسيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين دراسة وافية علي مدار سنوات التعليم" (المادة 12)، وتلتزم كذلك "بتحفيظ ما تيسر من القرآن الكريم في جميع سنوات التعليم حسب أنواع الدراسة، كما تنشئ معاهد خاصة بالقرآن لتحفيظه لمن عدا الطلاب، وتطبع المصحف الكريم وتيسر تداوله" (المادة 13). ويتضح رسالة الدولة في هذا المشروع فيما نصت عليه من صلاحيات للأمير (رئيس الدولة) فهو "مسئول عن قيادة الجيش لجهاد وحفظ الثغور وتراب الوطن وإقامة الحدود وعقد المعاهدات بعد إقرارها" (المادة 56)، وهو كذلك "مسئول عن تمكين الأفراد والجماعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء الفروض" (المادة 57). في مشروع المستشار مصطفي كمال وصفي تظهر رسالة الدولة في هداية المسلمين، والحفاظ علي عقيدتهم، وحمايتهم من أنفسهم في مشهد يقترب من وظيفة "الكنيسة" في المسيحية. أساس المجتمع هو "الإيمان بالله تعالي والتوحيد طبقا للعقيدة الإسلامية، والتضامن بين المسلمين شعب وسلطة" (المادة 5). وتنص (المادة 11) علي "المسلمين جميعا إقامة فروض الكفاية، القادر منهم بفعلها وغير القادر بالحض عليها. وتكفل الدولة تمكينهم من إقامتها، ولها إجبارهم عليها". وفي السياق نفسه تشير (المادة 12) إلي أن "ذمة المسلمين واحدة ويسعي بها أدناهم، ويمثل المسلم جماعة المسلمين، فيما يقوم به من ممارسته لحريته العامة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وله أن يقيم دعوي الحسبة دفاعا عن الصالح الإسلامي العام". وشرط أساسي علي المسلم أن يكون "منتميا لمسجد حيه أو قريته" (المادة 28). والمساجد والجوامع لها "شخصية قانونية وذمة خاصة، ويمثلها من يختاره أحد أهل الحل والعقد…" (المادة 31)، ويفسر ذلك إلي حد بعيد أسباب تضييق مفهوم الأمة علي المسلمين فقط دون غيرهم، لأن المساجد تؤدي وظيفة دستورية مهمة في إفراز أهل الحل والعقد . ويشدد المشروع الدستوري علي أن "لأركان الإسلام والعبادات وظائف اجتماعية تضامنية لا يجوز الإخلال بها وتكفل الدولة إقامتها" (المادة 36). وفي مشروع دستور المجلس الإسلامي العالمي تظهر ولاية "الجهاد" فريضة تقوم بها الدولة، وتهيئ شعبها لها (المادة 57 وما تلاها حتى المادة 60) ب‌- تحدي التوفيق بين الأمة والدولة تنهض دولة الرسالة علي نشر الإٍسلام، والذود عن أمة المسلمين. من هنا واجهت مشروعات الدساتير الإسلامية تحدي التوفيق ما بين "الدولة" و"الأمة" في تحديد الانتماء، والهوية. هذا أمر متوقع ومفهوم في ضوء شيوع الارتباط بمفهوم "الأمة الإسلامية"، في الوقت الذي لم يستقر بعد في الوجدان الإسلامي- بشكل عام- مفهوم الدولة القومية، بما تعنيه من دلالات، وما تستتبعه من تنظيمات. هنا تبدو المفارقة. الدستور يوضع من أجل دولة، أما في خبرة مشروعات الدساتير الإسلامية فهو يوضع من أجل دولة وأمة . يفسر ذلك أسباب غياب مفهوم "المواطنة" بمعناه الواسع، لارتباطه بالدولة القومية الحديثة، وشيوع استخدام مصطلحي "الفرد" و"الناس"- بديلا له- لارتباطهما بكيانات اجتماعية وسياسية فضفاضة، لا تحدها فواصل أو حدود، مثل مفهوم الأمة الإسلامية. يوضح ذلك السجال الذي دار بين الدكتور مصطفي كمال وصفي والمستشار الدكتور علي جريشة من ناحية، ولجنة صياغة الدستور الإسلامي في مجمع البحوث الإسلامية حول المادة الثانية من مشروع الدستور الإسلامي، التي تنص علي أنه "يجوز أن تتعدد الدول في الأمة الإسلامية، وأن تتنوع أشكال الحكم فيها". وقد أشار الدكتور وصفي إلي أن الأصل هو وحدة الأمة الإسلامية، والتعدد لم يجزه الفقهاء إلا عند الضرورة، وهو نفس المنحي الذي اتخذه المستشار علي جريشة. وفي المشروعين اللذين قدماه كلاهما نجد تأكيدا واضحا علي هذا الأمر. تنص المادة الأولي في مشروع الدكتور وصفي "المسلمون أمة واحدة"، وتأكيدا علي ذلك دعا في المادة الثالثة إلي "الدفاع عن الأقليات الإسلامية، والدول الإسلامية المعرضة للغزو ومعاونتها ونصرتها والعمل علي تحريرها واجب علي جميع المسلمين". وفي مشروع المستشار جريشة تنص المادة الثانية علي أن "الأمة الإسلامية أمة واحدة، أفضلها عند الله أتقاها، وتسقط حواجز الحدود والقوميات والعصبيات" . والمسألة هنا لا تتعلق بالانتماء إلي انساق حضارية أو ثقافية أو دينية أممية، فهذا أمر شائع في بقاع عديدة من العالم، ونموذجه الأشهر الحضارة الغربية، ولكن تتصل القضية برمتها بالترتيبات الدستورية التي تحكم علاقة المواطنين بالكيان السيادي الأعلى الذي ينتمون إليه، أعني بذلك الدولة. فقد أدي تجاوز الدولة إلي الأمة دون ترتيب أوضاع المواطنة في إطار إقليم الدولة إلي ظهور نزوع تلقائي نحو "تديين المواطنة"، واعتبار الإسلام وطن، والمواطن يجب أن يكون مسلما بالضرورة. وهو أمر يحتاج إلي مزيد من الشرح والتحليل. ت‌- المواطن في دولة "الرسالة" دستور دولة "الرسالة" الذي يقف عند منطقة وسط ما بين الدولة القومية والأمة الإسلامية، لا بد أن يستخدم مصطلحات حيادية تخاطب "الجموع" الذين يدينون بالإٍسلام بصرف النظر عن ثقافاتهم، وينحي جانبا- بشكل تلقائي- الأوصاف التي تربط المواطن ببقعة جغرافية محددة بوشائج قانونية وسياسية وثقافية، وفي مقدمتها مفهوم المواطنة. يترتب علي ذلك أن يصبح