المبحث الثاني
المجلس الدستوري ورقابة أعمال
السلطة التشريعية

قرر دستور سنة 1958 ولأول مرة في فرنسا الحق في بحث دستورية القوانين ومدى شرعيتها في ظل القواعد والنظم التي يتضمنها الدستور , أي أن الدستور الحالي اخضع أعمال السلطة التشريعية لرقابة المجلس الدستوري وهذا ما لم يكن يمكن تصوره قبل ذلك حيث كان مبدأ سيادة الأمة وسيادة البرلمان الذي يمثلها من المبادئ التي كانت وحتى ذلك الوقت تتمتع ببعض القدسية والاحترام .

وسوف يشمل هذا المبحث المطالب آلاتية :
1 _ رقابة المجلس على القوانين الأساسية .
2 _ رقابة المجلس على القوانين العادية .
3 _ رقابة المجلس على اللوائح التنظيمية للسلطة التشريعية .
4 _ رقابة المجلس على المعاهدات الدولية .









الطلب الأول
رقابة دستورية القوانين الأساسية

ينص الدستور على أن القوانين الأساسية وقبل إصدارها يجب أن تخضع للمجلس الدستوري وذلك لفحص مطابقتها للدستور , فالرقابة الدستورية هنا تعتبر إلزامية ولابد من اللجوء إليها قبل إصدار القوانين الأساسية , ودعوة المجلس للانعقاد لابد أن تتم عن طريق رئيس الوزراء ولكن هذه الدعوة إلزامية من رئيس الوزراء لكي يمكن إصدار القانون الأساسي فهي رقابة إلزامية ولكنها ليست تلقائية أي لا يلجأ إليها المجلس من تلقاء نفسه ولكن بناء على دعوة إلزامية من رئيس الوزراء لفحص دستوريتها .
فإذا خضع القانون الأساسي لرقابة الدستورية وأعلن المجلس مطابقته للدستور فأنه لا يمكن للسلطة التنفيذية بعد ذلك أن تدعي أن الاختصاصات التي نص عليها هذا القانون تدخل في اختصاصها اللائحي , ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك قوانين أساسية عديدة تم إصدارها بعد تطبيق الدستور وقبل أن يتم تشكيل المجلس الدستوري , ولم تكن هناك إمكانية بعد ذلك لمراقبتها من المجلس حتى ولو بالطريق غير المباشر بمناسبة تعديلها بواسطة قوانين أخرى أساسية والتي تم إصدارها بعد بداية عمل المجلس الدستوري , وذلك لأن هذا الأخير قرر بأن مطابقة هذه القوانين الأساسية للدستور لا يمكن المنازعة عليها .
كما قرر المجلس الدستوري أن نطاق الرقابة على القوانين الأساسية يقتصر على نصوصها وحدها أي عليها وحدها ولا يمكن أن يمتد إلى القوانين العادية حتى ولو كانت هذه الأخيرة شرطاً لازما لتطبيق القوانين الأساسية أو لوضعها موضع التنفيذ .
ويمكن القول أن القوانين الأساسية تخضع لرقابة دستورية القوانين فإذا كانت تتعارض مع الدستور قرر عدم دستوريتها وأصبحت لاغيه , ولكن بعد الإعلان عن دستوريتها فأنه لا يجوز مخالفتها بعد ذلك من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية إلا عن طريق قوانين أساسية .


المطلب الثاني
رقابة المجلس الدستوري على القوانين العادية
يعتبر الاختصاص بنظر دستورية القوانين العادية من أهم الاختصاصات التي يوكلها الدستور إلى المجلس الدستوري , وذلك لأن هذه القوانين هي عمل السلطة التشريعية وهو عمل دائم ومستمر .
فطبقا للدستور فان القوانين العادية يمكن إحالتها قبل التصديق عليها إلى المجلس الدستوري لكي يحدد مدى مطابقتها للدستور وبالتالي فان هذه الرقابة ليست تلقائية وليست إلزامية كما هو الحال بالنسبة للقوانين الأساسية .
ومن هنا يظهر لنا أن رقابة دستورية القوانين في فرنسا هي رقابة سابقة على إصدارها , ولا يجوز كقاعدة عامة ممارستها بعد إصدارها فالقانون لا يمكن المنازعة فيه إلا قبل التصديق عليه وإصداره وليس من حق أي محكمة أن تبدي شكلها أو رأيها في دستورية القوانين التي تصل إليها بعد نشرها في الصحيفة الرسمية .

أولا : رقابة المقترحات والتعديلات لمشروعات القوانين المطروحة أمام البرلمان :
ينص الدستور على انه إذا تكشف للحكومة أثناء مناقشة مشروع قانون أن اقتراحاً أو تعديلاً ( مقدم من السلطة التشريعية ) لا يدخل في نطاق القانون أي لا يعتبر من حق السلطة التشريعية أو يتعارض مع تفويض وافقت عليه قبل, فأن الحكومة يمكنها أن ترفض قبول هذا التعديل أو الاقتراح , وفي حالة عدم الاتفاق بين الحكومة وبين رئيس المجلس المختص (النواب أو الشيوخ ) فان المجلس الدستوري بناء على طلب أياً منهم يقرر في خلال ثمانية أيام هذا الأمر .

ثانيا :ً رقابة دستورية القوانين التي تم التصويت عليها :
طبقا للدستور فان القوانين التي تم التصويت عليها من البرلمان يمكن إحالتها إلى المجلس الدستوري قبل إصدارها حتى يقرر مدى مطابقتها للدستور , وأن النص الذي بعلن المجلس عن عدم دستوريته لا يمكن إصداره أو تطبيقه .
ويجب أن تكون إحالة القوانين بعد التصويت عليها وقبل إصدارها إذا رؤى إحالتها من الجهة المختصة و إلا سقط حقها في ذلك , ذلك لأن النصوص قبل التصويت عليها لا تعتبر قوانين , فالدستور ينص على أن القوانين وحدها هي التي يمكن إحالتها وليس مشروعاتها .
ومن المعروف أن المادة العاشرة من الدستور تحدد تاريخ الإصدار بمدة لا تزيد عن 15 يوما من إرسال القانون إلى الحكومة بعد التصويت عليه ولكن لا يمكن أن نتصور أن رئيس الدولة يصدر القانون مباشرة بعد إرساله إلى الحكومة حتى يمنع الدعوى للطعن فيه بالدستورية من إحدى الجهات , ولكن في الواقع فانه بمجرد الإعلان عن نية الطعن في القوانين بعدم الدستورية فان إجراءات إصدارها تتوقف حتى يصدر المجلس الدستوري قراراً في الشأن إذا ما تمت الإحالة .