تعليق د فائزة الباشا على كتاب "الوجيز فى القانون الدستوري " لدكتور ابراهيم ابوخزام

نشر بمجلة الجليس ////////////
نناقش موضوع الدستور وأهميته كضمانة للحقوق والحريات وآليات إنشائه فى الوقت الراهن لما يثيره من إشكاليات لا بالنسبة للمتخصص فى القانون أو العلوم السياسية فحسب بل للمواطن الذي يسمع عن الدستور والدولة ناقصة السيادة وغيره من المصطلحات ؛ وقد لا يعي المقصود بها . أولا يجد الوقت الكافي للإطلاع على المؤلفات العديدة التي لا تهم إلا المتخصص فى الغالب ، لذلك اخترت لكم أحد المؤلفات التي تعرض للموضوع .
و المؤلف الذي نحن بصدد التعليق عليه "الوجيز فى القانون الدستوري " فقد صدر فى كتابين " جزءين " من الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان . ( )
نبذة عن المؤلف : الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو خزام الذي تحصل على جائزة معرض طرابلس الدولي للكتاب عام 2006 عن مؤلفه " أقواس الهيمنة " الذي سيكون موضوعنا تعليقنا فى أعداد قادمة .( ) ومن مؤلفاته شرح القانون الدستوري الليبي والوسيط فى القانون الدستوري والدساتير والظاهرة الدكتاتورية والديمقراطية الغربية والعالم الثالث والحروب وتوازن القوي .
ويتميز المؤلف بروح معطاءة لتشجيع الطلاب على البحث العلمي ، والأساتذة الشباب على التقدم للحصول على فرصتهم ، لذلك ليس بغريب أن يتقلد مناصب تشرف بها وشرفت به ومن بين المهام المسندة إليه حاليا : رئاسة جامعة ناصر الأممية بمنطقة سوق الأحد .
أولا – المنهجية الشكلية : يتكون المؤلف من أبواب ثلاثة ؛ عرض الباب الأول النظرية العامة للدولة ، و الباب الثاني النظرية العامة للحكومة ، وخصص الباب الثالث للنظرية العامة للدستور. وقسم الباب الأول إلى أربعة فصول تناول فيها على التوالي التعريف بأركان الدولة الشعب والإقليم والسيادة فى الفصل الأول ، وبين أصل نشأة الدولة من منظور النظريات الاستبدادية والنظريات الديمقراطية وفى الفكر السياسي للثورة الليبية فى الفصل الثاني ، أما الفصل الثالث فقد عرض فيه لوظائف الدولة فى المذهب الفردي والمذاهب الاشتراكية والمذهب المجتمعي ، وخصص الفصل الرابع للحديث عن الدولة البسيطة والدولة المركبة والدول الناقصة السيادة .
أما الباب الثاني فقد عرض فيه لمفهوم وأنواع الحكومات " ملكية – جمهورية – قانونية – استبدادية – وفردية وديمقراطية ومقيدة ومطلقة " وللإشكاليات فى أنواع الحكومات الديمقراطية المباشرة وغير المباشرة وشبه المباشرة فى فصل وحيد " الأول " .
وفى الباب الثالث عرض لمعني وفلسفة الدستور فى الفصل الأول وفى الفصل الثاني تناول بالدراسة أساليب نشأة الدساتير ، وتناول بالتحليل أنواع الدساتير ومشتملاته فى الفصل الثالث ، أما الرقابة على دستورية القوانين فقد خصص له الفصل الرابع .
موضوع الكتاب :
يبين أن مصطلح الدولة لغويا يشير إلى معني مغاير عن المفهوم فى الاصطلاح ، حيث يقصد به حالة التبدل والتغير والانتقال وعدم الثبات فى اللغة ، فى حين أن ما وصل إليه الفكر السياسي الغربي بالنسبة للدولة يجعل منها مؤسسة قانونية قوامها الاستقرار والثبات لا تتأثر بتغير الحكام .
لذلك يري المؤلف أن الكتاب الأخضر لم يستخدم مصطلح الدولة فى الفصل الأول الذي يتناول مسألة السلطة لتجاوز الإشكالية فى المفهوم من جهة وليرسم صورة خاصة للمجتمع الجماهيري .
و الدولة كتنظيم سياسي حقيقة اجتماعية وسياسية، يجمع الفقه على أن أركانها ثلاثة الركن الأول الشعب أي الجماعة البشرية و الركن الثاني الإقليم " الحيز الجغرافي " والركن الثالث السيادة وهي العنصر القانوني للدولة ، أما الاعتراف فلا ينشئ دولة وإنما يكشف ويقر بوجود دولة .