المواطن "مسلما"، وغير المسلم "ذميا" أو "مقيما" في دولة الرسالة الإسلامية، غير معدود ضمن أفراد الأمة. في مشروعات الدساتير الإٍسلامية شاع استخدام مصطلحي "الفرد" و "الناس" علي حساب مفهوم "المواطنة". ويٌعد "الفرد" مفهوما اجتماعيا مهما، يرتبط- في الأساس- بالمجتمع الحديث الذي من خصائصه الإرادة الحرة لأفراده، وتنوع الروابط المدنية التي تقوم علي عضوية الأفراد، وتراجع دور مجتمع ما قبل الدولة، وهو المجتمع الذي أعلي من شأن الروابط الامتدادية الإلزامية- من أسرة وقبيلة وعشيرة وجماعة دينية- علي حساب الروابط الاختيارية الحرة للأفراد. وبالرغم من ذلك، فإن مفهوم "الفرد" يستخدم في هذا السياق بديلا لمفهوم "المواطن"، ليس تعبيرا عن الفرد القانوني ذي المشيئة الحرة، ولكن للإشارة إلي أحاد الناس، وهو أمر له دلالات معقدة خاصة إذا ورد في نص دستوري. مفهوم المواطنة قانوني ودستوري، يكفل للمواطن حقوقا وواجبات. هو أساس التعاقد بين المواطن والدولة، تجسده رابطة الجنسية. أما مفهوم الفرد فهو اجتماعي يُخرج الشخص من أسر الجماعية المفرطة، ويجعله يتمتع بحقوق وحريات يكفلها له انتماؤه للأسرة الإنسانية، بوصفه "وحدة" إنسانية في ذاته. وعليه، فإن مفهوم المواطنة يرتبط بإقليم معين، أما مفهوم الفرد فهو كوني. المواطنة ترتبط بحزمة من المفاهيم الفرعية مثل الانتماء، والولاء، والمشاركة. أما مفهوم الفرد فيرتبط بحزمة أخري من المفاهيم في مقدمتها "الخصوصية"، "التميز"، و"الشخصية". المواطن يجب أن يكون فردا بالضرورة، ولكن ليس كل فرد مواطنا بالضرورة. أما مصطلح "الناس" فهو يشير إلي الجمهور، أو التجمعات البشرية، ولكن بشكل هلامي، دون تحديد اصطلاحي، أو ضبط مفهومي، مما يجعله يندرج في إطار المصطلحات "الفضفاضة" التي لا يمكن التعويل عليها في نص دستوري، يتعين أن يتسم- بحكم التعريف- بدرجة عالية من الضبط. مرة أخري نري الفارق بين الاصطلاحين، الناس والمواطنين. الناس يشير إلي الجمهور الذي يشترك في خصائص اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية معينة مثل التقاليد أو اللغة أو المذهب الديني المشترك، أما المواطنون فهم يرتبطون- رغم تنوعهم- برابطة مشتركة، تصنعها الحقوق والواجبات المشتركة، ويسهم في تعميق أواصرها خبرة التاريخ المشترك. مصطلح "الناس" يشير إلي ما هو مشترك بين مجموعة كبيرة من الأفراد، قد يكون الانتماء إلي مجتمع أو قبيلة أو جماعة دينية، لكنه لا يرتب حقوقا أو واجبات بشكل نهائي وحصري، خلافا لمفهوم المواطنة. في مشروعات الدساتير الإسلامية- بتنوعها- يظهر المواطن مسلما، وغير المسلم هو من أهل الذمة، رغم إقرار المساواة بينه وبين المسلم في الحقوق والواجبات . في هذا المقام ينص مشروع الدستور الذي وضعه المجلس الإسلامي العالمي في (المادة 14-ب) علي أن "مواطنة الدولة الإسلامية حق لكل مسلم. وينظم القانون ممارسة هذا الحق". وينص كذلك علي أنه "أ- لا إكراه في الدين. ب- الأقليات غير المسلمة لها حق ممارسة شعائرها الدينية.ج- الأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شرائعهم، إلا إذا آثروا هم أن يتحاكموا فيها إلي شريعة الإسلام، وذلك مع مراعاة ما ينص عليه القانون" (المادة 16). وفي مشروع الدستور الذي وضعه المستشار علي جريشة نجد أن الدولة ترتبط وجودا وعدما بخدمة الإسلام والمسلمين، ووجود غير المسلم بها يكون من باب الاستثناء، ُتقر له حقوق وواجبات المسلم، ولكن دون أن يكون له ما يتمتع به المواطن (المسلم) من حقوق في المشاركة والسلطة. وعليه، يشير المشروع الدستوري إلي أن المواطنة للمسلم، ولكن مع النص علي الامتناع عن "إيذاء الذمي أو إكراهه علي العقيدة" (المادة 9). والتأكيد علي أن "لأهل الكتاب عقيدتهم وشعائرهم وأحكام الأسرة الخاصة بهم" (المادة 10). ويغفل مشروع دستور مجمع البحوث الإسلامية ذكر أي حديث عن المواطنة، ولمن تقرر حقوق المواطنة، وهل هناك فارق بين مسلم وغير مسلم. كل هذا لم يأت به أي ذكر. ورغم ذلك فإنه من الواضح من مطالعة المشروع الدستوري أن مكان "الآخر الديني" غير وراد أو ينظر إليه علي أنه ذمي لا يرقي إلي مرتبة المواطن . يظهر ذلك فيما يمكن أن نطلق عليه "تديين الوظائف السياسية والقانونية" في المجتمع، فمثلا يقسم عضو المجلس النيابي- في هذا المشروع الدستوري- قبل أن يباشر عمله اليمين الآتية: "أقسم بالله العظيم علي طاعة الله ورسوله، وأن أحافظ مخلصا علي سلامة الوطن، وترابه، وعلي القانون الدستوري، وأن أرعي مصالح الأمة واحترم الدستور والقانون، وأن أعلي أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك كله في صدق وشرف وإيمان" (المادة 87) يعني ذلك افتراض أحد أمرين: إما أن البرلمان لابد أن يخلو من النواب غير المسلمين. أو أن النائب غير المسلم عليه أن يعلن طاعته للرسول لبلوغ موقعه النيابي. ويتكرر النص ذاته بالنسبة لأعضاء الوزارة. إذ ينص المشروع الدستوري علي أن "يؤدي أعضاء الوزارة أمام الإمام قبل مباشرة مهام وظائفهم اليمين الآتية:
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي

    أقسم بالله العظيم علي طاعة الله ورسوله....." (المادة 131). وفي معرض شرحه لما جاء من مواد في المشروع الدستوري أشار الدكتور محمد المسير إلي أن وظيفة القضاء لا يتولاها سوي المسلمين. والملفت أن النص الوارد في مشروع الدستور ذاته لم يشر إلي ذلك، بل يقول "تختار الدولة للقضاء أصلح المؤهلين له من الرجال وتيسر أداءه لعلمه"(المادة 68) ويضيق مشروع الدستور الذي وضعه الدكتور مصطفي كمال وصفي من حضور غير المسلم في المجتمع، وفي توليه الوظائف العليا. ينص المشروع الدستوري علي أن الأمة تتكون من "جماعة العلماء وعامة المسلمين" (المادة 26) دون أية أشارة إلي حضور غير إسلامي في المجتمع. ورغم أن هذا المشروع أشار إلي أن "لغير المسلمين ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين، مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية وفي حدودها" (المادة 14)، إلا أنه من الواضح أنه ذهب لتقييد تولي غير المسلم مناصب عديدة في الدولة مثل رئاسة الدولة أو الإمامة، وهو أمر شائع في مشروعات الدستور الإسلامية، ولكن الأمر بلغ حد منع غير المسلم من تولي منصب الوزير أو نائب الوزير "يشترط فيمن يعين وزيرا أو نائب وزير أن يكون مسلما بالغا من العمر..... سنة هجرية كامل الأهلية وعلي علم كاف بالشريعة الإسلامية" (المادة 67). ينطلق ذلك من تصور أساسي أن المسلم مواطن، وغير المسلم "ذمي" . وفي هذا يفصل قائلا "إذا استجاب غير المسلمين وأسلموا أندمجوا في أمة المسلمين بلا فارق.... فمن أسلم علي شيء فهو له، وصار بذلك معصوم الدم والنفس والمال والعرض. وكذلك إذا دخلوا في الذمة عُصموا، ولكن يجري عليهم نوع من الصغار (يعاملوا أقل مما يعامل به عضو الجماعة المسلم)، حتى لا يعجب ضعاف النفوس من المسلمين، فيفتنوا بهم، وحتى يكون الصغار دافعا إلي تخلصهم من سببه، وهو الكفر- ودخولهم في الإسلام" . وينطلق المشروع الدستوري للمستشار وصفي في مسألة تمييز المسلم علي غير المسلم في تولي الوظائف العامة من اعتقاد أساسي هو أن الوظيفة العامة في الإسلام لا تسند إلا لأهل العقيدة، مما يستتبع حصر الوظائف العامة، أيا كانت، في المسلمين دون سواهم . واقع الحال أن ما انتهي صاحب هذا المشروع الدستوري يخالف ما ذهب إليه كثير من الفقهاء بشأن ما يسمح به من وظائف لغير المسلمين في الدولة الإسلامية، ولم يجعلوا شرطا أن يكون الوزير أو نائبه من المسلمين. المنصب الوحيد الذي تتجمع حوله كثير من الآراء هو ما يطلق عليه الولاية العظمي أو رئاسة الدولة حيث يذهب البعض إلي اعتبار أن "الإٍسلام" و"الذكورة" من الشروط الأساسية لشاغله . وما جري بشأن غير المسلم، جري بشأن المرأة، مسلمة كانت أو غير مسلمة. ذهب مشروع المستشار علي جريشة إلي التأكيد علي أن "النساء شقائق الرجال، وحمايتهن والرفق بهن واجب. وتوفير فرص الزواج، وفرص العمل لمن تحتاج، وصيانة المرأة من الاستغلال والتبذل يكفله النظام. وتحديد دور المرأة ودور الرجل للنهوض بالمجتمع يوضحه القانون" (المادة 38). ورغم النص علي أهمية حماية المرأة، إلا أن المشروع الدستوري أحال إلي القانون تحديد دور الرجل ودور المرأة في المجتمع، وهو أمر بالتأكيد ينطوي علي تمييز مستبطن بشأن المرأة. ونص مشروع مجمع البحوث الإسلامية علي أن "للمرأة أن تعمل في حدود الشريعة الإسلامية"(المادة 38)، والتأكيد علي حق الأمومة في مشروع المجلس الإسلامي العالمي (المادة 13). وهناك ما يشبه الإجماع في المشروعات الدستورية علي عدم أهلية المرأة لمناصب الولاية العامة، والقضاء، وما يثار بشأنه تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. ث- إِشارات حول حقوق "المواطنة" لم تخل مشروعات الدساتير الإسلامية من حديث عن حقوق المواطنة، بشكل جزئي غير مكتمل الأركان. وتجمع مشروعات الدساتير علي جملة من حقوق المواطنة الأساسية التي تقيد التمتع بها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية. وتكاد تتشابه الصياغات المقدمة لهذه المواد. ويبدو في المواد المذكورة- في هذا الخصوص- الخلط الشديد بين أنواع الحقوق المختلفة، ما بين قانونية، وسياسية، واقتصادية اجتماعية، دون تفصيل أو شرح مسهب. وراجت مفاهيم مثل العدل والمساواة والحرية في مشروعات الدساتير. في هذا الصدد ذهبت غالبية هذه المشروعات إلي الإشارة إلي حرية الرأي والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل في الداخل والخارج، وحرية الاجتماع وتكوين النقابات والجمعيات بما لا يخالف الشريعة الإسلامية (مشروع الدكتور علي جريشة المادة (4)، ومشروع مجمع البحوث الإسلامية المادة (29) و المادة (31)، و مشروع الدكتور وصفي من المادة (14) وما تلاها، ومشروع المجلس الإٍسلامي العالمي بدءا من المادة (8) وما استتبعها). شددت المشروعات الدستورية علي عدد من حقوق المواطن الأساسية مثل حرمة المساكن، وتجريم التعذيب والسجن والاعتقال بغير حق، وصيانة المراسلات والمكالمات، وعدم مراقبتها دون إذن قضائي. (مشروع الدكتور علي جريشة المادة (5) وما تلاها، مشروع مجمع البحوث الإسلامية المادة (30) وما بعدها، مشروع الدكتور وصفي المادة (17)، ومشروع المجلس الإسلامي العالمي المادة (4) وما تلاها) أكدت المشروعات الدستورية علي حق العمل، والملكية،وانتقاء مصادرة الأموال والممتلكات، وتوفير المسكن والمساعدة علي الزواج، وتوفير الدواء والكساء والتعليم (مشروع الدكتور علي جريشة المواد (11)، (26)،(36)، (42)، ومشروع مجمع البحوث الإسلامية المواد (9)، (37)، (39)، (40)،ومشروع المستشار وصفي المواد (9)، (18)، (25)، ومشروع المجلس الإسلامي العالمي المواد (9)، (49)، (50)) بعض مشروعات الدساتير أشارت إلي عدد من الحقوق المدنية والسياسية دون غيرها، وإن قيدت استعمالها بأحكام الشريعة الإسلامية. فمثلا يذهب مشروع مجمع البحوث الإسلامية إلي التأكيد علي إنشاء وإصدار الصحف، وحرية الصحافة في حدود أحكام الشريعة الإسلامية (المادة 41). وقد فصل مشروع المجلس الإسلامي العالمي من هذه القضية بوضع عدد من الضوابط الأساسية التي يجب علي الإعلام مراعاتها والالتزام بها مثل احترام الخصوصية، الامتناع عن اختلاق الإفك وإشاعته، إظهار الحق وعدم تشويهه، استخدام لغة عفة، تحاشي البذاءة، محاربة الجرائم، تجنب إخفاء الأدلة، وألا تكون وسيلة إفساد (المادة 81)، وقيد المشروع الدستوري من صلاحيات السلطة التنفيذية في التعامل مع وسائل الإعلام، بحظر مصادرة وسائل الإعلام والنشر بقرار إداري، وعدم توقيع أية عقوبات علي المشتغلين بها إلا عن طريق القضاء (المادة 82). ورغم انحياز مشروعات الدساتير بصفة عامة إلي بعض الحريات السياسية والمدنية الحديثة، إلا أنه بدا في أحيان كثيرة أن هناك رغبة في تقييد العمل السياسي والمدني في المجال العام. فمثلا يذهب مشروع المستشار علي جريشة إلي التأكيد علي حق تأسيس الأحزاب السياسية بما لا يخالف الشريعة الإسلامية (المادة 4)، وذهب مشروع المجلس الإسلامي العالمي هذا المنحي في المادة (18). وقد أغفل مشروع دستور مجمع البحوث الإسلامية ذكر إنشاء أحزاب سياسية مكتفيا بمنح حق التنظيم فقط للجمعيات والنقابات دون مخالفة الشريعة الإسلامية (المادة 42). وقد رفض مشروع الدكتور وصفي صراحة إنشاء أحزاب سياسية في المادة (38) منه التي نصت علي أن "قيام الأحزاب ذات السياسة الوضعية محظور". ويلاحظ بصفة عامة أن ممارسة الحريات المدنية والسياسية وضعت في إطار التوافق مع إحكام الشريعة الإسلامية، وترك أمر تنظيمها إلي القانون، ويختلف ذلك مع التوجهات الدستورية الحديثة التي تشدد علي أهمية ضبط صياغة المواد التي تتعلق بممارسة الحريات والحقوق المدنية والسياسية، علي نحو لا يعطي للسلطة التنفيذية مساحة لإٍساءة تفسير مناط هذه الحقوق، والتغول علي حريات الأفراد . صفوة القول أن مشروعات الدساتير الإسلامية- في جانب منها- حملت سمات حالة الاستقطاب الفكري والسياسي بين "المشروع الديني" و"المشروع العلماني"، وفي خلفيتها موقف الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية. فسعت إلي إقرار حريات الإعلام والتنظيم والتعبير- ليس علي نحو مطلق- ولكن بما يخدم منطلقات العمل الإسلامي العام، ويضيق علي الخصوم السياسيين حرية الحركة. ج- تطبيق الحدود تنطوي بعض مشروعات الدساتير، وبالأخص مشروعي مجمع البحوث الإسلامية والدكتور مصطفي كمال وصفي علي دعوة إلي تطبيق الحدود في بعض الجرائم. تنص المادة (71) من مشروع دستور مجمع البحوث الإسلامية علي أن "توقع عقوبات الحدود الشرعية في جرائم الزنا والقذف والسرقة والحرابة وشرب الخمر والردة". وتتضمن المواد من (70) إلي (79) بعض التفصيلات التي تتعلق بحالات تطبيق الحدود . وينص المشروع الدستوري للدكتور وصفي علي أن "توقع عقوبات الحدود الشرعية في جرائم القتل والزنا والقذف والسرقة والحرابة وشرب الخمر والردة. ويقوم القاضي حسب تقدير التعزير في كل ما يعتبر مخالفة للشريعة الإسلامية" (المادة 52) وبالطبع يثار الكثير من التساؤلات والإشكاليات بشأن تطبيق الحدود فيما يتعلق بحقوق وواجبات المواطن. ورغم الخطاب المتكرر للحركات الإسلامية بوجوب تطبيق الحدود، إلا أن هناك- علي ما يبدو- إدراكا من جانب الفقهاء والدارسين بصعوبة تطبيق ذلك عمليا . (4) مشروع دستور "الإخوان المسلمين" في عام 1952م، وبعد فترة وجيزة من قيام ثورة 23 يوليو 1952م، وضعت الشعبة القانونية للإخوان المسلمين في مصر مشروع دستور، قام بصياغة بنوده الدكتور طه بدوي، أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية، وصاحب الدراسات المهمة في النظم السياسية، وهو أستاذ ليبرالي النزعة حاول أن يبحث عن مناطق التقاء بين النظام الليبرالي الحديث والدين الإٍسلامي، دون أن يغلب أحدهما علي الآخر. وكان واضحا من الصياغات المقدمة، تأثره الشديد بالحياة الدستورية التي سادت مصر في الفترة التي تعرف بالعهد الليبرالي ما بين 1923- 1952م . ومن أبرز سمات مشروع الدستور، خاصة فيما يتعلق بالمواطنة : أ‌- إعلاء فكرة الدولة القومية الحديثة التي تستند إلي تنظيمات سياسية وقانونية، تعبر عن تطور المجتمعات في منتصف القرن العشرين. فهو يتحدث عن الدولة الأمة التي تباشر سلطاتها عن طريق هيئة تنوب عنها (المادة 2)، ومجلس أمة يُختار أعضاؤه من خلال انتخابات دورية حرة، ورئيس دولة يخضع لآليات المساءلة الحديثة في مباشرته لمهامه. وبينما ذهبت مشروعات الدساتير الإسلامية -السابق ذكرها- إلي إطلاق مفاهيم إٍسلامية تراثية صرف علي رئاسة الدولة، مثل الإمام والأمير، واستخدام مصطلح البيعة محل الانتخاب، ووضع شروط لرئاسة الدولة في مقدمتها الإسلام، والذكورة، والعلم بالدين، وصف مشروع