وبين المؤلف الاختلاف بين مصطلح الأمة والشعب الذي قد لا يكون مرجعه الاختلافات اللغوية فقط بل أبعاد سياسية وثقافية متداخلة ، كما وأن الشعب غير الدولة لأنه مادتها البشرية لذلك فقد تتكون الدولة من عدة قوميات ولكن يربطها رباط واحد هو الحق فى المواطنة باكتساب جنسية الدولة الذي يفرض رابطة الولاء السياسي ، و يجسده الإقليم الذي يربط المواطن بالأرض مما يخوله حق رد العدوان والمقاومة والتفريط فى الدفاع عنها يعتبر خيانة ، و يشمل الأرض " اليابس " والحيز المائي الذي يضم ما يقع داخل الحيز الأرضي من بحيرات وأنهار ، و البحر إذا كانت الدولة تطل على الساحل ، الذي حدد 12 ميلا بحريا ، وهناك الإقليم الجوى التي يخول الدولة امتلاك الأجواء العليا ، وممارسة سيادتها على كامل إقليمها بما لها من شخصية قانونية تمنع الغير التدخل فى شئونها شرط أن تتمتع الدولة باستقلالها الكامل لان الدول الخاضعة للانتداب أو تحت الوصاية أو الخاضعة للحماية الأجنبية لا سيادة لها لأنها مقيدة بإرادة أعلى .
ويستخدم مصطلح السلطة كبديل للسيادة إلا أن سلطان الدولة يختلف عن غيره من السلطات التي تمتلكها الكيانات الداخلة فى تكوين الدولة والتابعة للسيادة الأم " الدولة " التي لا تتجزأ ولا يحدها إلا الدستور والقانون .
ولقد اختلفت وظائف الدولة بحسب معتقداتها ومذهبها العقائدي والايدولوجيا وظروفها الخاصة ، وبحسب التصنيف التقليدي فان وظائف الدولة تجمل فى: وظيفة الأمن ووظيفة الدفاع ووظيفة العدالة ، إلى جانب الوظائف المستحدثة ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتي فرضتها حقائق الحياة ، وقد أختلف بشأنها بسبب التباين فى المواقف الفكرية ؛ فالمذهب الفردي يرى ترك هذه الوظائف للأفراد وحدهم ، أما المذهب الاشتراكي فيوجب تدخل الدولة لمنع استغلال الأفراد بعضهم البعض ، وهناك الاتجاه التوفيقي الذي يري تفرد للدولة بوظائفها التقليدية ، وأما المجالات الأخرى فتتشارك فيها مع الأفراد .
ووظيفة الدولة فى المجتمع الجماهيري أكثر اتساعا فهو يرفض المذهب الفردي ولا يتفق مع المذهب الاشتراكي الذي يلغي دور الأفراد فى القيام بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، باعترافه بحقهم فى المبادرة والمشاركة بعيدا عن العسف والاستغلال لسمو فكرة الحرية التي تفرض على الدولة التزاما بتهيئة مؤسساتها لتحرير المواطن من الناحية المادية بما يمكنه من ممارسة الحرية .
ولا شك أن وظيفة الدولة تتأثر كذلك بشكل الدولة التي قسمت إلى أنواع عديدة باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها فهناك الدولة صاحبة السيادة والدولة ناقصة السيادة متي خضعت لإرادة أعلى بسبب الاستعمار أو الوصاية أو الحماية ... وغيره ، وقد ينظر للدولة من حيث كيفية ممارستها للسلطة فهي إما أن تكون دولة بسيطة ذات دستور واحد وحكومة واحدة تدير كافة شئونها الداخلية والخارجية ، أو دولة مركبة وتعرف كدولة اتحادية ؛ تنشأ عن اتحاد دولتين أو أكثر بغرض تحقيق غايات مشتركة مع احتفاظ الدول المكونة للاتحاد بقدر من السلطات تضيق وتتسع بحسب نوع الاتحاد بما فى ذلك الحق فى دستور خاص ، على أن لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية .
ووفقا للنظرية العامة للدستور فأنه قانون أسمي وأعلى مرتبة ينظم طريقة عمل سلطات الدولة وكذا علاقة الدولة بعناصرها ، باعتباره منظومة سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ثقافية ،ويعتبر العام 1789م بداية التنظيم الدستوري .ووفق المعيار الشكلي فان وجوده يعتمد على الوثيقة الدستورية وبناء عليه عرف أنه :" مجموعة القواعد والأحكام والنظم المكتوبة التي تحويها الوثيقة الدستورية " ، أما المعيار الموضوعي فيعول على جوهر ومضمون الوثيقة وما تحويه فكل قاعدة قد تكون ذات طابع دستوري ولو لم يتم قولبتها فى دستور أو قانون أساسي بالنظر لطبيعة القاعدة أو الحكم .