دستور الإخوان المسلمين شاغل هذا المنصب الرفيع برئيس الدولة المصرية، ووضع شروطا عامة لتولي هذا الموقع لا تفرق بين المصريين علي قاعدة الدين أو الجنس أو ما شابه. وسار مشروع الدستور علي هذا النهج في تعامله مع المناصب العامة الأخرى. إذ تنص المادة الرابعة علي أنه "يشترط في عضو مجلس الأمة أن يكون مصريا حسن السمعة وأن تكون سنه أربعين سنة هجرية كاملة علي الأقل، وأن يكون علي درجة من الأهلية الثقافية يحددها قانون الانتخاب" وتماشيا مع ذلك، وفي دلالة مهمة لا تخفي علي أحد، وضع مشروع الدستور قسما يتلوه نواب الأمة قبل الاضطلاع بعملهم ينص علي الإخلاص لله، ثم للوطن مطيعين أحكام الدستور، نصا وروحا (المادة 11). وهو بذلك يختلف عن مشروعات الدستور الإٍسلامية التي ظهرت بعد أكثر من ربع قرن علي ظهور مشروع الإخوان، وجعلت من قسم مباشرة الوظيفة النيابية، وكذلك رئاسة الدولة شأنا دينيا بحتا، كما سبق القول، يجعل من طاعة الله والرسول تتقدم علي أي أمر أخر. ب‌- وصف مشروع دستور الإخوان المسلمين مصر بأنها "دولة إسلامية حكومتها نيابية" (المادة 1)، وأن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية" (المادة 96)، ونص فقط علي مسايرة التشريعات لأحكام الإسلام (المادة 102)، وجعل لكل نائب في مجلس الأمة (البرلمان) الحق في اقتراح قوانين بما لا يجافي الإسلام (المادة 45). ولا تصدر القوانين إذا كانت مخالفة لأحكام الإسلام (المادة 48). وقد تجنب المشروع الدستوري- كما يتضح من صياغته- استخدام مصطلح "الشريعة الإسلامية"، مستخدما بدلا منه مصطلحات أخري مثل "أحكام الإسلام" و"تعاليم الإسلام". وبيان ذلك أن الدكتور طه بدوي لجأ إلي استخدام مصطلحات أكثر رحابة، ونعومة، بما يتيح للمشرع مساحة حركة في المزواجة بين التشريعات الحديثة والإسلام، من منطلق الابتعاد عما يجافي الإسلام، واستلهام القيم العليا للدين في الوظيفة التشريعية، وهو ما نص عليه صراحة في المادة (45) من عدم اقتراح القوانين التي تجافي الإسلام. يعبر هذا المسلك- في جانب كبير منه- عن ثقافة قانونية سادت هذه الحقبة الزمنية، لم تكن تعرف الاستقطاب الحاد في العلاقة بين الدين والدولة، خاصة في أعقاب العهد الليبرالي 1923-1952م. ت‌- أفرد مشروع دستور الإخوان المسلمين الباب الرابع منه لتناول حقوق الأفراد، وغلب عليها المنحي الليبرالي، وعدم تقييد ممارسة هذه الحقوق إلا فيما يتعارض مع "الإسلام نصا وروحا" (المادة 94)، ويعبر هذا المسلك- مرة أخري- عن رحابة في النظر لحقوق وحريات المواطن، حيث أن الإحالة إلي الإسلام- بالمطلق- وهو دين ينطوي علي تعاليم وشرائع وثقافة وحضارة، يجعل هناك مساحة واسعة لممارسة حقوق المواطنة في ضوء مقتضيات العصر، في ظل فهم حديث متطور لتعاليم الدين. في هذا السياق أقر المشروع الدستوري حرية الأفراد في الكرامة والحقوق والحريات دون تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين و اللون، وطالب من الأفراد "أن يعامل بعضهم بعضا بروح الأخوة" (المادة 77)، في إشارة ذكية تضع الوجدان إلي جوار القانون. ونص علي "حرية التفكير والاعتقاد والتدين" (المادة 88) ، و"حرية الرأي والتعبير" (المادة 89)، و"حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات السلمية" (المادة 90)، وحرمة الحياة الخاصة، والمراسلات، وعدم القبض علي أحد بشكل تحكمي (المادة 85). وتناول المشروع الدستوري الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في العمل بشروط عادلة (المادة 79) إنشاء نقابات (المادة 81)، والحق في مستوي من الحياة يضمن الصحة والرخاء وبخاصة في المأكل والملبس والمسكن، والضمان في حالة البطالة، والعجز، والشيخوخة (المادة 82)، وكذلك الحق في الملكية بصفة فردية أو جماعية، ولا يجوز حرمان أحد من ملكه بإجراء تحكمي (المادة 87). ث‌- بعد مرور ما يقرب من نصف قرن علي إقرار الإخوان المسلمين لمشروعهم الدستوري في 16 سبتمبر 1952م، أصدر الإخوان المسلمون جملة من المبادئ التي تصلح نقاطا في مشروع ميثاق وطني عام 1995م بمناسبة الانتخابات البرلمانية التي جرت وقتئذ، وضعها المستشار مأمون الهضيبي. كثير من هذه المبادئ مستمد من مشروع دستور عام 1952م، من حيث التأكيد علي فصل السلطات، وحرية الرأي والاعتقاد الخاص، وحرية إقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان السماوية المعترف بها، وتمثيل الأمة من خلال مجلس نيابي، حق كل مواطن ومواطنة في تولي عضوية المجلس النيابي، واستقلال القضاء. كل ذلك في "إطار مبادئ الإسلام، ولا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء" . والملاحظ أن الفكر الدستوري الإخواني بدأ يتحرك من الرحابة إلي التشدد، فبعد أن كان مشروع دستور 1952م يتحدث عن "أحكام الإسلام" و"تعاليم الإسلام" جاء مشروع الميثاق الوطني يركز علي "الشريعة الإسلامية"، وبعد أن كانت الحقوق الأساسية للأفراد توضع في أطر أكثر اتساعا، دون أن تستتبع بقيود قانونية في الممارسة مثل حق الفرد في التفكير والاعتقاد والتدين، حصر مشروع الميثاق الوطني حق ممارسة الشعائر الدينية علي أصحاب الأديان السماوية المعترف بها. ج‌- من النقاط المهمة والأساسية التي حسمها مشروع دستور الإخوان المسلمين عام 1952م، وحدث فيها جدل لاحق لا يزال قائما هي مسألة الولاية العامة، أو رئاسة الدولة. من شروط تولي رئاسة الدولة في مشروع دستور 1952م- كما أسلفنا- المصرية، وبلوغ سن الأربعين، دون قصر تولي هذا الموقع علي المسلمين. عاد الإخوان المسلمون إلي طرح المسألة في أفق ديني، مما جعلهم يقتربون في طرحهم من المشروعات الدستورية الإسلامية- السالف تناولها- التي تقصر حق تولي هذا المنصب علي المسلمين الذكور، أي لا يتولي هذا المنصب غير مسلم أو امرأة، مسلمة كانت أو غير مسلمة. في هذا السياق يذهب د.محمود غزلان إلي أن الأقباط "مواطنون لهم جميع حقوق المواطنة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولهم حرية الاعتقاد والعبادة، وحرمة الدم والمال والعرض، وحقهم في الكرامة الإنسانية، وحريتهم في اختيار أعمالهم، وحريتهم في الانتقال من الدولة والعودة إليها، وحقهم في الاحتكام إلي شريعتهم في أحوالهم الشخصية......وكذلك حقهم في مباشرة أعمال السياسة انتخابا، وترشيحا، وولاية المجالس النيابية بأنواعها، وكذلك تولي الوظائف العامة في الدولة عدا وظيفة الإمامة العامة (رئاسة الدولة)" . وذكر مهدي عاكف، المرشد الحالي للإخوان المسلمين أن "الشريعة الإسلامية نزلت من السماء، وما نزل من السماء سواء بالنسبة للمسلمين أو الأقباط فهو حق وعدل والشرعية تقوم علي الصدق مع الله، والصدق مع الشعب......أما ما يقال عن انه في ظل الحكم الإسلامي يصبح لا ولاية لغير المسلم علي المسلم فإننا يجب أن ندرك أن كلمة الولاية مقصود بها الرئاسة فقط أما باقي الوزارات والهيئات فهي مناصب وليست ولاية ويحق للأقباط العمل وتولي المسئولية بها..." . وبرغم مما يبدو أن هناك حسما من جانب الإخوان المسلمين لمسألة الولاية العامة، إلا أنه من الملاحظ أن هناك آراء لا تزال تتداول في كتابات بعض أقطاب الجماعة توسع من نطاق مفهوم "الولاية العامة" ليشمل مناصب أخري عديدة في التشريع والتنفيذ والقضاء، ولا تقف فقط عند منصب رئاسة الدولة. في هذا الصدد يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب تطلق "الولاية العامة في اصطلاح الفقهاء علي جميع أنواع السلطة التي تمارسها الدولة. أو الخليفة، أو أي من الأمراء والولاة والحكام" . يعني ذلك أن الولاية العامة تنسحب علي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبالأخص الأخيرة التي لها وضع خاص في النظام الإسلامي إذ "تقوم ولاية القضاء علي الفصل في المنازعات، واستيفاء الحقوق، وإقامة الحدود، وسائر العقوبات، والإشراف علي الأوقاف، والقاصرين وسائر فاقدي الأهلية" وحول الاستعانة بغير المسلم في الوظائف العامة يذهب الشيخ عبد الله الخطيب أنه "في حالة وجود الدولة الإسلامية القوية، والكفاءات الإسلامية، لا يستعان أبدا بهؤلاء (غير المسلمين)، وفي حالة الضعف أو الشدائد يمكن الاستعانة بهم في أضيق الحدود، وفي ضوابط معينة، فلا يجوز مثلا أن يكون لهم تدخل في نظام الدولة، أو يفرضوا فكرا معينا أو رأيا يناهض الإسلام...." (5) إشكاليات أساسية مما تقدم يتضح أن العقل العربي لم يمارس جهدا حقيقيا في الوصول إلي دستور ليبرالي إسلامي، لا يشكل خصومة مع الدين، وفي الوقت ذاته يحفظ للمواطن- مسلما كان أو غير مسلم- حقوق وحريات المواطن كاملة، دون انتقاص أو تمييز. وهناك دول أخري تقطنها أغلبيات مسلمة استطاعت أن تصل إلي هندسة دستورية وسياسية، مزجت بين الليبرالية والإسلام، علي نحو أسهم في تقدم هذه المجتمعات، ودفعها علي مسار التقدم. وبعد أن استقر مفهوم المواطنة في العقدين الأخيرين في الفكر والممارسة، لم يعد مقبولا أن يأتي دستور لا يقر بحقوق المواطنة كاملة، أو يعد بأقل مما بلغته الدولة المدنية الحديثة. من هنا تبدو مهمة العقل التشريعي والسياسي في العالم العربي "صعبة"، فهو يريد أن يحقق الديمقراطية والحرية، وفي الوقت ذاته يحل الاستقطاب بين ما هو ديني وما هو علماني، علي نحو يجعل الدين حاضرا، دون أن يشكل باعثا علي التمييز أو التفرقة أو حرمان قطاع من المواطنين من حقوقهم لأسباب دينية أو مذهبية، الخ. في هذا الصدد هناك ثلاثة إشكاليات أساسية يجب أن يمارس العقل العربي، القانوني والفقهي، دورا في تسويتها، من خلال الاحتكام إلي آراء المجتهدين من الفقهاء والباحثين، ومحاولة الوصول إلي نصوص دستورية ليبرالية تعكس فهما متجددا للإسلام، يحافظ علي المواطنة والتنوع. إذا لم يتحقق ذلك، فإن الفرضية الأساسية التي يروج لها دائما أن المواطنة لا تأتي إلا متلازمة مع العلمانية سوف تكتسب مزيدا من المصداقية، وترقي إلي مصاف الحقيقية المطلقة، ويصبح الاستقطاب علي أشده بين أصحاب الاتجاهات الإسلامية والعلمانية. مرة أخري لن يسهم هذا الاستقطاب سوي في تمديد حالة التخلف السياسي في المنطقة العربية. في هذا السياق يمكن التوقف أمام ثلاثة قضايا إشكالية: أ‌- الولاية العامة ذهبت مشروعات الدستور الإسلامية، تعززها أطروحات الإخوان المسلمين الراهنة، إلي قصر منصب رئاسة الدولة، أو ما يسمي بالولاية العامة علي المسلمين فقط، باعتبار أن شاغل هذا المنصب يتحمل تكاليف شرعية، لا يستطيع غير المسلم تحملها. وخصت بعض مشروعات الدساتير الإسلامية- كما أسلفنا- غير المسلمين بمناصب عامة لا ترقي إلي