ولقد بين المؤلف أن الدستور الذي نشأ فى أحضان الليبرالية الغربية أعطى الاعتقاد بأن الدستور نتاج الديمقراطية يتلازم معها وجودا وعدما ، ولكن إذا بحثنا فى العمق نجد بأن وجوده لم يحول دون قيام أنظمة دكتاتورية كنازية هتلر وفاشية موسوليني ، كما تعاني بعض الدول العربية ممن تتمتع بدستور وفقا للمعيار الشكلي من خلل فى منظومة الحقوق والحريات ، كما قد يعمل الدستور على حماية مصالح الطبقة النافذة فى المجتمع مما استوجب الحاجة إلى مرجعية دستورية .
وقد تنشأ الدساتير بأسلوب غير ديمقراطي كمنحة من الحاكم ، أو بناء على عقد بين الحاكم و الشعب وصورته تتمثل فى صياغة دستور من هيئة منتخبة من الشعب ليعرض على الحاكم ويصبح نافذا بقبوله له ، أما الأساليب الديمقراطية ، أقضت التمييز بين الديمقراطية غير المباشرة حيث تتولى الجمعية التأسيسية التي تنتخب من الشعب صياغة الدستور وإجازته دون الرجوع للشعب ، أو الاستفتاء الدستوري حيث لا يصبح الدستور نافذا إلا إذا أجازه الشعب ، ولقد أوضح المؤلف سليبات هذا النوع من الديمقراطية ، والانتقادات التي توجهها النظرية الجماهيرية على آلة صنع الدستور الذي قد يكون مرنا عندما يكون تعديله ممكنا بالطريقة العادية التي يوضع بها أو يعدل بها القانون العادي فى حين أن الدستور الجامد أو الصلب يتطلب تعديله إجراءات خاصة تتميز بالتشدد .
ولعل أهم النتائج التي تترتب على قاعدة سمو الدستور على غيره من القواعد القانونية يتمثل فى الرقابة على دستورية القوانين التي أوكلتها بعض النظم إلى هيئة سياسة فعرفت بالرقابة السياسية على دستورية القوانين كمجلس الشيوخ ، أو نظام الرقابة القضائية وله صورتان إما رقابة امتناع أو رقابة إلغاء ، ورغم ما يوفره هذا النظام من ضمانة أكبر فأن الجدل بشأنه لم يتوقف كما بين المؤلف .
وفى الرد على التساؤل الذي طرحه هل الدستور ضروري فى الدولة الحديثة ؟ نؤيده فى رأيه القائل بأن دولة بدستور هي أفضل من دولة بلا دستور لأنه يعمل على كبح جماح الحكومات نحو الطغيان وينظم الصراع على السلطة . ومع ذلك يري بان طبيعة النظام الجماهيري قد يلغي الحاجة إلى وجود دستور ؛ لتراجع فكرة جدلية الحاكم والمحكوم .
ختاما نؤكد على أن الدولة فى الوطن العربي التي لم تعرف بعد الاستقرار أو الثبات لأن الدنيا دول التي استخدمها لأول مرة الحسين بن على بن أبي طالب تفيد تبدل الحال بتعاقب الحكام ، و ما من حاكم تولي الأمر إلا واعتبر نفسه ولي الأمر المطلق مما رتب عدم استقرار الدولة بتبدل الحكام . كما وأنه من الضروري أن تكون العدالة التي عبر أوغسطينوس الروماني " [ بأن العدالة وحدها هي التي تميز الدولة عن العصابة ] أحد مقومات قيام الدولة إذ لا يكفي تحقق أركان الدولة إذا أنتفي هذا العنصر ، رغم أن المؤلف اعتبر ذلك فكرة سرمدية مع موافقتي لرأيه لأن انتفاءها لا ينفي قيام الدولة ، ومع ذلك يجب أن ننظر للعدالة بصورة شاملة وكعنصر أساسي لحفظ الأمن المجتمعي فى حال تحقق العدالة الاجتماعية .
علاوة على أن الانتقادات التي وجهها الفقه للمعيار الموضوعي كمعيار للتعرف على القاعدة الدستورية ، مرده خشيتهم من افتئات السلطة التنفيذية وسيطرتها على السلطة القضائية على نحو قد يهدر القاعدة الدستورية التي لم يتم صيغتها فى وثيقة دستورية ، لذلك يجب أن نؤكد على أن ما تضمنته الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان وقانون تعزيز الحرية من الوثائق الدستورية وفقا للمعيار الموضوعي ، وتبقي مساءلة الاختلاف قائمة ولكن العبرة هي بمضمون القاعدة ، وبمدى حرص صاحب الحق على حماية حقوقه التي لم تحل الوثائق الدستورية دون انتهاكها وإهدارها ، خاصة وأن الحقوق المكفولة بحماية القواعد الدستورية أصبحت معلومة بفضل الوثائق الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان ، وتبقي مسألة الاختلاف قائمة لأن غير المتخصص لا يعي بالخلفيات الكامنة وراء الجدل الذي يثار حولها ، ويجد فى الشكل ضمانة أكبر لما قد يتعرض له فى حال هيمنة السلطة التنفيذية على مقاليد الأمور.