مرتبة الولايات العامة، مثل القضاء وعضوية البرلمان، الخ. ولكن القضية تتجاوز ذلك، فهي في المقام الأول تعبر عن اغتراب عميق تجاه مفهوم الدولة القومية الحديثة، رغم أنه مفهوم ثابت ومستقر في الفكر والخبرة الإنسانية منذ أكثر من ثلاثة قرون. هذا المفهوم لم يستقر بعد في الوجدان الإسلامي، الذي لا يزال قطاع معتبر من أبنائه يبحث عن الأممية الإسلامية التي تتجاوز القطرية غير المتحققة. لا غرو في هذا، فالمجتمع البشري الحديث يعرف أمميات عديدة، ما بين دينية وثقافية واقتصادية وسياسية، ولكن دون قفز علي الدولة الحديثة، وانطلاقا من مشروعات وطنية داخلية تقوم علي الحرية والمساواة. يتفق ذلك مع اجتهادات إسلامية معتبرة. فقد ذهب الشيخ محمد عبده- علي سبيل المثال- إلي أن السلطة مدنية، ونفي السلطة الدينية عن القيادة السياسية. ونظر إلي أحداث التاريخ الإسلامي من هذا المنظور، فهي- في رأيه- حروب سياسية اقتضتها ضرورات الملك، ولم تكن حروبا دينية. من هنا فمسألة أن الدولة لها عقيدة، وتتحرك بوحي من رسالتها، وتحرك جيوشها في خدمة التزامها العقيدي محل مراجعة. ويتبلور موقف محمد عبده في اتخاذ الطابع القومي المدني- الذي لا يفرق بين المواطنين بسبب الاعتقاد الديني- أساسا لنظام الحكم في البلاد فيما وضعه في برنامج الحزب الوطني المصري في مطلع القرن العشرين "الحزب الوطني سياسي لا ديني، فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب، وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرث في أرض مصر، ويتكلم لغتها منضم إليه، لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع إخوان، وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية" ويذهب د.هايل داوود- من التيار الإسلامي الوسطي في الأردن- إلي أن "العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام ليس هو الفصل بل هو التمييز. فالدين حاضر في السياسة كمبادئ موجهة، وروح دافقة دافعة، وقوة للأمة جامعة، لكن الممارسة السياسية مستقلة عن أي سلطة باسم الدين أو سلطة دينية" ويضيف قائلا " ووضعية مواطني الدولة فيها، وغيرها عالجها المسلمون علي حسب ما تسمح به ظروفهم الحضارية، ومستوي تطور البشرية، وبالشكل الذي تمليه المقاصد العامة للإسلام. وهكذا فإن كون الدولة في الإسلام دولة مدنية، تستمد مشروعيتها من مواطنيها، يجعل المسلمين منفتحين باستمرار لتطوير نموذج الحكم علي حسب ما تبدعه البشرية من آليات ونظم" . وقد سعي عدد من المفكرين الإسلاميين إلي تجاوز إشكالية حدود موقع غير المسلم في المجتمع الذي تسوده أغلبية مسلمه بعد أن حلت المؤسسات محل السلطة الفردية، وآل أمر اتخاذ القرار إلي تكوينات مؤسسية ترجح قراراتها بالأغلبية، أكثر ما تتخذها بالخيارات الفردية. في هذا الخصوص يذهب د.محمد سليم العوا إلي "اقتصار ممارسة الحكم علي أهل دين معين في دولة متعددة الأديان إدعاء لا تسنده أصول الشريعة، ولا يقوم عليه من فقهها دليل". ويرفض الرأي القائل باقتصار الولاية العامة علي المسلمين فقط قائلا " ولا يرد علي ذلك بمثل القاعدة الشهيرة "لا ولاية لغير المسلم علي المسلم"، لأن المقصود بذلك هو الولاية العامة لا الولاية الخاصة التي هي اليوم ولاية كل ذي شأن، بمن فيهم رئيس الدولة نفسه، فحكم المؤسسات، وتخصص الإدارات والوزارات، ذهب بفكرة الولاية العامة التي عرفها الفقه الإسلامي إلي رحاب التاريخ" ويري المستشار طارق البشري -بعد استعراض مختلف اجتهادات الفقهاء في تناول وضع أهل الذمة في الدولة الإسلامية- أن المدخل المؤسسي قدم حلولا للتعامل مع هذا الموضوع الشائك، فلم تعد الصلاحيات الممنوحة للمناصب التي كان يجري عنها الحديث في السابق هي ذاتها الصلاحيات التي يتمتع بها أصحاب هذه المناصب اليوم، وذلك بعد أن حلت الهيئات والمؤسسات محل الأفراد في اتخاذ القرارات. ويري أن الأساليب الديمقراطية في بناء النظم السياسية قادرة علي "استيعاب مبدأ المساواة في بناء الجماعة السياسية"، ويؤكد أن "السلطة الفردية سواء في السياسة أو الإدارة قد تغيرت عن طريقين وعلي مبدأين، توزيع السلطة بين العديد من الأجهزة والهيئات، وحلول القرار الجماعي محل القرار الفردي" وسار مشروع حزب الوسط في مصر علي هذا الدرب في البرامج المتتابعة التي طرحها. فقد تضمن البرنامج في صورته الأولي الفقرة الأولي المقتبسة أعلاه من كتابات د.محمد سليم العوا التي تري أن اقتصار ممارسة الحكم علي أبناء دين معين في دولة متعددة الأديان أمر لا تقره أصول الشريعة، أو يستند إلي دليل ورد في الفقه. ورغم ذلك، فإنه من الملاحظ الاكتفاء بهذه الإِشارة، والتأكيد علي "تمتع الأقباط بالمواطنة الكاملة" بوصفها "مسألة محسومة شرعا وعملا"، ولم يخض برنامج الحزب وقتئذ صراحة في مسألة الولاية العامة . وقد استدرك مشروع حزب الوسط الجديد ذلك في مرحلة تالية، ونص برنامجه صراحة علي أن "المواطنة أساس العلاقة بين أفراد الشعب المصري، فلا يجوز التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق في جميع الحقوق والالتزامات وتولي المناصب والولايات العامة" . ب‌- حرية الاعتقاد. احدي القضايا الأساسية التي تشكل دائما مجالا للسجال بين القوي العلمانية والإسلامية، وبين أنصار الدولة المدنية، والداعين إلي الدولة الإسلامية، حتى وإن اتخذت شكلا مدنيا، هي مسألة حرية الاعتقاد. الدولة الإسلامية- مدنية- ليس فقط لأن السلطة التي تحكمها مدنية وليست دينية، ولكن أيضا لأنها ترتكز إلي قواعد مدنية عامة في إدارة العلاقات بين مواطنيها المختلفين في الأديان والمذاهب والثقافات. من هنا فإن "حرية الاعتقاد" شأن أساسي، وهو محل إدراك من المشروعات الإسلامية للدستور، ولكن سيظل السؤال المطروح والمرتبط مباشرة بحرية الاعتقاد هو مسألة تغيير العقيدة، والردة علي الإسلام. هل يحكم علي مفارق الإسلام، والمرتد عليه، بالقتل. وما موقف ذلك من مسألة حرية الاعتقاد التي تحولت إلي ركن أساسي في مواثيق حقوق الإنسان العالمية، ودساتير الدول الحديثة؟ الأمر يحتاج إلي اجتهاد مختلف، أسوة بما تقدم أعلاه بشأن مسألة الولاية العامة. الأصل أن حرية الاعتقاد شأن فردي، وهو لهذا مصنف علي أنه حق مكفول لكل فرد. وفي الإسلام ذاته تقدير للحرية الدينية الفردية، عملا بالنص القرآني "من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر". ولكن ما الموقف بشأن المرتد، تارك دينه. هل يقتل أم يترك؟ تتعدد الاتجاهات الفقهية في هذا الخصوص. هناك من يطالب بقتل المرتد، وهناك من يرفض ذلك، وبين هذا وذاك فريق يحاول أن يحلل الموضوع في ضوء رؤية عصرية دون أن يفقد صلته بالجذور. في هذا المقام يذهب الدكتور طه جابر علواني إلي أن هناك عددا كبيرا من الآيات في القرآن الكريم التي تدعو إلي حرية الإنسان، ولاسيما في اختيار معتقده، وعدم جواز إكراهه علي تبني أي معتقد أو تغيير معتقد اعتقده إلي سواه، وعلي توكيد أن العقيدة شأن إنساني خاص بين الإنسان وربه . ويتضح من خلال تفسير الآية "لا إكراه في الدين"، أن حرية العقيدة في القرآن أحيطت بضمانات قرآنية، جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود ما دامت في إطار حرية اختيار المعتقد، وأن الحساب عليها خاص بالله لا يجاوزه أحد . وقد أشارت أمال فرامي إلي فريق من المجددين في مجال الفقه من رموزه الشيخ محمد شلتوت، والدكتور عبد المتعال الصعيدي، وآخرون. وقد ذهب الشيخ شلتوت إلي أن الكفر في ذاته ليس مبيحا للدم، ولكن المبيح للدم هو محاربة المسلمين. وقد انتهي إلي أن المرتد لا يقتل علي أساس أن جزاءه في النار، وليس له عقاب دنيوي . وفي كتابات هؤلاء الدارسين والفقهاء المحدثين من يري أن هناك فرقا بين الردة الفردية والردة الجماعية، وبين المرتد المسالم والمرتد المحارب، علي اعتبار أن الحديث الشريف الداعي إلي قتل المرتد، القصد منه المرتد المحارب الذي يشن عدوانا علي المسلمين، وبالتالي يكون قتله جزاء جرم سياسي يتعلق بالخيانة العظمي، ولا يعتبر القتل عقوبة لجريمة الردة. وتخلص آمال فرامي من تحليلها لهذه الآراء الفقهية الحديثة أن أصحابها يشعرون "بانتمائهم إلي ثقافتين: الثقافة التقليدية والثقافة الغربية، وحرصهم علي الوفاء للإٍسلام جعلهم ينتقون ما جاء في المدونات الفقهية من آراء يمكن أن تلبي حاجات المجتمع. كما أن إطلاعهم علي الثقافة الغربية جعلهم لا يتجاهلون القيم التي بدأت تتغلغل في مجتمعاتهم نحو الحرية، والمساواة، والكرامة، وغيرها . ح‌- الوطن والمواطنة. قبول الدولة الحديثة، بما تعنيه من مؤسسات، وما ترتكز عليه من مبادئ، ضرورة وغاية من أجل البحث عن علاقة أكثر تفاعلا وديناميكيا بين الإسلام والمبادئ الليبرالية الحديثة. الدولة المسلمة، تحمل رسالة في مبادئها، يجسدها دستور يقوم علي المواطنة، ويعلي من شأن الحريات العامة، ويعمق من المساواة بين المواطنين كافة، بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق. الأممية الإسلامية تأتي تالية علي الدولة، وتكون من خلال الوسائل السياسية الحديثة من اتحادات فيدرالية وكونفيدرالية، ومعاهدات صداقة، وحدود اقتصادية وسياسية مفتوحة، الخ. ورغم ذلك، ستظل الدولة، الكيان السياسي الذي يجمع المواطنين، كافة مسلمين وغير مسلمين، تحركه مصالحه القومية العليا، ويتمتع مواطنوه بحقوق متساوية في المشاركة في السلطة، واقتسام الثروات، والحضور المتكافئ في المجال العام. هذه الدولة الحديثة لا تعرف مصطلحات تراثية من قبيل الإمام أو الأمير أو الوالي.... الخ، ولكنها تستند إلي منظومة المفاهيم الدستورية والسياسية الحديثة، باعتبار أن المسلمين أنفسهم استوطنوا مجتمعات متعددة الثقافات، ونقلوا إليها وعنها ثقافات، ومن البديهي أن ينعكس هذا التنوع في الأبنية القانونية والسياسية والمجتمعية، التي تختلف من شعب لآخر، ومن مجتمع لأخر، بعيدا عن دعاوي التنميط والقولبة. إجمالا أن المجتمعات السياسية التي تقطنها أغلبيات مسلمة ليست أقل من أن تكون حرة ديمقراطية، تمتلك دساتير تقر حقوق المواطنين كافة دون تمييز، ولكن المسألة تتعلق- أولا- بالرغبة في امتلاك مشروع سياسي جديد، و ثانيا بممارسة اجتهادات فقيهة جادة.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    2

    افتراضي

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2019
    المشاركات
    33

    افتراضي

    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور
    مشكوووووووووووووور

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •